الأزمة الخليجية إلى أين ؟

السنة الثالثة عشر ـ العدد 148 ـ ( جمادى الثانية 1435 هـ) نيسان ـ 2014 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

لا يخفى على كل متابع للشأن السياسي أن منظومة مجلس التعاون الخليجي ومنذ تأسيسها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، لم تحقق ما كانت تصبو إليه وتأمل فيه شعوب منطقة الخليج، ولا غرابة في ذلك، فكل منظومة سياسية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوب الدول الأعضاء فيها بالدرجة الأولى، وقبل أي مصلحة أخرى، تصبح فرص نجاحها ضئيلة.

إن أي تجمع سياسي يربط بين دولة شعاراتها غير حقيقية، الهدف منها دغدغة العواطف فحسب، وليس لها انعكاس على أرض الواقع يكون مصيرها الفشل في نهاية المطاف.

كان مجلس التعاون الخليجي في بداية تأسيسه محاولة جادة وفكرة رائدة، إلا أنه لم ينجح بعد ذلك في تحقيق الآمال التي كانت معقودة عليه وذلك لسبب بسيط ، ألا وهو تركيز حكومات دوله على أمور تختلف كليا عن تلك التي ترغب شعوب منطقتها في أن تركز عليها. فبعد أكثر من ثلاثة عقود على إنشاء مجلس التعاون، لا تزال كل دولة من دوله تخطط لاقتصادها بشكل منفرد، ولا تزال لكل دولة قوانينها الجمركية التي تختلف عن تلك المشابهة لها في دول المجلس الأخرى، ولا تزال السياسة الخارجية لهذه الدول الست تفتقر في أغلب الأحيان إلى التنسيق، إضافة إلى أن سياسة التعليم في كل دولة منها تغرد في اتجاه مغاير للدول الأخرى ضمن المجلس.

ما هي الأسباب الحقيقية وراء قطع ثلاث دول خليجية علاقاتها مع قطر، وهل جاء هذا التطور بصورة مفاجئة، وهل ما تقوم به قطر يستحق هذا الإجراء من قبل هذه الدول الثلاث؟

السعودية والإمارات والبحرين تسحب سفراءها من قطر

إعلان ثلاث دول خليجية أعضاء في مجلس التعاون الخليجي سحب سفرائها من دولة قطر، أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء الإعلان الذي جاء مفاجئاً للعديد من المتابعين للشأن الخليجي والذين لم يتوقعوا وصول الأمور إلى هذه الدرجة من التأزم، على الرغم من إدراك حالة التوتر التي كانت تمر بها العلاقات بين قطر وهذه الدول خلال الفترة الأخيرة.

وفقاً لمصدر سعودي، فإن قطع العلاقات جاء بسبب "عدم التزام الدوحة بمقررات تم التوافق عليها سابقاً". كما أشار بيان الدول الثلاث إلى أنها اتخذت القرار بعد فشل جهودها في إقناع قطر بالالتزام بما أسمته مبادئ ميثاق مجلس التعاون، بل إنها "اضطرت للبدء في اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها وذلك بسحب سفرائها من قطر".

يتركز الخلاف بشكل أساسي حول الملف المصري، على الرغم من أن بيان الدول الخليجية الثلاث لم يشر إلى ذلك بوضوح، لكنه يشمل أيضاً خلافاً بشأن عدة قضايا إقليمية أخرى، من بينها الملف السوري والعلاقات مع إيران وتركيا.

يشكل دعم قطر الواضح لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ومناهضتها لما شهدته مصر في ٣٠ يونيو/حزيران من العام الماضي من الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وعزله من قبل الجيش نقطة خلاف كبيرة بين قطر والدول الثلاث التي تؤيد ما قام به الجيش المصري، كما توفر للسلطة الحالية في مصر دعماً مالياً متواصلاً.

