المصلحة الإسرائيلية في التحالفات الإقليمية الدولية

السنة الثالثة عشر ـ العدد 154 ـ (ذو الحجة 1435 هـ) تشرين أول ـ 2014 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يقول الكاتب الإسرائيلي زلمان شوفال في صحيفة إسرائيل اليوم، 16/9/2014: خلال عملية الجرف الصامد وبعدها أيضاً، وقف رئيس الوزراء نتنياهو على أهمية العلاقات التي أخذت تنشأ بين إسرائيل والجزء المعتدل من العالم العربي، ولاسيما مصر التي نشاركها في مصالح في الشأن الفلسطيني وفي سيناء وفي مجالات أخرى أيضاً.

وتقوم شراكة المصالح الإقليمية هذه قبل كل شيء على الموقف الموحد في وجه المشروع الذري الإيراني ومطامح طهران إلى الهيمنة، ومكافحة الإسلام السياسي على مذهب الإخوان المسلمين، والذي داعش أكثر التعبيرات عنه تطرفا لكنها ليست الوحيدة، والذي يشمل أيضاً حماس التي تعرض للخطر أساطين وجود أكثر دول المنطقة.

ويضيف شوفال, هناك عوامل أخرى منها خيبة أمل هذه الدول وخوفها مما يبدو لها سلبية بل تجاهلا من إدارة أوباما للأخطار المذكورة، وهذا توجه عبر عنه قوله إن الولايات المتحدة ستنقل محور نشاطها السياسي والأمني من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى. وقد قرأت إسرائيل الخريطة قراءة صحيحة حينما فضلت مبادرة مصر للهدنة في عملية الجرف الصامد على مبادرة قطر وتركيا مؤيدتي حماس، وهي تشارك الدول المذكورة مخاوفها، لكنها لا تريد ولا تستطيع بالطبع أن تدير ظهرها لحليفتها التقليدية الأكثر إخلاصاً، الولايات المتحدة.

من المؤكد أن لإسرائيل اهتماما مبدئيا ومحددا لدفع هذه التحالفات قدما. خاصة أنه قد أنشئ الآن أيضاً حلف تقوده أمريكا لمحاربة داعش، سمي في إحدى الصحف الأمريكية بالاسم الساخر "حلف أولئك الذين يريدون ولا يستطيعون". ومع ذلك ما زالت حليفات أمريكا العربية غير مقتنعة بأن هذا الإجراء يعبر عن تحول حقيقي في سلوك الأمريكيين نحو الشرق الأوسط، ويتبين في هذا الوقت أيضاً أن الولايات المتحدة ستقصر مشاركتها في الحرب على قصف من الجو.

انعكاسات التحالفات الدولية

كما هو معروف حتى الأمس القريب كانت إسرائيل هي العدو الأول لدى العرب والفلسطينيين بوجهٍ خاص، كونها سلبت الأرض الفلسطينية وهجرت سكانها وأقامت الدولة، إلى أن استُبدلت بإيران، بواسطة أمريكية وإسرائيلية، بحجة أنها تخطط لتصدير ثورتها الإسلامية، وصولاً إلى تجديد إمبراطوريتها الفارسية على أنقاض النظام العربي أو بعضه على الأقل، ثم جرى تنشيط مفاهيمهم بشأن إثبات أن الإرهاب الديني (الإسلامي) هو الهاجس الأكبر ضد مصالحهم، والذي تمثله حركات إسلامية كحركة الإخوان المسلمين وحركة حماس والجهاد الإسلامي، وتنظيم حزب الله اللبناني، وفي هذه الأثناء تم إضافة، أن (داعش) – تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام-، هي العدو الأكبر والأخطر بالنسبة لمستقبلهم جميعاً، وبما يليق بأن إسرائيل لم تعُد المشكلة الرئيسة لديهم، بسبب أنهم معنيّون أكثر بحلف، يوقف عنهم مصادر الخطر، وإن كانوا لدفع هذا الخطر سيبذلون تكاليف إضافية.

