غزة.. والمعجزة

السنة الثالثة عشر ـ العدد 154 ـ (ذو الحجة 1435 هـ) تشرين أول ـ 2014 م)

بقلم: الشيخ خضر نور الدين

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

شكراً أطفال غزة.. شكراً نساء غزة.. شكراً شيوخ غزة.. شكراً للمقاومين الأشاوس الذين أعادوا الأمل والروح إلى الشعب الفلسطيني بتضحياتهم وجهادهم ودمائهم وجراحهم.

لقد سجّل أهل غزة أروع الملاحم والبطولات على الرغم من العدد الكبير من الشهداء وآلاف الجرحى. لم يضعفوا ولم يستسلموا. بل كانوا مطالبين المقاومة بالاستمرار حتى تحقيق المطالب المحقة من رفع الحصار إلى تأمين موانئ بحرية وجوية لحرية التنقل إلى اتساع رقعة الصيد في البحر.

لقد حققوا المعجزة. شعب محاصر على بقعة صغيرة من الأرض. مع تخاذل عربي رسمي على الرغم من انتمائهم للأمة العربية. وفي مواجهة الغرب الداعم للإسرائيلي القاتل والمجرم بل في مواجهة العالم المتواجد في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي خاصةً.

لقد أثبتوا أن الإرادة المخلصة والمحقة أقوى من أي سلاح. وتبقى كلمات ذلك الفتى الغزّاوي "الدم ما بيروح هيك" يتردد صداها في أذني ويتردد في أرجاء العالم العربي والإسلامي.

لم يكن الأمر سهلاً على أهل غزة المتروكين لمصيرهم وقدرهم. كان العالم متفرجاً عليهم وهم يدفنون تحت ركام منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم

والله لو أن ما حصل على أهل غزة حصل على قطيع من الغنم لقام العالم للدفاع عن حقوق الحيوانات، ولرأينا جمعيات الرفق بالحيوان تدعو إلى التظاهر. لقد ذبح الإسرائيلي أطفالاً بعمر الورود وحرمهم من الحق باللعب حتى على الشاطئ هرباً من طائراته ومدافعه فقتلهم وقطّع أجسادهم الغضّة لينثرهم أشلاءً على الرمال.

أكثر من عشرين ألف وحدة سكنية دمّرت والعائلات شرّدت في الشوارع دون ماء، دون كهرباء، دون دواء وبلا مأكل وملبس.

أكثر من خمسين يوماً في حر الصيف تحمّل كل أهل غزة ما لا يحتمل وصرخاتهم كانت أن تبقى المقاومة وتستمر حتى تحقيق الآمال المرجوة. زغردوا لأسر الجندي وهم يعانون الجراح والقتل والدمار والجوع والعطش ونسوا كل معاناتهم.

خرجوا من تحت الركام يرفعون شارة النصر. لقد تحققت مطالبهم وعاد الأمل بحلم استعادة فلسطين كل فلسطين. لأن العدو اندحر وتراجع وهو في عز جبروته رغم الدعم الغربي خاصةً والعربي والدولي عامةً له انكسر. وبان أوهن من بيت العنكبوت.

إن أطفال فلسطين كل فلسطين في الداخل وفي الشتات شاهدوا ما حصل. وتعلموا بعد أن رأوا أن المقاومة قادرة على استعادة الحقوق. وبالمقابل رأوا كيف أن المستوطنين الصهاينة الذين يعيشون براحة وبدعم من كل العالم كانوا يصيحون ويبكون ويضغطون على قياداتهم السياسية والعسكرية. لقد ظهر وبوضوح لأطفال فلسطين أن هذا المستوطن المهاجر الذي جاء إلى الجنة بزعمه نتيجة التحفيز والدعم له بات يشعر أنه جاء إلى جهنم ليتبخر حلمه مفكراً بالعودة إلى حيث كان خائباً.

وبعد هذا كله، أتوجه إلى كل قيادي فلسطيني، إلى كل مقاوم، إلى كل غيور أن يستفيدوا مما حصل في غزة وأن يتأملوا جيداً ولو بنظرة سريعة وموجزة في ما حصل منذ عام 1948، ثم ليتوقفوا عند غزة عام 2004 كيف انقلبت الصورة.

