الاستيطان بعد 21 عاما على توقيع اتفاق أوسلو

السنة الثالثة عشر ـ العدد 154 ـ (ذو الحجة 1435 هـ) تشرين أول ـ 2014 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يكشف التقرير السنوي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ۲۰۱٤، وهو احدث التقارير في هذا الخصوص عن سرقة صهيونية "علنية" للموارد الطبيعية من الضفة الغربية، خاصة في الأراضي المسماة بالمناطق(ج)، ما يحرم الفلسطينيين من 3.5 مليارات دولار سنوياً موارد تلك المناطق.

ويشير التقرير الذي أوردته نشرة صادرة عن "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان" في رام الله، إلى أن الاحتلال يستولي على 62% من مساحة الضفة الغربية، وهي مناطق وأراضٍ غنية بالموارد الطبيعية، ويمنع الفلسطينيون من استغلالها من أجل الاستثمار، كما يخصص الاحتلال الصهيوني ما نسبته ۳۹% من المناطق "ج" لبناء المستوطنات، وحوّل نحو ۲۰% من المناطق ج إلى معسكرات للجيش، وهي مناطق مغلقة بشكل كامل، ويحظر على الفلسطينيين الاقتراب منها، بينما تم تخصيص نحو ۱۳٪ من المناطق(ج)، لإقامة محميات طبيعية، في ظل تضاعف عمليات بيع وتسويق الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة منذ بداية العام الجاري بنسبة ۸٦٦% مقارنة بالعام الماضي.

وقالت صحيفة "كلكليست" الاقتصادية العبرية: إن ما تسمى "سلطة أراضي إسرائيل" سوَّقت ما مجموعه ۲۳۰۰ وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة منذ بداية العام؛ وذلك بارتفاع لأكثر من ۱۰ أضعاف عن العام الماضي.

وقال التقرير: إن حكومة بنيامين نتنياهو الاستيطانية أرسلت رسالة واضحة وضوح الشمس بأنها ماضية قدماً في مشاريعها الاستيطانية والتهويدية، رغم أنف الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، حتى يتم التعامل معها كمسلمات أو بديهيات لا يمكن القفز عليها في أية "مفاوضات تتعلق بالتسوية المستقبلية".

فخلال أقل من أسبوعين أعلنت حكومة الاحتلال عن مصادرتها ٤ آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية في منطقة بيت لحم جنوب الضفة لصالح توسيع مجمع "غوش عصيون" الاستيطاني في إطار ما يسمى مشروع "القدس الكبرى"، وقرار آخر جديد يقضي بالاستيلاء على ۲۰۰۰ دونم من أراضي تتبع لبلدة يطا في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية أيضاً.

ويؤكد الخبير في شؤون الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة صلاح الخواجا، أن معدل الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة تصاعد بنسبة تزيد عن٦۰% خلال العام الجاري؛ لافتاً إلى أن مواجهته تتطلب إرادة سياسية فلسطينية حقيقية وأن الانتفاضة هي أحد سبل إنهائه أو الحد منه.

واعتبر الخواجا، أن مدينة القدس المحتلة هي الأكثر تضرراً من بين المدن الفلسطينية في الضفة المحتلة جراء سياسة التهويد المستمرة والتي يقوم بها الاحتلال مسابقا الزمن للوصول إلى هدفهم النهائي والكبير المتمثل في السيطرة الكاملة على كل الأراضي الفلسطينية.

وذكر الخواجا أنه حتى توقيع اتفاقية أوسلو كان عدد المستوطنين في الضفة والقدس المحتلتين لا يتجاوز ۱۲۰ ألف مستوطن، ولكنهم الآن وحسب إحصائيات رسمية من المؤسسات المعنية والمتابعة لشؤون الاستيطان وصل عددهم إلى أكثر من ۷٥۰ ألف مستوطن؛ لافتاً إلى أن تلك ليست أرقاماً دقيقة بسبب وجود بؤر استيطانية تسمى بالبؤر العشوائية وتستخدم بشكل دائم أو مؤقت من قبل المستوطنين لم تدخل ضمن تلك الإحصائيات.

