إن وقع الهجوم على إيران، كيف سترد طهران وحلفاؤها؟

السنة الثالثة عشر ـ العدد 144 ـ ( ـ محرم ـ صفر 1435 هـ) كانون أول ـ 2013 م)

ترجمة وإعداد: محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عاموس يادلين، مركز أبحاث الأمن القومي

تقرير أصدره مشروع إيران (أحد مشاريع أبحاث المركز) في أواخر عام 2012، حذر من أن "أي عمل عسكري وقائي أمريكي و/أو إسرائيلي ضد إيران، ربما سيُسهم في تزكية الحرب الطائفية والإقليمية".

وفي آذار 2012، حذر الخبير فريد زكريا – من أهم محرري وخبراء الولايات المتحدة حول السياسة الخارجية والشرق الأوسط ، من أي ضربة إسرائيلية أو أمريكية ضد إيران، يمكن أن تكون "سبباً في اندلاع حرب شرق أوسطية جديدة". فيما افترض خبراء آخرون أن الرد الإيراني سيكون أكبر حجماً، لكنهم لم يُقدموا تحليلاً كاملاً عن قدرات إيران الإستراتيجية.

يمكن لإيران أن ترد على أي هجوم في منطقتين رئيسيتين: إسرائيل أو الخليج الفارسي، ضد الولايات المتحدة و/أو الدول الخليجية السنية، وخصوصاً السعودية. التقدير الغربي الجامع، الذي يُصوّر سيناريو رعب عن الردود الإيرانية والتطورات الناتجة عنه، يُمثل أداة ردع ممتازة في أيدي الإيرانيين، إذ أنه يؤدي إلى تقويض تهديد الخيار العسكري ضدها، ويقلّص احتمال أن موافقة النظام في طهران، على الحل الدبلوماسي.

يشكل هذا التحليل تحدياً لوجهة النظر الغربية الجامعة، من خلال تحليل شامل لقدرات إيران، والمدى المُحتمل للإستراتيجيات الإيرانية، الذي يُمكن استخدامه ضد إسرائيل. وهذا التحليل يُكمل دراسات أُجريت حول الرد الإيراني في الخليج، ويأخذ بعين الاعتبار قدرة الرد لدى حليف إيران، سوريا ووكلائها اللبنانيين والفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، يُقدم التقرير أربع توصيات من أجل تقليص احتمال نشوب تصعيد إقليمي، والذي هو في أي من الأحوال غير وارد، أخذاً في الاعتبار، مصالح الأطراف ذات العلاقة.

والخاتمة الأساسية التي يخلص إليها التقرير، هي أن احتمال حصول ضربة ضد إيران هو أداة محورية للدبلوماسية. وأي استخدام موزون وذي صدقية لهذه الأداة، يمكن أن يُساعد في تحقيق أهداف الحملة الدولية، وهي: الضغط على إيران من أجل الموافقة على التنازلات ذات العلاقة ببرنامجها النووي، والتي تضمن عدم حصولها على القدرات النووية العسكرية، وتقليص احتمال وقوع تصعيد إقليمي.

الرد العسكري الإيراني: القدرات

فحص قدرة إيران على إلحاق الأذية بإسرائيل، يُلامس مستويات عدة، من ضمنها استخدام الصواريخ والقوة الجوية والقدرات البحرية والنشاط الإرهابي.

ويُشكل الهجوم الصاروخي الإيراني التهديد الأساسي. فتمتلك إيران نوعين من الصواريخ التي يسمح مداها بضرب أهداف في إسرائيل: صواريخ شهاب 3 مع مدى يصل إلى أكثر من 1300 كم وصواريخ غدير مع مدى يصل إلى 1600 كم. إلا أن هذين النوعين على السواء، لديهما مستوى منخفض من الدقة، ومن المستحيل لهما أن يُصيبا هدفاً نقطوياً: فاحتمال الخطأ الدائري لصواريخ شهاب يفوق الـ2 كم، وحتى أن صاروخ غدير، فشعاع احتمال الخطأ لديه هو مئات الأمتار. والصاروخان كلاهما يحمل رأساً حربياً ثقيلاً: 1 طن و750 كلغ على التوالي. كما أن لدى إيران عشرات منصات الإطلاق وحوالي 300 صاروخ من كل نوع يهدد إسرائيل. وتُظهر تجربة عام 1991 أن الصواريخ ذات الدقة المشابهة غير فعالة في ضرب أهداف إسرائيلية محددة، وهي تُستخدم كأسلحة ترهيب ضد المدن الكبيرة، حيث أن الضرر أيضاً محدود جراء أجهزة التحذير المتطورة في الدفاعات المدنية السلبية. وفي معالجة لهذا الأمر، أصدر الإيرانيون في الأعوام الأخيرة أشرطة فيديو تعرض إطلاقاً آنياً لصواريخ متعددة من منصات مختلفة، بهدف تشتيت قدرة النظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.

