الهجوم المفاجئ على إيران، هل باستطاعة إسرائيل تنفيذه؟

السنة الثالثة عشر ـ العدد 149 ـ (رجب 1435 هـ) أيار ـ 2014 م)

 ترجمة وإعداد محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

ناشونال إنترست، طوماس سيثر

وفقاً لتقرير نُشر في آذار في صحيفة هآرتس، تواصل إسرائيل الاستعداد لضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية. واقتباساً عن أعضاء في الكنيست لم تُذكر أسماؤهم، كانوا حاضرين خلال جلسات الاستماع بشأن الميزانية العسكرية، صدرت حسب ما زُعم تعليمات إلى مسؤولين في الجيش الإسرائيلي بمواصلة الاستعداد لتنفيذ الضربة وخُصصت ميزانية خاصة لذاك الهدف.

ولكن، تنفيذ عملية عسكرية ضد منشآت إيران النووية الأساسية سيكون مهمة صعبة بالنسبة للجيش الإسرائيلي. فالمسافة من إسرائيل إلى المواقع الإيرانية النووية ستشكل تحدياً لسلاح الجو لناحية التزود بالوقود جواً. ويمكن تخصيص طائرات التزويد بالوقود لتكون جزءاً من المهمة من أجل تخطي هذا الخطر. رغم ذلك، لا يمكن للطائرات الإسرائيلية أن تقضي وقتاً طويلاً في المجال الجوي الإيراني قبل أن تصبح المهمة بحد ذاتها بخطر. إضافة إلى أنه يجب تفادي المعارك الجوية مع سلاح الجو الإيراني. لذا، عنصر المفاجأة سيكون ضرورياً في أي مهمة إسرائيلية ناجحة.

والهجوم المفاجئ الناجح لا يسهل تحقيقه. فهو مبني على قدرة خداع الخصم. في العموم، إستراتيجية التضليل قد تتضمن عناصر عدة، ذات علاقة بتوقيت العملية والمنصات العسكرية المستُخدمة والأهداف والطرقات المُختارة للوصول إلى الأهداف والذخيرة المُستخدمة وما إلى ذلك. وهناك عدة عقبات مُحتملة. أولاً، الاستعدادات المبذولة لتنفيذ العملية العسكرية يجب أن تتم دون الكشف عن العناصر الأساسية للمُفاجأة. ثانياً، لا بد للقرار السياسي من أن يُتخذ سراً، وهذا يُلازمه عدم الكشف عن توقيت العملية. فهل باستطاعة إسرائيل القيام بذلك؟

تاريخ إسرائيل المليء بالمفاجآت

استغلت إسرائيل في الماضي العنصرين المذكورين أعلاه من أجل النجاح في تنفيذ عمليات عسكرية. فكلاهما، عملية عين طيبا في العام 1976 والهجوم على المفاعل العراقي في العام 1981، حدث بشكل مفاجئ على الأهداف نظراً لافتقارهم إلى المعلومات حول القدرات العسكرية الإسرائيلية وعدم فهم عمليتها في اتخاذ القرار ورغبتها في تقبل المخاطرة.

مثال على العامل الأخير كعنصر مفاجأة كان الهجوم الذي حصل ضد المطارات المصرية في العام 1967. في ذاك الوقت، امتلكت إسرائيل حوالي مائتي طائرة نفاثة، استُخدم منها 188 طائرة في ضرب المطارات. وتكاليف تلك الإستراتيجية كانت واضحة: فقط 12 طائرة تُركت للدفاع عن الأراضي الإسرائيلية. فقد أخفقت مصر في فهم الرغبة الإسرائيلية على تقبل المخاطرة، التي في جانب من الجوانب أدت إلى نجاح المهمة.