منذ اللحظة الأولى لدعوة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" للدول- إقليمية ودولية-، من أجل تشكيل تحالفٍ جديد ضد التنظيم، فإن 10 دول عربية سارعت إلى تلبية الدعوة وأبدت استعدادها للمشاركة فوراً في التحالف الأمريكي الجديد، في خطوة إضافية، تمثلت في تكوين التحالف الاستراتيجي بين مصر، السعودية، والإمارات العربية، الكويت، والبحرين ضد الإسلام السياسي، بسبب ما تعتقد به من أن التنظيم يمثل الخطر الحقيقي ضد المصالح العربيّة، والمصالح الدولية بشكلٍ عام، علاوة على انتهاكه القوانين والأعراف الدولية في شأن فرض سيطرته بالقوّة على أراضي دول مستقلة وذات سيادة، وعلى ما يمثله من تشويه لصورة الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى اللين والتسامح وينبذ الغلو والتطرف.

وبلا شك فإن الدول العربية هذه، التي دخلت في التشكيل الجديد تعلم بأن إسرائيل ستكون من أعضاء الحلف البارزين، لاسيما وبعد تحذيرات كثيرة ومطوّلة، ألقى بها كبار الإسرائيليين باتجاه الحكومة الإسرائيلية، والحكومات العربية التي كانت حاضرة تماماً، كي تأخذ على عاتقها بالتصدي لما أسموه بظاهرة التطرف الإسلامي، وتوّج تلك التحذيرات - وكما المتوقع - أن قام رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" بعقد اجتماع خاصٍ تناول فيه مع كبار أركان الحكومة والأمن تهديدات التنظيم، وذلك قبل ساعات من خطاب "أوباما" المتعلق بالخطة الأمريكية لمواجهته، وأكّد تحذيراته مرةً أخرى، خلال الخطاب الذي ألقاه أثناء انعقاد المؤتمر السنوي لمعهد السياسة ضد الإرهاب الذي عُقد في مدينة هرتسليا، حيث ركّز على تلك التهديدات، وربط بينها وبين تهديدات إيران وحركات المقاومة الفلسطينية – على الرغم من أن لا تبديل سوف يطرأ على تشكيلة الخارطة الأمنية الإسرائيلية- واعتبر أن التحالف الجديد في المنطقة هو من صالح دول المنطقة، حيث سيعمل على تنظيف الأخطار الكامنة في التنظيمات السنيّة والشيعيّة على حدٍ سواء، وأوجب على دول المنطقة في ظل التحالف، أن تفحص علاقاتها مع إسرائيل وتفهم أنها حليفة في الصراع ضد العدو المشترك.

صحيح أنّ "نتنياهو" يدعم سِرّاً وعلانيةً التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلاميّة، لكن المُشاهد له ينفي نقصان قلقه، كَوْنه يخشى أن يصرف التحالف الجديد انتباهه عن القوّة النووية الإيرانيّة الآخذة في التقدّم، والتي لا تبدِ أيّة ليونة في مقابل تلك التي تبديها مجموعة الدول (5+1) باتجاهها، حيث لا يوجد رضىً أو اقتناع من المحاولات الأمريكيّة لتهدئته، والتي يُحاول الأمريكيّون تمريرها، لاسيما وأن "أوباما" أكّد في خطابه الأخير، بأنّ المشكلة الأكبر في الشرق الأوسط هي داعش، وليست إيران، وربما قال ذلك بالنظر إلى مشاركتها المحتملة في هذا التحالف، ولكنه أكّد في الوقت ذاته بأن لا يجب على إسرائيل أن تسارع إلى الغضب.

"نتنياهو" وإن نشر قلقه هنا وهناك، فإنه على أي حال لن يخسر كثيراً، بل هو الرابح الأكبر ضمن هذا التحالف، ولكن الذي سيخسر كما في كل تحالف، هم الفلسطينيون الذين ولا شك ستتدحرج قضيتهم إلى الرفوف السفلى، على اعتبار أن هناك ما هو مقدم في هذه المرحلة على أية قضايا، لاسيما وأن القضية الفلسطينية طغت برودتها على حماسة المجتمع الدولي بشكلٍ عام.