هناك شكوك في قدرة الإيرانيين على تسليح صواريخهم برؤوس حربية بيولوجية وكيميائية، والصواريخ التي في حوزة إيران، مع مستوى منخفض من الدقة، يجعل من هكذا نوع من الأسلحة غير فعال في الهجوم الصاروخي، فقدرة إيران المحدودة في هذا المجال، وإدراك قيادتها بأن استخدام الأسلحة الكيميائية سيُلحق الضرر بشرعية إيران، ويؤدي إلى رد عسكري على مستوى مختلف كلياً، سيمنعان على الأغلب أي هجوم غير تقليدي، كرد على هجوم تقليدي على منشآت إيران النووية.

والشكل الآخر المحتمل للرد الإيراني على أي هجوم هو تنفيذ هجوم إرهابي ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج. وعلى مر السنوات، طوّر لواء القدس التابع للحرس الثوري الإيراني القدرة على تنفيذ هجمات إرهابية في كافة أنحاء العالم. وقد عُزي الهجومان في بيونس آيرس في العامين 1992 و1994 ضد السفارة الإسرائيلية والمركز اليهودي إلى الحرس الثوري. وموجة الهجمات ضد الدبلوماسيين الإسرائيليين عام 2012 ومحاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة، نُفذتا على يد الإيرانيين.

لقد حذر خبراء عديدون من أن الرد على أي هجوم ضد إيران سيتضمن أيضاً هجماتٍ ضد أهداف إسرائيلية وغربية. وقد حاولت إيران تنفيذ هجمات إرهابية كانتقام على محاولات ضرب برنامجها النووي من خلال الهجوم السايبري لفيروس ستاكسنت وعمليتي الاغتيال في كانون الثاني 2010 وتموز 2011 اللتين استهدفتا العلماء النوويين الإيرانيين. ويوحي إخفاق هذه المحاولات أن إيران تمتلك قدرة محدودة لتنفيذ مدى واسع من الهجمات الإرهابية، وأن العالم الغربي طوّر قدرات جيدة لإحباط الهجمات منذ الهجمات الإرهابية في أيلول 2001. وقدرات إيران المحدودة تشير إلى إمكان احتواء قدرتها على الانتقام من خلال استخدام الإرهاب.

وتتضمن التهديدات الأخرى هجمات من خلال الطائرات والطائرات غير المأهولة، على الرغم من أن قدرة إيران في هذا المجال هي محدودة جداً. فقدرة إيران محدودة بشكل واضح أمام تفوق سلاح الجو الإسرائيلي. وإسرائيل تمتلك طبقتين من الدفاع الجوي ضد اختراق الطائرات لمجالها الجوي: أنظمة طائرات اعتراضية وأنظمة مضادة للطائرات - الدفاع الجوي. كما أن مديات الطيران لأكثر الطائرات حداثة لدى إيران، سوخوي 24، تجعل من الصعوبة لها أن تهاجم أو أن تعود إلى إيران دون التزود بالوقود جواً ما يجعلها هدفاً سهلاً ومكشوفةً أمام رادار الدفاع الجوي. أما الطائرات غير المأهولة في الترسانة الإيرانية فلا يبدو أنها تُعد متطورة بالمقارنة مع نظيراتها الغربية، ولا تمتلك مرونة عملية جدية بمجرد أن تُطلق. وفيما أعلن الإيرانيون مؤخراً أنهم نجحوا في تطوير طائرة شاهد 129 القادرة على حمل ثمانية صواريخ مع مدى يصل إلى 1700 كم (يُغطي كل إسرائيل)، تُشير تقديرات عدة في إسرائيل إلى أن قدرات الطائرة مُبالغ فيها. ولكن حتى إن كان الإعلان صحيحاً بشكل جزئي، يبدو أن إسرائيل لديها رداً ملائماً على هذا التهديد والتهديد الأكثر ذي صلة هو طائرات بدون طيار مُفخخة تُرسل من لبنان أو سوريا.