مثال آخر على عنصر الخداع حدث قبل اجتياح عام 1982 لجنوب لبنان. فقبل إلحاق مرتفعات الجولان رسمياً بإسرائيل في أواخر العام 1981، حشدت إسرائيل قوات عسكرية في الشمال لردع أي رد سوري. وبدلاً من سحب القوات بعد أن خفّت حدة التوتر، أبقت إسرائيل على قواتها هناك من أجل استخدامها في الحملة اللبنانية القادمة. وبالاعتياد على تواجد الجيش الإسرائيلي المتزايد في الشمال، أخفقت منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا بالتنبّه لاحتمال أن تكون القوات المتمركزة هناك هي بهدف تنفيذ اجتياح قادم. وإسرائيل نفسها وقعت ضحية هذه الإستراتيجية في العام 1973. فقد أجرت مصر عدة مناورات عسكرية كبيرة قبل عبورها المفاجئ لقناة السويس. وهذا الأمر صعّب على الإسرائيليين تحديد ما إذا كانت النشاطات المصرية هي جزء من مناورة أخرى أو استعداد لتنفيذ هجوم فعلي. والفشل الإسرائيلي في التنبه لإستراتيجية التضليل المصرية المحتملة تلك هو مثال أيضاً على كيفية إخفاق الدولة في أخذ العبر من دروس الماضي. فقبل خمس سنوات فقط، اجتاح الجيش الروسي تشيكوسلوفاكيا في خطوة بدأت على أنها مناورة عسكرية وانتهت بهجوم مُفاجئ. وأصدر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في ذلك الحين، آرون ياريف، توصية بأن كل مناورة عسكرية كبيرة يجريها الخصم يجب أن يُنظر إليها على أنها هجوم مُحتمل، لكن تلك التوصية أغفلها الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية بعد استقالة ياريف من منصبه عام 1972.

كان هناك عنصر إضافي في إستراتيجية التضليل المصرية عام 1973. فقد وصل الجنرالات المصريون في العام 1968 إلى نتيجة مفادها أن ليس لديهم القدرات الكافية لمواجهة الجيش الإسرائيلي. لكن، اتُخذ قرار بمواصلة التدريب كما لو أن الجيش لديه القدرة العسكرية لتنفيذ الهجوم. وبعد بذله كل الجهود الممكنة من أجل الحصول سراً على العتاد العسكري الضروري والقوى البشرية، من أجل جعل المناورات السابقة ذات صلة أكبر، أتت قدرات الجيش المصري لتكون العنصر المفاجئ بالنسبة للإسرائيليين الذين كانوا لا يزالون يعتقدون أن الجيش المصري لا يمكنه مُطلقاً تنفيذ العبور. استقت إسرائيل الدرس من تلك التجربة ومن ثم استغلتها في هجوم العام 1981 ضد المفاعل العراقي. فبعد التدرب لأشهر على مناورات ادخار الوقود، وبعد الحصول مباشرة على الطائرات الأمريكية من نوع أف-19، امتلك سلاح الجو الإسرائيلي القدرات الضرورية التي تخوله تنفيذ المهمة. فكان دور العراق في الإخفاق لناحية التعديل الدقيق لتقديره بشأن القدرات الإسرائيلية.

المفاجأة وصنع القرار

عنصر التضليل لا بد أن يُدرج أيضاً في عملية صنع القرار. فاجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة السورية-المصرية في آب 1973 كان المُقدمة. ومن أجل الحفاظ على سرية اللقاء، لجأ جميع المشاركين إلى وسائل نقل مدنية وجوازات سفر مزورة. وموضوع مهم كان على جدول أعمال ذاك الاجتماع، اتخاذ قرار بشأن خياري اليوم المُحدد (وبقي فقط المصادقة النهائية للرئيسين السادات والأسد). وبدا جلياً أن الإسرائيليين لم يعرفوا بشأن ذاك الاجتماع.

