شهر الرحمة.. وفقهاء الفتنة

السنة الثالثة عشر ـ العدد 151 ـ (شهر رمضان 1435 هـ) تموز ـ 2014 م)

بقلم:الشيخ محمد عمرو

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ صدق الله العظيم.

وتعود الأيام المباركة تتساقط على قلوب المؤمنين بالبركة والخير والرحمة، أيامٌ دُعينا فيها إلى ضيافة الله سبحانه وتعالى، فقد أمسك عنا الشياطين وصفَّدها، وأغلق أبواب النيران وأمسكها، وفتح أبواب الجنة ووهبها، ودعانا إليه ومدَّ لنا مائدة لطفه وعنايته وحبه ورحمته، أنفاسنا فيه تسبيح ودعاؤنا مستجاب وأعمالنا مقبولة ومغفرته مضمونة. هو شهر الله لعباد الله وفي ضيافة الله الرحمن الرحيم الغفور الودود الشكور.

شهر رمضان المبارك شهر الرحمة الإلهية لأمة جعلها الله أمة وسطا، لتكون شهيدة على الناس ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. رسول الله الذي جاء بالهدى والتزكية والعلم ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولم يأتيهم بالسيف والغزو والقتل. أراد الله من المسلمين أن يكونوا شهداء على الناس لا أن يكونوا قتلة للناس.

والشاهد هو الذي يمسك بيد الناس ويبين لهم الحقائق الإلهية ويوضح لهم طريق الهداية والصراط المستقيم، ومن ثم يكون شاهداً وموجهاً وراعياً لحركتهم وسيرهم باتجاه الله سبحانه، كالأب الحنون الذي يربي أطفاله ويوجههم ويتابعهم ويتحمل أخطاءهم، وحتى إذا أراد توبيخهم فإنه يوبخهم بحب وشفقة ورحمة، هكذا أرادنا الله سبحانه أن نكون شهداء وآباء وقدوة ومنارة، وهكذا هو رسول الله(ص) الذي هو شاهد على هذه الأمة وحركتها وسيرها وسلوكها. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. فقد كان الرسول(ص) نِعم الأب ونِعم الأخ ونِعم الصديق ونِعم المربي ونِعم المحب لهذه الأمة.

فما بالنا اليوم نرى بعض المسلمين يُحلّون أنفسهم محل الله، يكفِّرون هذا ويبيحون دماء ذاك ويهتكون الأعراض ويعتدون على الأموال ويعيثون في الأرض الفساد بحجة ما يسمونه "الجهاد". يقتلون المارة الآمنين، يفجرون الأحياء والشوارع والمدنيين، يذبحون الرجال والنساء والأطفال، يستلذون بالقتل وسفك الدماء وتقطيع الأوصال" شرابهم الدم وطعامهم الأشلاء". ويقولون إنهم مسلمون ودعاة ومجاهدون!!!؟؟؟.

في التاريخ يبين لنا القرآن الكريم أن تحالف الفراعنة والنماريد والقياصرة مع الكهنة والأحبار هو الذي أنتج القتل والتقطيع وسفك الدماء وهتك الأعراض وتدمير الأموال، وكان الكهنة والأحبار يجيزون للفرعون "ملك ذاك الزمان" القتل المريع والاعتداء على الأموال والأعراض بحجج ودعاوي ينسبونها لله، وأن الله أعطاهم صلاحياته بالتصرف بحياة الإنسان تكفيراً وقتلاً واستباحة.

وأمتنا الإسلامية تنحو هذا النحو منذ أن تحالفت الملكية العضوض مع فقهاء السلاطين وعبر التاريخ ومهما كان مذهب الملك واتجاهه الفكري والفقهي فإن النتيجة واحدة. وإن فقهاء هؤلاء السلاطين يجوِّزون للملك والسلطان ويعطونه الشرعية الدينية وكأنهم مخولون من الله في ذلك. والنتيجة فساد وإفساد وقتل وهرج ومرج، ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. إن دور الأنبياء كان هداية الناس وإصلاح أمرهم ومواجهة هؤلاء السلاطين وكهنتهم والضرب على أيديهم، ومن أراد أن يكون مع الأنبياء فعليه أن يتبرأ من الملوك والسلاطين وفقهائهم.

يعود علينا شهر رمضان المبارك بالرحمة الإلهية والبركة والرضوان، فلنهيئ أنفسنا لنكون مع خط الأنبياء والصالحين والصديّقين، وليس مع خط الملوك والسلاطين وفقهائهم ... فقهاء الفتنة. 

اعلى الصفحة