وسط التخبط في دهاليز مقترحات كيري لـ "تخليد الاحتلال"
منطقة الأغوار: بين المكانة الاقتصادية ومزاعم "الأمن الإسرائيلي"!

السنةالثالثة عشر ـ العدد 146 ـ ( ربيع الثاني 1435 هـ) شباط ـ 2014 م)

بقلم: مأمون الحسيني*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

لم تستطع الزوبعة الإعلامية التي أثارتها تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون التي اتهم فيها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بمحاولة وضع طموحاته الشخصية (نيل جائزة نوبل للسلام) على حساب أمن الدولة العبرية، وأعرب خلالها عن رفضه لأي تسوية تنطوي على الانسحاب من الضفة الغربية بذريعة إمكانية انهيار سلطة أبو مازن وصعود حركة "حماس"، التغطية على حقيقة موقفي الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو من صيغة اتفاق الإطار التي يسعى كيري، وعبر جولاته المتواصلة، إلى بلورتها مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي..

وكذلك مع بعض الأطراف العربية، وبخاصة ملكي السعودية والأردن اللذين يعوَل عليهما للضغط على سلطة رام الله للقبول بالمقترح الأمريكي، ولاسيما إزاء قضية حدود العام 1967 التي يرجح أن يكون أحد خياراتها الرئيسية مشابها لما ورد في خريطة الطريق التي وقَع عليها رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، في نيسان/ إبريل 2003. والتي جاء فيها إن "الهدف هو إنهاء وضع الاحتلال الإسرائيلي على السكان الفلسطينيين الذي بدأ في عام 67، في ظل التفاهم ومراعاة المتغيرات التي حصلت على الأرض"، ما يحافظ، عمليا، على منطقة القدس والكتل الاستيطانية، وكذلك حيال مسألة الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل، والتي يعمل على إدخالها في صلب "اتفاق الإطار".

مقترحات في مصلحة إسرائيل

ومع أن تصريحات يعلون التي تم الاعتذار عنها لاحقا، استدعت ردا من الخارجية الأمريكية، ومن كيري شخصيا، وأسالت حبرا كثيرا حول "مفصليتها" في تظهير التباين الأمريكي- الإسرائيلي، وبدء خسارة تل أبيب حلفاءها الاستراتيجيين، غير أن التدقيق في مقترحات كيري يفيد بعدم خروجها، من حيث الجوهر والنتيجة، عن رؤية اليمين الإسرائيلي، وأن الغضب المفتعل الذي تبديه صقور ائتلاف حكومة نتانياهو إزاء هذه المقترحات التي "تكرَس الاحتلال" ليس أكثر مسرحية إعلامية تهدف إلى تمهيد التربة أمام تسويقها فلسطينيا وعربيا ودوليا. وحسب القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي التي كشفت جوانب الاقتراحات التي حملها كيري والمبعوث الأمني الجنرال جون ألان، وعرضاها على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني كتقديم للحل النهائي. فإن هذه المقترحات ليست سوى صياغات عمومية غامضة قابلة لتفسيرات متناقضة تحاول إشعار الطرفين أن بالوسع عرضها على كلا الشعبين كانتصار لمفاوضيه. وبحسب القناة، فإن الاقتراحات الأمريكية تتحدث صراحة عن "خطوط 67"، ولكنها تربطها بـ "تبادل أراض متوازنة في قيمتها". ما يمكَن الإسرائيليين من القول بأنهم أبقوا بحوزتهم الأراضي التي أرادوها، ربما 90% من المستوطنين في الضفة، فيما بوسع الفلسطينيين تفسير التعبير على أنهم حصلوا على "متر مقابل كل متر" أخذته إسرائيل.

أما بخصوص القدس، فتتحدث الاقتراحات عن صياغة غامضة، وهي تشير إلى "القدس الكبرى" (Greater Jerusalem). ويفسر ذلك أن بوسع الفلسطينيين الادّعاء بأنهم نالوا عاصمة في شرقي القدس، في حين بوسع إسرائيل القول إن عاصمتهم فعلاً هي في أبو ديس. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تشير الاقتراحات مثلاً إلى قبول الجانب الفلسطيني "بعدم إغراق إسرائيل باللاجئين"، في حين "لا يكون لإسرائيل تواجد دائم على حدود الدولة الفلسطينية". ولكن مصادر فلسطينية أشارت إلى أن كيري لم يعرض على عباس أي اقتراحات نهائية، وأن الأخير ركز على وجوب أن تعمل الولايات المتحدة على منع إسرائيل من استمرار عملية هدم المفاوضات، سواء بقتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم، أو ببناء المستوطنات.