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد استدعت سفيرها من قطر في ٢ شباط/فبراير الماضي احتجاجاً على تعليقات وردت في خطبة الجمعة، ألقاها الشيخ يوسف القرضاوي المثير للجدل والذي يقيم في الدوحة، حيث اتهم فيها دولة الإمارات بأنها "تقف ضد أي حكم إسلامي وتسجن المتعاطفين معه".

على الجانب الآخر، كانت الأنباء قد تحدثت عن جهود وساطة مكثفة يبذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، لتهدئة الأوضاع المتوترة بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر.

تفاقم الخلاف السعودي القطري

البيان الثلاثي السعودي الإماراتي البحريني أطلق أول شرارة حرب كان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قد توعد بشنها على قطر، في حال قررت عدم الالتزام بالتعهد الخطي الذي وقعه أميرها الشيخ تميم آل ثاني في الرياض في ٢٣ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بوساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد. تضمن التعهد الخطي التوقف عن دعم الإخوان المسلمين وعدم إيواء قيادتهم المصرية والسعودية، والتوقف عن دعم الحوثيين في اليمن، وعدم القيام بأي عمل يسيء إلى استقرار السعودية والبحرين والإمارات، من خلال دعم أفراد محسوبين على تيار "الإخوان" أو جماعات معارضة في هذه الدول.

توقف البيان الثلاثي المذكور عند اللقاء الذي عقد في الكويت في ١٧ شباط/فبراير الماضي برعاية أميرها الشيخ صباح الأحمد، والذي حضره أيضا أمير قطر الشيخ تميم، فيما حضر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، فماذا جرى في ذلك اللقاء ؟

مصادر خليجية ذكرت أن سعود الفيصل بدا متوترا طيلة اللقاء وتجاوز حدود اللياقة في التخاطب مع رئيس دولة، حيث قام بتوجيه اتهامات مواجهة لقطر بأنها تهدد أمن السعودية ومصر بدعمها "الإخوان"، وأنها تحولت إلى مأوى لكل من يريد القيام بأعمال تضر بالاستقرار في مصر ودول الخليج، إضافة إلى اتهامه لقطر بدعم الحوثيين في اليمن.

أبقى سعود الفيصل نبرة خطابه مرتفعة في حضور أميري الكويت وقطر ووزراء خارجية دول مجلس التعاون، ثم تلا قائمة تدابير عقابية ضد قطر في حال عدم التزامها بالتعهد ومن بينها: سحب السفراء، إغلاق الحدود البرية، منع الطائرات القطرية من استخدام المجال الجوي السعودي وإلغاء عضوية قطر من مجلس التعاون الخليجي ومن الجامعة العربية بالاتفاق مع مصر.

مصادر سياسية مقربة من السعودية حملت أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مسؤولية ما جرى، بسبب وقوفه إلى جانب "الإخوان" حتى بعد عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، فيما التزمت الدوحة الصمت حيال التصعيد الإعلامي السعودي الذي سبق قرار سحب السفراء.

لم تشأ قطر الوصول بالخلاف إلى نقطة الانفجار، وفي الوقت نفسه، لم تقبل منطق الإملاءات وإلزامها بما ينبغي أن تكون عليه سياستها الخارجية وعلاقاتها مع الدول الأخرى ومواقفها من القضايا السياسية الإقليمية والعربية والدولية، وهذا ما حاول البيان الصادر عن مجلس الوزراء القطري التعبير عنه عبر وضع الخلاف في إطاره المحدود، حيث ذكر أنه "لا علاقة للخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، بل باختلاف في المواقف حول قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون".

مسار العلاقات السعودية القطرية

ما تجدر الإشارة إليه أن الخلاف السعودي القطري لا يقتصر على المعلن من أسباب وردت في البيان الثلاثي، فثمة قضايا خلافية أخرى عميقة تعود إلى سنة ١٩١٣ حيث قرر عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة إلحاق قطر بإقليم الإحساء بعد احتلالها. لم يعترف عبد العزيز بحدود قطر إلا بعد عامين بضغط من بريطانيا عبر وكيلها السياسي المعتمد.

