اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الثالثة عشر ـ العدد 151 ـ (شهر رمضان 1435 هـ) تموز ـ 2014 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

علاقاتنا بالثقافة.. لماذا وكيف؟!

إن من المسائل الضرورية التي ينبغي معاودة ومراجعة التفكير فيها باستمرار، مسألة علاقتنا بالثقافة، وهل هي في نسقها الطبيعي ومسيرتها التصاعدية؟ أم هي تعيش القهقرى والتراجع؟

وذلك لأن علاقة الإنسان بالثقافة والعلم والمعرفة، هي إحدى مؤشرات التقدم والتطور. وضرورة المراجعة لا تتحدد بالمعرفة الظاهرية بعلاقتنا بالثقافة، وإنما تتعدى ذلك لتصل إلى مستوى الظروف الخاصة والعامة، التي تساهم في تطوير هذه العلاقة، وإلى بيان المحفزات وعناصر التشجيع التي تدفعنا إلى مواصلة هذه العلاقة وتطويرها بشكل مستديم.

لهذا تنبع ضرورة بحث وجوه علاقتنا بالثقافة، وذلك لأن هذه العلاقة من مؤشرات التطور والدينامية الاجتماعية، وإحدى الظواهر الإنسانية الهامة التي لا بد أن ندفعها إلى الأمام باستمرار، ونبذل كل الجهود في سبيل تذليل العقبات والمعوقات التي تحول دون تواصل العلاقة التصاعدية مع الثقافة. والسؤال الذي يبرز في هذا الإطار هو: كيف نطور علاقتنا بالثقافة؟.

1- توطيد وتعميق علاقة الحب مع الثقافة

لأن العلاقات الشكلية مع الثقافة لا تطور من مستوى التواصل معها، لأنها علاقات لا تؤسس أي مستوى حيوي للعلاقة، لذلك، فإننا نرى أن أحد العوامل الأساسية لتطوير علاقتنا بالثقافة، هو أن تكون علاقتنا بها علاقة حب وعشق ورغبة ذاتية عميقة، تتجه إلى توطيد أواصر العلاقة مع هذا الكنز الإنساني المليء بكل ما يفيد الإنسان في حاضره ومستقبله.

ولعل من القنوات الأساسية إلى توطيد وتعميق علاقة الحب مع الثقافة تأسيس علاقة مباشرة مع مصادر الثقافة الإنسانية ومنابعها الأصيلة، وبدون واسطة قد تساهم في تشويه الثقافة بشكل أو بآخر، وتوضيح الفوائد والآثار الإيجابية التي يجنيها الإنسان والمجتمع من جراء الثقافة والمعرفة. فكلما توسعت دوائر المعرفة والعلم في المجتمع كان أقرب إلى تدبير شؤونه بطرق وأساليب حضارية، وكلما تقلصت هذه الدوائر كان المجتمع أقرب إلى شريعة الغاب والبعد عن أبجديات التعامل الحضاري.

فالقاعدة الضرورية لتطوير علاقتنا بالثقافة هي غرس الرغبة الذاتية والحب العميق في نفوسنا تجاه الثقافة، فلا تطوير لعلاقتنا مع الثقافة بدون هذه القاعدة. فهي المكون الأساسي لتطوير علاقتنا بالثقافة، وعلاقة الحب تخلق القدرة الذاتية لممارسة الثقافة وتطوير النظرة الاجتماعية تجاهها. فلا يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نطور علاقتنا بالثقافة، بدون العناية بالعوامل والأسباب التي تجعل هذه العلاقة نابعة من الرغبة الذاتية، وبعيدة عن أشكال الفرض والقسر.

وبنظرة واحدة إلى واقع المجتمعات الإنسانية، التي استطاعت أن تطور علاقتها بالثقافة والمعرفة، نكتشف بوضوح أن تحفيز الذات وغرس الرغبة والحب، كانا هما العامل الأساسي الذي ساهم في تطوير علاقة تلك المجتمعات بالعلم والمعرفة والثقافة.

وذلك لأن تطوير علاقة الإنسان بالثقافة، من الأمور التي لا تنفع معها أساليب القسر، لأنها لا تؤدي إلى علاقة حقيقية قادرة على تطوير نظرات الإنسان تجاه الثقافة ودورها في الحياة.