في المقابل، وعلى الرغم من انتقادات وزيرة القضاء تسيبي ليفني ورئيس المعارضة زعيم "حزب العمل" يتسحاق هرتسوغ لتصريحات يعلون الذي يفترض أنه يعبّر عن الجو العام داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فضلا عن أنه أحد القيادات الأساسية في حزب الليكود، فإن الأجواء العامة في حكومة إسرائيل التي تتعامل مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وكأنه "لا شريك"، وذلك في استنساخ متطور للحالة التي وقع فيها الراحل ياسر عرفات، تميل هذه الأجواء، وإن بغير إعلان، إلى الموافقة على تصريحات وزير الحرب الذي يعتبر أن استمرار الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية ومنطقة الأغوار يضمن أمن إسرائيل، ويكفل "عدم تعرض مطار بن غوريون الدولي ونتانيا لسقوط صواريخ من كل جهة". وتكفي الإشارة، في هذا السياق، إلى قيام وزارة الاستيطان الإسرائيلية، وبعد أيام فقط على مغادرة كيري، بنشر خطط لبناء 1076 وحدة سكنية في أحياء رامات شلومو وراموت وبيسغات زئيف في القدس الشرقية، و801 وحدة أخرى في مستوطنتي افرات وارييل وقرني شومرون وعمانوئيل والكانا في الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن إعلان نتنياهو، وفق ما كشف موقع صحيفة "هآرتس"، رفضه التوقيع على أية وثيقة يرد فيها إقامة عاصمة الدولة الفلسطينية على أي جزء من مدينة القدس، ورفعه من سقف تشدده حيال التسوية مع الفلسطينيين من خلال التأكيد على أن  إسرائيل "لن تنسحب من الخليل، ومن عدد من المستوطنات التي تقع خارج الكتل الاستيطانية الرئيسية الثلاث (غوش عتصيون ومعاليه أدوميم وأريئيل) التي تتحدث إسرائيل عن ضمها في إطار الحل الدائم مع الفلسطينيين، وتعتبر "هامة" لما أسماه "الشعب اليهودي"، من نمط مستوطنة "بيت إيل"، واعتباره أن "المشكلة في الشرق الأوسط ليست الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل إيران والإخوان المسلمين"!

مركزية ملف الأغوار

وسط هذا الفيض من التطرف حيال كافة عناوين قضايا الصراع والملفات الحيوية المعقدة والمتشعبة المطروحة في مقترحات وزير الخارجية الأمريكي، والجاثمة فوق طاولة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، والتي تجعل من جزم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بـالاقتراب من توقيع اتفاق تسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل"، مجرد محاولة لـ "حقن" الملف الفلسطيني بالمزيد من المخدرات المنتهية الصلاحية بانتظار نتائج ضغط بعض العرب. وسط ذلك يبرز ملف منطقة الأغوار الفلسطينية- الأردنية التي صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للشؤون التشريعية على قانون لضم مستوطناتها الإسرائيلية والشوارع التي تربطها، والتي يزعم الإسرائيليون بأنها تقع في مقدمة اهتماماتهم الأمنية، وذلك على الرغم من توضيح تقرير نشر مؤخراً، بأن حدود العام 67 هي حدود تضمن أمن إسرائيل، وأن كل تصريحات اليمين الإسرائيلي عن وجوب إبقاء غور الأردن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية لا أساس لها من الصحة، انطلاقاً من حقيقة أن الخطر الحالي على الدولة العبرية لا يشبه الأخطار السابقة بعد تلاشي خطر تسلل مجموعات فدائية من الجانب الأردني، والتيقّن من أن تهديد الصواريخ، بأنواعها كافة، قائم بطبيعة الحال، ويطال كافة مناطق إسرائيل.

