مشاريع لإعدام البحر الميت أم تقسيم فلسطين مائياً؟
ـ قناة البحرين نموذجاً ـ

السنة الثالثة عشر ـ العدد 145 ـ ( ربيع أول 1435 هـ) كانون ثاني ـ يناير ـ 2014 م)

بقلم: مأمون كيوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

برعاية أمريكية وضمن مشاريع التعاون الإقليمي، وقعت إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، مؤخراً، في مقر البنك الدولي في واشنطن على اتفاق لإعاقة جفاف البحر الميت، وإنشاء محطة تحلية مياه إقليمية في العقبة. يعتقد انه لا يشكل خطوة أولية على طريق تنفيذ مشروع قناة البحرين.

بل "هذه خطوة تاريخية تحقق نبوءة هرتسل" حسب ما أعلن وزير البنى التحتية الإسرائيلي سيلفان شالوم، الذي مثل إسرائيل في التوقيع على الاتفاق. وقال إن المشروع مؤسس على الجدوى الاقتصادية لتحلية المياه وعلى البعد البيئي لإنقاذ البحر الميت، ولكن البعد الثالث هو سياسي – استراتيجي.

 ويتعلق الاتفاق بضخ حوالي 200 مليون متر مكعب في السنة، نحو 80 مليون متر مكعب تتم تحليتها في منشأة تقام في العقبة، تحصل إسرائيل منها على ما بين 30 و50 مليون متر مكعب لصالح مدينة ايلات والعربا. ويحصل الأردنيون على 30 مليون متر مكعب لاحتياجاتهم في الجنوب، و 50 مليون متر مكعب صالح من الشمال من بحيرة طبريا. وتباع المياه لهم بسعر المياه المكررة.

 وقد طلب الفلسطينيون أن يحصلوا في إطار الخطة على موطئ في شمال البحر الميت، في منطقة عين فشخة، ولكن إسرائيل رفضت. وبحسب الاتفاق، فإنهم سيحصلون على 30 مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبريا مياه محلاة أو مكررة بسعر الإنتاج، ليحسنوا بذلك توريد المياه لسكان الضفة.

 وقد شهد البحر الميت هجمة إسرائيلية شرسة تؤثر سلباً على جيوبوليتيكيا الصراع وعلى نحو خاص على البيئة الفلسطينية من خلال استنزاف مياهه بشكل حاد، ما يؤدي إلى هجرة المياه الجوفية إلى البحر لسد العجز الحاصل. كما يعاني البحر الميت من استنزاف إسرائيلي حاد أدى إلى نقصان منسوبه، فضلاً عن انخفاض معدل المياه الواردة إليه من نهر الأردن.

وقد تسارعت في السنوات القليلة المنصرمة وتائر طرح المشاريع الصهيونية الرامية إلى "إعدام" البحر الميت تحت حجج عدة ومسميات براقة مختلفة منها الردم والدفن والإنقاذ. وقد طُرح مشروع ردم البحر الميت في العام 2008 على مجلس المياه العالمي الذي انعقد في ستوكهولم. وروج للمشروع الملياردير اليهودي اسحق تشوفا الذي يعتقد بغياب أي حاجة إلى بحر ميت بل ثمة ضرورة قصوى إلى استصلاح عشرات الآلاف من الدونمات من مساحة البحر والصحراء المحيطة واستغلال أراضيها وتطويرها لإقامة مدن عصرية تضاهي دبي، حيث لم يعد فائدة من إعادة ترميم البحر ولا من مشاريع إنقاذه.

وأعلن تشوفا أمام المؤتمر العالمي للمياه استعداده لدفع تكاليف ونفقات ردم البحر من ماله الخاص ملهباً خيال المخططين الاستراتيجيين، منهم شمعون بيرس مُنظر فكرة "الشرق الأوسط الجديد"، بما يمكن أن يقام على أنقاضه من مدن عصرية ومرافق سياحية ومنتجعات تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم حاملين معهم الثروة والمال. فوق ما يحفزه ذلك من إقامة المستوطنات حول ضفاف منطقة البحر وهو حافز جدي لتخضير الصحراء الذي يحفز بدوره جذب يهود العالم للعودة إلى ما يزعم أنه "أرض الميعاد".

