حفل تكريم سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي

 

السنة الثالثة عشر ـ العدد 151 ـ (شهر رمضان 1435 هـ) تموز ـ 2014 م)

نشاطات حزيران 2014

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

أقام تجمع العلماء المسلمين حفلاً تكريمياً لأمين عام مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي في مركزه الكائن في حارة حريك، حضره حشد من العلماء . وقد ألقيت بهذه المناسبة كلمة لرئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين سماحة الشيخ حسان عبد الله وكلمة لسماحة آية الله الشيخ الآراكي.

كلمة سماحة الشيخ حسان عبد الله:

سماحة الشيخ محسن الآراكي أمين عام مجمع التقريب بين المذاهب، حادثة مهمة في تاريخ تجمع العلماء المسلمين في لبنان لأننا نشترك مع مجمع التقريب بين المذاهب في أغلب الأهداف إن لم يكن كل الأهداف، ونحن نعمل سوياً من اجل رفعة الإسلام وعزة الإسلام، الإسلام المحمدي الأصيل، دين الرحمة ودين الرأفة ودين العدالة ودين السماحة، لا دين القتل والتكفير دين الدعوة إلى سبيل الله بالموعظة والحكمة الحسنة، الدين الذي يقرب ولا يبعد، الدين الذي هو الإسلام لا السنة ولا الشيعة،  السنة والشيعة مذاهب محترمة ولكنها طريق للوصول إلى الإسلام وليست هي الإسلام، فعندما نعمل بمذهبنا فإنما نعمل لتطبيق هذا الدين، هم يريدوننا فرقاً متفرقةً متشتتاً متقاتلة والإسلام يردنا أن نكون أمة واحدة، فلماذا يعمل البعض على تحقيق أهداف عدونا، في لبنان وكما رأيتم من خلال الفيلم الذي عرضناه تأسس تجمع العلماء المسلمين إبان الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وقتها كنا في طهران واجتمع العلماء وقرروا فيما بينهم انه لا يمكن أن نواجه العدو متفرقين وأنه لا بد من أن يشد بعضنا أزر بعض ونحمي بعضنا الأخر، وأن نكون يداً واحدةً على سوانا، أن نكون أمة تواجه عدوها وتسعى من أجل تحرير أرضها، وبوحدتنا انتصرنا وحققنا الانتصار في العام 2000، وعدونا التفت إلى أن أهم واحد من أسباب انتصرنا هي هذه الوحدة، فعمل من خلال مراكز دراساته وبالأخص من خلال ما حصل في مؤتمر هرتزيليا التاسع والعاشر والحادي عشر على أن يدرس حالة الانتصار هذه مستنبطاً عن أسباب هذا الانتصار، وثبت معه أن هذا الكيان الصهيوني الغاصب ذاهب نحو الزوال وأن الطريق الوحيد لبقاء هذا الكيان هو أن نعمل كما يقول الصهاينة على هذه الفسيفساء التي حولنا من اجل إيقاع الفتنة بين مختلف أطياف الشعوب التي تحيط بفلسطين المحتلة، يتقاتل العربي مع الكردي والعربي مع الفارسي والعربي مع التركي وأن يتقاتل السني مع الشيعي، والمسيحي مع المسلم، ففي مصر المسلمون يقاتلون الأقباط و الأقباط يقاتلون المسلمين، في العراق الكردي يقاتل العرب والعربي يقاتل الكردي والسنة تقاتل الشيعة والمذاهب الأخرى، يريدون أن يوقعوا الفتنة بين أطياف الشعوب المحيطة وهم قالوا إن أهم فتنة يجب أن نسعى إليها هي الفتنة بين السنة والشيعة باعتبارهما القواتان اللتان تشكلان عزة هذه الأمة فإذا ما اختلفوا كانوا سبباً في فشل هذه الأمة ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ﴾.

