الخوف من عودة "الجهاديين" التونسيين

السنة الثالثة عشر ـ العدد 148 ـ ( جمادى الثانية 1435 هـ) نيسان ـ 2014 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تفاعلت خلال الأشهر الماضية قضية ما بات يعرف بالجهاديين التونسيين المجندين من قبل الجماعات السلفية الجهادية للقتال على الأرض السورية، الأمر الذي أثار تساؤلات كبيرة حول معنى قدوم شباب تونس إلى هذا البلد العربي، ليلقوا حتفهم في محرقة الموت؟ وما هي القضية التي يدافعون عنها؟.

فالتقديرات التي قدمتها السلطات السورية تقول إنه يوجد في سورية حوالي 130 ألف مسلح أغلبهم انضموا إلى الجماعات التكفيرية ( جبهة النصرة، والدولة الإسلامية في العراق و الشام "داعش")، قدموا من 49 بلدا عبر العالم. ويمثل المقاتلون العرب في هذه الحرب قرابة 40 ألف مقاتل أكثرهم قدموا من السعودية حوالي 8 آلاف محارب ثم العراق 6 آلاف مقاتل، تليه تونس 5000 مقاتل، وتليهما ليبيا ومصر بأكثر من 4 آلاف مقاتل لكل بلد.

وكان لافتاً أن أغلبيّة المقاتلين ينتمون إلى مدينة بن قردان، الواقعة جنوبي تونس، على الحدود مع ليبيا. وتعتبر بن قردان من محافظة مدنين، من أكثر المناطق تصديراً للجهاديين إلى سورية. وهي التي قال عنها زعيم تنظيم القاعدة في العراق سابقاً أبو مصعب الزرقاوي "لو كانت مدينة بن قردان بجانب الفلوجة لتحرّر العراق". لكن مع سقوط النظام التونسي في بداية عام 2011، أصبح السلفيون منتشرين في مناطق عديدة، لاسيما في المحافظات التونسية المهمشة من الشمال الغربي و الوسط، وفي مدينة بنزرت، و في الأحياء الفقيرة من مدينة تونس العاصمة. وإذا كان الجنوب التونسي أول من بادر إلى الذهاب إلى سورية كونه يشكل القاعدة التقليدية للإسلاميين، فإن الوسط والشمال لحقا به، لا بل فاقاه حماسة، وها هي مدينة بنزرت في أقصى الشمال تتحول عاصمة لـ"المجاهدين في سورية".

يمكن التأكيد أن السلفيين الجهاديين التونسيين، هم جزء لا يتجزأ من شبكة دولية مرتبطة بتنظيم "القاعدة" وأخواتها، فتسمية "أنصار الشريعة" هي نفسها التي يعمل تحت لوائها أيضاً السلفيون القاعديون في اليمن. كما أن أسلوب السيطرة على مدن صغيرة وإبعاد السلطات المحلية منها لإعلان تطبيق الشريعة، هو نفسه المستخدم في اليمن وتونس على السواء. ولولا تدخل بعض القوى الأمنية لمساندة الأهالي لأحكم السلفيون قبضتهم على مدينتي منزل بورقيبة، وسجنان في ولاية بنزرت عام 2011، من أجل تطبيق الحدود.

لم يتأخر السلفيون الجهاديون في إعادة تنظيم صفوف مجموعته بعد خروجه من السجن – لكنهم لم يستخدموا مجدداً كما هو واضح اسمهم القديم "الجماعة التونسية المقاتلة"لتي كان يقودها أبو عياض، بل أطلق عليها مع آخرين اسم "أنصار الشريعة". وشكّلت الحرب التي دارت في ليبيا المجاورة خلال العام 2011 فرصة ذهبية له ولأنصاره، إذ سمحت لهم بالتواصل مع جهاديين ليبيين كانوا يتدفقون على تونس للانتقال منها إلى داخل ليبيا لقتال قوات العقيد معمر القذافي. وما إن سقط القذافي وانهار نظامه حتى سنحت فرصة أكبر لأبي عياض كي يحصل على ما تتمناه أي جماعة جهادية تريد أن تقاتل "أعداءها"" السلاح.. والكثير منه. فمع سقوط القذافي باتت ترسانته متاحة لمن يملك المال ليشتريه بأرخص الأثمان، وفي حالة زعيم "أنصار الشريعة" ربما يحصل عليه مجاناً كمكافأة على وقوف الجهاديين التونسيين إلى جانب إخوانهم الليبيين الذين يريدون أن يردوا لهم جميلهم خلال الثورة.

