غزة.. بين الخلفيات وآمال الانتصار ومخاوف التوظيف

السنة الثالثة عشر ـ العدد 152 ـ (شهر شوال 1435 هـ)آب ـ 2014 م)

بقلم: رامز مصطفى

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

الحرب على غزة، كسائر الحروب التي أقدم عليها الكيان الصهيوني خلال العقود الماضية. هو يُحضر خططه ويعدها مسبقاً وفق ما يتوصل إليه قادته وجنرالاته من عسكريين وأمنيين، ومجموعة الكابينت بدورها تقر وتجدول سلة أهداف هذا العدوان "سياسياً وعسكرياً وأمنياً"، مستغلاً اللحظة التاريخية من أجل تنفيذها.

وليس بالضرورة أن تكون العمليات العسكرية التي تُقدم عليها قوى المقاومة هي وحدها الدافع للكيان وآلته العسكرية لشن عدوانه أو حربه. بل يتخذ منها المبرر والمسوغ لشنها، (مثلما فعلَ شيمون بيريز عام 1996 في عملية "عناقيد الغضب" ضدّ لبنان، وكذلك فعلها أيهود أولمرت في حربه الشهيرة عام 2006 ضد المقاومة في لبنان). بل من المؤكد أن لهذه الحروب ظروفها المتصلة بحسابات داخلية (الانتخابات)، أو باستحقاقات (العملية السياسية والمفاوضات مع المنظمة والسلطة). أو أن تكون الاثنتان معاً الدافع لهذا العدوان أو هذه الحرب. واليوم في الحرب على قطاع غزة تختلط وتتقاطع عندها مسوغات ومبررات شنها واستمرارها  بالنسبة لحكومة نتنياهو بل وقوى دولية وإقليمية، كل الحسابات والمصالح والأهداف القريبة منها والبعيدة.

بعض السذج أو السطحيين يعتقدون من خلال قراءتهم المشهد السياسي بمستوياته الدولية والإقليمية، أن الكيان الصهيوني وحكومة نتنياهو لن تقدم على شن حرب أو عدوان واسع على المقاومة وبيئتها الحاضنة في قطاع غزة، وظاهر الأمر يبدو ذلك على اعتبار أن المنطقة بما يعصف بها من أحداث وحروب وإن تعددت عناوينها يبقى قاسمها المشترك هو إعادة رسم خارطة المنطقة بدولها وأقطارها بما يتوافق والمصالح المتطابقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. تشكل هذه الأحداث الكبرى في المنطقة وضعاً مثالياً يستطيع أن يركن إليه الكيان ويطمئن له، ويجعله طليق اليدين في الإقدام على فرض وقائعه الميدانية على المسار الفلسطيني بعناوينه المختلفة.

وعليه ليس من ضرورة أن يكلف نفسه عناء خوض الحروب والمعارك. ولكن هذا الكيان ورئيس حكومته نتنياهو وائتلافه الحكومي ستبقى المقاومة في القطاع كما في لبنان تمثل خطراً وجودياً مؤرقاً لهم تحديداً بعد انتصار حزب الله في العام 2006، والتي تراكمت عليها الانتصارات التي حققتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في أعوام 2008 و 2012. لذلك هو وفي ظل الانشغال العربي والإسلامي، يستغل هذا الانشغال من أجل توجيه ضربة عسكرية قاسمة للمقاومة في القطاع بهدف ترميم القدرة الردعية لديه والتي تآكلت خلال الثمانية سنوات المنصرمة.