في إسرائيل، الحكومة ككل، وليس رئيس الوزراء وحده، هي القائد الأعلى للجيش. والضوء الأخضر بشأن القرار بتنفيذ هجوم ضد المواقع النووية الإيرانية لا بد أن يُصادق عليه وزراء الكبينت. وإبقاء الأمر سراً بعد التصويت داخل اجتماع وزاري كامل هو تحد. فالكبينت يجتمع كل صباح يوم أحد. ولكن، وفقاً لمتطلبات الإجراء، لا بد أن تكون بنود جدول الأعمال منتهية يوم الأربعاء الذي يسبقه. وإدراج بند "الهجوم العسكري على إيران" ليس خياراً لأن المدة من يوم الأربعاء إلى الأحد هي فترة طويلة لإبقاء الأمر سراً. لذا هناك ثلاثة خيارات: تأمين لقاء غير مُقرر (ما قد يؤدي إلى بعض التنبه) أو التصويت مُسبقاً (وقد يكون ذلك عبر البوح بتوقيت القرار أمام اجتماع أصغر، لكن من شأن ذلك أيضاً أن يشكل خطورة جراء تسريب بعض المعلومات القيمة) أو إدراج القرار ضمن موضوع عام أو مُزيّف. لقد اختارت حكومة بيغن الخيار الثاني قبيل الهجوم على المفاعل العراقي في العام 1981. بعدها، صادق المجلس الوزاري على العملية من حيث المبدأ وسمح بأن يُتخذ القرار النهائي داخل مجلس أمني مُصغر (يتألف من وزراء أساسيين). لكن رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت فضل الدمج بين الخيار الأول والثالث. فقد أصدرت الصحافة إعلاناً بشأن اجتماع وزاري غير مُقرر مُسبقاً قبل يوم من تنفيذ الهجوم على المفاعل السوري في أيلول 2007 وجاء في الإعلان أن المجلس الأمني سيُعقد لمناقشة "رد إسرائيل على إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة". مثال آخر على تمويه أولمرت لعملية اتخاذ القرار التي أدت إلى الهجوم على المفاعل هو الاجتماع مع الإدارة الأمريكية في حزيران 2007. فالسبب الرسمي الذي أُعطي للقاء الذي جمع بين أولمرت وجورج بوش في 19 حزيران كان برنامج إيران النووي وعملية السلام. ولكن، في ذاك الاجتماع حث أولمرت الولايات المتحدة على مهاجمة المفاعل.

معضلة الاستعدادات الدفاعية

لأن الإيرانيين يتوقعون حدوث العملية، سيكون من الصعب على إسرائيل تحقيق عنصر المفاجأة الإستراتيجية كالذي حققوه مع الهجوم على المفاعل العراقي في العام 1981. ولكن، يمكن تحقيق المفاجأة العملانية والتكتيكية بخصوص كيفية إجراء العملية والتوقيت المُعين للعملية. وواحدة من المشاكل الأساسية ستكون كيفية تنفيذ المفاجأة العملانية عندما تكون الاستعدادات مطلوب إجراؤها لمواجهة تهديد الصواريخ من إيران وحزب الله والمجموعات الفلسطينية في غزة. وأحد الحلول لمعضلة الاستعدادات الدفاعية تلك هي إجراء المناورات وتوزيع معدات الحماية الفردية باستمرار لفترة طويلة، بحيث يصعب على إيران تحديد موعد تنفيذ الهجوم. وهذا ما يتم تنفيذه فعلاً. ففي السنوات الأخيرة، قامت إسرائيل بعدد من المناورات للجبهة الداخلية (في جزء منها نتيجة الحرب الأهلية السورية واحتمال توسعها). فقد تم توزيع الأقنعة الواقية على نسبة كبيرة من السكان (رغم أن ذلك الأمر قد تراجع مؤخراً).