منذ حرب الخليج الثانية، (عاصفة الصحراء) في فبراير/شباط 1991، والتي جاءت –تقريباً- عقب جولات تفاوضية فلسطينية مع الأمريكيين، كانت مهمّة تكوين الحلف لمحاربة العراق سبباً في تأجيل أيّة جولات أخرى أو أي حديث عن القضية الفلسطينية، وحتى حينما انتهت الحرب كانت تداعياتها أكبر من مشكلات الحرب نفسها، وتكرر الشيء نفسه، حينما أكّدت إدارة الرئيس الأمريكي "بوش الابن" على أنها ستعمل جهدها من أجل التوصل إلى حلول للقضية الفلسطينية، حالما انتهت من الحرب ضد العراق، عندما تم تأليف التحالف الدولي في شأنها، في أواخر مارس/آذار 2003، وتبيّن أن الوعود كانت كاذبة، ولا ترقى إلى الحد الأدنى من الآمال والأحلام الفلسطينية، على الرغم من أن الكثيرين من السياسيين والخبراء كانوا لا يثقون في تلك التأكيدات.

لكن هذه المرّة، يبدو أن الرئيس "أبو مازن" قد أهمّته مسألة تشكيل التحالف الجديد بشكل جاد، فهو على الرغم من تأييده له، إلاّ أنّه عبّر عن أمله بأن لا يؤثر على القضية الفلسطينية، بعد أن رأى كل الجهود موجهة نحو إتمامه، وزاد من خشيته، أن الجهود تزامنت في الوقت الذي سيقدم مبادرته السياسية (الغير تقليدية) لتسهيل الوصول إلى حل للقضية، على الرغم من علمه بأنها مرفوضة بكل تفاصيلها أمريكياً وإسرائيلياً أيضاً، علاوةً – وهذه مصيبة - أن الإدارة الأمريكية ستعلن صراحةً، بأن ليس لديها من الوقت الكافي، يمكّنها من السعي في خلق مبادرات أو جهود في شأن تحريك العملية السياسية، لاسيما وأنها تحتاج إلى المزيد من التباحث في ضوء انغلاق الأفق التفاوضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحتى في ضوء نجاح التحالف وانتهاء الحرب، فإن هناك محطتين وعرتين في الأمام، وهما اللتان تتمثلان في الانتخابات الإسرائيلية الآتية، والاستعدادات للانتخابات الأمريكية، ويمكن إضافةً أن هناك خشية من توليد تحالفات جديدة.

إسرائيل وموجة "داعش"

وجدت إسرائيل في الآونة الأخيرة "ملفاً" جديداً تقفز عليه، وتتخذه ذريعة جديدة لها، لاستبعاد ملف الصراع الشرق الأوسطي الأساسي؛ القضية الفلسطينية، عن رأس اهتمامات الحلبة الدولية، وهو قضية تنظيم "داعش" وأشباهه، بعد أن فلت من أيديها في السنة الأخيرة ما جعلت منه "ملفاً"، أي المشروع النووي الإيراني. كما أن إسرائيل تحاول استعادة ما اتبعته بعد تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001؛ بربط هذه التنظيمات الأصولية المسلحة بفصائل فلسطينية أو تشبيهها بها، من باب ردع قوى عالمية عن الضغط على إسرائيل للتقدم نحو حل جذري للصراع، ترفضه حكومة بنيامين نتنياهو مطلقاً.

وقد بادر نتنياهو، الأسبوع الماضي، إلى عقد جلسة أمنية، بمشاركة وزراء ورؤساء أجهزة استخباراتية، لبحث ما سماه "احتمالات تغلغل تنظيم داعش" بين فلسطينيي 48. وسبق الاجتماع بيانات إعلامية حول قرار عقد الاجتماع وما سيدور فيه مسبقا، وهو أمر غير مألوف في "قضايا أمنية حساسة"، إلا أن الرسالة التي أراد نتنياهو بثها من هذا التسويق الإعلامي لذلك الاجتماع، هو الادعاء بأن "إسرائيل ليست بعيدة عن تهديد داعش والحركات المماثلة". هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، بث موجة تحريض جديدة مبطنة في الشارع الإسرائيلي ضد فلسطينيي 48، عبر استغلال انزلاق نفر ضئيل جدا من الشبان العرب نحو محاولة الوصول إلى تلك التنظيمات في سورية وحتى العراق، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

