السنة الثالثة عشر ـ العدد 150 ـ ( شعبان 1435 هـ) حزيران ـ 2014 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

أسئلة وحنين

على مدارج الألمِ أبدأُ هذه الأسئلة.. أبدأُ هذا الحنينَ.. هل أُعدّدُ الألمَ الذي أصبحَ زادَنا اليوميَّ أم أُعدّدُ الأرضَ التي تنسحبُ من تحتِ أقدامِنا مثلَ بساطٍ عتيق؟!.. هل أتحسّرُ على الكلماتِ المسفوحةِ مثلَ دمائنا.. أم أغفو على انكسارنا الحياتيّ بين الصمتِ المريبِ وضجيجِ المعادنِ التي تجتاح أرواحنا؟..‏  

ما الفرقُ بين الموتِ وانطفاءِ الحلم؟!! بين الظلامِ والظلمِ العالمي الذي يحيق بك من كلّ جانب؟!‏ أكانتِ العزلةُ داءً لنتداوى بكلِّ هذه الضوضاءِ؟!‏ أم كان الكلامُ من نارٍ حتى نتبرّدَ بهذا الصمتِ الطويلِ.. وهذا النوم الطويلِ؟..‏ هل كانت الصحراء سؤالاً مفتوحاً على الحريّة.. وهل كانت خيمتُنا البدائيّةُ طريقَنا إلى الله؟!‏ هل نَحِنُّ إلى زمنٍ كان فيه النخيلُ وجْهَنا المضيءَ وفوقَ رؤوسنا سقفُ السماءِ المرصَّعُ بياقوتِ الغيومِ وثمارِ الماء؟!‏ هل ننكفئُ على أحلامِنا وننتظرُ حفَّاري قبورِنا أن يُتمّوا أعمالهم على أكمل وجه؟!.‏ هل نرفعُ صوتَنا بالاحتجاجِ على الجنِّ والأشباحِ الذين جعلوا من حياتنا جحيماً ومن عيشنا مرارات.. أم نرثي حالةَ الأمّةِ التي شَرَّعَتْ بواباتِها للخرابِ وقالتْ له: اعبر إلى عقولِنا وحواسنا ونبضنا؟!.

هل أرثي آلافَ القصائدِ التي لم تتحوّلْ إلى طيورٍ محلِّقةٍ فتأخُذُنا معها إلى عالمِ الحبِّ والجمالِ والخير.. أم أرثي الزمنَ الذي يمرُّ على أجسادِنا مثلَ عربةٍ عملاقةٍ تحطِّمُ ما تيسّرَ لها من الجلدِ والعظمِ؟!‏.. هل أغبطُ هذا الهواءَ الذي لم يمتلِكْهُ أحدٌ بعد... أم أرثي المساحاتِ الواسعةَ من البلادِ التي لم يكن لنا فيها موطئُ روح؟!.

إذا كان كلُّ ما كتبنا من قصائدَ لا يخلّصُنا ولا يُنْجينا فما الذي سنفعلُ كي نبدّدَ الفجيعةَ ونحاربَ الظلمَ والظلامْ؟!‏.. هل أرثي القوانينَ الباليةَ التي يديرها بعضهُم ببراعةٍ لمصالِحهم ومصالحِ مريديهم ويمنعونَ خيرَها عن بقيّةِ خلق الله... وهل ثمّةَ قوانينُ تُحاسِبُ أحداً على قتلِ الأحاسيسِ والمشاعرِ وكسرِ الأحلامِ والتطلّعات.. وصولاً إلى الروحِ التي تُجْلَدُ يوميّاً فيتبدّى الجسدُ مثقلاً تحتَ هذا التراكُمِ اليوميِّ؟!..‏

أيوجدُ فداحةٌ أكبرُ من أن تربِطَ حصاناً إلى طاولةٍ خشبيّة وتضعَ حدوداً صارمةً لذهابه وإيابه، وتقيس بمسطرةٍ حادةٍ أحلامَهُ التي تُذبَحُ على حجر العيش الصعب؟!‏.

ها أنا أطلقُ آهةً كبيرةً مثلَ جبلٍ... جبلٍ شامخٍ عامرٍ بآلامِهِ لأتربّعَ على ذراهُ وأطلَّ بكاملِ شوقي وانهياري على أمواجِ البحرِ الزرقاءِ، المترامحةِ مثلَ جيادٍ سحريّةٍ.. وإذ أهبطُ من هذا الجبلِ إلى القاعِ.. قاعِ الروحِ القلقةِ التي تطلِقُ دموعها مثل عصافير مضيئة.. وإذا أهبِطُ إلى شِراكِ العيشِ اليوميِّ أجدُني أجوبُ الشوارعَ بحثاً عن حلمٍ مستحيلٍ وفي داخلي يستَعِرُ الجمرُ وتشتعلُ حرائقُ أسطوريةٌ..

أتكونُ الضراعةُ نافذتَنَا الأخيرة؟!..‏ أتقفزُ أحصنةُ الدعاءِ... أحصنةُ الحلمِ البيضاءُ فتأخُذُنا إلى منابعِ الطهرِ والنقاوةِ.. إلى موئلِ النفسِ ورَوحِها وريحانها.. إلى منابعِ الحبِّ والإباء... فتمتلئَ أرواحُنا بالنشيد، وقلوبُنا بالعصافير، وعيونُنا ببحيراتِ البجع الوادعة؟!..‏  

أيتها الضراعةُ... أيّتها المفرداتُ الحميماتُ في الأشهر الفضيلةِ.. أيتها الفراشاتُ الرحمانيةُ التي ترقُصُ في روحها شجرةُ اللآلئ.. ها أنا أمدُّ يديَّ المشتاقين وأحملُ لكِ الماءَ من الينابيع، والأزهارَ من القصيدة..‏ وأبسطُ كفي لقاتلي وأرفعُ من وتيرة الحبِّ في شهر الحبِّ ومنبعِ الصلاة..

وإذ يسدلُ الليلُ وشاحَهُ الدافئَ الحنونَ أغفو على إيقاعِ تنفّسكِ في الأسحارِ.. وهو يشبِهُ تماماً أغنيةَ السوسنِ وهمسةَ الضوءِ وآذانَ الفجر.. وإذ يبزُغُ الفجرُ ويرمي مفرداتِكِ بعبير الصباح فيأخذُ من بياضِكِ نصاعةَ الثلج، ومن روحكِ دفءَ المشاعر وانهمارِهَا..‏

أيتها الضراعةُ الدامعةُ في جوفِ الليلِ الجميل.. عليكِ سلامُ الصبرِ والحِلْمِ والنورِ ولتصبحي على حلمٍ منا وموعدٍ معنا في أسفارنا الغريبةْ.. ولتطلقي الرِّيَّ في ظمأِ ترحالنا المستدامِ, ولتشعلي الروحَ المترعةَ بالحقولِ الخصيبةْ.. ولتشرقي في حنايانا ابتسامةً مشعّةً مشرقةً مثل شموسِنا العاشقةِ التي ما زالت تبحث عن سمائها القريبة.

اعلى الصفحة