المستوطنون يتضاعفون 5 مرات

 لطالما آمنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بمختلف توجهاتها، ومنذ نشأة إسرائيل، بسياسة الاستيطان وسلب الأرض الفلسطينية، والتي شكلت العمود الفقري للدولة العبرية. وفي المفهوم الإسرائيلي، يعمد الاستيطان إلى إحلال اليهود، وإسكانهم في الأراضي التي احتلوها بالقوة العسكرية، وبمصادرة الأراضي جبراً وقهراً، ليحلوا مكان أصحابها الفلسطينيين. وتهدف إسرائيل من ذلك إلى إحداث واقع جغرافي وسياسي جديد، يؤثر في نتائج مفاوضات الوضع النهائي لصالحها، يستفيد منه المفاوض الإسرائيلي، بحيث يستطيع أن يدعي أن الواقع على الأرض لا يسمح له بتقديم تنازلات. وإسرائيل تعمل على جعل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية تشوّه خريطة الدولة الفلسطينية العتيدة، بحيث تقطع أوصال المناطق الفلسطينية، وتعرقل التواصل الجغرافي بينها.

فمنذ توقيع اتفاق أوسلو في 13 من سبتمبر/ أيلول 1993، وإسرائيل تصعّد من وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. ووفقاً لإحصاءات رسمية فلسطينية، ضاعفت إسرائيل عدد المستوطنين منذ الاتفاق حتى نهاية العام 2013 خمس مرات. وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، عام 2000، وصل عدد المستوطنين 210 آلاف، وفي 2012 صاروا 340 ألف. ويتبيّن من ذلك أن إسرائيل استخدمت الحرب والسلام لتعزيز وجودها في الضفة الغربية ومنع أية إمكانية للتوصل إلى السلام.

وحسب مركز الدراسات العربية في القدس، كان عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عند توقيع اتفاق أوسلو 105 آلاف، وفي 2013 بلغوا نحو 600 ألف مستوطن. كما بلغ عدد المستوطنين في القدس الشرقية المحتلة في العام نفسه أكثر من 200 ألف، وهو عدد يقترب من عدد المقدسيين الذي يبلغ 280 ألفاً. وتفيد البيانات نفسها بشأن نسب النمو الطبيعي للمستوطنين في الضفة الغربية، أن هذه النسب أعلى بثلاث مرات من نسبة اليهود في الدولة العبرية، وأكثر من نسبة الزيادة في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث وصلت نسبة النمو في صفوفهم إلى 5.8% عام 2012، في حين تبلغ نسبة النمو الطبيعي في إسرائيل 1.8%، وفي صفوف الفلسطينيين 2.9%، أي ضعف نسبة النمو في صفوف الفلسطينيين، ما يؤشر إلى حجم الاستهداف الذي تتعرض له أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وتصل نسبة تجنيد المستوطنين في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى 61% مقارنة بِـ36% من المجندين في تل أبيب ومنطقتها. وقد رفع هذا الوضع نسبة كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي من المستوطنين إلى 47%، وهو مؤشر آخر على تراجع فرص السلام في المنطقة، وارتفاع مؤشرات الحرب فيها.

وكشفت معطيات فلسطينية، شبه رسمية، الشهر الماضي، عن أن مجموع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية بلغ 503 مستوطنات للعام الجاري، 2014، وأن عدد المستوطنين في هذه المستوطنات يزيد عن مليون. وأوضحت بيانات نشرها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، أخيراً، أن البناء الاستيطاني الإسرائيلي الجديد زاد في الضفة الغربية في 2013 بنسبة 71.23% عن العام السابق له. ووفقاً لهذه البيانات، بدأت إسرائيل في بناء ألفين و534 وحدةً سكنية في الضفة الغربية، مقارنة بألف و133 وحدة في عام 2012. من جهة أخرى، كان هناك انخفاض كبير بنسبة 19% في عدد الوحدات السكنية التي شيّدت في تل أبيب. بينما شهدت القدس زيادة بنسبة 3.4% في عدد الوحدات.