شكلت ليبيا الملاذ الآمن لتنظيم "أنصار الشريعة" الفرع التونسي، لكي يدرب عناصره على مختلف أنواع الأسلحة، إضافة إلى تهريب كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والمتفجرات عبر الحدود الليبية - التونسية المفتوحة، إلى عدة مدن تونسية، وإلى منطقة جبل الشعانبي. وفي غمرة زمنية من الانفلات الأمني بعد سقوط الأجهزة الأمنية التونسية، ومع مجيء حركة النهضة إلى السلطة المتحالفة مع التيارات السلفية الجهادية، ازداد عدد الجهاديين التونسيين عدداً وعدة، بسبب استقطابهم للمزيد من الشباب إلى صفوفهم، من خلال حملات توعية وإرشاد ديني في المساجد وعلى ناصيات الطرق، ومن خلال تنظيم حملات إغاثية لمساعدة الفقراء والمعوزين، ما عزز موقع الجهاديين - السلفيين في المناطق المهمشة في ضواحي المدن الكبرى على وجه الخصوص. وأظهرت جماعة "أنصار الشريعة" قوتها على الأرض في مايو 2012 من خلال تنظيم ملتقى حاشد في القيروان حضره نحو 5000 شخص توافدوا من مختلف المناطق التونسية، ما أثار تساؤلات حول قدرة السلفيين والجهاديين على جمع مثل هذا التأييد في وقت وجيز بعدما لم يكن لديهم أي حضور بارز خلال تولي بن علي السلطة على مدى سنوات طويلة (منذ 1987). وفي مايو2013،عندما لجأت حكومة "النهضة" إلى منع تنظيم "أنصار الشريعة" من تنظيم ملتقاه الثالث في القيروان،كانت تقارير تشير إلى أن المشاركين فيه سيبلغ عددهم 40 ألفاً، في ارتفاع كبير بالمقارنة مع العام السابق.

هناك جهات إقليمية ومحلية تونسية  تقف وراء تجنيد الجهاديين التونسيين المُغَرَرِ بهم للقتال في سورية، وتشير المعلومات إلى أن تكتم الحكومة التونسية في عهد حكم النهضة عن الأمر قد يكون مرتبطاً بتورط بعض القياديين في الحكومة التونسية في تمويل وتسهيل إرسال الشبان التونسيين للجهاد في مالي وسورية، لاسيما أن الصحافة التونسية كشفت عن تمويل يأتي  إلى "جمعيات""تونسية غير حكومية لتجنيد جهاديين وإرسالهم إلى سورية. وفي التفاصيل يقوم "الوسيط" التونسي بعزل هؤلاء الشبان في معسكرات في المثلث الصحراوي بين ليبيا وتونس والجزائر، ثم يتمّ ترحيلهم لاحقاً إلى تركيا حيث توجد جمعيات أخرى لاستقبالهم وإدخالهم إلى الأراضي السورية بعد تدريبهم بطريقة سريعة، و"ما يسهّل أسرهم أو قتلهم".

وتقيم المجموعات الجهادية في ليبيا معاقل للتدريب في محافظة غدامس، التي لا تبعد إلا بـ 70 كم عن الحدود التونسية، يتلقى فيها هؤلاء الشبان بعض التدريبات العسكرية ثم ينتقلون إلى محافظة الزاوية ليستكملوا تدريباتهم لمدة 20 يوماً. ووفقاً للتحقيقات، فإن الجهاديين التونسيين يتوجهون إلى سورية عبر لبنان وتركيا ثم ينتقلون إلى ميناء البريقة للسفر إلى إسطنبول ومنها إلى الحدود السورية، حيث يُسلمون إلى "جبهة النصرة" و "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش".

والسؤال المطروح في تونس، لماذا لا يذهب هؤلاء الجهاديون للقتال من أجل تحرير القدس، إذا كانوا مؤمنين حقاً بفكرة الجهاد، فذلك هو الجهاد الحقيقي؟ غير أن حكومة النهضة السابقة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سورية، عملت على تشجيع انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل والاستهتار الذي تبديه قيادات حركة النهضة، لاسيما وزير الداخلية السابق، ورئيس الحكومة السابق السيد علي العريض، في التعامل مع التيارات السلفية الجهادية. ويطالب أهالي الجهاديين المنظمات الإنسانية كذلك في دعم قضية استرجاع أبنائهم.

ويرى المحللون المتابعون لموضوع الجهاديين التونسيين، أن عدداً من الذين توجّهوا إلى سورية، قاتلوا في ليبيا ضدّ نظام معمر القذافي، وهم ليسوا من المرتزقة بل يسعون لتنفيذ قناعات تشرّبوها من الفكر الجهادي التجنيدي في بلادهم.ويشجّع المناخ العام في تونس ما بعد الثورة على انتشار هذه الظاهرة، مع التساهل والاستهتار الذي كانت حركة "النهضة" الحاكمة  تبديه في التعامل مع التيارات السلفية الجهادية.

في دراسة بعنوان: "المقاتلون الأجانب في سوريا وجنسياتهم"، أوردت الدراسة أن أكثر المقاتلين الأجانب الذي قتلوا في سورية منذ بداية المعارك في 2011، والذين كانوا ينتمون لما يعرف بـ"الجيش السوري الحر" وتنظيم "جبهة النصرة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام: داعش"، يحملون الجنسية التونسية،إذ تمت تصفية 2800 منهم وسجل 1315 كمفقودين،  تلاهم القتلى الليبيون بـ 1807 قتلى، ومن دول المغرب العربي أيضاً 412 قتيلاً مغربياً، و273 جزائرياً وقتيلٌ واحدٌ من موريتانيا. وبهذه الإحصائية يبدو أن تونس تحولت بشكل شبه صريح إلى دولة مصدرة للإرهاب وللإرهابيين في الدول العربية عامّة وفي سوريا.

