الولايات المتحدة وإسرائيل تمهيدا لاحتمال حصول اتفاق مع إيران

السنة الثالثة عشر ـ العدد 150 ـ ( شعبان 1435 هـ)حزيران ـ 2014 م)

 ترجمة وإعداد حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

بقلم: عاموس يدلين – رئيس معهد أبحاث الأمن القومي ورئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية

بدأوا في طهران وفي واشنطن التحضير وتطبيق تكتيك التفاوض على الاتفاق النهائيّ في الموضوع النووي الإيراني واختاروا استراتيجيات متنوّعة بغية تحسين مخطط الاتفاق وتسويقه كإنجاز استراتيجي. تلك الإجراءات تستدعي تموضعاً إسرائيليا جديدا وتحسين التنسيق الإسرائيلي - الأمريكي شرطاً لإحراز اتفاق تستطيع إسرائيل التعايش معه.

على أنّ مخطّط اتفاق من هذا النوع يجب أن يتضمّن، أولاً تفكيك معظم أجهزة الطرد وإبقاء عدد محدود من أجهزة الطرد غير المتطوّرة، حصر تخزين المادة المخصّبة في إيران بمستوى منخفض وبكميّات محدودة (أقل ممّا يكفي لقنبلة واحدة)، تفكيك موقع التخصيب المحصّن في جبل قرب قمّ، تحويل المفاعل في آراك بحيث لا يمكن استخدامه لأهداف عسكرية، الإجابة عن الأسئلة المفتوحة بشأن الأبعاد العسكرية في البرنامج النووي الإيراني ودخول مراقبين إلى موقع بارتشين، البتّ بشأن المصادقة على الاتفاق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحت الفصل السابع وأن يكون سارياً لسنوات طويلة- وهي فترة تضمن حصول تغيير حقيقي في الأداء الإستراتيجي الإيراني.

في كانون الثاني 2014 بات الاتفاق المرحلي بين إيران والدول العظمى بقيادة الولايات المتحدة، ساري المفعول. هدف الاتفاق كان إتاحة نصف عام من التفاوض بشأن الاتفاق النهائي. الآن، مع مرور نصف الفترة التي خصّصت للتفاوض، يبدو أنّهم بدأوا في طهران وفي واشنطن تحضير وتطبيق تكتيكات التفاوض بشأن الاتفاق النهائي واختاروا استراتجيات متنوّعة بغية تحسين مخطط الاتفاق وتسويقه كإنجاز استراتيجي. تلك الإجراءات تستدعي تموضعاً إسرائيلياً جديداً وتحسين التنسيق الإسرائيلي- الأمريكي شرطاً لإحراز اتفاق تستطيع إسرائيل التعايش معه.

الإستراتيجية الإيرانية في التفاوض مع الدول العظمى تقضي بالحفاظ على إنجازات البرنامج النووي الإيراني ورفعها إلى الحدّ الأقصى وبالتالي الحدّ من التنازلات. إيران تحاول تصوير نفسها وكأنّها جاهزة لتسويات جوهرية، وهي بموازاة ذلك تحافظ على القدرات الأساس في مسارين تطوّرهما للوصول إلى سلاح نووي: مسار تخصيب اليورانيوم ومسار إنتاج البلوتونيوم.

على سبيل المثال، في الأسبوع الماضي نُشر أنّ إيران عطّلت نصف مخزون اليورانيوم المخصّب لمستوى 20%. لكن لا يدور الحديث عن تنازل إيراني جديد بل بتطبيق الالتزام الإيراني الوارد في إطار الاتفاق المرحلي. ومقابل التخفيف في العقوبات، وافقت طهران فقط على تقليص مخزون اليورانيوم المخصّب لـ 20%، والذي لا يكفي حتى لقنبلة واحدة بغية الحفاظ على مخزون المادّة المخصّبة لمستوى منخفض (3.5%) الذي يكفي ـ إذا ما خصّب لمستوى عسكريّ ـ على الأقلّ لست قنابل.

هذه الإستراتيجية كانت الموجّه للإيرانيين في التفاوض على القناة الثانية لقنبلة نووية- قناة البلوتونيوم. نائب الرئيس الإيراني ورئيس الوكالة الإيرانية للطاقة، علي صالحي، أوضح مؤخراً أنّ إيران والدول العظمى توصلت إلى اتفاقية بشأن التغييرات التقنية التي تقلّص ناتج المفاعل في آراك- وهو المفاعل الذي يمكنه إنتاج بلوتونيوم للسلاح النووي. بدلاً من الموافقة على طلب الدول العظمى بتحويل مفاعل آراك بحيث لا يستطيع إنتاج مادة انشطارية لقنبلة، تقترح إيران تغييرات تقنية تحدّ من قدرتها الإنتاجية دون أن تلغيها. على أنّ تغييرات تقنية من هذا النوع يمكن تحويلها بسهولة والتخلي عنها في حال قرّرت إيران انتهاك الاتفاقية.