 لذلك عملنا ونعمل نحن في تجمع العلماء المسلمين وعمل الإخوة في مجمع التقريب بين المذاهب بشكلٍ دؤوب لمنع حصول هذا الشيء، لمنع حصول هذه الفرقة وحتى أنهم اخترعوا في مكان لا توجد فيه سنة وشيعة اعتبارات أخرى للفرقة وقالوا في مؤتمراتهم وماذا سنفعل في فلسطين حيث لا سنة وشيعة، قالوا نقول إن حماس هي رأس المشروع الصفوي الإيراني الفلسطيني، وابتدأوا يقولون في بعض المسيرات هناك شيعية شيعية، العمل على التفريق. نحن نعمل وبمساعدة ومعاونة الإخوة في قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إعادة اللحمة وتجاوز أخطاء إخوتنا، نحن نريد أن كل من أخطأ في المرحلة الماضية خصوصاً إبان الأزمة السورية وأراد أن يرجع إلى حظيرة المقاومة فأهلاً به مقاوماً ولا أهلاً به مفخخاً ومفجراً، فليعودوا إلى حظيرة المقاومة وهم إنشاء الله سيكونون معنا يداً واحدة إن حصلت مصالحة حقيقية، وحتى بغض النظر عن كل ما يحصل اليوم من انطلاق سياسي والتطورات التي حصلت في مصر، نحن لا نعمل على أساس إساءة الظن ولكن لا نريد أن ننجرف في عواطفنا، إن أحسنوا فنحن معهم وإن أساءوا فلن نسد عليهم. وإحسانهم يكون بتبنيهم للمقاومة وبتبنيهم لتحرير فلسطين وبإلغائهم لا بمراجعتهم لكامب ديفيد. أما مع إيران فنحن معها بلا حدود ولا شروط لأنها الإسلام، الدولة التي صمدت وصبرت وانتصرت بفضل تمسكها بهذا الدين الحنيف. أترك الكلام لسيد الكلام لسماحة الشيخ محسن الآراكي فليتفضل.

كلمة آية الله الشيخ محسن الآراكي:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾.

بداية أقدم شكري للإخوة في تجمع العلماء المسلمين وعلى هذا اللقاء المبارك إنشاء الله. وأبدأ بالآية التي تحدد لنا إستراتجيتنا سواء فيما بيننا أو في مواجهتنا للآخر.