ويذكر أنه في "إعلان المبادئ"، (اتفاق أوسلو)، جرى الاتفاق على التفاوض بالسنوات الخمس التي تلي توقيعه على مناقشة قضايا الحل النهائي، وهي الاستيطان والقدس والأمن والحدود واللاجئين والمياه، تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما تهرّب منه الاحتلال، وعمد إلى سلب الأرض الفلسطينية، ونهبها، لاستكمال مخططاته، من دون الاكتراث بأي اتفاقٍ قد يقود للسلام.

ومنذ الإعلان عن وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، سارعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى نشر مزيد من مخططات التهويد والاستيطان، حيث نشرت "سلطة أراضي إسرائيل" نتائج عطاءات لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنة غيلو، جنوبي مدينة القدس. وبموجب نتائج العطاءات، سيجري بناء 708 وحدات سكنية في المنطقة الغربية من الحي الاستيطاني، جيلو، كما جرى إقرار خطة واسعة لبناء مئات الوحدات الاستيطانية، إضافة إلى ما أقرّ في المناقصات أخيراً، والتي تأتي ضمن المخطط الاستيطاني الذي تطلق عليه حكومة الاحتلال اسم المنحدرات الغربية الجنوبية لمستوطنة جيلو، والذي سيعمل على توسيع المستوطنة باتجاه قرية الولجة الفلسطينية، وأراضي مدينة بيت جالا. وتبلغ مساحة الأراضي التي ستستخدم للمشروع الاستيطاني الجديد 228 دونماً، ومن المتوقع أن تبدأ الشركات العشر التي فازت بنتائج هذه العطاءات المباشرة بتنفيذ تحضيرات البنية التحتية، من أجل المضيّ في أعمال بناء الوحدات الاستيطانية.

وحسب رصد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض، يعتزم المجلس الاستيطاني (أفرات) في كتلة مستوطنات غوش عصيون، إخلاء الموقع الاستيطاني العشوائي، جفعات هادغان، قبل ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بهدف إقامة مساكن دائمة لهم، فيما أعلن عن بناء أكثر من 50 وحدة استيطانية في مستوطنتي جبل أبو غنيم، هار حوما وبسغات زئيف. وسيقام عوضاً عن الأربعين مقطورة سكنية في الموقع خمسين وحدة سكنية، ما يعني زيادة عدد سكان أفرات بنحو 25%. وأصدرت ما تسمى "سلطة أراضي إسرائيل" عطاءات لإقامة 92 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة بسغات زئيف، شمال القدس، كما سيجري بناء مشروع جديد، يتضمن إقامة 142 وحدة سكنية في مستوطنة جبل أبو غنيم (هار حوماه)، وسيبدأ البناء والتسويق في المشروع في الأشهر المقبلة. كما يجري البناء في مشاريع أخرى في المستوطنة المذكورة، تتضمن بناء 60 وحدة استيطانية، ومشروع آخر لبناء 90 وحدة استيطانية، ومشروع ثالث يتضمن 40 وحدة استيطانية، ومشروع إضافي يتضمن بناء 80 وحدة.