كذلك، فإن نتنياهو ووزراء الصف الأول في حكومته، سعوا في الأسابيع الأخيرة إلى تشبيه فصائل فلسطينية بتنظيم "داعش". وهذا تشبيه لا يستهدف "حماس" وحدها رغم تسميتها، بل يستهدف الشعب الفلسطيني برمته، لأنه يبث رسالة مبطنة إلى العالم، مفادها أن لدى هذا الشعب قابلية لاستيعاب تنظيمات مثل "داعش" وغيره، وبما يعني محاولة ردع الرأي العام العالمي عن مساندة القضية الفلسطينية.

وهذا النموذج بالذات رأيناه قبل 13 عاما، في أعقاب تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر)؛ حينما كثّف قادة إسرائيل، وأولهم أرييل شارون، خطابهم الذي يربط بين تلك التفجيرات ونضال الشعب الفلسطيني في أوج "الانتفاضة الثانية" ضد الاحتلال، وبشكل خاص استغلال العمليات التفجيرية التي كانت تقع في المدن الإسرائيلية. وبالإمكان القول إن هذا الخطاب ساهم حينها في ضعف المؤازرة الشعبية العالمية للانتفاضة الثانية، وحملات التضامن العالمية، في الوقت الذي كان الهلع كبيرا في العالم جراء تلك التفجيرات في الولايات المتحدة.

تجد حكومة نتنياهو نفسها، في الآونة الأخيرة، وقد خسرت محاولتها فرض ما يسمى "الملف الإيراني" على رأس الاهتمامات الدولية، واستبعاد القضية الفلسطينية، بادعاء أن هذا الملف هو "الخطر الأكبر على العالم". وهي ما تزال تحاول استعادة هذا الملف، وتسعى بكل السبل إلى التأثير على سير المفاوضات بين دول مركزية في العالم وبين إيران. لكن إلى حين استعادة "الملف الإيراني"، ها هي إسرائيل تجد "ملفا جديدا" تنسب إليه الصياغات ذاتها: "داعش والحركات الأصولية المسلحة هي الخطر الأكبر على العالم"، "كيف يمكن لإسرائيل أن تتقدم نحو حل الصراع، وهي ترى مثل داعش قريبة منها؟".. وغيرها من صياغات.

من الواضح أنه في ظل موازين القوى العالمية القائمة اليوم، تشعر إسرائيل أنها أقوى من أي ضغوط دولية تمارس عليها، خاصة وهي تتلقى الدعم المطلق في القضايا الجوهرية من الإدارة الأمريكية. وحينما تسعى إلى استبعاد القضية الفلسطينية عن رأس اهتمامات الحلبة الدولية، فإن هذا ليس فقط من أجل استبعاد أي ضغوط عليها للتقدم نحو الحل، بل هو أيضا محاولة لإقناع الرأي العام العالمي بأن الصراع الشرق أوسطي لم يعد قضية الشعب الفلسطيني ودولته، بل تنامي تلك الحركات الأصولية المتطرفة المسلحة "والخطر الذي تشكله على العالم".

وكما كانت إسرائيل بحاجة إلى مثل هذا الخطاب في سنوات الألفين الأولى خلال "الانتفاضة الثانية"، فإنها تجد نفسها اليوم بحاجة إلى الخطاب ذاته، بعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في قطاع غزة.

التوظيف الإسرائيلي

نجحت الإدارة الأمريكية في بناء تحالف دولي يضم حوالي 40 دولة في إطار إستراتيجيتها الجديدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وعلى الرغم من كل ما يحيط بهذا التحالف من تناقضات وتباينات في المواقف والمصالح إلا أن الجميع على ما يبدو يجمع حول هدف القضاء على "داعش".