هنالك آيتان أحدهما هذه الآية والثانية في سورة النور تكمل الأخرى أو تفسر الأخرى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾. الآية الأولى تفسر الإيمان وجماعة المؤمنين إيجابياً، وهذه الآية تفسر جماعة المؤمنين من ناحيتها السلبية، من هو المؤمن ومن هو غير المؤمن، المؤمن من قال آمنا بالله ورسوله، يعني بكل الجهاز الكياني لله سبحانه. نحن أساس خلافنا مع الآخر في نفور الغرور، من هو الله؟ هل نفهم من الإيمان وجود عجوزاً تاريخياً مضى وجود تاريخه وعمله والتحق بالتاريخ ولا يستحق منا إلا أن نحترمه ونجله أحياناً من هو هذا الإله الذي نؤمن به؟ هو أن الإله الذي نؤمن به هو الآمر الناهي الحاكم الذي يدير الحياة كلها ويدير العالم كله ويدير عالم  الوجود كله، كيف نفهم الإله؟ نحن نفهم الله سبحانه نفهم الإله على أنه هو الحاكم الآمر له الخلق والأمر، ربك يخلق ما يشاء ويختار هكذا له الخيار﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هذا هو الذي نقوله في مفهوم الإله والحاكم والآمر والناهي وله جهاز إدارة، جهاز إدارته ملائكته وكتبه ورسله هذا هو الجهاز الذي به يدير الله سبحانه وتعالى عالم الخلق. ملائكته يدير به عالم الخلق التكويني وكتبه ورسله يدير به عالم الخلق والتشريع أو عالم الخلق الاختياري الذي يعمل باختياره. هنالك حاكم وهنالك وطن فهذا الحاكم والوطن وكل عالم الوجود كل هذا العالم وكل هذا الحكم، وهنالك جهاز لهذا الحاكم يحكم به ويدير عالم الخلق الذي هو ملائكته وكتبه ورسله، وهنالك حكومة إلهية أسسها الله سبحانه على يد نبينا محمد (ص) وهو في اعتقادنا وفي مفهومنا لتفسير قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ﴾ والحديث هنا، لا يسعنا أن نفصل الحديث لكن هنالك أكثر من دليل يدل على أن هذه الخليفة يراد بها محمد رسول الله(ص) لأنه هو الخليفة الكبرى، وآدم والنبيون الذين تبعوه كلهم يمثلون القيادات التمهيدية لهذا القائد العام الذي بشر الله سبحانه وتعالى به عالم الخلق وعبر ملائكته. بشر به أن هنالك حدثاً كبيراً عظيماً، سوف يأتي بافتعال الخلق وهو ظهور هذه الخليفة الكبرى التي تنوب عن الله سبحانه وتعالى في عالم الإدراك، وهو الخليفة الذي له طاعة مطلقة بعد الله سبحانه وتعالى، وكل النبيين الذين سبقوا هذه الخليفة  كلهم نواب عن هذه الخليفة، نواب يمهدون له، ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ في اعتقادنا الذي لا يختلف فيه المسلمون أن عيسى على نبيه وآله عليه السلام الذي عبر الله عنه أنه مبشر برسالة محمد(ص) هو مبشر لرسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، هذا الرسول المبشر يمثل قافلة النبيين في نصرتهم لهذا الخليفة الكبرى، وإنما ينزل عيسى من السماء في آخر الزمان كي يفي بهذا الميثاق نيابة عن النبيين جميعاً ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ﴾ وهو نبينا محمد(ص) لأنه هو المصدق لما مع النبيين أجمعين، وقد عبر القرآن الكريم أكثر من مرة عن هذا الرسول أنه (مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ) مصدق لما مع النبيين. كل الأنبياء كانوا مؤمنين بهذا النبي ومبشرين به وممهدين له وقد أخذ الله منه الميثاق على نصرته (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)، ثم ينزل عيسى من السماء في آخر الزمان لكي ينصر هذا النبي، بنصرته لخليفة هذا النبي ذلك المهدي الذي بشر به نبينا محمد(ص) وهذا ما يتفق عليه المسلمون جميعاً لا يختلفون فيه أنه يظهر في آخر الزمان رجل من بني هاشم من آل نبينا محمد (ص) به يحقق الله الوعد الذي وعده في كتابه ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ﴾ به يحقق الله الوعد وينصره في تحقيق هذا الوعد، آخر نبي قبل محمد(ص) ممثلاً عن قافلة النبيين الذين سبقوه لكي يحقق الله سبحانه وتعالى هذا الوعد ولكي يفي النبيون بميثاقهم هذا ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ لولا أن هذا النداء وميثاق مصيري لكل العالم لكل عالم الخلق لما أكد عليه القرآن العظيم مثل هذا التأكيد المبالغ فيه، فهنالك جهاز، نحن نعيش في وطنه هو وطن الله سبحانه وتعالى، هذا الوطن تحكمه أجهزة لتنظيم هذا الوطن الكبير ونحن المستوطنون في هذا الوطن الكبير وهم عباد الله الذين يطيعونه.

نحن في اعتقادنا أن الوحدة الحقيقية بين المسلمين لا يمكن أن تتحقق إلا إن يرجعوا إلى حكم الله سبحانه وتعالى وإلى طاعة القيادة الإلهية التي تنم عن رسول الله(ص) بغض النظر عن أن هذه القيادة الإلهية كيف تنتخب، كيف تعين، لا وإنما نقول هنالك ضرورة دينية إسلامية شرعية، هذه الضرورة تقول يجب على المسلمين أن يطيعوا الرسول يعني أن يطيعوه كحاكم لا أن يطيعوه كمشرع ، لا يطيعوك كمشرع ومقنن وإنما يطيعوك طاعة الحكم ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ يعني في قواعد جزئية، (لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ) حتى يحكموك أنت كحاكم وكقائد وكإمام مطاع ينظم المجتمع البشري ويديره، هذه الآية آية تنص على أن الرجوع إلى الرسول لا بد أن يكون رجوعاً فقرة جزئية لا كالقضايا الكلية التي نصت عليها الروايات والأحاديث وحسب. آيات الكتاب وحديث نبينا محمد(ص) الذي نعبر عنه بسنة رسول الله(ص) إنما تعطينا وتعلمنا الكبريات والكليات لا نستطيع أن نطيع محمد(ص) إلا إذا اطعناه في فيما نختلف فيه، في كل ما نختلف فيه ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ﴾ كل هذه الآيات تنص على أنه لا بد من وجود قيادة حاضرة هذه القيادة توحد كلمة المسلمين تكون طاعتها طاعة محمد(ص)، حتى تتم إطاعة هذه القيادة عملياً وعلى الأرض وهذا في قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.