لقد توحدت فصائل المقاومة في غزة ضمن غرفة عمليات مشتركة وتوحدت خلفهم جموع الناس من كل الأطياف ولم ينظروا لا إلى الجامعة العربية ولا مجلس الأمن الدولي ولا الهيئات الدولية، بل اعتمدوا على أنفسهم وأخذوا قراراً بالاستمرار على الرغم من التضحيات والوجع والألم والتعب، فكان لهم ما أرادوا.

لتذهب كل القيادات الفلسطينية إلى توحيد الجهود، مقاومين بالسلاح أو بغيره إلى وحدة الصف ووحدة القرار في مواجهة عدو هزيل وإن ظهر متجبراً بجبروته العسكري والأمني، وإن كان مدعوماً من الغرب المجرم لأنكم أصحاب الحق. وصاحب الحق بصلابته وصموده وجدّّه وجهاده وكفاحه يصل إليه ولو بعد حين.

وخطاب خاص لقيادات المقاومة السياسيين، إياكم وإضعاف المقاومة بالتناحر على قطعة الجبن أو قرص الكعك. فالانتصار الذي تحقق كان لفلسطين ولكل فلسطيني. فلا يستأثرنّ أحد به وإن كان يوجد من هو أقوى من الآخر.

جيد أن تلتفتوا إلى خطابكم السياسي. راعوا فيه الجميع. وابتعدوا عن التراشق ولو بالسياسة ما أمكن. وليكن الحوار الداخلي هو الأساس وإن كان شاقاً ومكلفاً. فالعدو ومن وراءه يراهنون على شق صفوفكم. فالمحتل الإسرائيلي عدو للجميع ويتربص بالجميع ولا يريد لأحد منكم أن ينجح، لا يبغي سوى مصالحه.

ولتكن فلسطين فقط قبلتكم. اتركوا الخلافات العربية ولا تدخلوا فيها. بل كونوا دعاة وحدة لهم من خلال تبيان مخاطر خسارة فلسطين وتمكين العدو الإسرائيلي. واعملوا على الاستفادة من الجميع أنظمة، أحزاب، فعاليات، شخصيات، مؤتمرات وغير ذلك.

إن انتصاركم المعجزة في غزة والمكلف كثيراً، هزّ ضمائر كثيرة وحرّك مشاعر الجميع، ودغدغ آمال اليائسين لتعود إليهم الروح وليحيا الأمل من جديد.

إننا في الوطن الإسلامي والعربي نعوّل عليكم وننظر إليكم. أنتم الأساس لأنكم تواجهون العدو الأساس لكل المنطقة، وبهزيمة الإسرائيلي ننتصر جميعاً.

عفواً إن لم نقف معكم كلنا بمعزل عن الأسباب. لكن قلوب الجميع مشدودة إليكم. وعيوننا تتطلع إلى النور الذي ينبعث من القدس بعد تحريرها. لنذهب إليها حجاجاً وهي أولى القبلتين، أرض المعراج.

بهزيمة الإسرائيلي يهزم كل من أوجدهم الغرب لدعم الإسرائيلي من كل المارقين والخوارج المستفيدين من ضعف الأمة في مواجهة الكيان الغاصب. يعود الإسلام إلى بهائه ورونقه فتحيا العروبة والقيم السماوية.

نعم يا أبناء فلسطين الأبية. يا أبناء غزة والضفة وأراضي الـ 48. أنتم الأمل، أنتم عنوان الوحدة للعرب والمسلمين وليس سواكم. أنتم شعب الجبارين، من تحملتم الصعاب منذ عشرات السنين وبقيتم مرفوعي الرأس. إلى الأمام وإلى نصر جديد، يتبعه نصر آخر... لأننا دخلنا عالم النصر وابتعدنا عن عالم الهزيمة.

ولتتعانق المقاومة في فلسطين مع المقاومة في لبنان وكل العالم العربي فانتصار هذه لتلك وهكذا.