 وينتقد تشوفا بمشروعه هذا "مشروع قناة البحرين" وهو المشروع القديم المتجدد والمتحول، الذي يعود إلى فترة طويلة تتجاوز مئة وستين عاماً، وقامت أكثر من جهة بدراستها على فترات متباعدة ولأغراض وأهداف مختلفة.

 وفي ظل الصراع الذي احتدم بين فرنسا وبريطانيا خلال القرن التاسع عشر حول السيطرة على الطرق الموصلة للمستعمرات في الشرق، وقيام فرنسا بإقناع حكام مصر بحفر قناة السويس، فكرت بريطانيا في إيجاد بدائل يمكن من خلالها الربط بين الشرق الأدنى وأوروبا دون المرور بقناة السويس، ولهذا الغرض طرح المهندس البريطاني وليام آلن عام 1850 فكرة ربط البحر الميت بالبحر المتوسط عبر قناة تبدأ من خليج حيفا إلى وادي الأردن، بحيث يمكن رفع منسوب المياه في البحر الميت وخليج العقبة إلى درجة تمكن من إبحار السفن من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر البحر الميت، وعرض هذه الأفكار في كتاب له بعنوان "البحر الميت – طريق جديد للهند".

 وقد أوفدت بريطانيا إلى فلسطين آنذاك الجنرال تشارلز غوردون حاكم السودان لإجراء مزيد من الدراسات على فكرة آلن، وقام غوردون بتطوير مشروع سلفه وأدخل بعض التعديلات عليه.

 وفي عام 1899، أرسل بوركارت إلى تيودور هيرتزل نتائج أبحاثه التي تضمنت مخططاً موجزاً للمشاريع اقترح فيه شق قناة من خليج حيفا إلى غور بيسان، ومن ثم السير بمحاذاة نهر الأردن، وصولاً إلى البحر الميت. بهدف استغلال فارق الارتفاع 400م ما بين سطح البحر المتوسط والبحر الميت لتوليد الطاقة. و قد قام تيودور هيرتزل بعرض هذا المشروع في كتابه " الأرض القديمة – الجديدة " الذي صدر عام 1902، حيث أشار فيه إلى التصاميم المتعلقة بمشروع قناة البحار الذي أرسلها إليه بوركات.

 وفي عام 1919 تطرق المهندس النرويجي يورث إلى المشروع واقترح شق نفق مباشر بين جبال " يهودا " بغية استخدام سقوط المياه لتوليد الطاقة على شاطئ البحر الميت، وفي عام 1925 اقترح مهندس فرنسي يدعى بيار جنادريون، شق قناة تربط البحرين المتوسط والميت عبر سهول مرج بن عامر حتى غور الأردن، وبناء محطتين للطاقة، الأولى في أول غور بيسان، والأخرى في منخفض نهر الأردن.

 وفي عام 1938 كلفت الوكالة اليهودية المهندس الأمريكي والتر لاودر ميلك دراسة الأوضاع المائية في فلسطين. و الذي قام بدوره في عام 1944 بتقديم مشروعه المعروف باسمه إلى الوكالة اليهودية ويتضمن مشروع لاودر ميلك تحويل مياه نهر الأردن إلى إقليم السهل الساحلي وإقليم النقب. وشق قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الميت وتمتد من خليج عكا عبر سهل مرج ابن عامر إلى غور بيسان ووادي الأردن ومن ثم إلى البحر الميت.

 وفي أربعينات القرن العشرين شكلت الحركة الصهيونية "لجنة استقصاء الحقائق في فلسطين" بهدف دراسة ومعرفة إمكانيات استيعاب المستوطنين اليهود في فلسطين بناء على استغلال أقصى للأراضي والمياه الفلسطينية. ونشرت اللجنة أول تقرير لها في عام 1943، والتي كان يرأسها المهندس الأمريكي جميس هنز، وبمشاركة الخبيرين جون سافدج و والتر لاودرميلك، واقترحوا تحويل مياه نهر الأردن لأغراض الري، وتعويض انخفاض مستوى البحر الميت الناتج عن ذلك بنقل مياه البحر المتوسط عبر قناة إلى البحر الميت، إضافة إلى استغلال ذلك في توليد الطاقة.