وتصف السلطات التونسية عودة ما يقارب 500 إرهابي الذين كانوا يقاتلون في الأراضي السورية بالقنبلة الموقوتة والكارثة الكبرى التي ستأكل الأخضر واليابس في البلاد, و في خضم هذا النقاش المفتوح حول تداعيات عودة هؤلاء المقاتلين التونسيين،.هناك  أسئلة عديدة تطرح نفسها، لماذا لا يتم تفعيل قانون الإرهاب مع المقاتلين العائدين من سوريا؟ ولماذا أخفقت وزارة الداخلية في فرض هذا القانون؟ ومن الذي ما زال يمول في الجمعيات الدينية المتشددة التي تساهم في تسفير الشباب التونسي إلى سوريا؟.

في تونس اليوم، لا يزال الجدل السياسي قائماً بشأن بلورة إستراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب، لكن قبل أن تتبلور هذه الإستراتيجية، يتطلب خدمة الأمن الوطني من وزارة الداخلية أن تتصدى لهؤلاء المقاتلين العائدين من سوريا الذين باتوا يحملون خبرات متطورة في القتال وصنع المتفجرات، وتلقي القبض عليهم على الحدود التونسية قبل ن يتغلغلوا في المناطق الداخلية، وأن تمنع بس العشرات من أصحاب الجمعيات الدينية المتشددة بالدخول بسهولة إلى التراب التونسي عن طريق المهربين الذين كونوا ثروات ضخمة في فترة وجيزة،حيث يتحصل المهرب على 30 ألف دينار عند إدخال مجموعة من الشباب إلى داخل ليبيا حيث يعترضهم قيادي بتنظيم أنصار الشريعة الليبية لإيصالهم إلى مركز التدريب.

وقد سارعت عديد الدول التي تورّط عدد من مواطنيها في ما يسمّى بالجهاد في سوريا إلى اتخاذ عديد الإجراءات تحسّباً لعودتهم يوماً ما وما سيتبع ذلك من انعكاسات خطيرة على أمن واستقرار تلك الدول إذا قرّرت بريطانيا إسقاط الجنسية على مواطنيها من أصول أجنبية المتورطين في الجهاد في سوريا في حين عجّلت المملكة العربية السعودية بسنّ قانون يعاقب بالسجن لمدة ثلاث سنوات كل مواطن سعودي سافر إلى سوريا بغية الجهاد أما فرنسا فيدرس برلمانها حالياً مشروع قانون قد يسقط كذلك الجنسية على رعاياها من حاملي الجنسية المزدوجة الذين التحقوا بالجهاد في سوريا.ومع أن كل التقارير تقول بأن الجزء الأهم من الجهاديين في سوريا هم من أصل تونسي فإن الدولة التونسية لم تتحرك إلى حد الآن باتجاه استباق عودة هؤلاء الجهاديين يوما إلى تونس سواء بإعادة تأهيلهم أو معاقبتهم ليبقى أكثر من 4000 جهادي تونسي بمثابة السيف المعلق على رقاب التونسيين.

وأسهمت سياسة التسامح والتواطؤ من جانب حزب النهضة الحاكم سابقاً، الذي كان يرفع شعار الحوار مع السلفية الجهادية "لأنهم أبناؤنا" حسب قول قادته، لكنه لم يحاورهم في الحقيقة، في انتشار الإرهاب، إضافة إلى عجز حكومة النهضة السابقة عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حيث أن نسبة النمو لم تتجاوز 3% وهي نسبة لا تخلق التنمية ولا تحل مشكل البطالة وهذا أحد الأسباب التي تغذي الإرهاب.

وهناك إجماع لدى النخب التونسية و الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها الفكرية و السياسية، أن عدم مراقبة الفضاء المسجدي والجمعياتي حيث لنا أكثر من 200 جمعية خيرية ودعوية لا نعرف مصدر تمويلاتها وبرامجها، وفرت البيئة الحاضنة للإرهاب،  إضافة إلى أن المتورطين في الإرهاب ومعظمهم من الشباب بين سن العشرين والثلاثين هم في الحقيقة ضحايا سياسة غير موفقة في المجال الاقتصادي والسياسي والديني.