نتنياهو وضالته المنشودة

وجد نتنياهو وقادته من قضية اختطاف الجنود الصهاينة الثلاثة، ومن ثم اكتشاف مقتلهم في الضفة الغربية ذريعة نموذجية في التحريض على الفلسطينيين وحركة حماس على وجه التحديد، التي اتهمها نتنياهو أنها تقف وراء عملية قتل هؤلاء الجنود. نتج عن هذا التحريض الممنهج ضد الفلسطينيين، أن أقدمت مجموعة من المستوطنين الصهاينة على اختطاف الشهيد الشاب المقدسي محمد أبو خضير وحرقه حياً. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل نفذت قوات الاحتلال عمليات اعتقال واسعة طالت المئات من الفلسطينيين من بينهم نواب ووزراء ومحررين في صفقة شاليط وناشطين. هذه الممارسات التعسفية والإجرامية كفيلة في إشغال الضفة نحو تصعيد باتجاه اندلاع انتفاضة ثالثة في كل مناطق الضفة الغربية. ولم تقف الغضبة الفلسطينية عند حدود أراضي الضفة، بل تعداه إلى مناطق فلسطين من العام 1948، والتي مثل تطوراً غير مسبوق، وضع حكومة نتنياهو أمام حقيقة قاسية وخطيرة مفادها أن الفلسطينيين في مدن وقرى مناطق العام 1948 وبعد مرور 66 عاماً على النكبة لا يزال هؤلاء الفلسطينيون متمسكون وأكثر من أي وقت مضى بهويتهم الوطنية الفلسطينية، وبأرض الأجداد والآباء. ولم يتمكن الكيان من تذويبهم أو دفعهم إلى الانصهار في المجتمع الصهيوني. مضافاً لكل هذه القضايا أو العناوين أو الأحداث، انسداد أفق المفاوضات بين المنظمة والسلطة من جانب، وحكومة نتنياهو من جانب آخر. وقد منيت جهود الوزير الأمريكي جون كيري بالفشل الذريع بسبب التعنت الصهيوني ورفضه المطلق أن يعطي السلطة أي مكسب سياسي أو تنازل، على الرغم من كل التنازلات التي قدمها رئيس السلطة في سبيل إنجاح المفاوضات. إلاّ أن نتنياهو ومختلف القيادات في الكيان كانوا ولا زالوا مصرين على أنه يتوجب على السلطة ورئيسها الاعتراف بيهودية الكيان كمدخل إجباري من أجل التوصل إلى تسوية تاريخية بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين. لقد مثلت هذه النقاط في مجموعها أسباباً كافية لينفذ العدو الصهيوني عدوانه الواسع على قطاع غزة. هو من جهة يريد تدفيع المقاومة الفلسطينية الثمن بأثر رجعي عن حربي 2008 و 2012 عله يجد ضالته في تحقيق ذلك، لتشكل المقدمة فيما لو نجح في إلحاق الهزيمة في المقاومة في القطاع، في شن عدوان واسع على لبنان بهدف القضاء أيضاً على حزب الله ثأراً لمسلسل الهزائم منذ العام 2000 وعام 2006. وبالتالي قطع يد الحزب والدول الحاضنة للمقاومة الفلسطينية بهدف منعها من تقديم أشكال الدعم لقوى المقاومة في غزة، وهو المدرك والعارف أن هذه القوى لها اليد الطولى فيما تبديه وتظهره هذه القوى من إمكانيات وتكتيكات عسكرية ردعية في مواجهة آلة القتل والإرهاب الصهيوني. ليكتشف نتنياهو وقادته أن الوقائع اليوم أثبتت عدم القدرة على تحقيق ذلك بسبب الضربات الصاروخية المستمرة والمتصاعدة، والعمليات النوعية في عمق الكيان لرجال المقاومة في عسقلان ومستوطنة صوفا، وتسيير الطائرات من دون طيار من أبابيل 1. والتصدي البطولي لمحاولة الإنزال الفاشلة للبحرية الصهيونية في منطقة السودانية. وهو لأجل ذلك – وعلى الرغم مما يبديه من مكابرة – يستجدي الإدارة الأمريكية أن تضغط من أجل إنهاء القتال والمعارك على جبهة عرضها وطولها مجمل مساحة أراضي فلسطين المحتلة. 

خلفية اتهام حماس

واختار نتنياهو الذهاب في عدوانه على القطاع وأهله، تحت عنوان اتهام حماس وتحميلها المسؤولية عن قتل هؤلاء الجنود الثلاثة. على اعتبار أنه يريد توظيف ما حصل من تطورات دراماتيكية تمثلت في إسقاط نظام الرئيس مرسي في مصر، مما اعتبر سقوطاً لمشروع الإخوان المسلمين في المنطقة بسبب ما تمثله مصر من حضور ووزن في الواقع العربي والإقليمي. وبالتأكيد وقفت العربية السعودية بقوة خلف هذا السقوط. وبالتالي تدحرجت الأحداث وتطورت في مصر على خلفية عزل الرئيس مرسي. واتهام حركة حماس أنها قد دخلت على خط الأزمة وتطوراتها في مصر لصالح تنظيم الإخوان المسلمين. وتحمليها مسؤولية المساس بالأمن القومي المصري. وعلى خلفية هذه الاتهامات تصاعدت حملة لا مثيل لها في تجريم وتخوين وشيطنة حماس في مصر، الأمر الذي نفته الحركة مراراً وتكراراً. والمؤسف أن هذه الحملة طالت الفلسطينيين عموماً. وحمل أهلنا في القطاع النصيب الأوفر لتداعيات هذه الحملة. لذلك أراد نتنياهو القول للولايات المتحدة والغرب الأوربي والعديد من دول الإقليم أنكم خضتم حرباً ضد الإخوان المسلمين، وأنا اليوم أي نتنياهو أستكمل حربكم من أجل القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، الجناح العسكري للإخوان المسلمين. وعليكم أن تجعلوا آلتنا العسكرية تفعل فعلها ضد القطاع من دون أية ضغوط أو إدانات. والمؤسف أن هذا الترويج لاقى رواجاً لدى العديد من الإعلاميين والصحفيين وبعض الفضائيات التي طالبت وبشكل مخزي نتنياهو أن يستمر في عدوانه على قطاع غزة لسحق القطاع بما فيه.

