لمحات نورانية:
تفكــــروا..

السنة الثالثة عشر ـ العدد 154 ـ (ذو الحجة 1435 هـ) تشرين أول ـ 2014 م)

بقلم: الشيخ حسين زعيتر

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

 

التفكر هو حركة النور في الفضاء الشاسع للعقل بنشأته الخاصّة والفريدة في أصل تكوينه ليفصح عن حقيقة الوحدانية المطلقة والمهيمنة على عالم الوجود المنبعث من نور بهائه وسناه المستفيض من فيضه بالإرادة والمشيئة لانعكاس نوره في مرآة خلقه يظهر بعض جماله وحبه.

وانعكاس النور بما يليق وينبغي يأتي بحسب قابلية القابل واستعداده وفاقد الشروط لا يكون مستقراً ولا مستودعاً لنوره.. وكلٌ بحسبه:﴿َمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾(1)

﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً﴾(2)

الفيض الإلهي ليس منقبضاً ولا منقطعاً بل هو منبسط بانبساط القدرة المستطيلة في كل الأشياء بسعتها وقدرتها واستعدادها للتلقي, والسعة والإحاطة شاملة في عالمي الغيب والشهادة وكل قيد استثناء.. ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾(3).. ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً﴾(4).. فالهوية الإلهية تحت مسمّى الرحمانية وحدانية مطلقة تخضع لها كل المشيئات والإرادات بقاهرية اللطف والأسماء. والوجود منبسط وقائم بها وهي واحدة لا تشاكل فيها ولا انفصام.

والألوهية بهويتها الرحمانية الوحدانية في جوهر العقل تتنافي مع الإثنينية المتجزئة والمتكثرة وإلا انعدمت عقلاً..

ومن خصائصها المتلازمة عقلاً الواحدية الأحدية: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(5).. لأن كل مثل له شبيه والشبيه في ذاته ناقص عقلاً "ليس له منازع يعادله ولا شبيه يشاكله"(6)، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾(7).

فالشبيه والمثل يتعارضان مع الماهية الإلهية إن لجهة الوحدانية حيث لا كثرة معه أو لجهة الأحادية حيث لا كثرة فيه وكل ما دون ذلك فهو منعدم لانعدام الشريك: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾(8). ﴿اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾(9).

فصفات الكمال والجمال على إطلاقها منحصرة في ذاته المقدسة والأسماء الحسنى تجليات لها في الحياة والبقاء بالمفهوم الأزلي وفي الخلق والإيجاد في حقيقة (كن) فيكون وفي الإحسان والإنعام في شمول الرحمة والفيض والكرم الذي لا حدود له: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(10).

فجمع الكمال والجمال والجلال في ذاته المقدسة لا ينافي الأحادية البسيطة ولا يشوبها التركيب مفهوماً أو تصوراً وتعدد الأسماء إن دلَّ فإنما يدل على بساطة الذات المطلقة التي تفيض نوراً ورحمة في تجليات الأسماء في عالم الإمكان. ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾(11). "كان الله حيث كان لا اسم له ولا رسم "(12).

فانحصار الأسماء كلها بجلالة اسم الله تعالى تعبير عن الهوية المطلقة في "هو" والتي لا يعرف كنهها أحد بالإطلاق   "يا هو يا من لا يعلم ما هو ولا كيف هو ولا أين هو ولا حيث هو إلا هو"(13). والحقيقة المطلقة سِرّ الهوية المطلقة في وحدتها وقِدَمِها حيث لا قديم يتقدم عليها ولا متأخر يتأخر عنها. "هو الأول والآخر والظاهر والباطن"(14).

والمعرفة في حدودها المعقولة عاجزة عن الوصول إلى حقيقة كنه الذات المقدسة في حقيقتها المطلقة إلا أن للمعرفة كمالها في حدود الإثبات للذات في آثارها ولطائفها والقادر الذي قدر على فك رموزها في المعرفة والتوحيد هو سيد الموحدين وأمير المؤمنين(ع) الذي فتح الطريق لكل موحد تواق وعاشق في بيانه الذي أنار أبصار قلوب العارفين الوالهين عندما رسم بكلماته أنوار المعرفة بلطائف الحكمة وقال: "أول الدين معرفتُهُ وكمال معرفتهِ التصديق به , وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له, وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه, لشهادة كلِّ صفة أنَّها غيرُ الموصوف, وشهادة كلِّ موصوف أنّه غير الصفة"(15).

إن سلوك الطريق إلى معرفته سبحانه في حقيقة الوحدانية لدى العارفين يبدأ في نفي الصفات واضمحلال التكثرات وانعدامها واستشعار لَذَّة المشاهدة بأبصار القلوب وينتهي في فناءٍ كامل للذوات المتكثرة والأنا المنكسرة والمندثرة في ذاته سبحانه "المتوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده"(16)

                                                             أفلا تتفكرون... 

هوامش

1- سورة النور - آية 40

2-  سورة الأعراف- آية 143 

3 – سورة النور – آية 35

4 – سورة غافر – آية 7  

5 – سورة الشورى – آية 11

6- دعاء الافتتاح

7 – سورة الإخلاص – آية 4

8 – سورة الزخرف- آية 84   

9 – سورة طه – آية 8

10– سورة النحل – آية 16

11 – سورة الإسراء – آية 110

12- ممن كلام لأمير المؤمنين(ع)                     

13- دعاء المشلول

14-سورة الحديد – آية 3

15- نهج البلاغة

16- نهج البلاغة  

 

اعلى الصفحة