الرسالة التي تريد طهران تمريرها وتكريسها لدى الغرب هي، أنّها جاهزة لتسويات مهمة بشأن برنامجها النووي وأنّه يمكن حلّ الأزمة بخصوص برنامجها النووي العسكري. عليه، يُفترض بمن يريد التفاوض مع إيران "بعيون مفتوحة" أن يفهم الإستراتيجية الإيرانية وأن لا يأسره الانطباع الذي تحدثه (إيران).

يبدو أن الموقف الأمريكي المتبلور بخصوص الاتفاق النهائي سيركّز على المطالبة بآلية رقابة لصيقة وغير مسبوقة للبرنامج النووي الإيراني وعلى محاولة إقناع القيادة الإيرانية بأنّ أي انتهاك للاتفاق سيقود إلى عقوبة مشدّدة. ويظهر هذا المطلبان أيضا في الورقة التي نشرها روبرت آينهورن، الذي كان مسؤولاً عن المفاوضات في ولاية الرئيس أوباما السابقة، وهما ضروريّان من أجل منع إيران من تطوير السلاح النووي في المستقبل، لكنّهما، كما يؤكّد آينهورن نفسه - غير كافيين. في هذه الأثناء، تبدو آليات الرقابة غير مستكملة ومصيرها الفشل دائماً، وهي فشلت في الماضي في كشف مساعي العراق، ليبيا، كوريا الشمالية، سوريا وإيران لتطوير برنامج نووي عسكري بشكل سري.

أكثر من ذلك - قد لا تنهض هذه الآليات أصلاً إذا ما قرّرت إيران ذلك بشكل أحادي- كما فعلت قبل كوريا الشمالية. والردع أيضاً غير محصّن من الفشل، وهو مرتبط بقدرة الولايات المتحدة على إقناع إيران بأن الردّ على أي خرق للاتفاق سيكون قاسياً، إضافة إلى القدرة على الاحتفاظ بتهديد موثوق لمدى طويل في ظروف دولية متغيّرة. مصداقية الردع الأمريكية في المنطقة تضرّرت نتيجة سياسات الرئيس أوباما تجاه التحديات التي واجهته في سوريا، في إيران وفي أوكرانيا.

بناء على ذلك، من المهم إضافة بعد ثالث إلى بُعدي الاتفاق النهائي- إطالة الوقت المطلوب لإيراني لتطوير سلاح نووي، إذا ما قررت ذلك وطردت المراقبين أو انسحبت من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي.

بحسب التقديرات الأمريكية، حسبما ظهر في جلسة الاستماع إلى وزير الخارجية "جون كيري" في لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، إيران يمكنها تطوير سلاح نووي في غضون شهرين. لدينا هنا تغيير دراماتيكي في التقدير الأمريكي، مقابل تقدير الرئيس أوباما في مقابلة في تشرين الأول 2013، حيث قال إنّ إيران يمكنها إنتاج قنبلة خلال سنة. وهناك تفسير محتمل لموقف كيري، بأنّه تطرّق فقط إلى وقت التخصيب لمستوى عسكري مع فرضية أن مسار تطوير السلاح ليس "عنق زجاجة" في العملية.

لكنّ تفسيرا آخر ممكنا لهذه الانعطافة الدراماتيكية في التقدير الأمريكي قد يتجلّى في الحاجة إلى تسويق الصفقة النهائية مع إيران كـ"صفقة جيّدة" حتى لو لم تتضمّن مطلب تفكيك مركّبات أساسية في البرنامج النووي الإيراني والتي قد تُستخدم لإنتاج سلاح نووي. وهكذا، تستطيع واشنطن الإدّعاء ثانية أنّ إيران على مسافة سنة من القنبلة، في حين أنّ إيران لن يكون مطلوبا منها "على الأرض" إجراء تغييرات جوهرية في برنامجها.

في المقابل، الموقف الإسرائيلي الرسمي يستمرّ في الدعوى إلى تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، وهو موقف مدعوم بستة قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تطالب بتعليق فوري لمسار التخصيب في إيران (القرار رقم 1696، 1737، 1747، 1803، 1835 و 1929). على الرغم من ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة قد اتخذت قراراً بالسماح للإيرانيين ببرنامج نووي ضمن قيود معيّنة، وذلك سيكون له دلالات حادة على تقدّم دول أخرى في الشرق الأوسط وفي مقدّمها السعودية، مصر وتركيا نحو حافة النووي.