وعلى وقع العدوان، اليوم يظهر الصراع جلياً بين الدول التي تتصدر مشهد البحث عن تهدئة جديدة بين المقاومة والكيان. هذه الدول كل من جانبه يعتبر أن الأوان قد حان من أجل تسديد الفواتير المتراكمة فيما بينها على خلفية أحداث مصر والتي أفضت إلى إسقاط نظام محمد مرسي ومن خلفه مشروع الإخوان في مصر. لذلك أم هذه الدول تسابق الزمن في فرض ذاتها على طاولة التفاوض من أجل تثبيت تهدئة جديدة. في حين أن من يدفع من دمائه وأبنائه هو الشعب الفلسطيني.

وهنا لابد من تثبيت صرخة في أن الدور المصري لم يرتقِ وللأسف إلى مستوى دورها المأمول منها كدولة ذات ثقل ونفوذ وحضور دولي وإقليمي مؤثر بشكل مباشر على مشهد العدوان الصهيوني للجمه ووقفه من ناحية، وفتح معبر رفح بشكل دائم من أجل بلسمة جراح أهلنا في القطاع ومده بكل احتياجاته الحياتية والطبية. حيث كان من الملاحظ بشكل واضح أن القيادة المصرية تأثرت بشكل مباشر في اعتبار أن القطاع هو قطاع إخواني، والمبادرة التي أطلقتها بنقاطها تؤكد الخلفية التي تعاطت من خلالها القيادة المصرية. وهذا ما لا نقبله أو نوافق عليه مطلقاً. قطاع غزة كان وسيبقى فلسطينياً أولاً وثانياً وثالثاً وإلى يوم الدين. وفي المقابل لا نوافق أن يشكل هذا القطاع الصامد والمقاوم، أو أين من مكوناته السياسية أو الوطنية خاصرة معادية أو مهددة للأمن القومي المصري . وحماس في هذا المعنى هي جزء من الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من خلافنا الحاد معها حول الموقف من سورية وما تتعرض له من عدوان كوني بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية وقوى المقاومة في المنطقة وحماس أحد أسباب هذه الحرب المشنة على سورية بسبب احتضانها للحركة وقياداتها. نجد أنه من غير المقبول السماح لنتنياهو أن يحقق هدفه في القضاء على المقاومة حيث حماس من مكوناتها الرئيسية. تحت ذريعة أنه يقاتل ويحارب ما يسميه الذراع العسكري للإخوان المسلمين في القطاع الذي يدفع من أبنائه وأرزاقه الفاتورة الأعلى جراء هذا العدوان.

السلطة دون المطلوب منها

 وفي المقلب الأخر وعلى الضفة الأخرى والمتمثل بالسلطة ورئيسها، أيضاً المواقف ومنذ ما قبل بدء العدوان، وخلال واقعتي الجنود الصهاينة الثلاثة ومقتلهم. وحرق الشاب الفلسطيني أبو خضير حياً على يد مستوطنين. المؤسف أن هذه المواقف للسلطة ورئيسها لم تتسم بالمسؤولية ولم ترتقِ إلى مستوى تحمل هذه المسؤوليات، على اعتبار أنها سلطة مسؤولة عن حماية الشعب الفلسطيني في الضفة من جرائم الاحتلال. بل هي تصرفت على نحو مغاير لهذا الدور. فهي لطالما شددت على تمسكها بالتنسيق الأمني مع الكيان، وساهمت وحتى الآن في منع الانتفاضة الثالثة بشتى الطرق والوسائل. هذه الانتفاضة التي أصبحت إرهاصاتها في أعلى مستوى من الاحتقان جراء ممارسات وجرائم الاحتلال المتواصلة في الضفة وليس آخرها جريمة حرق الشهيد أبو خضير من مخيم شعفاط في القدس. والتي شكلت أيضاً من جملة الأسباب التي حملت حكومة نتنياهو في الهروب نحو العدوان على غزة قطعاً في الطريق على هذه الانتفاضة " وقد قال المعلق العسكري في صحيفة - يديعوت أحرنوت - بن يشاي، إن حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير قد يسبب في اشتعال جبهة الضفة الغربية بشكل غير مسبوق، مشيراً إلى أن اشتعال هذه الجبهة يمكن أن يقلب الموازين رأساً على عقب ". بالإضافة لاستفحال الاستيطان وتهويد القدس. إن مشاركة رئيس السلطة في مؤتمر السلام الذي عقدته صحيفة هآرتس العبرية وتصريحاته أمام المؤتمر في تسجيل مصور. مثل خيبة أمل لدى جموع الشعب الفلسطيني بسبب أن المؤتمر تزامن مع العدوان على القطاع. بالإضافة إلى ما اعتبر أنه المسكوت عنه في جريمة المستوطنين بحق الشهيد أبو خضير.