دور تنظيم "أنصار الشريعة" في العمليات الإرهابية

أدانت الحكومة التونسية تنظيم "أنصار الشريعة" في العديد من المرات بعد  ثبوت إدانته في العديد من الجرائم الإرهابية، لعل أبرزها:

1- مقتل القنصل الأمريكي بالسفارة الليبية "كريستوفر ستيفنز"سفير الولايات المتحدة الأمريكية في بنغازي يوم 11 سبتمبر 2012. وكان "أبوعياض"  دفع بأنصاره للقيام بالهجوم على مقر السفارة الأمريكية في منطقة البحيرة بتونس العاصمة، وحرقها،كردّ فعل على نشر صور مسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يوم 14 سبتمبر 2012، و الذي نتج عنه اعتقال حكومة "النهضة" ناشطين سلفيين، وصل عددهم إلى 144، بتهمة مهاجمة السفارة الأمريكية، وهو هجوم تسبب في مقتل أربعة تونسيين وجرح 49 آخرين، إضافة إلى إحراق 100 سيارة لموظفين في البعثة الدبلوماسية، وتدمير تجهيزات في المدرسة الأمريكية القريبة من السفارة. وكان أبرز الموقوفين قيادي في تنظيم "أنصار الشريعة" يدعى أبو أيوب صدر حكم بسجنه سنة بتهمة التحريض على مهاجمة البعثة الدبلوماسية الأمريكية. والظاهر أن زعيم "أنصار الشريعة" سيف الله بن حسين المعروف بـ"أبو عياض التونسي" كان أيضاً من السلفيين المطلوب توقيفهم في قضية السفارة، لكنه نجا من الاعتقال آنذاك، إثر انتهاء الخطبة التي ألقاها يوم 17 سبتمبر 2012،حيث قامت قوات الأمن الداخلي بتطويق جامع الفتح بالعاصمة التونسية  للقبض على زعيم تنظيم" أنصار الشريعة "المطلوب للعدالة، وقامت بمحاصرة المسجد من كل الأماكن. فرفض أنصار"أبو عياض" تسليم زعيمهم لقوات الأمن الداخلي التي طوقت جامع الفتح وبعد نصف ساعة من محاولة إقناع الأمنيين لـ"أبو عياض" بضرورة تسليم نفسه فوجئ الأمنيون بقرار "فوقي" من وزارة الداخلية التي كان يقودها رئيس الحكومة الحالي السيد علي العريض، يطالبهم بالتراجع الفوري والسماح لـ"أبو عياض" بمغادرة المكان وهذا ما حصل فعلاً. وقد عللت وزارة الداخلية هذا القرار بأنه تفادياً لسقوط ضحايا من الجانبين. لكن سعي حكومة "النهضة" إلى توقيف "أبو عياض"، بعدما أوقفت أعضاء آخرين في جماعته في قضية سفارة أمريكا، بدا وكأنه الشرارة التي دفعت بجزء من تيار السلفيين الجهاديين إلى تغيير طريقة تصرفهم مع حكم "النهضة" بعدما اعتبروه متعاوناً مع الأمريكيين ضدهم.

2- تزامن توثيق أواصر العلاقة بين فرع "القاعدة" المغاربي وبين أنصار الشريعة التونسية (أو بعض مجموعاتها) مع انتقال هؤلاء إلى ترجمة خلافهم مع "العلمانيين" بشكل دموي. ففي 6شباط  2013، اغتيل القائد اليساري، أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، شكري بلعيد أمام منزله بفتوى وقرار من زعيمهم" أبو عياض ". وهي أول حادثة اغتيال سياسي تشهدها تونس منذ عقود. وعلى رغم أن الاتهامات اتجهت مباشرة إلى السلفيين الجهاديين، إلا أن الحكومة لم تحملهم المسؤولية حتى مرحلة لاحقة عندما أثبتت التحقيقات هوية منفذي الاغتيال وتبيّن أنهم بالفعل محسوبون على "أنصار الشريعة". لكن اغتيال بلعيد دفع حكومة "النهضة"، في أي حال، إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً من "أنصار الشريعة"، خصوصاً أن تصرفات المحسوبين عليها تؤخذ على الإسلاميين عموماً (عائلة بلعيد حمّلت النهضة وزعيمها المسؤولية، وهو ما نفاه الغنوشي بشدة مؤكداً إدانته لعملية الاغتيال).

3- سقوط قتيلين من تنظيم "أنصار الشريعة" بحي التضامن بعد منع قوات الأمن عقد مؤتمر التنظيم السنوي الثالث دون التقيد بالإجراءات القانونية في آيار2013، عندما لجأت حكومة "النهضة" إلى منع "أنصار الشريعة" من تنظيم ملتقاها الثالث في القيروان والذي كانت تقارير تشير إلى أن المشاركين فيه سيبلغ عددهم 40 ألفاً، في ارتفاع كبير بالمقارنة مع العام السابق فقط (خمسة آلاف). وأظهرت جماعة "أنصار الشريعة" قوتها على الأرض في آيار2012 من خلال تنظيم ملتقى حاشد في القيروان حضره نحو خمسة آلاف شخص توافدوا من مختلف المناطق التونسية، ما أثار تساؤلات حول قدرة السلفيين والجهاديين على جمع مثل هذا التأييد في وقت وجيز بعدما لم يكن لديهم أي حضور بارز خلال تولي بن علي السلطة على مدى سنوات طويلة (منذ 1987). وكان لافتاً في ملتقى القيروان أن "أنصار الشريعة"كرّمت فيه والد يسري الطريقي الذي أعدم في العراق في تشرين الثاني /نوفمبر 2011 بعدما دين من قبل السلطات العراقية بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء واغتيال مراسلة قناة "العربية" أطوار بهجت عام 2006،ومحمد بختي على دوره في أحداث جامعة منّوبة (التحرك الأول للسلفيين دفاعاً عن الطالبات المنتقبات) وعدداً من سجناء غوانتنامو إضافة إلى صابر رقوبي الذي سجن في أحداث سليمان عام 2006 (الصدام المسلح بين السلفيين الجهاديين وقوات الأمن خلال حكم بن علي).