  وخلال الفترة بين عامي 1950 و1955 قدم الخبير الأمريكي جون كيتون سبعة مشاريع لسبع قنوات مختلفة لربط البحر الميت بالبحر المتوسط ليتم اختيار واحدة منها.

 وشكلت التطورات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط من انسحاب بريطاني من قاعدة قناة السويس في مصر وقيام جمال عبد الناصر بتأميم القناة وبسط السيطرة المصرية الكاملة عليها، وما تبع ذلك من فشل للعدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني "الإسرائيلي"، دافعاً قوياً لدى الحكومات الإسرائيلية لتشجيع الأبحاث والدراسات التي تناولت إمكانية الربط بين البحر الميت والبحرين الأحمر والأبيض المتوسط كبديل عن قناة السويس.

 وفي عام 1968 طرحت فكرة حفر قناة تربط بين ميناء "أسدود" على البحر المتوسط وميناء "إيلات" على البحر الأحمر، وعلى الرغم من أن العديد من المؤشرات كانت تشير إلى تبني حكومة غولدا مائير للمشروع، إلا أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية أدت إلى تعليق المشروع.

 وشكلت أزمة الطاقة التي عانت منها الدول الغربية أثناء حرب أكتوبر 1973 دَفعةً قوية أخرى للحكومات "الإسرائيلية" للبحث بجدية أكبر في مشروع قناة تربط البحر الميت بأحد البحرين المفتوحين من حوله، والاستفادة من هذا المشروع في إحكام السيطرة على الأراضي التي احتلتها عام 1967 ولتوليد الطاقة. فقامت الحكومة الإسرائيلية عام 1974 بتشكيل لجنة مهمتها إعداد دراسة أولية عن فوائد المشروع في توليد الطاقة في منطقة البحر الميت، وبعد عمل دام أكثر من سنة، قدمت اللجنة تقريراً أشار إلى جدوى إقامة قناة البحرين من الناحية الاقتصادية، وأوصت بإجراء بحث مفصل وإعداد مشروع أولي.

 وفى عام 1977 قامت الحكومة الإسرائيلية الليكودية بتشكيل لجنة تخطيط لدراسة ثلاثة عروض لمسارات تربط البحرين الميت والمتوسط. وعرض آخر يربط البحر الأحمر بالبحر الميت عبر "إيلات"، وكانت النتيجة النهائية التي توصلت إليها هذه اللجنة هي التأكيد على أفضلية مشروع توصيل البحر الميت بغزة. باعتبارها الأكثر جدوى اقتصاديا بينما جاء مقترح توصيل البحر الميت بإيلات باعتباره هو الأسوأ والأقل من حيث الجدوى الاقتصادية.

وفي 24/8/1980 اتخذت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع قرارا يقضي بالعمل على تنفيذ المشروع، وفي 28/5/1981 بوشر العمل بتنفيذ المشروع من سفح جبل "يائير" (قطاعه) المطل على البحر الميت بالقرب من مسعده.

 وحسب وجهة النظر "الإسرائيلية" فإن هذه القناة تهدف إلى توليد نحو ثلاثة آلاف ميغاواط من الطاقة الكهربائية سنويا عن طريق المحطات الكهربائية والطاقة الشمسية والمفاعلات النووية. كما تهدف إلى إنتاج ما يقارب 20 ألف برميل من الزيت الخام يوميا من الصخور الزيتية, وإقامة مجمعات صناعية ومستوطنات زراعية تصل إلى 100 مستوطنة في النقب الشمالي, وتحلية مياه البحر وإنشاء بحيرات مائية لأغراض السياحة وتربية الأسماك. وإقامة أربعة مفاعلات نووية جديدة.

وتوقعت الدراسات الإسرائيلية أن ترفد هذه القناة البحر الميت بنحو 1600 مليون متراً مكعباً سنويا, وبإضافة 600 مليون متراً مكعباً من مياه الروافد سيصب في البحر الميت ما مجموعه 2200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. ليعود مستوى سطح البحر الميت إلى -395 مترا تحت مستوى سطح البحر عام 2000, وتعود مساحته إلى ما كانت عليه في الخمسينيات. وبعد عام 2000 توقعت الدراسة "الإسرائيلية" أن تزداد مساحة البحر الميت لتصل إلى 1173كم2.