ويضيف التقرير الذي أعدَه "المجلس الإسرائيلي للأمن والسلام" المكوَن، بشكل أساسي من جنرالات احتياط ومتقاعدين، إنه "وحتى في السيناريو الأقل معقولية ويحاكي حربا كلاسيكية تقليدية ينبغي أن نذكر:

1- أن الغور لا يوفر عمقاً إستراتيجياً، فعرض دولة إسرائيل مع الغور وفي المكان الأكثر ضيقاً هو خمسون كيلومترا فقط، ولذلك فإن ثمة حاجة لرد آخر وهو ليس إقليمياً.

2- إذا تعين أن يوفر الغور ردا على هجوم عسكري بري، فإن المنطقة البالغة الأهمية لانتشار عسكري (إسرائيلي) هي السفوح التي تقود إلى قمم الجبال. والانتشار هناك يحوّل الغور إلى مكان مقتل القوة المهاجمة.

3- إن القوة (الإسرائيلية) التي ستمكث بشكل دائم في الغور ستكون بالضرورة محدودة الحجم، وموجودة في منطقة متدنية طوبوغرافيا، وتتعرض لخطر المحاصرة بشكل دائم.

4- توجد لخط نهر الأردن أهمية تتعلق بالحفاظ على الأمن ومراقبة الحدود في الفترات العادية وليس أكثر من ذلك".

يعود احتلال منطقة الغور إلى الثامن من حزيران/ يونيو 1967. وقد شكلت المنطقة التي سميت "بلاد المطاردات" حتى عام 1970 ممراً رئيسياً للعمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ، منذ ذلك الوقت، خطة ممنهجة، تستهدف إقامة المستوطنات، وإفراغ الأغوار من سكانها الفلسطينيين، وإحكام السيطرة على الأرض والموارد تمهيداً لاستيطانها واستثمارها. وفي تموز/ يوليو 1967، أي بعد شهر من حرب الأيام الستة، اقترح يغئال ألون ما يسمى بـ"مشروع ألون" الذي قام على أساس استمرار السيطرة الإسرائيلية في غور الأردن. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1995، أعلن اسحق رابين في الكنيست بأن الحدود الأمنية لحماية دولة إسرائيل ستكون في غور الأردن "بالمعنى الأوسع لهذا المفهوم". أما في مؤتمر "كامب ديفيد الثاني" الثاني في العام 2000، فقد وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك على التخلي عن التواجد الإسرائيلي الدائم في الأغوار. وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ أعلن اريئيل شارون في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" إن إسرائيل ملزمة بمواصلة السيطرة في الغور. أما أيهود اولمرت، فاقترح على أبو مازن، حين كان رئيسا للوزراء، خطة لتبادل الأراضي وافق، في إطارها، على انسحاب إسرائيلي من كل غور الأردن في مقابل ضم الكتل الاستيطانية في معاليه ادوميم، وغوش عصيون واريئيل. وتراجع عن ذلك في العام 2006، وقال إنه يعتزم الإبقاء على الكتل الاستيطانية الثلاث وعلى غور الأردن تحت سيطرة إسرائيلية.

وفي إطار عمليات السيطرة على أراضي منطقة الأغوار، اتبعت حكومات الاحتلال المتعاقبة سلسلة من الخطوات، بدءاً بنهب أملاك النازحين، وزيادة مساحات ما يسمى "أراضي الدولة" في المنطقة لتصل إلى 53.4 % من المساحة، أي أربع أضعاف ما كانت عليه فعلياً قبل 1967، يضاف إليها 45.7% مناطق إطلاق نار عسكرية مغلقة. كما تم إغلاق 20 % كمحميات طبيعية يتداخل ثلثاها مع مناطق إطلاق النار، وبذلك تمكنت سلطات الاحتلال من السيطرة على 77.5% من أراضي المنطقة، خصصت 12% منها للمستوطنات، من ضمنها جميع الشواطئ الشمالية للبحر الميت. ووفق تقرير لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، تحتل المستوطنات والمجلس الإقليمي الاستيطاني مساحة 1,344,335 مليون دونم أي ما يعادل 83.4% من أراضي المنطقة المعنية و24% من مساحة الضفة و95% من أراضي المنطقة ( ج) في الأغوار. كما تحتل "أراضي الدولة" 748,965 دونم، أي ما يعادل 48.7 % من أراضي الأغوار و14% من مساحة الضفة، و 55.5% من مساحة المنطقة (ج) في الأغوار، أما المناطق العسكرية المغلقة فتصل إلى 743,626 دونم ما يعادل 46.1% من مساحة الأغوار و13.3% من مساحة الضفة و52.6% من مساحة المنطقة (ج) وتقع 334,614 دونما ضمن ما يسمى محميات طبيعية ما يعادل 20.7% من الأغوار و 6% من الضفة و 23.6% من المنطقة (ج)، أما المناطق التي أغلقت بفعل الجدار العنصري فتصل إلى 2,505 دونم و 0.16% من مساحة الأغوار و 0.04% من مساحة الضفة و 0.20% من مساحة المنطقة (ج)، ليصبح المجموع الصافي 1,372,695 دونماً ما يعادل 85.17% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت و 24.5% من مساحة الضفة و 97% من مساحة المنطقة (ج) ليبقى الباقي الممزق وغير المتواصل والمحروم من الخدمات والموارد في يد الفلسطينيين في تجمعات معزولة تنازع على البقاء والصمود في وجه الجرافات الإسرائيلية .