وصادق الكنيست الإسرائيلي، أخيراً، على توسيع نطاق رقابة لجان الكنيست على الضفة الغربية المحتلة، بما يتخطى الإشراف على أعمال القائد العسكري الإسرائيلي في المناطق، وفرض السيادة الإسرائيلية القانونية والسياسية عليها، تمهيداً لضمها، ما يعني معاملة مناطق الأغوار والأراضي المصنفة "سي"، كما تعامل مدينة بيسان أو أي مدينة في الداخل، في خطوة غير مسبوقة من نوعها لضم هذه المناطق. كما صعّدت سلطات الاحتلال إجراءاتها التهويدية في القدس، حيث صادقت ما تسمى "بلدية القدس" نهائياً، وبغالبية كبيرة، على إقامة مدرسة دينية يهودية ("مدرسة دينية ـ أور سميح")، في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وحسب المخطط، سيجري بناء المدرسة، المؤلفة من تسعة طوابق، في قلب الحي الفلسطيني، حسب ما تقرر في "اللجنة المحلية للتنظيم والبناء"، بالتوازي مع إقرار نهائي بإخلاء عائلة شماسنة من منزلها في الحي نفسه، بداعي أن الأرض التي أقيم عليها منزل العائلة كانت في العشرينيات مملوكة ليهود.

القدس بعد أوسلو

بعد 21 عاماً من توقيع هذا الاتفاق، باتت المدينة أقرب إلى التهويد والأسرلة بفعل سياسة الاستيطان وبناء الجدار وإغلاق المؤسسات الفلسطينية وفي مقدمتها "بيت الشرق"، في وقت أصبح فيه، المسجد الأقصى في عين العاصفة الإسرائيلية، بسبب ما يتهدده من محاولات للسيطرة عليه، من قبل جماعات التطرف اليهودية الناشطة في مجال بناء الهيكل.

مثل القرار بالنسبة لمنظمة التحرير، مرحلة انتقالية مؤقتة، بحسب ما يؤكد رئيس "دائرة شؤون القدس" فيها أحمد قريع (أبو علاء)، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى وجود "نص صريح بالاتفاق، ألا تتجاوز هذه المرحلة خمس سنوات، وقد أمضينا آخر يوم من مفاوضات أوسلو ليلة كاملة من التفاوض، فإما أن يكون هناك اتفاق أو لا يكون، وفي النهاية وافق على هذه الاتفاقيات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين".

لكن الأوضاع اختلفت تماماً، بعد 21 عاماً، وتحطمت أحلام الفلسطينيين، الذين اعتقدوا أن الاتفاق قرّبهم من قيام دولتهم.

لقد نجحت إسرائيل في تغيير الخارطة الجغرافية للقدس المحتلة، وبعد مرور أكثر من عقدين على هذا الاتفاق، وفق الخبير المختص في شؤون القدس والاستيطان، خليل تفكجي.

فقد ضاعفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، على مدى العقدين الماضيين، أعداد المستوطنين في القدس الشرقية المحتلة، إلى أكثر من 300 ألف مستوطن، بعد أن كان عددهم لا يتجاوز مئة ألف.

كما شيّدت جداراً عنصرياً حول القدس، التي باتت عبارة عن معازل و"غيتوهات"، وأصبح أكثر من 120 ألفاً من سكانها، خارج حدودها البلدية، في حين قفزت المساحة الإجمالية من الأرض التي سيطر عليها الاحتلال، إلى أكثر من 36%، وحددت على نحو كبير المساحات المخصصة للبناء الفلسطيني، في مقابل بناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية، إذ يخطط الاحتلال حتى العام 2020 لبناء 58 ألف وحدة استيطانية، شيّد الجزء الأكبر منها، في العقدين الماضيين.

وفي موازاة تغيير الخارطة الجغرافية للقدس، تغيّرت أيضاً الخارطة الديموغرافية، إذ يواجه المقدسيون زحفاً ديموغرافياً هائلاً من المستوطنين، الذين جرى توطينهم في قلب الأحياء الفلسطينية في المدينة، لتقارب أعدادهم أعداد الفلسطينيين، الذين يواجهون مخططاً يستهدف اقتلاع أكثر من مئتي ألف منهم، بحسب ما يؤكد مدير "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، زياد الحموري لـ"العربي الجديد".