وتقوم الإستراتيجية الأمريكية علىِ مجموعة من الخطوات والإجراءات منها: دعم حكومة وفاق وطني في العراق تشمل جميع الأطياف والتيارات والاتجاهات العراقية تضطلع بترتيب الأوضاع الداخلية والتصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وشن هجمات متواصلة على مواقع "داعش" في العراق وربما سورية كذلك مع أن هذه المسألة إشكالية لأن دولاً عديدة لا توافق على استخدام القوة وضرب مواقع في سورية بدون التعاون مع نظام الأسد خشية تدحرج الموضوع إلى توجيه ضربات عسكرية للإطاحة بالنظام السوري.

كما تشمل هذه الإستراتيجية تجميع المعلومات الاستخبارية عن "داعش"، وتجفيف مصادر تمويله، وكشف طبيعته الإجرامية، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب إليه، وأشياء أخرى تتعلق بتعزيز دور الحلفاء.

وقد استضافت الخارجية الفرنسية مؤتمراً دولياً، مؤخراً، لدعم أمن العراق، حضرته 27 دولة عربية وغربية بالإضافة إلى بعض المنظمات الدولية وقد قرر المؤتمر تقديم الدعم للحكومة العراقية بكل الوسائل اللازمة بما في ذلك تقديم الدعم العسكري اللازم لتمكينها من محاربة "داعش"، والجدير بالذكر أنه تم تجاهل موضوع تنظيم "الدولة" في سورية ربما بسبب معارضة روسيا ودول أخرى للتدخل في سورية. وهذا يؤكد على أن مسألة محاربة "داعش" لا تقتصر فقط على توجيه ضربات عسكرية من الجو على يد قوات التحالف وخاصة قوات الناتو التي سمحت لها تركيا باستخدام قاعدة "انجرليك" الخاصة بالحلف على الأراضي التركية.

وسيترتب على الدعم الدولي قيام الجيش العراقي والبشمركة الكردية بالقتال البري، ولهذا السبب اتخذت الولايات المتحدة قراراً بإرسال جنود وضباط أمريكيين للمساهمة في تدريب القوات العراقية وتقديم الدعم الفني واللوجستي لها.

إسرائيل سعيدة جداً بهذه التطورات لثلاثة أسباب رئيسية: الأول هو تجند العالم لمحاربة الإرهاب التي تدعي إسرائيل أنها تعاني منه، وفي هذا الإطار يشبه نتنياهو حركة "حماس" بتنظيم "داعش" ويحاول الربط بينهما. وعلى الرغم من أن العالم وفي مقدمته الولايات المتحدة لا يساوي بين "داعش" و"حماس" وهذا ما ردت به واشنطن على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ، إلا أن الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية تعتبر "حماس" تنظيماً إرهابياً. وتأمل إسرائيل أن يتطور الموقف الدولي إلى درجة التعاطي مع بعض تنظيمات المقاومة باعتبارها منظمات إرهابية ينبغي محاربتها، أو على الأقل تفهم قيام إسرائيل بمهاجمة قطاع غزة والتنكيل بمواطنيه. ولا بد من أخذ قيام اللجنة المركزية في حزب " الليكود" بالتصويت على قرار العمل على انهيار " حماس" والإطاحة بحكمها في أية مواجهة قادمة تندلع بين الجانبين على محمل الجد في هذا السياق.

ويبدو أن الاتجاه الأكثر يمينية الذي يسيطر على مقاليد الحزب والحكومة والدولة في إسرائيل يريد الاستفادة من المناخ الدولي القائم لتلبية متطلبات إسرائيلية حرصت حكومات عديدة على تلبيتها من خلال سياسة تعتمد على تعزيز واقع الانقسام والخلاف في الساحة الفلسطينية بالحفاظ على حكم "حماس" وتوجيه ضربات محدودة للحركة لإضعافها بحيث لا تهدد إسرائيل، وفي نفس الوقت إبقاؤها قوية بحيث تظل تسيطر على غزة وتقف في وجه السلطة.