 وقد واجه المشروع انتقادات عربية ودولية، فالأردن رفضه لتأثيره على الأراضي العربية المحتلة وآثاره الاقتصادية والجغرافية السلبية، والأضرار التي يمكن أن تلحق بمعامل البوتاس الأردنية على البحر الميت، وتم إثارة و بحث الموضوع على مختلف الأصعدة سواء على مستوى الجامعة العربية ومؤتمرات وزراء الخارجية العرب أو على المستوى الإسلامي.

 كما انتقدت الأمم المتحدة مشروع حفر القناة في 16 ديسمبر 1982، لأنها تنتهك حرمة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتضر بالمصالح الفلسطينية، ودعت الهيئات الدولية إلى عدم تقديم أي مساعدات سواء مباشرة أو غير مباشرة لهذا المشروع.

 وفي عام 1983 طرحت الحكومة الأردنية مشروعاً بديلاً لربط البحر الميت بالبحر الأحمر، كرد على المشروع "الإسرائيلي". غير أن الدراسات المستقلة أثبتت أنه لا مكان لمشروعين منفصلين، كما أن تنفيذهما معاً سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وبيئية، من ثم لا بد من الاتفاق على مشروع واحد، إذا قدّر له أن يرى النور.

قناة البحرين

 قوبل المشروع الأردني برفض واعتراض إسرائيلي، وقام رئيس الوزراء مناحيم بيغن بدعوة الأردن إلى المشاركة في تنفيذ المشروع الإسرائيلي بدل من القيام بمشروع منفرد.

 وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بزعامة شمعون بيريس عام 1984 تم تجميد المشروع بشكل كامل في انتظار حدوث تغيرات في المنطقة تسمح بتنفيذه في إطار إقليمي، بعد أن تأكد لإسرائيل استحالة تطبيقه بشكل منفرد.

 وأتاحت الأجواء التي وفرتها انطلاقة عملية السلام في الشرق الأوسط بعد مؤتمر مدريد ومن بعده توقيع اتفاق المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية الفرصة لإجراء اتصالات ثنائية ومتعددة الأطراف بين إسرائيل والدول العربية المعنية بعملية السلام، وبالتالي جاءت الفرصة لإحياء العديد من المشروعات التي يمكن أن تنفذ بشكل إقليمي، وكان من أبرزها مشروع قناة البحرين بعد أن تم تطوير التصور الإسرائيلي ليتفق مع التصور الأردني الذي كان يتركز حول حفر قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت.

 وبدأ بحث المشروع جدياً بتاريخ 25/7/1994 بعد توقيع الجانبين الأردني والإسرائيلي اتفاق إنهاء حالة الحرب بينهما حيث اتفق الطرفان على تشكيل لجنتين إحداهما لترسيم الحدود والأخرى لبحث قضايا المياه وقد كان من نتائج اجتماعات لجنة قضايا المياه الإعلان في نهاية آب/أغسطس 1994 عن التوصل إلى اتفاق لإنشاء قناة البحرين كما شملت المادة السادسة من معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين في نهاية تشرين أول/أكتوبر 1994 ملحقاً تنظيمياً للعلاقات المائية بين الطرفين وقد كان من بين تلك الأمور إنشاء قناة البحرين.

 وقام البنك الدولي والحكومة الإيطالية بتمويل دراسة المشروع عام 1997 وقدرت كلفة المشروع بنحو مليار دولار على اعتبار أن طول القناة لا يتعدى 20 كيلومتراً من البحر الأحمر يتم ربطها بأنابيب لنقل المياه للبحر الميت.

 لكن التعثر المستمر لعملية التسوية على المسارات: الفلسطيني والسوري واللبناني، وما ترتب على ذلك من أحداث دامية على الأرض كان من أبرزها هبة النفق وانتفاضة الأقصى، وما ترتب على ذلك من تعطيل لمسيرة التطبيع الاقتصادي العربي مع "إسرائيل"، ومعارضة العديد من الدول العربية للمشروع وعلى رأسها مصر التي رأت فيه تهديداً لقناة السويس ومحاولة لإيجاد بديل عنها، إضافة إلى التكلفة الكبيرة للمشروع والتي تتراوح بين مليارين ونصف المليار وخمسة مليارات دولار وإحجام المستثمرين عن التضحية بأموالهم في منطقة خطرة، كل هذه العوامل أدت إلى عدم تنفيذ المشروع طوال تسعينات القرن العشرين.