وعلى الرغم من أن هذا التكريم أوحى بالانتماء الفكري لـ"أنصار الشريعة"، إلا أن هذا التنظيم ظل حتى تاريخ تنظيم ملتقى القيروان يتصرف على نسق "الجماعة الإسلامية" في مصر قبل انخراطها في العنف ثم في المراجعات. إذ كانت الجماعة المصرية تعمل على نشر أفكارها من خلال حملات "توعية" دينية وتعمل على تطبيق رؤيتها لمفهوم النهي عن المنكر (من خلال إغلاق محلات الفيديو والاعتداء على صالونات التزيين أو أي شيء آخر يمكن أن يُعتبر مسيئاً للمفاهيم الدينية). لكن مساراً كهذا كان لا بد وأن يصل إلى نقطة يتحول فيه إلى صدام مع الدولة ذاتها إلا إذا تنازلت الدولة عن دورها وسمحت لجماعة دينية ما بتطبيق فهمها للشريعة على السكان، وهو أمر من الصعب على أي حكومة أن تقبله. وكما أدى هذا المسار إلى صدام بين الدولة المصرية و"الجماعة الإسلامية" فإنه كان من الطبيعي أن يؤدي أيضاً إلى نهاية شبيهة في تونس بين الدولة و"أنصار الشريعة"

4- اغتيال النائب القومي الناصري محمد الإبراهيمي في 25 تموز 2013 أمام منزله من قبل أبو بكر الحكيم ولطفي الزين بأمر من زعيم تنظيم "أنصار الشريعة أبو عياض".

5- يوم 29 تموز2013 ذبح 8 جنود في جبل "الشعانبي" التابع لولاية القصرين من قبل خلية إرهابية يقودها كمال القضقاضي المساعد الشخصي لأبو عياض. وتعتبر المجموعة الناشطة في جبل "الشعانبي" بولاية القصرين على الحدود مع الجزائر، أكثر مجموعات "أنصار الشريعة" ارتباطاً بـتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" "القاعدة". فقد كانت هذه المجموعات تعمل سراً على إقامة معسكرات للتدريب على القتال إلى أن تم اكتشافها في كانون أول 2012، ما فجّر سلسلة مواجهات ما زالت مستمرة حتى اليوم. وليس واضحاً فعلاً ما إذا كان قياديون في فرع تنظيم "القاعدة المغاربي" انتقلوا للإقامة في هذه المنطقة من تونس كي يكونوا بعيدين عن ملاحقة الأمن الجزائري لهم، وكي يعيدوا ترتيب صفوفهم بأمان على أساس أن تونس التي يحكمها الإسلاميون الآن لن تسعى إلى مواجهة معهم.

6- 4 آب 2013: توفي جندي تونسي و جرح 7 آخرين بعد تفجر لغم بجبل الشعانبي وضعته خلية إرهابية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة.

7- يوم 18 أكتوبر 2013 عمدت مجموعة من الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم "أنصار الشريعة "إلى قتل ثلاثة عناصر من قوات الأمن بقبلاط التابعة لولاية باجة.

8- يوم 23 أكتوبر 2013 اغتيال مجموعة من قوات الحرس الوطني من قبل مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة.

وقد أدَّت العمليات لإرهابية المختلفة التي نفذتها العناصر المرتبطة بتنظيم "أنصار الشريعة" خلال عام 2013 بحسب  الأرقام الرسمية التونسية  إلى استشهاد 23 عنصراً أمنياً وعسكرياً، وكذلك إصابة عدد آخر هام من أعوان الأمن والعسكريين بسبب انفجارات الألغام وهي إصابات طالت أرجل الأمنيين وطالت المدرعات العسكرية. في المقابل تم إلقاء القبض بحسب المصادر عينها على حوالي 885 إرهابيّا وتصفية 11 عنصراً منهم.

وكان رئيس الحكومة التونسية السابق السيد علي العريّض أعلن في شهر آب 2013 تصنيف تيار "أنصار الشريعة" المحظور كـ"تنظيم إرهابي"، على خلفية اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي، وأصدرت الحكومة التونسية مذكرة اعتقال دولية ضد "أبو عياض" (48 سنة) الذي فرّ إلى ليبيا، في حين اتهم وزير الداخلية السيد لطفي بن جدو تنظيم "أنصار الشريعة" بالضلوع في جريمتي اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وبقتل عناصر من قوات الجيش والأمن الوطنيين في أحداث إرهابية، وإدخال أسلحة مهربة من ليبيا إلى تونس وبالتخطيط "للانقضاض على الحكم بقوة السلاح" وإعلان "أول إمارة إسلامية في شمال إفريقيا".