ويوضح الحموري أن "120 ألف فلسطيني جرى اقتلاعهم، خارج جدار الفصل العنصري، فيما ارتفعت وتيرة سياسة التطهير العرقي بحقهم، وجرى خلال العقدين الماضيين، تجريد أكثر من 15 ألف مقدسي من حق الإقامة في القدس". وأشار إلى أن "سياسة الطرد الصامت للمقدسيين، بلغت ذروتها في العام 1995 أي بعد عامين فقط، من توقيع اتفاق أوسلو".

يضاف إلى ذلك أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، طبّقت سياسة اجتثاث وإغلاق المؤسسات الفلسطينية في القدس، خصوصاً بعد اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، وفي مقدمة هذه المؤسسات "بيت الشرق"، وجرى تمديد أمر الإغلاق في شهر أغسطس/آب الماضي. وقد وصل عدد المؤسسات المغلقة منذ أوسلو، إلى أكثر من 60 مؤسسة، وفق مركز "أبحاث الأراضي"، التابع لجمعية "الدراسات العربية" في القدس.

ويقول الباحث في مجال حقوق الإنسان، يعقوب عودة، لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال ضرب بعرض الحائط ما تضمنه الاتفاق بشأن احترام عمل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها في القدس المحتلة، على ما ورد في تعهد وزير خارجية إسرائيل آنذاك شيمون بيريز إلى وزير خارجية النرويج، وبالتالي، بات أي نشاط فلسطيني في القدس، مطارداً وملاحقاً من قبل الاحتلال بذريعة وقوف السلطة الفلسطينية وراءه".

إزاء هذا الواقع، يشعر الفلسطينيون بألم مما يعتبرونه غياب إستراتيجية وطنية فلسطينية حيال القدس، ودعم صمود مواطنيها، كما يقول مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر، الذي كان قد استقال في وقت سابق، من منصبه كوزير للقدس في حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض.

وجاءت استقالة عبد القادر آنذاك، احتجاجاً على عدم تخصيص السلطة الفلسطينية والحكومة التي كان وزيراً فيها للموارد المالية الكافية، التي تحتاجها متطلبات الصمود في القدس، ودعم مواطنيها وتعزيز بقائهم في القدس.

ويصف عبد القادر، الاتفاق الفلسطيني في القدس بالهزيل جداً، في وقت تضخ فيه الحكومة الإسرائيلية سنوياً 1.4 مليار دولار، لبناء مزيد من المستوطنات في قلب القدس المحتلة، إضافة إلى أكثر من 20 مليون دولار تنفق على حراسة المستوطنين في أكثر من مئة بؤرة استيطانية في القدس القديمة، والأحياء المتاخمة لها.

في المقابل، لم يتعدّ إنفاق السلطة في العام 2012 مبلغ 6.4 مليون دولار، على جميع القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية، في وقت يتهدد فيه الانهيار هذه القطاعات، وترزح مؤسسات فلسطينية كبرى تحت طائلة الديون بعشرات ملايين الدولارات.

وحذّر مسؤولون في الوقف الإسلامي في القدس، من الأخطار الكبيرة المحدقة بالمسجد الأقصى، بسبب ما تقوم به سلطات الاحتلال من حفريات، وبناء كنس أسفله وفي محيطه، وما يجري يومياً من اعتداءات.

وهم الدولة وتصاعد الاستيطان

يعتقد المتتبعون للشأن الفلسطيني أن اتفاق أوسلو لم يعد قائماً وما تبقى منه ما هو إلا شكل السلطة الفلسطينية كمحتوى أما المضمون فقد أفرغته إسرائيل من كل مضامينه باستمرار التوسع الاستيطاني وغيره من الانتهاكات اليومية للأراضي الفلسطينية.

وكان من المفروض أن يكون الاتفاق حل مرحلي يؤدي في نهاية الأمر للتفاوض على قضايا الحل النهائي وإقامة دولة فلسطينية، لكن ما حدث هو العكس "فقد تبخرت المكتسبات التي تحققت في السنوات الماضية كالمطار والميناء والممر الآمن بين غزة والضفة".