من الناحية النظرية، تمتلك إيران قدرات بحرية تسمح لها بمهاجمة أهداف إسرائيلية، لكن أيضاً هذه القدرات محدودة. فبحوزة إيران عدد من الغواصات السوفيتية الصنع التي لا تبحر على نحو دائم في البحر الأبيض المتوسط وتُستخدم بشكل أساسي في الخليج الفارسي والمحيط الهندي. ويبدو أن قدرتها على تنفيذ مهمات طويلة دون حماية هي محدودة. وفيما أن لدى إيران عدداً من الزوارق القادرة على الوصول إلى شواطئ إسرائيل، ستواجه صعوبة في المرور عبر قناة الخليج خلال الحرب والسفن التي تبحر باتجاه إيلات ستواجه السفن الإسرائيلية ذات صواريخ بحر- بحر المتطورة. وفقاً لهذه القيود، يبدو أن السيناريو الأرجح هو هجوم إرهابي بحري، إما عبر استخدام صواريخ مضادة للسفن تُطلق من على سفينة متخفية بهوية مدنية أو عبر استخدام الغواصات الإيرانية الصغيرة التي تُحمل من قبل مركب مدني لتنفيذ هجمات انتحارية. والإيرانيون يمتلكون عدداً من تلك الغواصات (غدير) التي يُعد مدى رحلتها البحرية محدوداً جداً. وهذه الغواصات قادرة على حمل عدد صغير من الجنود وطوربيديْن. لذا، حتى وإن كان هناك قدرة مُعينة على ضرب أهداف في إسرائيل، يبقى تهديداً يمكن لإسرائيل مواجهته. إما في ما خص الهجوم عبر استخدام قوات برية، فإن التهديد البري الإيراني لا يؤخذ بالحسبان استناداً إلى المسافة التي تصل إلى أكثر من 1200 كم بين إيران وإسرائيل.

لذا أي تلخيص مرحلي للقدرات الإيرانية يُشير إلى أن إسرائيل قادرة على التعامل بنجاح مع الردود الإيرانية على أي هجوم. هذه السيناريوهات هي بعيدة عن كونها حرباً واسعة النطاق وتأثيرها يمكن أن يكون نفسياً بشكل أساسي. إن التهديد العسكري الإيراني الأساسي في أعقاب أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية هو التهديد الصاروخي إلى جانب خطر الهجمات الإرهابية ضد أهداف عسكرية ومدنية. والمقطع التالي يفحص رغبة إيران في الرد عبر استخدام جميع قدراتها في حال تعرض مشروعها النووي إلى ضربة عسكرية غربية.

تقدير إستراتيجية الردّ الإيراني

هناك عاملان مهمّان لتقدير الردّ الإيراني. الأوّل يتعلّق بهوية المهاجم: هل هو هجومٌ أمريكي أو هجومٌ إسرائيلي من دون دعمٍ أمريكي، أو هجومٌ مشترك، ودعمٌ أمريكيٌ لهجومٍ إسرائيليٍ سيكون بشكلٍ مؤكدٍ تقريباً، هو السيناريو القائم لدى النظام في طهران".