التحالف بين الإرهاب و التهريب

بحسب التعزيزات العسكرية  التي ترسلها السلطات الجزائرية على حدود تونس وليبيا منذ أن اشتد عود الإرهاب في تونس، الذي يتغذى من قاعدته اللوجستية في ليبيا، بات واضحاً أن الأجهزة العسكرية الأمنية الجزائرية  تريد "تعقب" التهديدات التي تستهدف الأراضي الجزائرية إلى خارج حدودها. ونظراً للعلاقة العضوية بين تنظيم "أنصار الشريعة" في تونس وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ولتنامي الخطر الإرهابي في تونس، وتداعياته على الأمن الوطني الجزائري، تمكنت الأجهزة الجزائرية المتخصصة في محاربة الإرهاب، من "رصد" مكان تواجد"أبو عياض" في ليبيا، وهددت الحكومة الليبية بإرسال "وحدة مختصة" لإيقافه داخل ليبيا. ومارست السلطات الجزائرية  أيضاً ضغوطات على الولايات المتحدة الأمريكية لكي تتخذ موقفاً في هذا الاتجاه، و هذا ما يفسر توجه وحدات أمريكية خاصة لإلقاء القبض على زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا،بمساعدة  السلطات الليبية التي تعتبره السبب الرئيسي في تنفيذ أنصاره في ليبيا لسلسة من الاغتيالات في صفوف قيادات عسكرية كبيرة كانت من أبرز المساندين للثورة الليبية وساهمت في الإطاحة بالقذافي.

ومنذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس في 14 كانون الثاني 2011، ظلت ترزح تونس تحت وطأة أزمات سياسية متكررة بات من الواضح أنها تضرب بجذورها في تدهور الوضع الأمني، وضعف الدولة التونسية من جراء الفراغ المؤسساتي الناجم عن المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. فاستغل تنظيم "أنصار الشريعة" هذا الفراغ الأمني الكبير، لكي يقوم بسلسلة من العمليات الإرهابية ظلت منخفضة التواتر، إلا أنها ازدادت عدداً بشكل ينذر بالخطر، وهذا ما حصل عقب اغتيال الشهيد شكري بلعيد، حيث تشير كل الدلائل إلى تواطؤ جهات مرتبطة بحركة النهضة بحادث الاغتيال، الأمر الذي قاد إلى مزيد من الاستقطاب في المشهد السياسي بين الحكومة الائتلافية، التي تهيمن عليها حركة النهضة الإسلامية، والمعارضة العلمانية.

لقد لعب الفراغ الأمني عقب سقوط النظامين في كل من تونس وليبيا خلال عام 2011، إضافة إلى الفوضى التي أنتجتها الحرب في ليبيا في توسيع الفجوة بين تونس على الحدود ـ سهلة الاختراق، والتي تحتشد فيها الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم "أنصار الشريعة"، والتي باتت بؤرة للجهاد والتهريب ـ وتونس العاصمة والساحل التي تنتابها المخاوف من هشاشة المناطق الداخلية التي تخشاها أكثر مما تفهمها، وفي إعادة تنظيم كارتيلات التهريب (التجار على الحدود مع الجزائر، والقبائل على الحدود مع ليبيا)، ما أضعف سيطرة الدولة التونسية ومهد الطريق لأنماط أكثر خطورة بكثير من التهريب، الذي يغذي الجماعات الإرهابية. فارتفعت وتيرة التهريب إلى حد كبير ومثير للقلق عبر الحدود التونسية –الليبية. على الرغم من أن التهريب كان منذ وقت طويل المصدر الوحيد للدخل لأعداد كبيرة من سكان المناطق الحدودية، فإن الاتجار بسلع خطيرة ومربحة أصبح يشكّل مصدراً لمخاوف عميقة. باتت المخدرات الخطيرة إضافة إلى كميات صغيرة نسبياً (حتى الآن) من الأسلحة والمتفجرات تدخل البلاد وبشكل منتظم من ليبيا. على نحو مماثل، فإن النصف الشمالي من الحدود التونسية ـ الجزائرية بات منطقة تشهد عمليات تهريب متزايدة للحشيش والأسلحة الخفيفة. هذه الأنشطة تزيد من قدرة الجهاديين على التعطيل وإثارة القلاقل وترفع من حدة الفساد في أوساط السلطات الحدودية. والحقيقة التي باتت ماثلة للعيان في تونس هي اختلاط الأنشطة الإجرامية والتطرف الإسلامي في ضواحي المدن الكبرى وفي القرى النائية الفقيرة، بما أن التهريب والإرهاب يخدمان بعضهما البعض. وبمرور الوقت، أسهم تنظيم "أنصار الشريعة" في ظهور مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود ـ أو الأسوأ من ذلك، إلى التعاون بين الكارتيلات والإرهابيين.

