اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الثالثة عشر ـ العدد 149 ـ (رجب 1435 هـ) أيار ـ 2014 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

داعش والغرباء

تُرى ما الذي يشدنا إلى الأمس؟ مرارةُ الحاضرِ أم غيابُ الماضي وتسرُّبُهُ من بين أيدينا؟!.. وكيف هو الحنينُ نتلمَّسُهُ في حنايا القلبِ طفلاً نهَدْهِدُهُ, ينامُ الطفلُ فينا.. يستكينُ الحنينْ.. لكنه ما يلبثُ أن يوقِظَ في دواخِلِنا الرغبةَ في العودة إلى الأيام الماضيةِ..

كيف نكبرُ وتشيخُ أيامُنا!! أهو العمرُ وحدَهُ الفاصلُ والحكم, أم أن أحداثنا هي التي تغذِّي القلبَ بدماءِ الحياةِ الجديدةِ.. وأولئك الذين هم جزءٌ من عالَمِنا  -مؤثِّرين أو متأثرين- يصنعون جزءاً من حاضرنا ومستقبلنا..

ما الذي يحدُثُ للقلبِ حين ينشطر.. والروحِ التي قد كانت بصفاءِ سماءِ الربيع!!، ووجوهُنا التي ألفناها وأحببناها ما عادت تُشبهُنا.. كأننا حين أخذتنا دوامةُ الحياة,, ضعنا في دوائرها.. وضاعت منا وجوهٌ كانت تعشَقُ الولوجَ إلى برزخ النجاة, تُسامِحُ المخطئين.. تُعانِقُ المُقْبِلين.. تُرْشِدُ التائهين.

يحدُثُ أحياناً أن نتأمل أنفسَنا.. ماضيها وحاضرَها, علاقاتِنا بالآخرين, نستعرِضُ الجراحَ التي بَقِيَتْ نُدْباتُها على جدارِ القلب, داواها الزمانُ بيديه حين لمسها لكنه لم يستطع أن يمحي آثارها, بقيت دموعُنا تسقيها وفي لحظاتِ الحزنِ.. تنبُتُ ألفُ وردةٍ تعانِقُ حبّاتِ الندى دموعاً يحكيها أولئكَ الذين يوماً حملوا في قلوبِهمُ الورودَ البيضاء, وعلى أكتافهم بنادق الرجاء، وعند صدورهم قنابلَ الفداء.

البدر تعشقه الرّياحُ.. فتزدهي مدُنُ السراب..!؟ وتعيشُ كلُّ ضغينةٍ في صدورهم.. من أين نشعلُ ذلك المصباحَ في الغسقِ المُريب...؟ أضأنا لهم دمانا عشرينَ إصبعاً، ثم انثالوا علينا يخنقونَ الرجاء فينا، ما تبقى من أملٍ لدينا، في أن نراهم بشراً لا عملاءْ.. لكن ماذا نفعلُ.. شهداؤنا صرعى في زمنٍ مضيَّعٍ في الشَّتاتِ، وقتلاهم جلاَّدونا محميون بفتاوى أمرائهم.. وكأننا صرنا الهباء.. كأن الموطنَ لهم، ونحن الغرباءْ.. حفّ الهوى قلوبَهم المليئةَ بالضغائن وتفرّقوا كالريح في مدن الجليد...؟! لا تنتخي دماهم المروءةَ.. فالشهامةُ في ارتخاء...! من أين يبحرُ حقدهمُ المقولبُ بالخوف منا، والمحمومُ في بحر الدّماء.. وأي دماء...؟ إنها دماؤنا على عتبات الوطن يا لا أوفياء.. يا لا أصدقاء ولا أعداء.. من أين شمسهم الممهورةُ بذلِّ الارتشاء.. والانتماءُ إلى العدا شمسُهُمُ الحارقةُ لما تبقى في عروقهم من دماء.. تحصّنوا بالخوف المصطنع من ملائكةٍ صنعوا العزة للأوطان.. يصرُخُون.. إنهم صرعى الهزيمة التي لحقت بأبناءِ رعيتهم الخرقاء.. أتراهم صرعى كما يتصوّرون...؟؟