المصلحة الإيرانية الأولى هي في بقاء النظام، وبالتالي يمكن للنظام أن يدرس ما إذا كان ردّه سيعزّز التهديد ضدّه. وإذا كانت دائرة الهجوم الأوّلي هدّدت النظام، فسيكون هناك كوابح أقلّ حول الردّ. ولذلك، ومع هجوم إسرائيلي، على سبيل المثال، فإنّ خطر الردّ الإيراني قد يجرّ الولايات المتّحدة لتدخّلٍ قد يهدّد النظام، في حين أنّه في الهجوم الأمريكي على أهداف نووية محدّدة، فإنّ الخشية هي أن يؤدّي الردّ إلى عمليات ردّ مقابلة والتي قد تهدّد النظام. وإذا قرّرت الولايات المتّحدة، بحسب تقديرات طهران، استخدام قوّتها الكاملة بهدف إسقاط النظام، فإنّ هذا سيقلّص الكوابح الإيرانية، وبالتالي يمكن توقّع ازدياد مدى الردّ الإيراني. وفي حال كان التقدير لدى طهران بأنّ الولايات المتّحدة تحدّد هجومها على البنى التحتية للنووي الإيراني وأنّ هناك احتمالاً بأن توسّع مجال هجومها ليطال النظام فقط في حال حصل ردٌّ إيراني، فإنّ الفرص قد تزداد في ما يخصّ التحرك الإيراني نحو الكبح بهدف تجنّب التصعيد الذي قد يهدّد بقاء النظام.

أمّا العامل الثاني فيتعلّق بطبيعة الهجوم. فكلّما كان مدى وقوّة الهجوم الغربي أقوى- إذا شمل الهجوم القدرات الاقتصادية مثل مصانع النفط والغاز أو القدرات الخاصة بالحكومة والجيش مثل المباني الحكومية والدينية ومراكز القيادة والقوات العسكرية الإستراتيجية- كلّما كان الضغط الذي قد تواجهه طهران للردّ بقوّةٍ كبيرةٍ لردع أعدائها ومنعهم من تنفيذ هجمات في المستقبل وأيضاً لردّ اعتبارها. هذان العاملان مرتبطان ببعضهما البعض، حيث أنّ الردّ الأمريكي في حال حصول أيّ تصعيد سيشتمل على هجومٍ أوسع وأكثر قوّةً على الممتلكات الخاصة بالنظام أيضاً. ولهذا السبب، سيكون التهديد الأكثر صدقية وفعاليةً الذي سيشجّع إيران على الإحجام عن الردّ على الهجوم الغربي.

وفي مقابل هذه الخلفية هناك جدولٌ من خمس إستراتيجيات إيرانية محتملة والتي يمكن افتراضها: "من المحدود والمحسوب إلى الكبير جداً":

1- إحجام عسكري كامل: هذا سيناريو متطرّف بحيث يختار فيه النظام الإيراني عدم الردّ مباشرةً بعد الهجوم على منشآته. وهناك مثلان على هذه الإستراتيجية وهما العجز عن الردّ العراقي المباشر بعد مهاجمة سلاح الجوّ الإسرائيلي لمفاعل أوزيراك عام 1981، وغياب الردّ السوري على الهجوم في المفاعل النووي في دير الزور عام 2007. ورغم ذلك، هناك احتمالٌ صغيرٌ بأن تتبنّى إيران هكذا إستراتيجية. وبالمقارنة مع العراق وسوريا، إيران تعرف بأنّ الغرب يعلم بأمر برنامجها النووي وأنّ الهجوم لن يشكّل مفاجأةً إستراتيجية. وحتى لو كان توقيت وطبيعة الهجوم مفاجئين، فإنّ طهران قد أعدّت ردّاً في حال تنفيذ الهجوم. ويرجّح أن تقرّر طهران استخدام هذه الخطّة، حتى ولو كانت جزئيةً ومكبوحة، لإظهار قوّة النظام وتردع أعداء إيران من القيام بأعمال إضافية في المستقبل وتردّ اعتبار الدولة بعد مهاجمة برنامجها النووي. وبعبارةٍ أخرى، هناك مستوى عالٍ من التأكيد بأنّه سيكون هناك ردٌّ إيراني، ولكن السؤال هو حول مدى هذا الردّ.

2- العين بالعين: هذه هي الإستراتيجية التفاعلية الكلاسيكية لأنّها تقلّد إستراتيجية المهاجم. ردّ إيران على هجومٍ ضدّ المنشآت النووية للدولة سيكون هجوماً على المنشآت النووية الإسرائيلية. وفي هذا السيناريو، سيتمّ إطلاق عددٍ كبيرٍ من الصواريخ من إيران ولبنان باتجاه ديمونا أو أيّ هدفٍ آخر في إسرائيل يُعتبر "ذا صلة بالنووي"، وذلك لإيصال رسالة من التكافؤ بين إيران وإسرائيل، وربّما أيضاً لإحداث أضرار بالمنشآت الإسرائيلية. وهناك احتمالٌ كبيرٌ أن يتمّ اختيار أسلوب العمل هذا، بشكلٍ مستقلٍّ أو كجزءٍ ضمن ردٍّ إيرانيٍ أوسع.