وفي خطوة اعتبرت كشف لظهر المقاومة في القطاع، بادرت حكومة التوافق الوطني برئاسة الدكتور الحمد الله إلى الموافقة على المبادرة المصرية الملتبسة، والتي اشتم من خلالها أنها صيغت بما يريح الاحتلال وحكومة نتنياهو، ويساوي بين المعتدي الصهيوني، والمعتدى عليه الشعب الفلسطيني.

هذه الموافقة من قبل السلطة عبر حكومة الحمد الله أتت على خلفية أن المبادرة المصرية قد تمت مشاورتها وأخذ رأيها وموافقتها قبل الإعلان عنها. والمسوغ المصري أن السلطة هي المرجعية الرسمية بعد أن تمت المصالحة وشكلت حكومة التوافق الوطني.

المبادرة المصرية وسباق التصعيد والتنفيذ

فجأة ومن دون مقدمات قفزت المبادرة المصرية ليتم التداول بنقاطها عبر وسائل الإعلام، مما تسبب من خلق حالة من الهرج والإرباك السياسي، وتشويش غير بريء على فصائل المقاومة وهي في غمرة تصديها لهذا العدوان الهمجي والبربري. وكأن المقصود من نشر المبادرة وبهذه الطريق هو فرض الأمر الواقع على الفصائل الفلسطينية المقاومة للقبول بها كما هي ومن دون أي نقاش مسبق لها. إما القبول بها كما هي، وهي التي يشوبها الكثير من الثغرات ووضع علامات الاستفهام حولها وعليها. وإما تحميل فصائل المقاومة مسؤولية مواصلة الحرب على غزة في خطوة تبرير وبراءة ذمة لنتنياهو وآلة قتله. الأمر الذي دفع حماس والجهاد ومعهم بقية الفصائل إلى إبلاغ الجانب المصري رفض الفصائل لما جاء فيها من نقاط أقل ما قيل فيها أنها إذعان، وكونها بنيت على تفاهمات العام 2012، والتهدئة مقابل التهدئة، ووضع المعتدي الصهيوني والمعتدى عليه الشعب الفلسطيني في سلة واحدة. ومما زاد في الشكوك أن حكومة نتنياهو سارعت إلى تأييدها. والإدارة الأمريكية أكدت أنها اطلعت على نقاطها وأيدت ما جاء فيها، وهكذا فعلت السلطة الفلسطينية.

وعلى وقع السجال حول المبادرة، ومحاولة استثمار البعض الإقليمي استغلال ما جرى، وصل رئيس السلطة إلى القاهرة للقاء الرئيس السيسي والقيادة المصرية، وكذلك التواصل والاجتماع مع الأخ موسى أبو مرزوق المتواجد أصلاً في القاهرة، التي وصلها على عجل الأخ زياد نخالة نائب أمين عام حركة الجهاد الإسلامي بهدف التوصل إلى اتفاق جديد بشأن التهدئة. وتزامن ذلك مع تواجد وفد أمني صهيوني ترأسه إسحاق مولخو مدير مكتب نتنياهو، وهو بدوره يجري مباحثات مع القيادة المصرية بشأن التهدئة في قطاع غزة.

وفي تطور اعتبرته الخارجية المصرية لا يصب في مصلحة البحث في الجهود الهادفة لتثبيت التهدئة، أعلنت حكومة نتنياهو بدء عملية عسكرية برية ضد القطاع يرى فيها المراقبون أنها تهدف إلى التأثير في مجرى المباحثات الجارية في القاهرة، وإرغام حماس والجهاد والفصائل على خفض سقف المطالب الفلسطينية لصالح رفع سقف المطالب "الإسرائيلية". وإلى حين نضوج تهدئة نرفض أن تكون بأي حال من الأحوال على حساب شعبنا الفلسطيني وتضحياته، وبما يحفظ المقاومة. يجب أن يتطور الموقف المصري الذي نتوق إليه باتجاه ألاّ يتخذ من دوره وموقعه دور الوسيط، بل عليها الانحياز إلى جانب قطاع غزة بأهلها ومقاومتها. 