أما السبب الثاني فيتلخص في اعتبار إسرائيل أن انشغال العالم بـ"داعش" سيصرف النظر عن موضوع الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي، وهذا صحيح نسبياً، فالمجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة برغم كونه يريد التوصل إلى تسوية لهذا الصراع إلا أنه لا يعتبره أمراً ملحاً مع كل ما يحدث للشعب الفلسطيني من كوارث وويلات. وهذا يبدو أنه ينبع من حقيقة عدم وجود رغبة دولية حقيقية في الضغط على إسرائيل، فما بالنا عندما ينعقد عزم الدول الكبرى على محاربة "داعش" التي هي بالأساس ظاهرة مصطنعة وخلقها من يحاربونها اليوم.

وثالث أسباب الفرح الإسرائيلي بما يحدث هو التصور الذي تولد لدى حكومة نتنياهو أن الفرصة مؤاتية الآن لقيام تحالف عربي- إسرائيلي في وجه الإرهاب والعدو المشترك، وهذا يعني أن إسرائيل تطمح إلى تعزيز علاقاتها مع العالم العربي بغض النظر عن إيجاد حل للصراع، أي تجاوز الخطوط التي رسمتها المبادرة العربية للسلام التي تحدثت عن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967 وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومقابل ذلك وبعده تقوم جميع الدول العربية بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. ومنذ الآن يبشر بعض القادة الإسرائيليين بإمكانية تطور العلاقات العربية- الإسرائيلية، بل أن بعضهم يشير إلى وجود علاقات بدأت تنشأ سراً مع بعض الدول العربية.

وهكذا ترى إسرائيل في تحول الموقف الدولي تجاه "داعش" فرصة سانحة لتجاهل ملف الصراع ومواصلة سياسة الاستيطان وتهويد الأرض الفلسطينية بما في ذلك فرض أمر واقع لتقسيم الحرم القدسي، واللعب على تناقضات الوضع الفلسطيني والفوضى التي تعم مناطق كثيرة في العالم العربي. فماذا نحن فاعلون تجاه ذلك؟ هل نواصل الرقص والفرح بالنصر وننسى كارثة غزة التي بدأت تتسع ليس فقط على نطاق ما يعانيه المواطنون من ظروف معيشية خانقة، بل بفكرة الهجرة التي باتت هاجساً لقسم مهم من شباب غزة؟

الفرصة الذهبية

لما كانت تل أبيب تعي أن التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة "داعش" يحمل في طياته فرصة ذهبية لأطرافه من أجل تحقيق مآرب إستراتيجية تتجاوز هدفه المعلن، فقد هرع قادة الدولة العبرية إلى توخي السبل الكفيلة بإيجاد موطئ لها في هذا التحالف. وباستثناء بعض التحذيرات والتقارير الاستخبارية الاحترازية، يكاد يتفق جل الخبراء والمسؤولين الإسرائيليين على عدم وجود تهديد جاد ومباشر من "داعش" لبلادهم. واعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب عاموس يادلين، تهديد "داعش" كمنظمة جهاد عالمية لإسرائيل لا يختلف جوهرياً عن تهديد تنظيم "القاعدة" الذي تتعايش إسرائيل معه منذ ما يربو على عشر سنوات. وأضاف أنه "في حال قيام داعش بنقل نشاطه من العراق إلى إسرائيل، فإنه سيقع فريسة للاستخبارات الإسرائيلية وطائرات سلاح الجو والسلاح الدقيق المتطور الذي بحوزة القوات البرية الإسرائيلية".

غير أن الخبراء الإسرائيليين أجمعوا على أن هناك خطراً فعلياً آخر يشكله "داعش" على إسرائيل يكمن في إمكانية صرفه الاهتمام الإسرائيلي والعالمي عن أخطار البرنامج النووي الإيراني الذي يمثل تهديداً استراتيجياً حقيقياً على أمن إسرائيل واستقرار المنطقة والعالم برمته.