ويعتقد محللون فلسطينيون أن العودة للمفاوضات الثنائية أمر غير مجدي في ظل التعنت الإسرائيلي على مدار الـ21 عاماً الماضية.

 وهناك إجماع على أن اتفاق أوسلو جاء في ظروف دولية وإقليمية صعبة جداً كانت تمر بها منظمة التحرير الفلسطينية بعد حرب الخليج، والقيادة الفلسطينية كانت ترى انه من الممكن نقل الصراع من الخارج إلى الداخل وهذا الذي حصل.

لكن اتفاق أوسلو كان كله ثغرات لأن أصعب كلمة في الاتفاق كانت (على أن يتم الاتفاق عليه) وكان أمر خطير حدث بالاتفاق لأنه لم يحسم الأمور لأن كل فقرة بالاتفاق كانت هذه الجملة مرفقة فيها وهذا ما جعل إسرائيل وهي الطرف الأقوى بالتنصل من الاتفاق.

إسرائيل تملصت من التزاماتها التي كانت قائمة عليها بأن تنسحب من المناطق المتفق عليها كل 6 أشهر أي بمعدل 18 شهراً لكنها راوغت كثيراً ولكن عندما تم الضغط عليها اضطرت إلى أن تعطي السلطة الفلسطينية مناطق في جنين وبيت لحم.

ويرى محللون فلسطينيون أن اتفاق أوسلو أعطى الفلسطينيين المسؤولية على السكان وسلب منهم الأرض. وذهب كثير منهم إلى المطالبة في الوقت الحالي بالتوجه إلى الأمم المتحدة لتحديد سقف زمني للانسحاب من الأراضي المحتلة، ولكن أن لم يحصل هذا فإن الخيار سيكون حل السلطة الفلسطينية وإعطاء الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية على السكان و بذلك ستتحول المنطقة لجنوب إفريقيا وستشكل دولة ثنائية القومية رغماً عن أنف الاحتلال. ويكاد اليوم يجمع الفلسطينيون على انهيار وفشل اتفاق أوسلو الذي تنصلت منه إسرائيل وظلت السلطة الفلسطينية وحدها ملتزمة به.

ويعتقد الفلسطينيون بعد 21 سنة على توقيع الاتفاق بأنهم يقفون على مسافة أبعد من تحقيق الهدف وهو إقامة دولتهم المستقلة من المسافة التي كانوا يبعدون عنها قبل الاتفاق.

ودليلهم على ذلك سياسة الاحتلال بعد أوسلو، والتي تمثلت في توسيع الاستيطان وأبعدتهم أكثر وأكثر عن تحقيق حلم إقامة الدولة. فإسرائيل سعت جاهدة لفرض سياسة الأمر الواقع من خلال انتقائها لبعض بنود الاتفاقية وتهميشها لأخرى لهذا كان على القيادة الفلسطينية رفض سياستها وعدم السماح لها بتجاوز فترة 5 سنوات التي نصت عليها الاتفاقية الانتقالية.

تصاعد الاستيطان 240%

أشارت الدلائل الاستيطانية سواء في الضفة الغربية أو القدس الشرقية إلى تصاعد البناء الاستيطاني بشكل كبير استغلالًا للمفاوضات التي جرت ما بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومنظمة التحرير الفلسطينية، عقب توقيع اتفاق أوسلو الشهير عام 1993.

وشهد الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967 خلال العشرين عامًا الماضية نموًا تجاوز 240% مقارنة بما كان سائدا قبل توقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية عام 1994.

وبيّن تقرير دوري ينشره مركز "أدفا" الإسرائيلي، مرة كل عامين، أنه خلال العقدين الماضيين، ارتفع عدد الإسرائيليين بنسبة 60%، وأن عدد المستوطنين ارتفع بنسبة 240%. وحصلت وفقًا لتقرير مركز "أدفا" حول انعدام المساواة في تمويل الحكومة المستوطنات على أكبر ميزانيات من الحكومة قياسًا بغيرها.