إن استدعاء الاحتياط قضية مُعقدة في إسرائيل وهي تلامس أيضاً عملية صنع القرار. فعملية استدعاء الاحتياط ستكون متأخرة إذا ما جرت تحت وابل من الصواريخ الهائلة من إيران وحزب الله. وفي تقرير للمراقب العام في دولة إسرائيل شكك في قدرة الاحتياط على الاحتشاد تحت النيران. وفقاً لذلك، لا بد أن يُتخذ القرار قبل شن الهجوم الإسرائيلي. ولكن، استدعاء الاحتياط قد يكون بمثابة إشارة إلى إيران بأن هجوماً وشيكاً يُحضَّر. ومن المحتمل أن تكون القيادة الإسرائيلية تفضّل من أجل السريّة العملانية أن تؤخر حشد الاحتياط لغاية يوم وقوع الهجوم. وفقاً للقانون الإسرائيلي، استدعاء الاحتياط يتطلب مصادقة لجنة الأمن في الكنيست. ويمكن توفير الوقت عبر الحصول على مصادقة اللجنة في الأشهر التي تسبق الهجوم. فقد استحصل بيغن المصادقة على عملية قصف المفاعل العراقي في المجلس الوزاري الكامل في تشرين الأول 1980، وبعدها ترك مسألة قرار التوقيت للمجلس الأمني. ولحماية السرية بعد سلسلة من التسريبات المحلية، قرر المجلس الأمني لاحقاً ترك قرار تحديد تاريخ العملية إلى بيغن ووزير الخارجية إسحاق شمير ورئيس الأركان رفائيل إيتان. وإجراء مماثل يمكن اتخاذه بخصوص قرار استدعاء الاحتياط.

التحضيرات الهجومية

تتطلب العمليات العسكرية المُعقدة استعدادات طويلة لا يمكن إخفاؤها. ولكن، على الرغم من إمكانية معرفة الخصم بنيّة الهجوم، يبقى التوقيت وتنفيذ العملية أكثر صعوبة لتحديدهما. في السنوات الأخيرة، أجرى الجيش مناورات عسكرية عديدة من أجل الاستعداد لتلقي الضوء الأخضر من القيادة السياسية. والمناورتان الأخيرتان أظهرتا قدرات سلاح الجو خلال مناورتي كانون الأول 2013 وكانون الثاني 2014. مثل تلك المناورات لا تُعد الطيارين لمهمة مُحتملة فقط، بل قد تكون جزءاً من إستراتيجية التضليل. فلسنوات عديدة قبل حرب الأيام الستة في العام 1967، شوهدت الطائرات الإسرائيلية تحوم بوتيرة يومية كل صباح فوق البحر الأبيض المتوسط. ومع اعتياد المصريين على مسار الطيران، لم يُعط سلاحهم الجوي الاهتمام الكامل عندما سلكت الطائرات الإسرائيلية الطريق الجوي نفسه صباح يوم 5 حزيران 1967. ثم شن الإسرائيليون الهجوم المفاجئ. هذه الحيلة كانت بهدف خداع الإدراك الحسي والتوقعات لدى الخصم. وعلى الرغم من أن إيران ليست مجاورة لإسرائيل ولا تمتلك مقدرات رصد بالأقمار الصناعية ذات أهمية، فهي لديها بعض القدرات الاستخبارية التي تستخدمها لمراقبة إسرائيل. على سبيل المثال، يوجد رادار إيراني في سوريا. وكما هو معروف فإن إيران تدرس أيضاً الأداء العسكري الإسرائيلي في الحملات السابقة. وقد صرّح مؤخراً رئيس منظمة الدفاع المدني الإيرانية، غولام رضا جليلي، أنه أرسل فريقاً إلى لبنان بعد العام 2006 لدراسة أثر الذخائر الإسرائيلية على الأبنية المُدمّرة. وعلى ما يبدو، فإن إيران تراقب أيضاً النوايا الإسرائيلية وصنع القرار. ففي 26 كانون الثاني 2013، قبل أربعة أيام من الهجوم الإسرائيلي على قافلة تحمل صواريخ من سوريا إلى حزب الله في لبنان، صرّح مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، أن إيران تنظر إلى أي هجوم ضد سوريا على أنه هجوم ضد إيران نفسها. قد يكون ولايتي على علم بشأن نقل الأسلحة مُسبقاً وحاول زيادة فرصة وصولها إلى وجهتها عبر تعزيز قوة الردع ضد أي هجوم إسرائيلي. وهذا يوحي بأن النظام الإيراني لديه بعض الإدراك بشأن النوايا الإسرائيلية والخطوط الحمراء. إشارتان إسرائيليتان نموذجيتان لأي هجوم وشيك: نشر بطاريات القبة الحديدية في مناطق يُحتمل أن تسقط فيها الصواريخ واجتماعات غير مُقررة مُسبقاً للمجلس الأمني. ولكن، لأن الإسرائيليين يعرفون أنهم تحت المراقبة، يمكن أن يستخدموا ذلك من أجل التضليل. فلطالما أن الحرب الأهلية السورية مستمرة، من الصعب على إيران معرفة ما إذا كانت الاستعدادات الإسرائيلية هي من أجل الساحة السورية أو الإيرانية. وإذا ما اعتادت إيران على نمط التصرف الإسرائيلي، عندها يكون من الأسهل تنفيذ الهجوم المُفاجئ.