وعلى الرغم من الغياب النسبي لإسرائيل في خضم التحضيرات للتحالف الدولي والإقليمي ضد "داعش"، لم تلبث مصادر غربية وإسرائيلية أن أكدت أن تل أبيب تحاول بطرق غير مباشرة أن تكون جزءاً من هذا التحالف عبر القيام بدور استخباري مؤثر حيث قدمت حكومة تل أبيب بالفعل للناتو معلومات قيِّمة عن مواقع وقدرات وتحركات التنظيم في سورية والعراق، كما وفرت معلومات استخبارية وصوراً التقطت عبر أقمارها الاصطناعية التجسسية لدعم الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم، والتي أعلن أوباما أن مساهمات الأطراف المشاركة فيها لن تكون عسكرية مباشرة فقط، إنما ستتوزع أدوارها ما بين الدعائي والاقتصادي واللوجستي والأمني والاستخباري.

ومصداقاً لهذا الطرح، نقلت القناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي "شيفا"، عن سفير الولايات المتحدة لدى تل أبيب دان شابيرو، أن البلدين يتعاونان منذ بداية أزمة "داعش" في تبادل المعلومات الاستخبارية حول التنظيم، وأنهما سيواصلان ذلك التعاون ديبلوماسياً وعسكرياً في أعقاب خطاب الرئيس الأمريكي أوباما ليلة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) حيث الذكرى الثالثة عشرة للاعتداء على برجي مركز التجارة العالمي، والذي حدد خلاله معالم إستراتيجيته لمكافحة "داعش" في سورية والعراق. وفي إشارة لا تقبل التشكيك، على اعتراف واشنطن بوجود دور إسرائيلي استخباري في الحرب على "داعش"، أكد شابيرو أن كون إسرائيل شريكاً استراتيجياً محورياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط كفيل بأن يجعل منها ركناً مهماً من أركان الحملة العالمية والإقليمية الراهنة لمحاربة الإرهاب.

بسعيها الحثيث للتعاون مع التحالف الدولي ضد "داعش" وأعوانه من التنظيمات المتطرفة الإسلامية السنّية، تتوخى إسرائيل بلوغ مغانم إستراتيجية عدة على أكثر من صعيد. فمن جهة، تتطلع تل أبيب إلى تفويت الفرصة على طهران وتقويض محاولاتها للمشاركة في هذا التحالف توخياً لترميم علاقاتها مع الغرب وجيرانها العرب بما يساعدها على تقليص فجوة الثقة بينها وبينهم في شأن برنامجها النووي. حيث يتملك الإسرائيليين هلعٌ من أن تفضي أية مشاركة إيرانية محتملة في التحالف الدولي ضد "داعش" إلى صرف أنظار العالم عن البرنامج النووي الإيراني الذي يعد الخطر الاستراتيجي الحقيقي على أمن العالم وأمن إسرائيل، من وجهة نظرهم، أو أن تغري واشنطن والدول العظمى بالتسامح مع إيران في المحادثات المقبلة حول البرنامج النووي الإيراني على نحو قد يسفر عن رفع العقوبات الدولية عن طهران كمكافأة لها على تعاونها في محاربة "داعش".

 ومن جهة أخرى، يحاول الإسرائيليون توظيف "الفزاعة الداعشية"، التي أضحت تحدياً إقليمياً وعالمياً بامتياز، بغية الخروج من دائرة العزلة والاتهام العربي المزمن لها كمصدر للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم أجمع، كونها آخر دولة احتلال يعرفها التاريخ الإنساني.

وتوخياً لذلك، تسعى تل أبيب إلى استغلال فرصة هذا الائتلاف، من أجل الترويج لأساطيرها وترهاتها التي تزعم أنها لا تمثل الخطر الأكبر على العرب والمسلمين، بمقدار ما يشكلون هم تهديداً أعظم على أنفسهم وعلى بعضهم بعضاً، حتى أن حصيلة الخسائر المادية والبشرية لصراعاتهم البينية واقتتالهم في ما بينهم، إنما تفوق بمراحل تلك التي تمخضت عنها مواجهاتهم العسكرية المتوالية وصراعهم الاجتماعي المزمن والممتد مع إسرائيل. وكان لافتاً مدى احتفاء إسرائيل بخطاب أوباما الذي كال الانتقادات للإسلام الراديكالي، حيث أثنت على دعوته تشكيل تحالف واسع لمكافحة إرهاب "داعش".

 باحث في القضايا الإقليمية(*)

اعلى الصفحة