أما بخصوص عمليات الاستيطان، فقد أنشأ الاحتلال 36 مستوطنة تعود لفترة السبعينات من القرن الماضي، 9 منها على أراضي طوباس والأغوار الشمالية وأقدمها "جفاعوت"، و"بينيت" اللتان تضمان نحو 2353 مستوطناً فقط. أما باقي المستوطنات مثل "روتم" و"منجون" و"تيرونوت" و"روعي" و"شدمان" و"منجولا" فسكانها مجتمعة لا يتعدى 7302 وتحتوي 1359 كرافانا، فيما لا يزيد سكان التجمعات الفلسطينية في ابزيق والمالح وخربة الحمصة وكردلة وبردلة وخربة الراس الأحمر وعين البيضا والحديدية والفارسية والحمة والعقبة وغيرها، على 5130 نسمة، ما يعني وجود ثغرة ديمغرافية لصالح الجانب الصهيوني، تعود، بالأساس، إلى سياسات الاحتلال التعسفية التدميرية للقرى والتجمعات العربية الفلسطينية، ومنع البناء، والحرمان من إمكانات التخطيط التنموي، وحجب الموارد من مياه ومساحات زراعية، ومنع الخدمات من ري وكهرباء، وغيرها مقابل الإغراءات والتسهيلات غير المحدودة المقدمة للمستوطنين.

ماذا عن الاستجابة الأردنية؟!

في كل الأحوال، لا بد من تسجيل حقيقة أن إسرائيل، وبخلاف أية دولة طبيعية، ليس لها دستور  يحدّد حدود سيادتها، وهل هي ما يسمى "الخط الأخضر" أو "حدود اوشفيتس" كما وصفها وزير الخارجية الأسبق أبا إيبان، أو حدود الجدار الفصل العنصري، أو هي حدود الأمن من النهر إلى البحر؟. ومع ذلك، فإن ما قدمه كيري، بهذا الخصوص، والمندرج في إطار الخطة التي وضعها المستشار الخاص لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط الجنرال جون ألان، يقترب، إلى حد كبير، من الطلبات الإسرائيلية. وحسب الصحافة العبرية، فإن وزير الخارجية الأمريكي قبل بموقف تل أبيب التي تطالب بأن تكون الدولة الفلسطينية المقبلة منزوعة السلاح، وتصر على تواجد جيشها في الغور، وتعرض استئجار أرضه لعشرات السنوات، وغضّ الطرف عن موافقة الجانب الفلسطيني على وجود عسكري دولي في الأغوار، مع وسائل تكنولوجية أمريكية متطورة، وإنذار مبكر ووسائل قتال متميزة تساعد دولة الاحتلال في تقليص تواجد جيشها، ومدة هذا التواجد، بعد إقامة دولة فلسطين.