المفاجأة العملانية

تتطلب الحاجة إلى عنصر المفاجأة بأن تكون إسرائيل الوحيدة من يختار توقيت تنفيذ العملية. وهذا قد يبدو اعتباراً غير ضروري لأنه بتعريف الهجوم الاستباقي فهو يُشن جراء قرار يتخذه البلد المُهاجم. ولكن، بخصوص توقيت أي هجوم على منشآت إيران النووية، هناك بعض القيود التي تعيق الإطار الزمني المتوفر للمهاجم. وبرنامج إيران النووي له طريقان محتملان باتجاه السلاح النووي، تخصيب اليورانيوم في منشآت الطرد المركزي أو إنتاج البلوتونيوم في مفاعل المياه الثقيلة الذي لم يصبح عملياً بعد. وكلا هذا الطريقان يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عندما يُتخذ قرار بتوقيت أي هجوم. والمشكلة في ربط توقيت الهجوم بتطورات البرنامج هي أن إيران قد يكون لديها بعض السيطرة على الإطار الزمني المتوفر للهجوم، وبذلك تقليص قدرة إسرائيل على تحقيق عنصر المفاجأة. ولأن المفاعل النووي الشغال هو هدف صعب على الصعيد السياسي، فالتاريخ الذي يُصبح فيه مفاعل آراك شغالاً يكون الحد الخارجي للإطار الزمني المتوفر. وسيكون لدى إيران حافز من أجل تشغيله بُغية تقليص استفادة إسرائيل من أي عملية ضد المنشآت الأخرى (فمن غير المنطق مهاجمة المنشآت النووية عندما يكون باستطاعة إيران الانتقال في ما بعد إلى إنتاج البلوتونيوم عبر استخدام المفاعل المُتبقي). من ناحية أخرى، وضعه العملاني يُشكل الخط الأحمر الإسرائيلي، لذا سيكون لدى إسرائيل دافع قوي لشن هجوم قبل أن يُصبح شغالاً. من وجهة النظر الإيرانية، هناك معضلة بين تعليق العمل على تشغيل المفاعل، وبذلك تقليص التوتر مع إسرائيل، وبين الاستمرار في العمل لإملاء الإطار الزمني المتوفر لإسرائيل.

إن عنصر المفاجأة مرتبط أيضاً باختيار مسار الطيران إلى الأهداف في إيران. والاكتشاف المبكر من قبل الدول المجاورة الممتدة على طول طريق الطيران الإسرائيلي ليس بالضرورة تهديداً عملانياً طالما أن الطائرات الإسرائيلية لن تستهدفها الأنظمة العربية المضادة للطائرات والإنذار المبكر لن يُمرر إلى الحكومة الإيرانية. ونظراً لاعتماد إسرائيل على تحقيق عنصر المفاجأة بخصوص توقيت العملية، فإن تنسيق العملية مع طرف خارجي قد يكون المشكلة ومن شأنه أن يؤدي إلى خطورة معقولة. وعلى مر السنوات السابقة، تم الإيحاء إلى وجود شراكات مزعومة من هذا النوع. ففي نيسان 2012، انتشرت إشاعة بأن إسرائيل مُنحت ضمانة بالوصول إلى القواعد الآذربيجانية. فكلاهما، تركيا والسعودية، خُصص بالاسم من أجل بلوغ ذاك الهدف. وفي حزيران 2010، ظهرت تقارير إخبارية في وسائل الإعلام الغربية تقول إن الجيش السعودي قد أجرى اختباراً لأنظمته المضادة للطائرات وراداراته لضمان عدم مهاجمتها للطائرات الإسرائيلية في طريقها نحو أهدافها في إيران. ومرة أخرى، في تشرين الثاني 2013، أوردت صحيفة الصانداي تايمز أن الرياض أبدت عن موافقتها لاستخدام إسرائيل لمجالها الجوي. ولكن، تنسيق عمليّة حساسة مع دولة أخرى ينطوي على مخاطر هائلة. وإسرائيل تعلمت مؤخراً ثمن التعاون الإقليمي بخصوص العمليات الحساسة. فوفقاً لتقرير أوردته الواشنطن بوست في تشرين الأول 2013، كتب الصحافي دايفيد إيغناتيوس إن العلاقات الاستخبارية بين تركيا وإسرائيل تعرضت إلى انتكاسة حادة بعد أن قدم رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان قائمة إلى إيران تحتوي على أسماء الإيرانيين الذين التقوا ضباطاً في الموساد في تركيا. لذا تخطي العقبات العملانية متمثل بطول طريق الطيران وعدد الطائرات الضرورية لتدمير الأهداف ومتطلبات تنفيذ عمليات الإنقاذ وتقليص خطر التسريبات.