المقاومة في لبنان بدأت بالاستفادة من انتصاراتها.. فكان الانتصار الأول في عام 1985 ثم انتصار عام 1993 في حرب تصفية الحساب أيام رابين على المقاومة، ثم انتصار عام 1996 في حرب عناقيد الغضب، ثم اندحار عام 2000 للإسرائيلي مجبراً دون تحقيق أي مكسب سياسي أو عسكري. ثم هزيمته الشنعاء عام 2006 في حرب الوعد الصادق، لتسجل بعدها المقاومة في غزة انتصار عام 2008 في حرب الرصاص المسكوب، ثم انتصار عام 2012 في حرب عامود السحاب، وأخيراً انتصار آب 2014.

ذكرت هذه التفاصيل لأبيّن الواضح. إن عصر الإسرائيلي بدأ بالأفول، لقد تحطمت صورته وعسكره وانهزمت قياداته وبات الغرب مربكاً ومحرجاً بالدفاع عنه.

إن كل هذا بفعل المقاومة التي لا يفهم العدو الإسرائيلي لغةً سواها، لا يتراجع إلا تحت الضغط ولا يعطي إلا بالقوة.. هذا ديدنه وطبعه.. وأي لغة سوى لغة المقاومة سنخسر من خلالها. فالعالم والهيئات الدولية تقف إلى جانبه.. والدعم الدبلوماسي والسياسي الذي يتمتع به غير عادي ويفوق التصور. بينما مقاومتنا محاربة ومحاصرة حتى من النظام العربي الرسمي ومن غالبية دول العالم الإسلامي.. لأن مصالح هذه الأنظمة مرتبطة بالغرب، وبالتالي حفظ الكيان الإسرائيلي يصبح من مسؤولياتها.

ولنستفد مما يلي:

1- تجربتنا منذ عام 1948 وتخلي الأنظمة العربية عن الشعب الفلسطيني وتراجع الجيوش العربية رغم تسجيلها انتصارات. فلا تنتظروا الدعم منهم.

2- تجربة الدول العربية عام 1967 وخسارة كل فلسطين ومعها سيناء والجولان وأراضي الـ 48 والأردن ومزارع شبعا وكفرشوبا في لبنان، فلا يعوّل عليها.

3- انتصار عام 1973 وكيف تبدو من خلال المفاوضات وخسارتنا لأم العرب مصر بخروجها من الصراع العربي الإسرائيلي بتوقيع كامب ديفيد.

4- تجارب المقاومة في لبنان منذ عام 1983 إلى الانتصار عام 2000 وبعده انتصار 2006، حيث عملت ما بوسعها للتقارب مع الآخرين وركّزت على الحوار الداخلي ووهبت الانتصارات لكل الشعب اللبناني والعرب.

5- تجارب المقاومة في فلسطين من انتفاضة الحجارة عام 1978 إلى انتفاضة الأقصى عام 2002 وكيف خسرنا كل انجازاتها بالسياسة بالمفاوضات العبثية رغم الخسائر والتضحيات.

6- تجارب المقاومة في فلسطين في الأعوام 2008 و 2012 و 2004 كيف تحققت بالصبر والصمود الآمال.

7- وبالمقابل كيف خسرنا جولات المفاوضات التي بدأت من أوسلو وكنا نتراجع في كل جولة عن السابقة حتى خسرنا كل شيء، بينما الإسرائيلي انتزع اعترافاً شرعياً من السلطة الفلسطينية.

لنضع كل هذه الأمور في الذاكرة وعلى أساسها ننظر للأمام.. فالكيان الإسرائيلي يغلبنا بالسياسة وبالمفاوضات ويخسر بالعسكر والمقاومة. وصورته اهتزت عربياً فبات ضعيفا وعالمياًً بحيث بان بأنه قاتل سفاك ومجرم حرب يتفنن في قتل الأطفال والمدنيين.

الكيان الإسرائيلي سقط وانتهى استراتيجياً وبات أوهن من بيت العنكبوت وستسقط معه كل المشاريع الغربية في منطقتنا.

وأخيراً لتبقى دماء أطفال غزة وأشلاءهم نصب أعيننا فلا نخونها ولا نتراجع ولنتقدم إلى الإمام. فالنصر قريب وليكن في علم الجميع أن المحافظة على الإنجازات لا يكون إلا بالوحدة والابتعاد عن الاستئثار. وجيد أن نكون على مستوى شعب غزة العظيم فإن نهاية المشوار باتت قريبة فلا نبعدها.

اعلى الصفحة