3- ردّ محدّد في المدى ولكن أكثر أهميّة: الردّ الإيراني الأوسع سيشمل استخدام خلايا إرهابية وإطلاق صواريخ بشكلٍ مكبوح- صاروخ أو اثنان يسقطان على المدن الإسرائيلية، وربّما أيضاً على السعودية وأهداف غربية في الخليج. كما أنّ هناك احتمالاً لتنفيذ هجمات انتحارية من الجوّ والبحر ضمن سيناريو الردّ المحدود هذا. وفي حال أحدث الهجوم الغربي أضراراً بالبنية التحتية النووية لإيران ولكنّه لم يؤدِّ إلى إيذاء القدرات الحكومية، فإنّ هناك احتمالاً قوياً لأن يحصل هكذا ردّ إيراني، ذلك أنّ النظام في طهران سيسعى إلى إيجاد التوازن بين الحاجة إلى الردّ على الهجوم وبين الخشية من التصعيد الذي قد يهدّد ممتلكات النظام غير المرتبطة مباشرةً بالبرنامج النووي الإيراني العسكري. ومجدداً، المصلحة الأساسية لنظام آيات الله هي المحافظة على قوّتهم. ولذلك، لا يبدو أنّهم سيقومون بعملٍ يُفهم بأنّه قد يهدّد استقرار النظام. وبالتالي، في سيناريو يتضمّن هجوماً محدّداً على البرنامج النووي الإيراني، سيسعى النظام إلى الردّ بدون جرّ أيّ تصعيدٍ وتدخّلٍ أمريكيٍ جديٍّ في هذه الأزمة.

4- الردّ الأكثر تطرّفاً ضدّ أهداف إسرائيلية: بصرف النظر عمّا تمّ الإشارة إليه حتى الآن، يحتمل أن تسعى إيران إلى ردٍّ عنيفٍ ومتطرّفٍ وذلك ردّاً على مهاجمة برنامجها النووي العسكري واعتبارها القومي، وذلك من خلال محاولتها عزل إسرائيل عن الولايات المتّحدة. وقد تطلق إيران عشرات الصواريخ يومياً باتجاه المدن الإسرائيلية ضمن عددٍ من الهجمات يومياً. الهدف الإستراتيجي سيكون معاقبة إسرائيل بسبب الهجوم، وشلّ الحياة في إسرائيل، كما يجب أن يكون بمثابة أكبر ثمن يمكن جبايته من إسرائيل وأن يؤثّر الهجوم نفسياً على السكان الإسرائيليين. وقد تسعى إيران إلى تحقيق أقسى تأثير ردعي وتردع إسرائيل في ما يخصّ الصراع المستقبلي. ويحتمل بأنّ النظام في طهران يفترض بأنّ هكذا ردّ سيؤدّي إلى ردٍّ إسرائيليٍ كبيرٍ وقد يؤدّي إلى تصعيدٍ في الصراع بين البلدين- ما قد يسمح في المقابل بتنفيذ هجومٍ آخر ضدّ البنية التحتية النووية وهجومٍ واسعٍ وشاملٍ على الممتلكات الاقتصادية والحكومية الإيرانية. هكذا تصعيد قد يخرج عن السيطرة ويشجّع على التدخّل العسكري الأمريكي، والذي قد يؤدّي بدوره إلى تهديد استمرارية بقاء النظام. وبحسب هذه المعطيات، يبدو أنّ النظام الإيراني سيُحجِم عن هكذا ردّ ضدّ إسرائيل طالما أنّ الهجمات الغربية تركّز على البرنامج النووي. وفي حال شعر النظام الإيراني بأنّ الهجوم يعكس جهداً لتهديد بقائه أو أنّ إسرائيل والولايات المتّحدة ليستا راغبتين بالردّ بقوّة، فحينها يصبح من الصحيح الاعتقاد بأنّ لدى إيران القليل لتخسره من تصعيدٍ محتمل. هذا السيناريو، في تصوّرٍ متطرّف، قد يتضمّن أيضاً استخداماً إيرانياً لأسلحة غير تقليدية. ومع ذلك، فإنّ القيود العملانية لأسلحة إيرانية، إلى جانب طموحات طهران بمنع ردٍّ إسرائيليٍ كبيرٍ وتدخّلٍ أمريكي، قد تصبح بمثابة عوامل ردع في ما يخصّ استخدام هذا النوع من الأسلحة. ووفقاً لذلك، يبدو أنّ هناك احتمالاً محدوداً بأن طهران قد تستخدم أسلحة غير تقليدية عند بداية أيّ أزمة مستقبلية تنتج عن مهاجمة إيران، أو في سيناريو صراع مع إسرائيل والذي لا يتطوّر إلى صراعٍ شاملٍ والذي يهدّد بقاء النظام بشكلٍ واضح.