على الرغم من توقيع الاتفاقية الحدودية بين قطر والسعودية سنة ١٩٦٥، فقد أرسلت الأخيرة في ٣٠ أيلول ١٩٩٢ كتيبة عسكرية للسيطرة على مركز الخفوس الحدودي على خلفية تجمع قبلي في المناطق المتنازع عليها بين البلدين، حيث توزع أفراد قبيلة مرة في هذه المناطق.

بعد إحباط الانقلاب العسكري في قطر عام ١٩٩٥، كشفت الحكومة القطرية عن تفاصيل تتعلق بتورط السعودية في الانقلاب بالتعاون مع بعض أفراد القبيلة المذكورة، مما أدى إلى إسقاط جنسية المئات من أفراد تلك القبيلة وتهجيرهم.

بعد فترات متقطعة من الهدوء بين الدوحة والرياض، ما لبثت أن شهدت العلاقات بينهما انتكاسة وتوتراً حاداً، كما حصل بعد بث قناة الجزيرة برنامجاً تلفزيونياً في عام ٢٠٠٢ عن تاريخ السعودية، لدى استضافة شخصيات سعودية وخليجية وجهت انتقادات صريحة للملك عبد العزيز، ما أدى إلى سحب السفير السعودي في الدوحة حمد صالح الطعيمي مدة ٦ سنوات.

عادت العلاقات بين الرياض والدوحة إلى طبيعتها إثر زيارة قام بها أمير قطر السابق الشيخ حمد إلى السعودية ولقائه ولي العهد الأسبق الأمير سلطان في آذار سنة ٢٠٠٨، وتم تعيين سفير سعودي جديد في الدوحة. خلال فترة القطيعة بين البلدين، عقدت قطر تحالفات واسعة مع سوريا وإيران وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان ونجحت في أن تصبح لاعبا إقليميا فاعلا، فرعت أكثر من مشروع مصالحة لبنانية ويمنية وفلسطينية وعربية، فيما كانت السعودية تتمسك بما تعتقده حقاً حصرياً لها في إدارة السياسية الخارجية الخليجية.

مهما يكن من أمر، فإن الخلاف بين الرياض والدوحة ما لبث أن تفجّر مجدداً على خلفية تباين المواقف حيال العدوان الإسرائيلي على غزة في كانون الأول ٢٠٠٨ ـ كانون الثاني ٢٠٠٩ ، وسعي قطر إلى عقد قمة عربية طارئة في الدوحة لتشكيل موقف عربي مشترك والضغط على مجلس الأمن الدولي لإرغام إسرائيل على وقف العدوان، إلا أن السعودية قاطعت القمة.

في أيار ٢٠١٠، تحسنت العلاقات بين البلدين، واستجاب أمير قطر السابق الشيخ حمد لطلب الملك عبد الله العفو عن عدد من السعوديين المتورطين في المحاولة الانقلابية التي وقعت عام ١٩٩٥.

مع بدء الربيع العربي، بدا ما يمكن وصفه بتحالف الضرورة بين قطر والسعودية وبقية دول مجلس التعاون عموماً، في مواجهة تداعيات الحراك الشعبي الذي كان يقترب من تخوم الخليج. ومع اندلاع الأزمة السورية، شهدت العلاقات السعودية ـ القطرية مرحلة غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في إطار دعم مشروع المعارضة السورية بجميع أشكالها لإسقاط النظام السوي، في وقت كانت فيه قطر تواصل دعمها لحكومة "الإخوان" في مصر، الأمر الذي لم يكن مرضياً للسعودية والإمارات.