أما المثير للصدمة والفجيعة، والأكثر مرارة وهولاً، وبصرف النظر عن فشل أو نجاح كيري في تدوير الزوايا، وتفصيل ثوب أمني إسرائيلي لـ "سيادة" فلسطين المستقبل، فهو حديث صحيفة "معاريف" العبرية عن استجابة مسؤولين أردنيين لطلب إسرائيلي بالتوسط لدى واشنطن وإقناعها بأفضلية الإبقاء على وجود القوات الإسرائيلية في الجانب الفلسطيني من غور الأردن، انطلاقا من أن تواجد الجيش الإسرائيلي على طول نهر الأردن "يشكل ترتيبا حيويا للحفاظ على الأمن في المنطقة"!، وهو ما يمكن اعتباره خضوعا واستسلاما تاما لإرادة العدو وتفريطاً، ليس فقط بالحقوق والمصالح الفلسطينية والعربية، وإنما كذلك بالمصالح الوطنية الإستراتيجية الأردنية التي يمكنها تحقيق رزمة مكاسب من بسط السيادة الفلسطينية على الحدود، بما في ذلك التخفيف من الكلفة العسكرية اللازمة للحفاظ على هذه الحدود، وحل مشكلة نازحي العام 1967 المقيمين في الأردن، وخلق صيغة تعاون مشترك مع "الدولة الفلسطينية" المأمولة لحل "إشكالية" ازدواجية الجنسية للاجئين الفلسطينيين، وفتح الآفاق أمام قيام مشاريع تنموية ثنائية، أردنية- فلسطينية، مشتركة، وتأمين حرية التبادل التجاري، وإنشاء المشاريع المشتركة والتعاون الاقتصادي، بما يعود بالنفع على الجانبين.

ومهما يكن من أمر، وبعيداً عن مزاعم ما يسمى "الأمن الإسرائيلي" الذي يمكن أن تؤمنه منطقة الأغوار التي تمتد على نحو 800 ألف دونم، وتضم 21 بلدة و 6.500 نسمة، والتي أعلن نتنياهو عن إقامة جدار امني فيها تكريسا لتمسكه بما أسماه "مشروع ألون زائد"، في إشارة إلى مشروع يغئال ألون القائم على أساس استمرار السيطرة الإسرائيلية على هذه المنطقة، فإن المصلحة الإسرائيلية في غور الأردن تتجاوز قضية الأمن والحدود التي تحتل مركز الاهتمام الأول في كامل الإستراتيجية الإسرائيلية لمجمل معادلة الصراع في الشرق الأوسط، إلى استخدام هذه القضية كوسيلة التفافية لإخفاء الأطماع التوسعية في الأغوار الفلسطينية، وإلقاء القبض على السيادة والاستقلال الوطني للشعب الفلسطيني، فضلا عن وضع الحواجز أمام اتصال الدولة الفلسطينية الموعودة بحدودها الشرقية مع الأردن خوفاً من أن يؤدي هذا الاتصال إلى تعزيز دور "الدولة الفلسطينية" ودور الكيان الأردني على حدٍّ سواء، و"ضبط" التدفق الفلسطيني إلى الدولة المنشودة والتحكم بالمعادلة الديموغرافية والموازنة الإسرائيلية لهذه المعادلة.

وسط ذلك كله، تحتل المكانة الاقتصادية لمنطقة الأغوار في أجندة الاحتلال موقعاً مركزياً، وتبدو المنافع التي تجنيها إسرائيل منها مبرراً كافياً لتمسكها بهذه المناطق المتميزة بطقسها وتربتها، حيث تتمتع بدرجة حرارة موسمية تتيح إنتاجاً مبكراً عالي النوعية والقدرة التنافسية لأصناف زراعية عديدة، إضافة إلى أن الموسم الصيفي الحار يوفر مناخا ملائما لزراعة النخيل. وعلى سبيل المثال فقد تم الاحتفال عام 2010 بزراعة النخلة رقم 1.000000 مليون في الأغوار مع ما يعنيه هذا من منافع اقتصادية إنتاجية تصديرية هائلة، وذلك بالإضافة إلى مشاتل الورود والخضراوات ومزارع الدواجن والأبقار وبرك زيت التماسيح وخيرات البحر الأحمر. وحسب تقرير لما يسمى "مجلس المستوطنات" للعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار، ويربح الاحتلال من الأغوار أكثر من كل صادرات السلطة الفلسطينية، وهو دفع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى القول بأن المصلحة الإسرائيلية في الأغوار "ليست أمنية بل اقتصادية"، لاسيما وأنها ستكون خزان الأمن الغذائي الفلسطيني في المستقبل، ومنطقة حاسمة في ميزان قدرات الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة، وتعزيز مواجهتها للابتزاز السياسي الذي يمارس على الفلسطينيين راهناً، عبر البوابة الاقتصادية.

كاتب فلسطيني(*) 

اعلى الصفحة