5- التصعيد الإقليمي: تردّ إيران على هجومٍ غربيٍ بكلّ قوّة وضدّ كلّ أعدائها- الولايات المتّحدة ودول الخليج وإسرائيل. في هكذا سيناريو، قد تهاجم إيران أهدافاً أمريكيةً وإسرائيليةً في الخليج بكلّ قدراتها "المحدودة"، بما فيها التهديد بإغلاق أو إغلاق مضيق هرمز بشكلٍ فعلي. ومع ذلك، فإنّ التقدير بأنّ هجوماً على المنشآت النووية العسكرية الإيرانية سيؤدّي بالضرورة إلى حربٍ إقليميةٍ مطوّلةٍ وعلى نطاقٍ واسع هو محلّ تساؤلٍ كبير. إنّ سيناريو التصعيد الإقليمي يتطلّب تدخّل الولايات المتّحدة وسيغيّر بشكلٍ كبيرٍ ميزان القوّة الإقليمي. ولذلك، ستختار طهران هكذا ردّ فقط في حال لم تخشَ من أن تؤدّي هكذا خطوة إلى إحداث ضررٍ كبيرٍ إضافيٍ لممتلكات النظام، أو كخطوةٍ أخيرةٍ في مسعىً لإحراق المنطقة برمّتها وذلك بهدف الضغط لاستجرار تدخّل دولي "وبشكلٍ واضحٍ بقيادة روسيا" للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار بأسرع ما يمكن، وقبل أن يخسر النظام حصّةً كبيرةً من مقدراته. وبما أنّ هذه ستكون مقامرةً كبيرة، فإنّ التقدير هو أنّ إيران ستسعى إلى تجنّب هكذا ردّ، ولهذا السبب فإنّ هذا السيناريو عند بداية الأزمة له احتمالٌ قليلٌ جداً.

موجز مرحلي حول الإستراتيجية الإيرانية: بعكس القدرات الإيرانية، التي يمكن قياسها وتقييمها بمستوى كبير من الموثوقية، فإنّ تقدير النوايا، أصعب بكثير، ويتطلّب حذراً أكثر، وحسماً أقلّ. ومع ذلك، يمكن القول بأنّ التهديد الجدّي هو سيناريو لا يستند على تقييم عقلاني. وسيناريوها العين بالعين والردّ المحدود، يبدوان مناسبَين أكثر، لأنّهما يعتمدان على عدّة عوامل، وبشكلٍ أساسي على نوع الهجوم الغربي ضدّ إيران، وعلى تقدير إيران لقوّة الردّ الأمريكي والإسرائيلي على ردّها - "الضربة الثالثة".

إن مروحة الردود الإيرانية، ليست بالضرورة تعبر عن خيارات تصطف وراء بعضها البعض، ولا تعتبر نظرية متكاملة، لكنها قد تتصاعد في حال تدهور الازمة لدرجة عدم القدرة على إيقافها. ولذلك، على سبيل المثال، يمكن أن يكون الردّ الإيراني الأوّل محدوداً، ولكن سينتج عنه ردٌّ إسرائيليٌ قويٌ، وفي أعقابه تصعيدٌ لردٍّ إيرانيٍ أكثر قساوة. وهذه المجموعة توضح الفعالية الأكبر للهجوم الجراحي الأوّل، الذي يركّز على البرنامج النووي الإيراني وعلى الاستخدام اللاحق لخطواتٍ للحدّ من مدى الصراع، لكي يبقى تحت السيطرة.