على أنّ التصريحات العلنية الإسرائيلية لها دور في الحؤول دون انجراف إضافي في الموقف الأمريكي في التفاوض مع إيران، إذ ينبغي أن ننسّق مع الأمريكيين في الغرف المغلقة بشأن هيكلية الاتفاق النهائي الذي تستطيع إسرائيل التعايش معه، حتى لو تضمّن قدرة إيرانية محدودة لتخصيب اليورانيوم. المعيار المساعد هو فرضية أن تقدم إيران على خرق الاتفاق وفي حال حصل هذا الخرق- الزمن المطلوب لإيران لتطوير سلاح نووي. الفترة الزمنية هذه يجب أن تقاس بعدد السنوات وليس بعدد الأشهر- وهو الإطار الزمني الذي تطرّق إليه وزير الخارجية كيري والخبير "آينهورن". فقط فترة زمنية طويلة ستساعد المجتمع الدولي في كشف أي "اختراق" نحو السلاح، وبالتالي اتخاذ قرار بشأن العملية وتنفيذها قبل أن يتعزز الإيرانيون بالسلاح النووي. التمسّك بالموقف الإسرائيلي الرسمي حتى في قنوات النقاش الداخلية قد يشلّ القدرة الإسرائيلية على التأثير على المفاوضات مع إيران، لاسيّما وأنّها غير حاضرة فيها. من المهم التأكيد على أن الهدف موضوع الحديث يمكن تحقيقه من خلال عدة بدائل تتداخل مع عناصر مختلفة في البرنامج النووي الإيراني.

على الرغم من ذلك، مخطّط اتفاق من هذا النوع يجب أن يتضمّن: تفكيك معظم أجهزة الطرد وإبقاء عدد محدود من أجهزة الطرد غير المتطوّرة، حصر خزان المادة المخصّبة في إيران بمستوى منخفض وبكميّات محدودة (أقل ممّا يكفي لقنبلة واحدة)، تفكيك موقع التخصيب المحصّن في جبل قرب قمّ، تحويل المفاعل في آراك بحيث لا يمكن استخدامه لأهداف عسكرية، الإجابة عن الأسئلة المفتوحة بشأن الأبعاد العسكرية في البرنامج النووي الإيراني ودخول مراقبين إلى موقع بارتشين الذي تجري فيه إيران، حسبما يقال، نشاطات ذات طابع عسكري، البتّ بشأن المصادقة على الاتفاق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحت الفصل السابع وأن يكون ساريا لسنوات طويلة- وهي فترة تضمن حصول تغيير حقيقي في الأداء الإستراتيجي الإيراني. إيران اقترحت  مؤخّراً الموافقة على زيادة أجهزة الطرد التي تملكها لتصبح عشرين ألفاً بغية إنتاج 30 طناً من الوقود لمفاعل بوشهر. يجب رفض هذا الاقتراح لأنّ إيران ليست بحاجة إلى إنتاج الوقود لاسيّما وأنّها تحصل عليه بكميات وافرة من روسيا ولأنّ زيادة مخازن أجهزة الطرد ومخازن المادة المخصّبة ستقرّبها من القنبلة ولن تبعدها عنها.

في  غضون ذلك، يجب أن تلتزم حكومة إسرائيل أنّها في أشهر المفاوضات الثلاثة المقبلة لن تتفاجأ من السياسات الأمريكية تجاه إيران، كما حصل قبل اتفاق جنيف في تشرين الثاني 2013. الولايات المتحدة وإسرائيل عليهما أن يجريا معاً تقديرات - كقاعدة لبلورة استراتيجيات التفاوض- بشأن الأبعاد التالية: هل رافعة العقوبات نافعة؟ هل مصداقية التهديد بهجوم عسكري ما زالت قائمة؟ وهل تحصل في إيران تغييرات فعلية؟ بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة وإسرائيل تنسيق تحرّكاتهما في حال عدم التوصّل إلى اتفاق يطيل "زمن العتبة النووية" اللازم لإيران من عدة أشهر إلى بضع سنوات. على إسرائيل السعي إلى تحرّك منسّق مع "البيت الأبيض" بالتزامن مع إعداد خطة عمل إسرائيلية مستقلّة.

في النهاية، الخشية بأن يقود الاتفاق النهائي مع إيران إلى اعتراف بمكانتها كدولة "حافة نووية" مع قدرة اختراق نحو القنبلة في وقت قصير جدا، تضع إسرائيل في موقف يلزمها بإجراء تحديثات على سياساتها ومن ثمّ إبداء مرونة من أجل الحفاظ على هدفها الإستراتيجي، منع إيران من القدرة على تطوير سلاح نووي. لكنّ إسرائيل ملزمة بأن توضح  عدم قدرتها على تليين موقفها أكثر من ذلك وأنّها ستعتبر الصفقة التي ستبقي إيران بعيدة مسافة عام من القنبلة النووية "صفقة سيّئة". الأشهر المقبلة قد تكون مصيرية في صياغة مستقبل الأزمة بشأن البرنامج النووي الإيراني، لذا أكثر من أي وقت مضى، بات التنسيق الإسرائيلي- الأمريكي والثقة العالية بين القادة، شرطين ضروريين لنجاح الإستراتيجية الإسرائيلية، ولنجاح الإستراتيجية الأمريكية ولإحراز الهدف المشترك بينهما: منع إيران من قدرة نووية عسكرية.

اعلى الصفحة