يبقى معطيان هما الأخطر في ملف العلاقة السعودية ــ القطرية. الأول قطري، وهو عبارة عن تسريب مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في شهر كانون الثاني ٢٠١١ حول فكرة تقسيم السعودية، حيث تحدث الوزير السابق حمد عن خطة "إنهاء السعودية" على يده، وأن قطر ستدخل يوماً إلى القطيف والشرقية، وأن الملك عبد الله مسكين ومجرد واجهة، وأن الحاكم الفعلي هو سعود الفيصل، وأنه منته وستقسم بعده السعودية إلى عدة مناطق". وقد وصف حمد بن جاسم النظام في السعودية بأنه "نظام هرم"، وكشف عن أن " أمريكا وبريطانيا طلبتا منه تقريرا عن الوضع في السعودية وأعربتا له عن نيتهما في الإطاحة بالنظام الملكي هناك، إلا أنهم يتخوفون من البديل الذي سيكون إسلاميا غير مرغوب فيه ". أما المعطى الثاني، فهو التصريح الاستفزازي الذي أطلقه الرئيس السابق للاستخبارات العامة في السعودية بندر بن سلطان، حيث وصف قطر بأنها "٣٠٠ شخص وقناة وهذا لا يشكل بلداً". وقد جاء ذلك في وقت قررت فيه السعودية انتزاع الملف السوري من قطر وتركيا معاً.

التهديدات السعودية لم تؤد إلى أي نتيجة ولم تثن قطر عن مواصلة سياستها حيال الواقع الجديد في مصر، الذي ترى فيه انقلاباً عسكرياً تدعمه السعودية والإمارات، وترى أن مواقف الشيخ القرضاوي تنسجم مع الخط السياسي العام للقيادة القطرية.

الآن، وقد نفذت السعودية، إلى جانب الإمارات والبحرين أول التهديدات ضد قطر، ينتظر من الأخيرة رد فعل على المطلب السعودي بالالتزام بالتعهد. في حال تمسكت الدوحة بمواقفها، فإن ثمة مواقف تصعيدية متوقعة، على الرغم من أن المعطيات المتوافرة، وكما توحي به عبارات بيان مجلس الوزراء القطري، لا تفيد بتراجع من جانب الدوحة.

لا شك أن قطر تواجه تحديات كبيرة، ولكنها لا تزال قادرة على حشد عناصر قوة من أكثر من جهة، من خلال إعادة تموضع سياسي جديد وتسوية الخلافات مع الدول التي كانت متحالفة معها في السابق.

الخلافات الخليجية سابقة خطيرة

لم يحدث قبل الآن في التاريخ الحديث لدول الخليج أن انفجرت الخلافات بينها بشكل علني على هذا النحو من التصعيد. صحيح أن هذه الخلافات قديمة وحادة، سواء في مجال الصراعات الحدودية "حتى بين الحليفتين الوثيقتين حالياً السعودية ودولة الإمارات"، أو في العلاقات المتوترة دائماً بين الدول الخليجية الصغيرة الساعية إلى الاستقلال، وبين السعودية المندفعة إلى الهيمنة، إلا أنه من الصحيح أيضاً أن الجميع كان يحرص على "سرية هذه الصراعات وعلى إبقائها وراء الكواليس". لكن شيئاً جديداً اقتحم الساحة الخليجية مؤخراً وفجّر الأوضاع على ما هي عليه الآن: شعور السعودية بالخطر على الوجود أكثر من أي وقت مضى بفعل عوامل غاية في التعقيد.

انحياز الحليف الأمريكي إلى جماعة "الإخوان المسلمين" دق ناقوس الخطر لدى السعودية، فلماذا؟ لأنها اعتبرت أن الأمريكيين تنكروا للصفقة السرية التي أبرمها الملك عبد العزيز مع الرئيس الأمريكي روزفلت في شباط/ فبراير ١٩٤٥، على متن بارجة حربية في البحيرات المرة في مصر، والتي ولد من رحمها التحالف التاريخي بين الديمقراطية الأمريكية والثيوقراطية الإسلامية السعودية، وهو تحالف تواصل دون انقطاع حتى أحداث ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١.

الرياض فسرت، وكانت محقة في تفسيرها "التنكر الأمريكي" لهذا التحالف، عبر الانحياز إلى جماعة "الإخوان المسلمين" بأنه تمهيد لتغيير النظام في السعودية نفسها، إذ إن نجاح "الإخوان" في الوصول إلى الحكم في مصر وتونس، ولاحقاً في بقية الدول العربية بدعم أمريكي، سيعني سيطرة نوع جديد من الإسلام المتصالح مع ديمقراطية المنطقة، على حساب النظام السعودي القائم على الطاعة لولي الأمر.