 نعمة القرآن الكريم نعمتان نعمة تامة ونعمة عامة، النعمة العامة هي هذه النعم التي ينعم الله بها على عباده ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ هذه النعمة العامة وهنالك نعمة تامة، يعني يتم الله به نعمته على خلقه، وهي نعمة أن يطيع الناس قيادة إلهية بها تتحد كلمتهم، بها يقيمون العدل على الأرض، بها تنقلب أمورهم، الله قال سبحانه وتعالى في تفسيره يعقوب لرؤيا ولده، كذلك يجتبيه ربه، كذلك أي بحسب هذه الرؤيا التي رأيتها انت ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ﴾ يتم هذه النعمة عليك، يتمها بأن تتبوأ القيادة، هذه بشرى كانت من الله سبحانه وتعالى إن يوسف سوف يتبوأ موقع القيادة في هذا المجتمع، وبهذا يتم الله نعمته على يوسف، يوسف أتم الله نعمته عليك. بهذه النعمة التامة تجتمع كلمة المسلمين، بهذه النعمة التامة تتحد كلمة المسلمين، ﴿فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ بهذا تتحقق الإخوة الإسلامية، الإخوة الإسلامية لا تتحقق إلا بطاعة رسول الله(ص). نحن في أبحاثنا في علم الاجتماع الإسلامي أثبتنا هذا الأمر بالقرآن وبالدليل أن الإسلام وأن القرآن العظيم يعتبر أن المجتمع البشري يمكن أن تكون له هوية واحدة، وهذه الهوية الواحدة إنما تتحقق بالطاعة للقيادة الواحدة، الطاعة للقيادة الواحد توحد هوية المجتمع، بحيث أن هذه الهوية الواحدة تجعل من المجتمع البشري، من الأفراد تجعل منهم روحاً واحداً تسري بينهم الآثار المتشابهة، يعني تصبح روح واحدة متشابهة الآثار، انسجام والانسجام هذا يكون انسجاماً لدرجة أنه "المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" ليس هذا مجاز وإنما هو حقيقة، حينما تتوحد، حينما تتحقق هذه الوحدة الإسلامية، حينما ينسجم المسلمون في طاعتهم لرسول الله محمد (ص) تتكون بينهم روحاً واحدة، إذ أن ألم البعض يسري كالألم الواحد، يتألم الآخر لألم البعض الآخر، ألماً حقيقياً وليس ألماً مجازياً.

حينما تسمع أن امرأة من المسلمين، أو أن فتاةً من سوريا أو فتاة من بعض الدول الإسلامية يُعتدى عليها لا نستطيع أن نطيق هذا الذي نسمعه، أحياناً يسلب عن البعض، حينما نسمع أن أخوتنا المسلمين في بعض البلدان الإسلامية سلب منه الأمن لا نستطيع أن نشعر بالراحة، وهذه حقيقة هذه من علائم الإيمان، الإنسان المؤمن يشكو من الألم الذي يتألم منه المؤمن الآخر وإن كان بعيداً عنه . في الحديث عن الإمام الصادق (ع) " المؤمن أخو المؤمن بل أبي الأمة" الأمة، يعني هنالك هوية واحدة حقيقية، هذه الهوية الواحدة تتولد من أي شيء، تتولد من طاعة رسول الله محمد(ص)، تتولد من طاعة القيادة التي طاعتها طاعة لرسول الله(ص)، القيادة التي لا تأمر إلا بما أمر به محمد(ص) ولا تنهى إلا عما نهى عنه محمد(ص)، اليوم نحن بحاجة إلى أن نتوحد في الروح، في أن نطيع محمداً(ص)، ولا تكون هذه الطاعة إلا بأن نفكر في توحيد الكلمة الإسلامية في مجتمعاتنا، قيادة ملتزمة بأمر الله ملتزمة بما يأمر الله وتنهى عن ما نهى الله عنه، هذه هي القيادة التي تستطيع أن توحد الكلمة الإسلامية، الذي يوحد المسلمين توحيداً حقيقياً هو الطاعة ولذلك الإيمان هو: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ وفي آية أخرى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ هذا الميثاق، هذه النعمة هي نعمة القيادة الواحدة التي بها تتحقق طاعة الله ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ﴾.

