السنة الثالثة عشر ـ العدد 149 ـ (رجب 1435 هـ) أيار ـ 2014 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

لا مجيءَ سوى الغيابِ

أقلِّبُ أوراقي.. أحذيةٌ تمشي حافيةَ القدمينِ‏..

حناجرُ تتعكَّزُ فوق عصيٍّ من أصواتٍ مبحوحَةْ‏..

أقلِّبُ أوراقي.. أشرعةٌ لا تنوي العودَة‏ وسماءٌ تمطرُ قيظاً‏ ودموعٌ تجري كدفق العيون.. مساءٌ ينقصُه رونقُ الأبناءِ.. وضحكاتُ أيمن.. أطفالٌ لا تغريهمْ كلُّ الألعابْ‏..

ينقصُهُم أنت وبعضٌ من آيات الكتابْ..

أقلِّبُ أوراقي.. أيدٍ تكتبُ بأظافرِها..‏ أقلامٌ‏ تصبحُ أعوادَ ثقابْ..

أقلِّبُ أوراقي ‏وأراني المقتولْ‏.. أحلفُ بالرّوحِ‏ بأنَّ القاتلَ‏ ما كانَ المسؤولْ!!‏..

أتركُ في باحةِ الصمتِ تمتماتي المكبوتةَ دهراً.. أداري الأصحاب من وجع الارتياب.. وأدرأُ الارتيابَ في حضرة الأوجاعِ ولا يتركني الأصحاب..

أتركُ روحَيَ على هودجِ الأحلام المزعومةِ فتُدرِكُني الكوابيسُ..

أقلِّبُ كفَّي حسرةً على ما فاتني من أُنس الحياةِ

فلا يرثيني سوى قلبي المتلاشي خلف نبضٍ كليلٍ

يذوي في غيهب الغيبِ خلفَ جحافل الأحزان..

يتلفَّت الأصحابُ:‏ مَنْ منَّا رَحَلْ؟‏ مَنْ قد توفّاه الوجَلْ؟‏..

أو من قَرَأْ‏ باسمِ الذي جعلَ السَّوادَ بنبضه‏ كحلاً تداريه المقلْ؟‏..

أو من كَتَبْ بعضاً من اللّهب النزيفَ أو انتَحَبْ‏..

فوق الفضاءِ الرَّحبِ في ورقٍ يطالبُ بالسّكوتْ؟‏

يا صحبُ مَنْ منَّا اختبأ‏ في الجرحِ مختالاً بأنّ الروح‏ لا تخشى الصَّدأْ؟‏

أدري بأنَّكَ صرتَ تشكو‏.. لا بيتَ ولا أولادَ ولا رفاقَ ولا رغيفَ ولا كتابَ‏ ولا قلمْ‏.. فالصّمت محبرة العَدَمْ‏.. وقتٌ سَأَمْ‏..

ألمٌ يغلّفه النّعاسُ فلا يفيقُ‏ ولا يبوحُ ولا ينوحُ ولا يصيحُ‏..

ولا يولِّد فيكَ غيرَ العجز عن وجع التَّورّطِ‏ في انفلات الأسئلَةْ‏

لا مجيءَ سوى المحالِ‏.. ولا محالَ سوى انتظاركَ للوعودْ‏..

خَدرٌ بأعضاءِ الهواءِ المستقرّ على رئات الاكتئابْ‏.. والوقتُ بابْ‏..

ترنو إليه مداعباً‏ تحكي له عن نورسٍ في الأفق‏ عن نخلٍ سوى نخل الجنوب‏..

وعنْ سماءٍ غيرِ أرضكَ‏.. عن رغيفٍ غيرِ خبزِ الوقتِ‏.. قد يبدو خرافَةْ‏..‏

يغريكَ أنْ تمضي‏ وقد يدعوكَ أن تحكي قليلاً‏ أو كثيراً‏ عن جراحٍ لاذعاتٍ‏..

عن حياةٍ من جناحاتٍ يبلّلها الأرقْ‏

عن جنّة ليستْ هناكْ‏ لكنَّها- في أفقكَ العطشان- قد تبدو هناكْ‏..

في السرّ تضحكُ من سذاجةِ بابكَ المزعومِ‏..

لن تَدَعَ المسافةَ تنفلتْ‏ فتلمّ شيئاً من بقاياك القليلةِ:‏

صورةً لحبيبةٍ منتظرة.. وريقاتٍ صغاراً كنتَ فيها شاعراً‏.. ورقَ الجدِّ المرحومِ‏..

آخرَ ما اشتراهُ جارُكَ قبلَ رحيلِه الدَّامي إلى المنفى‏.. دعاءَ الوالدَةْ..‏

تتعمَّد السَّيرَ الوئيدَ بشارعِ الحيِّ القديمِ‏.. حيثُ نشأتُكَ الأولى.. وحيثُ أولادُكَ يكبرون..

لعلَّ طيناً يستقرّ على الحذاء إلى الأبدْ‏ فتمرّغُ النَّبضاتِ فيهِ إذا نزا فيها الحنينْ‏.. ‏

يتلفَّتُ الأصحابُ‏.. مَنْ مِنَّا احتَمَلْ‏؟!..

في اللَّيل أن يغدو لصيقَ فجيعةٍ‏ ويفيقَ عند الصّبح دونَ توجّعٍ‏ صافي المُقَلْ؟‏

لكَ أنْ تموتَ كما يموتُ الميّتونْ‏ احفرْ بكفِّكَ نعشَكَ الغبشيَّ‏..

لا تسألْ عن التَّاريخِ‏.. ((ولتكتُبْ وصيَّتكَ الأخيرَةَ))‏.. لا تقُلْ كفني هناكْ‏..

يا صحبُ قولوا:‏ لا مجيءَ سوى الغيابِ‏..

ولا غيابَ سوى مجيءِ الذِّكرياتِ‏ على فِراشٍ من ضبابِ الأمنياتِ‏..

هو المماتُ‏ رداؤُنا اليوميُّ‏.. لحنُ فراغنا‏.. صوتُ التَّخطِّي في تكسُّرِنا‏..

انتباهةُ أضلعِ التّابوتِ للنَّفَسِ الأخيرِ‏.. ولاحتضانِ المتعبينْ.. ‏

يتساءَلُ الأصحابُ‏: مَنْ منّا‏ سيلغي‏ كلَّ أوراقِ التَّوجُّعِ‏ إذْ يعيشُ بلا حنينْ‏.

اعلى الصفحة