وهكذا، شنت السعودية حملة مضادة في طول المنطقة وعرضها ضد حكم "الإخوان" في مصر، وعملت على تقليم أظفارهم في تونس وتوجيه ضربات عنيفة لهم في المغرب والأردن. لم يبق الآن لتتويج هذا النصر سوى إغلاق الرئة الإعلامية التي لا يزال يتنفس منها "الإخوان" ويعتمدون عليها مادياً: أي قطر. هذا الموقف يفسر، إلى حد بعيد، أسباب الضغط السياسي المكثف الذي تمارسه السعودية الآن ضد قطر، إذ من غير المعقول بالنسبة للرياض، أن تشن حرباً ضروساً على "الإخوان" بنجاح في جميع أرجاء الشرق الأوسط، فيما حديقتها الخلفية في قطر تصدح بالبيانات "الثورية الإخوانية" وبحملات الشيخ القرضاوي من خلال خطبه النارية الموجهة ضد الإمارات والسعودية من على منابر الدوحة.

الملك عبد الله أبلغ أمير قطر الشاب تميم بن حمد آل ثاني هذا الموقف بجلاء خلال اجتماعهما في الرياض في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي والذي تضمن أيضاً المطالبة، بالإضافة إلى وقف دعم "الإخوان" منع انتقاد فضائية الجزيرة للدول الخليجية، وحظر دعم بعض المنظمات "الجهادية" في سوريا، وقطع العلاقات القطرية مع حزب الله في لبنان.

لكن، يبدو أن أمير قطر اعتبر أن هذه المطالب التي تفرض، في الواقع، تغيير كل السياسة الخارجية القطرية، مجرد اختبار له ولمدى إمساكه بالسلطة، فواصل دعم "الإخوان" في مصر و"جبهة النصرة" في سوريا. والأهم من ذلك، أنه ترك العنان للشيخ القرضاوي ليواصل حملته العلنية على الإمارات والضمنية على السعودية.

الرد السعودي كان تحذيرات سرية في البداية، لكنه انقلب مؤخراً إلى إشهار حرب سياسية علنية مع سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وبالتالي، لم يعد مستبعداً الآن أن تنفذ السعودية تهديدات سرية أخرى، بفرض الحصار البري والجوي على قطر، جنباً إلى جنب مع عزلها في منطقة الخليج والمنطقة العربية، وبفرض المزيد من الشروط عليها.

بعبارات أوضح، تبدو السعودية مستعدة، وبسبب "قلقها الوجودي الحقيقي للذهاب في مرحلة الصدام مع قطر إلى أبعد الحدود". فهل التقطت قطر هذه الرسالة وكيف سترد عليها؟ الإجابة تعتمد على ثلاثة أمور هي:

١- مصير الوساطة الكويتية لمحاولة نزع فتيل الأزمة.

٢- موقف الولايات المتحدة الأمريكية فيما إذا كانت ستترك الحوت السعودي يبتلع السمكة القطرية.

٣- مدى استعداد قطر لخوض "حرب استقلال جديدة وخطيرة" مع "الأخ الكبير" السعودي الغاضب والقلق.

أي السيناريوهات أقرب إلى التحقق؟.. فلننتظر قليلاً لنرى.

قطر والتدخل في سوريا

إن قطر القليلة السكان والفاحشة الثراء، انتهجت سياسة ناجحة لحماية الذات وتعظيم المكانة والدور، حيث عملت على شغل أكبر المساحات العربية من خلال الفضائيات الإعلامية والإنترنت. فالمئات من الإعلاميين والمثقفين والتقنيين العرب عملوا في خدمة المشروع القطري ومعهم الكثيرون من نخب العالم العربي ممن كانوا يبحثون عن منبر وجدوه في قناة الجزيرة. لكن قطر لم تكتف بكل ذلك، وإنما عملت على امتلاك تنظيم سياسي وديني، وكما يشتري الخليجيون كل لوازمهم جاهزة، اشترى القطريون تنظيماً عريقا جاهزاً وبحاجة إلى مقر ومنبر وتمويل، أي "الإخوان المسلمين".