 وعلى الرغم من ذلك استمرت الاتصالات الأردنية الإسرائيلية للتنسيق حول المشروع لبحث النقاط التي جعلت المعارضة العربية للمشروع قوية، ومحاولة تذليل هذه المعارضة والحد منها في انتظار الفرصة المناسبة للإعلان عن المشروع وبدء تسويقه للعالم. وقرر الطرفان إعلان الفكرة ووضعها موضع التنفيذ الفعلي خلال قمة الأرض في جوهانسبرغ في أيلول/سبتمبر 2002 من خلال طرحها في شكل جديد هو مد خط أنابيب وليس حفر قناة، وذلك من أجل تقليص المعارضة العربية من ناحية وخفض التكلفة من ناحية أخرى.

 وحسب وجهة النظر الأردنية فإن المشروع يتكون من مرحلتين: الأولى منهما ستشكل المرحلة الأساسية وهي إنشاء قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت على أن تنفذ عبر خطوتين:

 الخطوة الأولى: تتضمن قناة بطول 12 كيلومترا من شاطئ العقبة باتجاه الشمال، بسعة تدفق تصل إلى 60 مترا مكعبا في الثانية، لتصل بعد ذلك إلى محطة رفع تضخ المياه بواسطة الأنابيب إلى ارتفاع 126 مترا فوق سطح البحر، لتصب في أنابيب أخرى قطرها 4 أمتار تنقل المياه وبطول 180 كلم إلى الشاطئ الجنوبي للبحر الميت، وبواسطة الانسياب الطبيعي، ولتصل إلى نقطة ترتفع عن سطح البحر الميت بحوالي 107 أمتار لتنساب إلى مستوى 400 متر تحت سطح البحر، وبالتالي الاستفادة من فرق المنسوب المقدر بـ 507 أمتار لتوليد الطاقة الكهربائية.

الخطوة الثانية: تتضمن بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية للاستفادة من الارتفاع الشاهق لسقوط المياه.

 وبعد الانتهاء من إنشاء القناة سيتم طرح عطاء عالمي للشركات المتخصصة لإنشاء محطة تحلية ونقل المياه إلى الأردن وإسرائيل وفلسطين علي أساس نظام بناء وتشغيل ونقل الملكية وبكلفة تقديرية تصل إلي ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يشكل المرحلة الثانية.

 وفي مواجهة هذا المشروع يرى فريق من المتخصصين أن إثارة مسألة زوال البحر الميت واختفائه مبالغ فيها إلى حد كبير، وأنها مجرد حجه تستخدم لتمرير المشروع ولإثارة التعاطف العالمي والإقليمي معه ولإلباسه ثوب المشاريع الإنسانية التي تحافظ على البيئة. فمن جهته يؤكد صاحب الربيعي الخبير في قضية المياه في الشرق الأوسط أن البحر الميت لن يصل إلى مرحلة الجفاف إلا بعد فترة تتراوح بين 400 إلى 500 عام على الأقل في حين أن هناك تقديرات تصل بهذه المدة إلى ألف عام. ويبدو التقدير الأول أكثر واقعية لأن حجم المياه في البحر الميت التي تقدر بين 300 إلى 400 مليار م3 والتقديرات تشير إلى أن حجم التبخر السنوي من مياه البحر الميت يصل إلى نحو مليار م3 وعليه فإن فترة الـ 400-500 سنة فترة أكثر واقعية.

وقد استند العلماء إلى مجموعة من الدراسات العلمية التي تناولت منسوب البحر الميت ومستقبله على المدى القصير، والمدى الطويل. فالدراسات التي نظرت إلى المشكلة في المدى القصير، انحصرت بتوقع المنسوب الذي يمكن أن تصل له مياه البحر الميت خلال مدة زمنية محددة لا تزيد بالأغلب عن مائة سنة. واتفقت هذه الدراسات على أن منسوب المياه سينخفض، وقدر أكثرها تشاؤماً المنسوب الجديد بـ 510 م (تحت مستوى سطح البحر)، بحلول عام 2109.

 أما الدراسات التي نظرت إلى المشكلة على المدى الطويل فإنها استهدفت الإجابة عن السؤال المُلِحّ "هل سيجف البحر الميت؟"، أو تقدير المنسوب الذي سيستقر عليه البحر، إن كانت الإجابة بالنفي.