تضارب بين أولوية الجهاد في سوريا و أولوية "أبو فياض"

لقد أتاحت الفوضى التي عمّت ليبيا بعد سقوط القذافي للجماعات الإسلامية المتشددة أن تنشط كما تريد من دون أن يكون هناك من يردعها. وكان الجهاديون بالطبع من بين الذين استفادوا من سقوط القذافي، فأنشأوا معسكرات تدريب في عدد من المناطق لإنشاء جيل جديد من المقاتلين المحترفين. وكان فرع "القاعدة المغاربي "يفترض أن هؤلاء "الجهاديين" الذين يتخرجون من المعسكرات الليبية سيلتحقون بصفوفه، لكنه وجد أن غالبيتهم العظمى تيمم وجهاً شرقاً.. نحو سوريا. وكان بين هؤلاء عدد لا يستهان به من "الجهاديين" التونسيين الذين كانوا يذهبون بالمئات - لقتال النظام في سوريا ضمن صفوف جماعات مرتبطة بـ"القاعدة": كتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش"، وتنظيم " وجبهة النصرة".

حاول فرع "القاعدة المغاربي" في البدء إقناع هؤلاء بأن المغرب العربي يحتاجهم أكثر من سوريا. فأصدر بياناً في 17 مارس2013 توجه فيه للشبان المغاربة وخصوصاً التونسيين الراغبين في "الجهاد"، قائلاً لهم إنه يمكنهم ذلك في المغرب العربي والساحل الإفريقي لأن هذه المنطقة أقرب لهم من أماكن أخرى، في إشارة واضحة إلى أنهم يذهبون إلى سوريا "البعيدة" في حين أن "القاعدة" تحتاجهم في بلادهم.

وكان هذا البيان شبيهاً بموقف "أبو عياض التونسي" نفسه إذ قال في شريط فيديو على "يوتيوب" (قبل ذلك بشهر) إن "تونس أولى بشبابها"من مناطق أخرى.

لكن تدفق "الجهاديين" التونسيين المتخرجين من المعسكرات الليبية وحتى أولئك الذين لم يتلقوا تدريباً ظلت وجهته واحدة: سوريا. وليس واضحاً في الواقع ما إذا كان فرع "القاعدة" المغاربي هو من أوفده مكلفاً بمهمة أم أنه قام بها من تلقاء نفسه لاقتناعه بصوابيتها الدينية، فقد قام "أبو عياض التونسي" بنفسه بالانتقال - قبل شهور قليلة - إلى ليبيا وزار معسكرات تدريب الجهاديين قبل إرسالهم إلى سوريا. جلس"أبو عياض" كما تقول مصادر إسلامية مطلعة، مع قادة المعسكرات - وبعضها قريب من حدود ليبيا وتونس - وطلب منهم وقف إرسال الشباب التونسي إلى سوريا لأن "القاعدة "بحاجة لهم في تونس. ويقول مصدر مطلع عن النقاشات بين "أبو عياض" والجهاديين في معسكرات ليبيا إن تونس أحق بهؤلاء المقاتلين لأن ذهابهم يعني إخلاء الساحة لـ"العلمانيين". لكن "أبو عياض"، كما يقول المصدر، فشل في إقناع القادة الجهاديين بوقف إرسال المقاتلين إلى سوريا، خصوصاً أن كثيراً من هؤلاء يرى أن "الجهاد" مشروع بوضوح في سوريا انطلاقاً من مبادئ دينية وبسبب ممارسات النظام ضد شعبه، لكن الأمر ليس نفسه حيال الحكم في تونس كونه يدار من إسلاميين حتى ولو ضم علمانيين في صفوفه أيضاً.

وعلى الرغم من دعوة زعيم "أنصار الشريعة" أبو عياض التونسي أبناء بلده إلى البقاء لـ"الجهاد" في أرضهم لأنها "أولى" بهم من مناطق أخرى، فإن منتديات هذا التنظيم على الانترنت تحفل بإعلانات متكررة عن "مجاهدين" تونسيين قُتلوا في معارك سوريا. وتنشر المنتديات في العادة نعياً مرفقاً بصورة للقتيل مع معلومات عنه ومكان "استشهاده".

أمريكا تصنف تنظيم "أنصار الشريعة" إرهابياً

التطور الجديد في قضية "أبو عياض"، يكمن في إعلان وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 10 كانون الثاني 2014، بالتشاور مع وزارتي العدل والمالية الأمريكيتين، تصنيف جماعة "أنصار الشريعة" في كل من بنغازي ودرنة في ليبيا وفي تونس، كـ"منظمة إرهابية أجنبية". وصنفت الوزارة، أحمد أبو ختالة، القائد البارز في "أنصار الشريعة" في بنغازي، وسفيان قمو، قائد "أنصار الشريعة" في درنة، وسيف الله بن حسين (أبوعياض ) مؤسس الجماعة في تونس، "إرهابيين عالميين". وحظرت وزارة الخارجية الأمريكية تزويد تلك المنظمات عن علم أو على سبيل المحاولة والتآمر، بدعم مادي أو مصادر أو المتاجرة معها. كما أعلنت تجميد كافة الممتلكات والمساهمات في الممتلكات لدى المنظمة وقادتها في الولايات المتحدة أو في إطارها أو تحت سيطرة أمريكيين.وأشارت الوزارة إلى أن المجموعتين الليبيتين "متورطتان في هجمات إرهابية استهدفت مدنيين، وفي عمليات اغتيال متكررة لعناصر في قوات النظام ولسياسيين في شرق ليبيا وفي الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، الذي أودى بحياة سفير الولايات المتحدة كريستوفر ستيفنز وثلاثة موظفين أمريكيين آخرين".