لقد كانت قطر قادرة على اختراق الفضاء العربي إعلامياً وسياسياً، وتحظى بالقبول من جميع المتصارعين، فتقيم علاقات مع محور المقاومة ومع إسرائيل ومع إيران وتركيا، حتى بدت أعجوبة ربع القرن الأخير. لكن النجاح الصاعق أوهمها ونقلها من إستراتيجية حماية الذات إلى إستراتيجية السيطرة على العالم العربي، فيما كانت السعودية تنتظر للأخذ بالثأر ووضع حد للتوسع القطري.

كان بإمكان قطر الاكتفاء بقدر من النجاح في مصر وتونس وليبيا، فتحافظ على مكانتها وتعزز دورها، إلا أنها توهمت بأنها يمكن أن تلعب لعبة الربيع العربي، حتى وإن كان ذلك عن طريق الدمار وأنهر الدماء في سوريا. هنا انتهت اللعبة، فسوريا التي تتمتع بنسيج اجتماعي داخلي يمثل قاعدة واسعة نسبياً للنظام، وتتمتع أيضاً بجيش متماسك تشكل أيضاً معقلاً للمقاومة ولإيران وروسيا والتيارات اليسارية والقومية. كل هذه القوى انخرطت في معركة الدفاع عن سوريا وخياراتها في مواجهة غرب مشتت الرؤية وقوى تكفيرية بلا أفق فكري ولا برنامج إصلاحي، ولا تملك من متاع السياسة سوى التكفير والإرهاب.

في سوريا، وسعت قطر نفوذها ليشمل، بالإضافة إلى "الإخوان المسلمين" شبكات إرهابية، ثم تحالفت مع تركيا في حرب ضروس ضد الشعب السوري ممسكة بهذا الملف ردحاً من الزمن، حيث لعبت كل أوراقها بما فيها ورقتها الأثمن، أي حركة حماس، فأخرجتها من سوريا، بل ومن محور المقاومة، فخسرت ما كانت تتمتع به من إجماع شعبي عربي وفقدت سمعتها كحركة مقاومة.

هزيمة المشروع في سوريا أدت إلى اختلال ميزان القوى على مستوى المنطقة بأسرها، إذ سقط "الإخوان المسلمون" في مصر، وتراجعوا في تونس، وتصدعت قوتهم في تركيا نفسها. ومع ما أصاب المشروع القطري من انتكاسات، كان هناك الأمريكيون غير الراضين عن التوسع القطري الطموح، والسعوديون الذين تقدموا، بعد تنحي الأمير حمد بسلسلة من المبادرات على النحو الآتي:

١- تشكيل تحالف سعودي إماراتي بحريني أردني.

٢- الإغداق المالي والدعم السياسي والإعلامي للنظام العسكري المصري في مواجهة "الإخوان المسلمين".

٣- تجديد الحرب في سوريا من خلال محاولة إعادة تكوين جماعات مسلحة إرهابية وتوفير الدعم السياسي والتمويل والتدريب والتسليح لكل من يقدم منها الطاعة للمملكة السعودية.

٤- التحرك في لبنان من خلال دعم الأعمال الإرهابية ضد حزب الله والمصالح الإيرانية.

حري بكل دولة من دول الخليج أن تضع سقفاً لخلافاتها مع الدول الأخرى في المنطقة، وأن تحافظ على حلقة الوصل مهما بلغت شدة الخلافات، فتدرك أن القرار لا بد أن يكون مشتركاً، وأن لكل دولة منها كياناً قائماً بذاته ومصالح خاصة بها، ليست بالضرورة متوافقة دائماً مع مصلحتها، وليس في ذلك أي ضرر.

اعلى الصفحة