2- بناء المؤسسات الثقافة والعلمية

لا يمكن أن نطور علاقتنا بالثقافة والمعرفة إلا بوجود المؤسسات والحوامل الثقافية والاجتماعية، التي ترعى شؤون الثقافة وتحتضن المثقفين والمهتمين بشؤونها، وتعمل على أن تتحول إلى مركز إشعاع علمي يزيد من وعي الناس، ويقربهم عبر وسائله الحضارية إلى الاهتمامات الثقافية والحضارية.

فالجهود الشخصية، مهما كانت جادة، فإنها قاصرة ولدواع ذاتية مرتبطة بطبيعة الأعمال الشخصية، عن تطوير علاقة المجتمع بالثقافة. فعملية تطوير علاقة الجماعات الإنسانية بالثقافة تحتاج إلى بناء المؤسسات والمنتديات التي تأخذ على عاتقها مهمة تطوير علاقة المجتمع بالثقافة كاهتمام وممارسة وأبعاد وآفاق وآمال.

فالعمل الثقافي المؤسسي هو أحد العوامل الأساسية لتطوير علاقة المجتمع بالثقافة. والثقافة، لكي تبقى حية وقابلة للاستثمار، بحاجة لأن تكون دائمة التفتح على صيرورة التاريخ. ولا ريب في أن بناء المؤسسات الثقافية الجادة والفاعلة في المحيط الاجتماعي يساهم في حيوية الثقافة، وهذه الحيوية تشارك بدورها في تطوير نظراتنا إلى الثقافة ودورها في العملية المجتمعية.

ويؤكد علم اجتماع المعرفة على أهمية التراكم كعملية ضرورية لنمو الثقافة. إذ إن كل ثقافة تمثل، في فترة ما، مجموع العناصر المادية والمعنوية التي تجمعت لدى الأجيال الراهنة، ومع الزمن تضيف هذه الأجيال خبراتها وعطاءاتها وإبداعاتها الجديدة.

لذلك فإن وجود مؤسسات ومراكز للثقافة يساهم بشكل جاد في تطوير علاقة ذلك المجتمع الذي تتواجد وتنشط فيه تلك المؤسسات بالثقافة والمعرفة.

أما المجتمع الذي يفتقر إلى المؤسسات التي ترعى الثقافة وشؤونها، فإنه لن يتمكن من تطوير علاقته بالثقافة، لأنه افتقد أهم القنوات التي تساهم في تطوير علاقة الإنسان بالثقافة.

ولا بد من القول في هذا الإطار إن تطوير علاقة الجماعات الإنسانية بالثقافة وشؤونها وآفاقها، ليس مسألة ترفيه أو كمالية، وإنما من صميم الوجود الإنساني، لأنه هو الذي يغرس القيم والمبادئ، التي تنظم علاقة الناس وأدوارهم، ويجعل لحركتهم هدفاً ومقصداً، وتبعدهم عن كل أشكال العبثية والفوضوية، وتدفعهم باتجاه الأمور العظيمة.

ويبقى الباب مفتوحاً، فيما يرتبط بتطوير علاقة الإنسان بالثقافة، إلى المبادرات الإنسانية، التي تجترح الوسائل والإمكانات الجديدة التي تطور من علاقة الإنسان بالثقافة، وتجعل لها موقعا مركزيا في حركة الإنسان الخاصة والعامة.

فتطوير هذه العلاقة ليس وصفة جاهزة أو مقولة ثابتة، وإنما هو مشروع مفتوح وإطار واسع، يستوعب كل المبادرات والفعاليات الإنسانية، التي تتجه إلى غرس المعاني النبيلة والرفيعة في حياة الإنسان الاجتماعية.

ومن المؤكد أن الفعالية الإنسانية الأساسية التي تطور علاقة الإنسان بالثقافة هي حينما يتمكن هذا الإنسان من أن يحول قيم الثقافة ومبادئها إلى حياة وممارسة سلوكية، لأنه حينما تتحول الثقافة إلى حياة ووقائع مجتمعية متعددة، وتصبح جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي، فإن الإنسان عبر تجاربه وخبراته، سيضيف إلى الثقافة قضايا وأموراً حيوية، تثري الثقافة وتزيدها فعالية في الوسط الاجتماعي.

لهذا من الأهمية أن يبذل المهتمون بشؤون الثقافة جهوداً في سبيل تحويلها إلى حياة، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى وأبعاد.

 

اعلى الصفحة