أما بالنسبة إلى مجموعة "أنصار الشريعة" في تونس، فإن واشنطن تتهمها بتنفيذ هجوم على السفارة الأمريكية في تونس، وعلى مدرسة أمريكية في 14 أيلول العام 2012.

وهذه الجماعة "مرتبطة أيديولوجياً بتنظيم القاعدة وفروعه، وخصوصاً القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتمثل أكبر تهديد لمصالح الولايات المتحدة في تونس"، كما قالت وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً.وجدد البيان تخصيص مبلغ أقصاه عشرة ملايين دولار، جائزة للإدلاء بمعلومات تؤدي إلى اعتقال أو الحكم على أي شخص مسؤول عن هجمات بنغازي في 11 أيلول العام 2012.

توحيد الجهود الوطنية و الإقليمية لمحاربة الإرهاب

على حركة النهضة الإسلامية أن تعي أن بناء الدولة الديمقراطية التعددية، وإقرار دستور ديمقراطي توافقي للجمهورية الثانية في تونس يؤكد على مدنية الدولة، و العمل على الانخراط في إستراتيجية وطنية وإقليمية لمحاربة الإرهاب، هو المخرج الوطني والديمقراطي للأزمة السياسية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، بعد أن باتت النهضة ترى بأم عينها أن التحولات الإقليمية الأخيرة في مالي،و تركيا، وتصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية في مصر وفي الإمارات والسعودية،و"جبهة النصرة "في سوريا أيضا، تؤكد أن القوى الإقليمية و الدولية تتجه نحو تشديد التعامل مع ملف الإرهاب ومع التيارات الجهادية عموماً.

ويتطلب محاربة الإرهاب من الحكومة الجديدة، إنشاء جهاز مخابرات وطني محترف ودمج أجهزة المخابرات ووحدات مكافحة الإرهاب فيه، بحيث تعمل تحت سقف قيم الجمهورية الديمقراطية وتتجنب تسييس إدارة هذه القوات، والقضاء على الأجهزة الأمنية الموازية المرتبطة بحركة النهضة، والإسهام في منع تجدد العنف الجهادي من خلال الإجراءات الأمنية وتحسين العلاقات مع سكان المناطق الحدودية، وتكثيف عمليات التفتيش على الحدود الجنوبية الشرقية، خصوصاً عند معبري راس جدير وذهيبة ـ وازن وزيادة عدد الدوريات المختلطة (الجمارك، والشرطة، والحرس الوطني، والمخابرات، والجيش) بقيادة القوات المسلحة التونسية وتكثيف التكوين والتدريب المشترك بين الجيش والحرس الوطني.

كما يتطلب محاربة الإرهاب، من الحكومة الجديدة، و السلطات المحلية والجهوية في الولايات الفقيرة والمهمشة، والمناطق الحدودية الفقيرة، بعث مشاريع تنموية،وزيادة الاستثمارات والمساعدات التنموية على حدود البلاد والمناطق الداخلية.

إن محاربة الإرهاب لم تعد مهمة وطنية، بل أصبحت مهمة إقليمية ودولية، يتطلب والحال هذه من الحكومة الجديدة  تشجيع وتيسير التعاون الأمني مع الجزائر وليبيا ومصر، والمغرب، وبلدان الساحل الإفريقي، خصوصاً من خلال تعزيز تبادل المعلومات فيما يتعلق ليبيا والجزائر مع الحكومة التونسية، لاسيما في سياق بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية.

ومن المعروف أن الحكومة الجزائرية تمتلك خبرة كافية في محاربة الإرهاب طيلة العقدين الماضيين، وحقق الجيش الجزائري بالتعاون مع الشعب والقوى الديمقراطية نجاحات كبيرة في القضاء على المجموعات الإرهابية في الجزائر. والحال هذه ونظراً لتقاعس الحكومتين التونسية والليبية في مكافحة المجموعات الإرهابية، لاسيما تلك التي تنتمي إلى تنظيمي "أنصار الشريعة" في كل تونس وليبيا، المرتبطين عضوياً ولوجستياً بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فإن السلطات الجزائرية أبدت "صرامة" غير معهودة بخصوص ملف الإرهاب، لاسيما وأن المجموعات الإرهابية بدأت تتمركز على حدود الجزائر الغربية مع تونس، والجنوبية مع ليبيا، فقام الجيش الجزائري  مؤخراً بعملية إبادة لجماعة إرهابية، داخل العمق الليبي بعد قصفها على الأراضي الليبية. 

اعلى الصفحة