اللّيلُ والأشباح والمستضعفون إلى يوم القيامة سائرون على أفواههم أدعيةُ الانتهاء، الخلاص من نيرٍ هم ثورُهُ العظيمُ.. بقرتُهُ التي لم يعفُ أسيادُهم ما لونها، تشابهت عليهم الألوان...!! أصواتُهم... أسماؤهم.. سمومُ عجائزِهِم الخرقى للصّبحِ تنعقُ كغرابِ بينٍ كي لا يخنقها الظلام...!! ظلامُ ما لم تصنَعْهُ أيديهم ذات مرةٍ في العمرِ من كبرياء، إباء، أو حتى أي دعاء؟!! قبورٌ تمشي على الأرض، وتعطي إيقونةَ السماح لمأجورٍ داعشي، ومن زمرة النصرة للعدا.. تطلبُ الأُمرةَ والإمارةَ للجلادِ، جلادُهم لا ذنبَ له، فقد أَغْرَتُهُ رقابُ الأيامى واليتامى والشباب والصبايا للسفح قربانةً على مذبحِ الاشتهاء.. قبورٌ أوجههم المناديةُ بالتكبير باسم الدين.

شمسُ النّهار تغوصُ في الأفق الرّحيب... تتثاءب الأحزان في وقت المساء..! تتراكم الأنقاض في كلّ البلاد...! حيث النّفوس هناك تلهثُ في ركود...! وجباهُ أبناءِ العِرْقِ السامي تطوفُ كالذّئب الجسور.. وتحوم.. تبحث عن بريقٍ في الشفاه أو العيون...!؟ تتظاهر وتتمظهر وتتلون وتختبئ خلف مليون شعارٍ وشعار.

صمتٌ رهيبٌ في ارتخاء... وأنا أسيرُ على اللّظى.. أقتاتُ من زهرِ البنادق والمدافعِ والدّماء.. لعلّ عاصفةَ الملائكِ الذين زرعوا الأجسادَ ولم ينتظروا لأنفسهم الحصادَ.. تُضاحكُ المُدُنَ الخراب.. حيث الظلامُ في دواخلهم الخاوية ينسُجُ حزنَهُ الأبديَّ.. يعتصر في غلِّ صدورهم والغيرةِ العمياء القبور...!!؟

أقول لكلِّ من عصف بمخيلتي من هؤلاء الذين يحملونَ أوسمةَ الشياطين، ويقفون على شاطئِ الأمانِ الذي صنعَهُ دمُ الشهيدِ كمحورٍ لردع العدو.. شواطئُنا البخيلةُ عاصفاتٌ من رماد..؟ نعم بخيلةٌ شواطئُنا التي صنعها موجُ الأحبةِ الشهداء.. وما زالَ يحترق الصّباحُ كمقلة ساهر على الثغور.. كرصاصته.. كالمتعبين...!! ما زال سيف الإباء يحفرُ لحداً سيضمُّ التكفير في رمسه الأبديّ.. في جفــن الظلام..! ما زال ينتفض التّراب على خطا أقدامهم... وفي كل وقتٍ يرضِعُونَهُ الفداء...!؟

وتلك الأصواتُ التي عادت ترجُّ الأركان بقتلِ الأغيار.. وقطع الرؤوس ونبش القبور وأكل الأكباد.. هي ما تبقّى من رُكام العار.. ما مخضته في أعناقنا هوجُ الرّياح...! والفتنةَ التي خبَّأتها الأممُ طي القرارْ.. هي ما تبقّى من زمانٍ شاحبٍ في معصميه سلاسلُ من نيران.. البومُ والغربان والأشباح تسرح في الفضاء..! يريدون حرب داحسٍ والغبراء.. جندوا داعشَ والغرباء.. فتتمدّد الأجواء والأسماء... وينتفخُ الهواء، تتفسّخُ الجثث القتيلة في البلاد.. فحياتُهم تكفيرٌ واهمٌ تنفّس من الأمم الملتحدةِ الهواء.. يمتصُّ من شفةِ الحياةِ.. دماءَ كلِّ الأبرياء.!!؟.

اعلى الصفحة