نحن اليوم بأشد الحاجة أولاً إلى أن نفسر القرآن الكريم تفسيراً نحل به مشاكل العبد، هنالك آيات من القرآن الكريم هُجرت أساساً، لا تجد لها حضوراً في خطابنا الإسلامي، آيات الطاعة، آيات الإيمان ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ الخروج عن طاعة الرسول يعني الخروج عن الإيمان، الإيمان في القرآن الكريم يعني طاعة الله وطاعة الرسول، ويعبر الله سبحانه وتعالى بالخروج عن هذه الطاعة عن ظلم النفس.

هناك ظلمان في القرآن الكريم ظلم النفس الفردي، أن يظلم الإنسان نفسه هو فرد ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ وهنالك ظلم اجتماعي ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ تقول الآية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ هذا ظلم اجتماعي، نحن كمسلمين ظلمنا أنفسنا، فالظلم الاجتماعي يحتاج إلى توبة اجتماعية وإلى رجعة اجتماعية، ففي الظلم الاجتماعي لا تكفي التوبة الفردية، لا يكفي أن نكون أناساً مؤمنين في انفراد لا يكفي ولو أنهم هم من ظلموا أنفسهم، جاؤوك، جاؤوا إلى محمد(ص) فاستغفر لهم، كيف؟ استغفار يرضى عنه الرسول، استغفروا الله واستغفر لهم الرسول يعني أن هذا الاستغفار وهذه الرجعة لا بد ان تكون رجعة يرضى الرسول(ص) منها، وليست رجعة وقتية، ليست رجعة في زمن ثم نُعرض عن الرسول بعد ذلك حينما تضيق علينا الأمور، وحينما أسرنا لما أتى أصحابه به حينما أطيع الرسول محمد(ص).

أشكركم كثيراً على هذا اللقاء الإلهي والاجتماع المبارك، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم. نحن الآن على مشارف انتقال مرحلة الأمة، الكلمة التي أريد أن ألقيها هنا على الإخوة الأحبة والأعزة إننا الآن على مشارف نهضة جديدة، هذه النهضة الجديدة تتطلب منا أيضاً حروباً جديدة وانسجاماً جديداً وتتطلب منا أن نكون على مستوى المرحلة التي سوف نستقبلها. نقول أن المرحلة التي نستقبلها هي مرحلة عودة المسلمين إلى رسول الله(ص)، هذه العودة سوف تتحقق وعلم الله بها وهذه الآية التي ذكرتها تشير ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾... هذه الآيتين الكريميتن تخص أوضاع المسلمين اليوم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ كيف استغفر لهم الرسول ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾.

الآن نحن على مشارف هذه المرحلة أنا في اعتقادي وحسب دراستنا لقواعد الأمة الإسلامية المعاصرة أننا طوينا مرحلة ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾. نقول يا مولانا استغفر لنا إنا كنا خاطئين ونسأل الرسول(ص) أن يستغفر لنا وأن يرضى عنا، الآن مرحلتنا مرحلة العودة، ليكن خطاب الإسلام في العالم كله خطاب العودة إلى رسول الله(ص) عودة تضيء لنستغفر الله ليغفر لنا ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾. نسأل الله سبحانه أن يجمع كلمتنا على طاعة الرسول وأن يرينا اليوم الذي نرى فيه لواء الإسلام عالياً إنه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 

اعلى الصفحة