ويؤكد العديد من علماء الجيولوجيا "أن من شأن تنفيذ هذا المشروع التسبب في وقوع زلازل مدمرة، إذ من شأن ذلك أن تصب كميات هائلة من مياه البحر المتوسط أو البحر الأحمر في البحر الميت، وباعتبار الأخير أخفض منطقة في العالم فإن الضغط على قعر البحر الميت سيزداد متسبباً بحدوث اختلالات عبر طبقات الأرض في منطقة الأغوار الأردنية".

 وسيتحكم بعد مركز الزلازل عن المدن الفلسطينية في مدى احتمال حصول الانهيارات والأضرار في المباني، فإذا كان مركز الزلازل جنوب البحر الميت أو في وادي عربة فسيكون تأُثير المدن الموجودة في الجنوب مثل الخليل أكبر من تأثر مدن الشمال مثل جنين.

 وقد ينتج عن هذا المشروع تكوين بحر آخر يختلف في خصائصه وصفاته وطبيعة مياهه عن البحر الميت الموجود الآن، فتدفق مياه البحر الأحمر الأقل ملوحة إلى البحر الميت، ستؤدي إلى اختلال التركيز الكيميائي لطبقات مياه البحر الميت وبالتالي إلى تكون طبقة علوية خليط من ماء البحرين يكون تركيز الأملاح في هذه الطبقة أقل من التركيز الحالي للطبقة العليا.

 وستعيد القناة منسوب البحر الميت إلى منسوبه الطبيعي التاريخي، لكن طبيعة المياه وتركيبها الفيزيائي سيكون مختلفاً جداً عما كان عليه في الخمسينات من القرن العشرين، وبالتالي لن يتحقق الهدف الأساسي من المشروع، ألا وهو "إنقاذ" البحر الميت، كذلك أن النتيجة ستكون بحراً جديداً مختلفاً تماماً عن البحر القديم.

 ويؤكد خبراء البيئة أن البحر الميت سيتحول إلى اللون الأبيض ثم إلى الأحمر الدامي في حالة اختلاط مياهه بمياه البحر الأحمر نتيجة تفاعل بكتيريا الحديد وهو ما سيؤثر على طبيعة مياه البحر الميت وسينعكس على السياحة فيه.

 وسيؤثر انخفاض ملوحة البحر الميت بشدة على صناعة استخراج الأملاح والبوتاس منه، حيث ستصبح هذه العملية أكثر كلفة. بسبب حاجة الشركات المستخرجة لضخ مزيد من المياه وتغيير أسلوب الاستخراج ليتناسب مع نسب الملوحة الجديدة.

ويمكن أن تؤدي التأثيرات السلبية التي ستطرأ على طبيعة المياه في البحر الميت إلى نتائج سلبية على إقبال السياح على القدوم لشواطئ البحر الميت وبخاصة أن أهم مرتكزات السياحة في منطقة البحر الميت وعنصر الجذب السياحي الأول هو طبيعة مياه البحر الفريدة التي تكتسب خصائص علاجية. ولعل الأخطار السياسية والإستراتيجية للمشروع كثيرة ومن أبرزها التالي:

1- تحسين صورة إسرائيل بشكل كبير أمام العالم إذ ستبدو بصورة المتعاون مع الدول المحيطة بها، والساعية لإشاعة السلام والرفاهية في المنطقة، ومن جهة أخرى ستظهر في ثوب المٌدافع عن البيئة.

2- خلق واقع ديموغرافي جديد في منطقة النقب، عبر استيعاب المزيد من المهاجرين اليهود الذين ستتوفر لهم فرص ممتازة لإقامة تجمعات سكنية وللحصول على فرص للعمل بعد أن توفر مشاريع تحلية المياه وتوليد الطاقة لإسرائيل المتطلبات الأساسية لخلق هذه التجمعات.

3- إقامة إسرائيل لمزيد من المفاعلات النووية سيمكنها من تضخيم قوتها العسكرية وتطويرها، وهو ما سيهدد أمن المنطقة وبخاصة أن إسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ولا تسمح للمنظمات الدولية بالتفتيش على مفاعلاتها النووية. 

اعلى الصفحة