السنةالثالثة عشر ـ العدد 146 ـ ( ربيع الثاني 1435 هـ) شباط ـ 2014 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

رفيف الروح

لكل ميلادٍ عيدُهُ.. وميلادي نوافذُ العمر علي..

لا تُشرَعي الليلةَ أيا نوافذَ الولادة‏.. لا تنظري إليَّ‏ وأنا ألمَّ أشلائي‏ وأبكي عليَّ..‏ نامي‏ لا تخرجي غداً من قميص المساء‏.. قلبي يتمشّى‏.. وغداً أشجار الحديقة تصحو‏.. هذا التراب يخنق روحي‏ ويغلق أنين الفضاء‏ على يديَّ‏..

لا تُشرَعي أيا نوافذَ العمر.. ‏صوتي ينزُّ من شقوق العصور..‏ لا تنظري إلى بهو حزني‏ فأنا خنقت كلَّ الزهور‏.. لا تهمسي لي..‏ لا تُطِلِّي عليَّ..‏ ظلّي كما أنتِ‏ طريقاً للخلاص‏ ظلّي.. باحة‏ً يركضُ في أرجائها السؤال.‏. لا أحتاجُكِ الآن‏.. أنا أشربُ ماء الغموض‏ وأروي خساراتي بالذهول‏.. لا أحتاجُ سلالَ الضوءِ‏ أطوي بها طورَ سينين‏ ولا أحتاجُ العتمةَ‏ أرشُّها على شِعْرِي الحزين‏.. لا المفرداتُ تريدُ أن تميلَ عليكِ‏ ولا يدي‏ تودّ زرع الحيرة في حناياكِ‏ دعي قلبي يتهادى فوقك‏ اتركي رمادي يهطل‏ ورموزيَ تهطل‏ُ دعيني أستلُّ ضرامي‏ وأحلُّ في قميص الورود‏.. فأنا لا أريدُ لكِ أن تكوني شاهدةً على موتي.. فتغلقي آخر الضحكات  على مصاطب الوردِ..  ‏

يا نوافذي على الحياة.. ضاعت في أناملي الغزالات الشريدة‏.. ضاع في قدمي العشب‏ُ ووسوسةُ اليقين‏.. ضيعتُ برزخ المجازات‏ وغرقتُ في مطرِ الأساطير‏.. كسرتُ زيزفونةَ حقلي.. وكنتُ أُظلِّلُ بها أطيافَ الزمان.. هزَّأتُ قمطرير الحكايات‏ ورميت للأفق بأشلاء البياض‏.. أمسك الليل يدي‏.. سرتُ مع العصف والمساء الحائر‏.. كأننا متساويان‏ أنا والمساء‏.. حائران أنا وأنا.‏.

غداً‏.. أسيرُ على الكلامِ الذي زرعَتْهُ القصائدُ في الطريق‏.. غداً‏ أنسى أُنسَها على كتفي‏ وبعضَ همسِ الصباحاتِ ينبتُ على كفيّ‏.. غداً‏ تصيرُ الكلماتُ ذكرياتٍ‏ ومقبضُ البياض على أعتابِها برداً‏.. وقد يرى‏ كلُّ الخلائقِ بعضَ بعضِها على قمرِ المساءْ.. أو يلتقطون رونقها طيفاً من درب الهواء‏ْ..

غداً‏.. يحكي الرمل عن رجلٍ وملاكٍ‏ يمرّان على الضوء‏.. ينكسران قبل طلوع القهر‏.. يصير كلٌ منهما‏ مدينةً غابرة‏..

غداً..‏ أحنُّ إلى دفاتر الذاكرة.‏. أنبلج من الوهم‏ِ الذي يخيفنا من الفراقِ بُعيدَ اللقاء السريعِ على غيمةٍ مسافرة.. وقد أصيد من التخوم قطا الأسئلة‏.. أجمع العتمة والضوء‏ وأمضي خلف التحولات‏.. وقد أمرّ بباعة اليقين‏ِ.. أشتري حكايات مدجّنة‏ وعطراً أخرس‏ وقد أشتري سكراً لحزني‏ أو علبة تطوي الأزمنهْ‏..

غداً‏.. أمرّ بشارعٍ ضمَّ فُلكَ نافذتي على الحياةِ..‏ فلا أجدُ برزخاً‏ يشيلُ من نجمةٍ على وجنةِ الصبحِ فيها رفوف الحكايات‏ ويسدل النهارَ العتيقَ على نورها..‏ قد لا أعرِفُ لونَ مشاتلها‏ ولا شرفةً تنسكِبُ من وميضِها‏ ولا حقولاً ترفّ على قلبها‏.. قد أخطئ كيف أسمّي شمسَها..‏ كيف أرمي الحنطةَ لعرجَونِها القديمِ‏ وربما‏ توبخّني عتباتُها‏ وأنا أمرُّ بلا انحناء‏ٍ ودون تلفُّتٍ نحو البهاءِ المُطلِّ من عليائها..‏ وقد أرتمي‏ في حضن النميرِ النازِلِ من صوتِها‏ وأُنسَ السلام من المنحدراتِ على روحِها‏ وقد أشربُ في حضرتها المنافيَ‏ وأمضغُ خبزَ المتاهةِ..‏ لن أدعوها إلى ولائم قهري‏ ولن أستجدي شموسَ حرَّاسِها..‏ سأقطع خيوطَ الزمان‏ بين جهاتي وقلبها‏ كي لا تستعيدني من الصدى‏ وتندبَ على فرساني الميتين‏.. لا أريدها‏ أن تصرفَ أيامَها‏ في سوقِ انتظاري‏.. أو تنسجَ لي من حريرِ لهفتها‏ طريقاً للحنين.‏.

سأعرف كيف ألتقط البحار‏َ مثل الهموم‏.. أزرع وجهي في المحارات‏ تقرؤني نوافذي..‏ وترمي الورودَ للجهات‏..

ها أنا أمرُّ‏ غريباً كما كنتُ مرور الغيوم‏ِ في حقل الرياح‏.. حاملاً جرار الصباح..‏ في دمي صفصافة‏ أسوق بها النهارات‏ وعلى كتفي صوتها قلعة مغلقة‏..

ثقيلةٌ ذكرياتُنا‏.. لنرمِ قليلاً من حجارتها بباب النعاس‏.. لنلقِ بعض يقيننا‏ في جيوب الظلام‏.. ماذا نفعلُ بكلِّ هذه النجومِ النائمةِ حولنا؟..‏ بكل هذه الأيام الميتةِ في أكفّنا؟‏.. بأحبَّتنا الخائرين من الشوق؟؟‏.. بمساءاتنا المتكاثرة؟؟..‏ ماذا نفعل؟‏ باللغة الجائعة‏ِ الحائرة؟..‏ بالنوافذِ المهملات تنسى اسمها‏؟.. بالأحراشِ المغفّلةْ‏؟.. ببقايانا‏ في قميص الحسرة‏؟..

فلنترك قليلاً من رمادنا في المراعي‏.. ولنترك بعض جمرنا في المحيطات‏.. لنترك قليلاً من لهفتنا على نوافذ الزمان..‏ ولنَدَعِ الوقتَ ينقرُ أخبارَنا‏.. ربما ينبتُ حبقُ الأمنيات على رؤوسنا‏.. ربما نعود مرةً..‏ أو مرةً إلى أشلائنا..‏ ربما نلتقي بغفلةٍ عن الوقتِ المكابرِ فنعلِنَ ولادَتنا من رفيفِ أرواحنا. 

اعلى الصفحة