كما جاء فيه أن "مشاركة الحكومة الإسرائيلية في تمويل سلطات المدن عام 2012 كان بمبلغ 2695 شيكل لكل إسرائيلي في المستوطنات"وفي المقابل، فإن مشاركتها في تمويل سلطات المدن العربية المحتلة عام 1948 التي تعاني من مشاكل اقتصادية وعدم توفر أماكن عمل كانت 2277 شيكل للفرد. وتفيد المعطيات بأن عدد الإسرائيليين وبضمنهم المستوطنون، ارتفع خلال العقدين الماضيين بنسبة 60%، وأن عدد المستوطنين ارتفع بنسبة 240%.

وسجلت المستوطنات الحريدية – الدينية - أعلى نسبة زيادة سكانية وبلغت 376%، بينما هذه الزيادة في المستوطنات غير الحريدية بلغت 80%.

وبدا الموقف واضحاً بميزان الخسارة والربح بعد 20 عاما على اتفاقية أوسلو استطاعت إسرائيل أن تكسب الكثير من اتفاق "صمم لإقامة دولة فلسطينية" في على معظم أراضي هذه الدولة، كما يؤكد مسؤول اللجان المقاومة الشعبية في الضفة المحتلة صلاح الخواجا. وأفاد الخواجا في حديثه عن الاستيطان في الضفة وخطورة ما آلت إليه الأمور على الأرض بأن اتفاق أوسلو كان فرصة لزيادة الاستيطان في الضفة المحتلة والقدس الشرقية.

وتابع  الخواجا: "وما جرى من منذ أوسلو و حتى اليوم أكثر من 650 ألف مستوطن في الضفة الغربية سكنوا بمستوطنات الضفة، وتضاعفت عددها إلى ثلاث أضعاف، و هذا يعتبر تطورا خطيرا و استغلالا لهذه الاتفاقية التي كانت جزءا من مخطط إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية".

واستطرد الخواجا:" قبل أوسلو كان يسكن مستوطنات الضفة 160 ألف مستوطن والآن تضاعف العدد ليصل إلى 650 ألف، وفي سنه 2012 تضاعف الاستيطان ثلاث أضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة، وهو ما يؤكد أن هذه السياسة أصبحت منهجية تجمع عليها كل الحكومات بغض النظر عن طبيعتها.

وتشهد المستوطنات الإسرائيلية حالياً حركة نشطة في بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة حيث حذر غسان دغلس مسؤول ملف الاستيطان في الضفة الغربية، من الاستمرار بتصاعد وتيرة الاستيطان، وطرح المزيد من العطاءات لبناء وحدات جديدة في الضفة الغربية خلال المرحلة المقبلة.

وبيّن دغلس، أن إسرائيل تسعى لمصادرة أكبر قدر ممكن من الأراضي خاصة القريبة من التجمعات الاستيطانية الكبيرة، لتعزيز هدفها الاستراتيجي في مواصلة الاستيطان، كما يحدث في " غوش عتصيون" و " ومعالي أدوميم" جنوب الضفة، ومستوطنة " أرائيل" شمال الضفة. 

ورأى دغلس تصاعد وتيرة الاستيطان في الأغوار الفلسطينية، كونها منطقة حدودية، وتشكل 28% من مساحة الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن معلومات تتحدث عن قصص كارثية في الأغوار من حفر وتغير معالم وعمليات الهدم التي طالت منازل لها مئات السنين خلال الشهور الماضية. 

واختتم دغلس بأن طرح الحكومة الإسرائيلية عطاءات جديدة لبناء وحدات استيطانية في مستوطنة " القنا" المقامة على أراضي أهالي قرية مسحة بمحافظة قلقيلية شمال الضفة، جاء عقب مصادر ما يقارب 4000 دونما من أراضي جنوب الضفة، على الرغم مما أثاره من موجة غضب للإدارة الأمريكية وللعديد من الدول الأوروبية والغربية.  

اعلى الصفحة