الإحباط الفلسطيني لا يدفعه للكفر

ومع دخول العدوان الصهيوني أسبوعه الثاني من الواضح أن الشارع الفلسطيني عموماً وأهلنا في القطاع ينتابهم شعور مختلط من الإحباط وخيبة الأمل، يصل حد الصدمة من حالة التخلي التي يبديها الشارعين العربي والإسلامي بمستوييه الرسمي والشعبي إلاّ ما رحم ربي لمشاهد المجازر المرتكبة على أرض القطاع ونزفه المتواصل، وكأن القطاع ليس فلسطينياً أو عربياً وأهله من "المسلمين السنة بحسب التصنيف المذهبي البغيض". بل نجد لدى البعض وعلى خلاف عدوان 2008، بدأوا يجاهرون بإظهار العداء للمقاومة في القطاع، وهناك من هو في الموقع المتشفي وغير المبالي لما يحصل. بل والأسوأ هذا الإعلام غير المكترث بما يجري من عدوان على القطاع، وفي أغلبه غائب وخصوصاً المرئية منها "الفضائيات" حيث تبث برامجها المعتادة. ومن باب الإنصاف فإن قناة الميادين الوحيدة التي انبرت وتقدمت كل الفضائيات لنقل دقائق العدوان أولاً بأول، وهذا يسجل ويحفظ لها. ولكن وعلى الرغم من قسوة هذا المشهد الخليط العجيب فإن المقاومة الفلسطينية وجمهورها تمكنوا من تلقين العدو الصهيوني وجنرالاته وضباطه وقياداته وفي المقدمة منهم نتنياهو وحكومته درساً قاسياً من خلال الرد القوي والمفاجئ لقوى المقاومة في جعل الأراضي الفلسطينية المحتلة كلها تحت نيران صواريخ المقاومة الفلسطينية.

هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الشعب الفلسطيني ومقاومته وهم المتنبهون أن ما يجري في المنطقة من أحداث تقف ورائها الإدارة الأمريكية وحلفائها، الهدف المطلوب منها الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية من أجل تصفية القضية المركزية لهذه الأمة.

وعليه فإن المحاولات البائسة للنيل من إيماننا بأمتنا العربية والإسلامية، والإيقاع بيننا وبينها وهم لن يجد طريقه لدى الشعب الفلسطيني، الذي وعلى الرغم من الألم يعتز بعروبته وبأمته ومتمسك بهذا العمق. وعلى الدوام كان الرهان على شعوب هذه الأمة لا نُظمها السياسية. لأن الحبل السري الذي يربطنا كفلسطينيين مع شعوب أمتنا هي تلك القوافل الطويلة من الشهداء السوريين واللبنانيين والمصريين والعراقيين والليبيين والتونسيين والسودانيين والأردنيين والجزائريين واليمنيين.. الخ والذين سقطوا في سبيل فلسطين وعلى طريق تحريرها من دنس المحتل الصهيوني.

خاتمة

وإذا كان من خاتمة لهذه المقالة أقول إن انتصار المقاومة في فلسطين اليوم هو انتصار لمشروع المقاومة في الأمة. وبالتالي يجب أن يؤسس عليه إعادة في تصويب البوصلة نحو فلسطين قضية العرب المركزية. وإذا كنا لا نخشى على المقاومة الفلسطينية وشعبها الصامد، فإننا نخشى ما يُدبر لها في كواليس السياسة التي تُعقد في غير عاصمة، أن تكون على حساب المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني فتُهدر تضحياته ودماء أبنائه في زواريب ودهاليز المكاسب الفئوية الضيقة. وبصوت مرتفع إنني أخاف من اليوم التالي لدخول التهدئة حيز التنفيذ، كيف ستوظف نتائج الانتصار؟ ومن المستثمر لهذه النتائج؟ وفي أي سياق سيتم توظيف هذه النتائج ؟.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى أطرح السؤال المشروع، وفي ظل السعي لتغييب قوى ودول مؤثرة في الحيز الإقليمي على صلة بما يجري على أرض قطاع غزة، هل سنجد أنفسنا أمام قرار أممي جديد يحمل الرقم 1701 وهذه المرة في شقه الفلسطيني؟.

اعلى الصفحة