ومن أجل تفادي الاكتشاف المُبكر، ستكون إسرائيل بحاجة إلى تخفيف حدة الإشارات الخارجية لقوتها الجوية، وهذا يمكن فعله بطرق عديدة. واحدة منها هي عبر التشويش أو إعماء الرادارات الممتدة على طول طريقها إلى المواقع النووية. والخيار الآخر هو تفادي مدى اكتشاف الرادارات. ففي 7 حزيران 1981، حلقت الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى المفاعل العراقي على علو منخفض فوق الصحراء لتجنّب اكتشافها من قبل الرادارات. ويمكن اختيار مسارات طيران منخفضة مُشابهة باتجاه المواقع النووية الإيرانية. أما الخيار الثالث فهو إتباع الخداع من أجل جذب انتباه إيران للتركيز على أهداف خاطئة. وتلك كانت إستراتيجية التضليل التي استخدمتها إسرائيل في هجوم سهل البقاع عام 1982 على البطاريات السورية المُضادة للطائرات. فقد تم تحديد سرب من الطائرات الإسرائيلية بدون طيار من قبل الرادار السوري. وبالتالي، اكتُشفت مواقع الأنظمة المضادة للطائرات مع استهدافها للمسيرات. كما يمكن للمرء أن يتنبأ بأن تكون الطائرات تعود للخصم. وقد يكون هذا السبب وراء قرار إيران الأخير بتصنيع نسخ عن تصميم المسيرة الإسرائيلية هيرون من أجل طائرتها بدون طيار المُسماة فُطرس. وقد اخترقت الطائرات بدون الطيار الإيرانية المُستخدمة من قبل حزب الله، اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي مرات عديدة في الماضي: مرتان خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006 ومرة في تشرين الأول 2012. فإذا ما اخترقت مُسيرة فُطرس المجال الجوي الإسرائيلي، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتقوم إسرائيل بتحديد أن الطائرة معادية. والأمر نفسه يمكن تطبيقه على الطائرات الإسرائيلية أو المُسيرات التي ستدخل المجال الجوي الإيراني.

أثناء فحصهم صعوبات تنفيذ الضربة، يمكن للمحللين العملانيين الإسرائيليين أن يشعروا بالارتياح جراء واقع أن إسرائيل قد استطاعت تحقيق عنصر المفاجأة مرات عديدة في الماضي. وإيران، كالهدف المقصود لأي هجوم مُحتمل، تواجه مشاكل عدة. الأولى هي اكتشاف قرار الهجوم. والثانية هي التقييم بدقة لتوقيت وتنفيذ العملية. والمشكلة الثالثة هي القيام بكل ما يلزم من إجراءات لمنع وقوع العملية. لقد أُخذت إيران على حين غرة جراء اجتياح العراق في أيلول 1980. فهل ستجد نفسها في غفلة مرة أخرى؟.

اعلى الصفحة