حلفاء إيران ووكلاؤها أصحاب العلاقة

ثلاثة حلفاء لإيران على علاقة بسيناريوهات الرد ويُشكلون تهديداً لإسرائيل: حزب الله (منظمة وكيلة لإيران) والجيش السوري ومجموعات إرهابية فلسطينية في غزة تعمل من سيناء.

ترسانة حزب الله الصاروخية تزداد على نحو هام وتحسنت منذ حرب لبنان الثانية، وبلا أدنى شك قوته النارية أطول وأكثر دقة. رغم ذلك، قدرات إسرائيل الدفاعية والهجومية والاستخبارية تطورت أيضاً منذ عام 2006. فقد تكون الأنظمة المضادة للصواريخ، كالقبة الحديدية الموجود في الخدمة العملانية حالياً ومقلاع داوود غير العملاني لغاية الآن، لديها اليد الطولى في تغيير موازين اللعبة في أي حملة إسرائيلية مستقبلية ضد حزب الله. وقد يكون تكرار الضربة الإسرائيلية على صواريخ حزب الله الإستراتيجية في الأيام الأولى لحرب الـ2006 عاملاً أساسياً في تشكيل وجه المعركة المستقبلية. وإذا ما نجح الجيش الإسرائيلي في تكرار نجاحه الدفاعي في عملية عمود السحاب من المحتمل جداً أن لا تصح أبداً السيناريوهات المرعبة التي تصورها وسائل الإعلام.

إن كل حرب مغايرة عن الحروب السابقة، ولذا الحرب التالية مع حزب الله لن تكون شبيهة بحرب عام 2006. ومن المحتمل أن يتركز الضرر على الجبهة الداخلية في منطقة غوش دان ويكون أكثر خطراً مما كان عليه في حرب الـ2006، لكن أي ضربة هامة للبرنامج النووي الإيراني، يُبرر هذا الثمن.

علاوة على ذلك، في الأشهر الأخيرة كان حزب الله مشغولاً في القتال إلى جانب سوريا. ولا يزال من غير الواضح ما مدى تأثير هذا الأمر على قدرات المنظمة وجهوزيتها لحرب مع إسرائيل. ما هو واضح أن الأحداث في الشرق الأوسط وقرار قائد حزب الله حسن نصر الله بمساعدة الأسد في حربه ضد المتمردين قد زادت من عدد الخصوم لحزب الله، سواء داخل لبنان أو خارجه. فمن جهة، يمكن لأي حرب ضد إسرائيل أن يُنظر إليها على أنها فرصة لحزب الله من أجل استعادة منزلته كالمدافع عن لبنان ضد العدو الإسرائيلي. ومن جهة أخرى، يمكن أن تعزز موقف أولئك الذين يعتبرون حزب الله وكيلاً إيرانياً مستعداً لتكبيد لبنان الدمار من أجل النظام في طهران. واستناداً على الوضع المتدهور للمنظمة داخلياً في لبنان، حزب الله في وقت الهجوم الغربي على إيران على الأغلب سيواجه ضغطاً متضارباً بخصوص العمل المحتمل ضد إسرائيل. وإذا كان في الماضي واضحاً أن حزب الله سيشن هجوماً على إسرائيل في أعقاب ضربة ضد إيران، الآن رغبته على تنفيذ هذا الأمر يشوبها الكثير من الشك. ولأن المنظمة تتلقى المساعدة من إيران سواء في مجال الأسلحة والتدريب مقابل تفاهم على أن يرد حزب الله في حال تلقى أمراً من طهران، قد يكون غير قادر على الامتناع من تنفيذ العمل والضغط الداخلي سيؤثر بشكل أساسي على مدى هذا العمل الذي سيكون محدوداً أكثر مما كان عليه قبل العام 2012 وتوزيع جهود حزب الله إلى سوريا. بمعنى آخر، من المحتمل أن يكون حزب الله جزءاً في أي رد إيراني، لكن مدى رده سيكون أقل حجماً مما كان متوقعاً في الماضي.

إن مدى ونوعية الترسانة الصاروخية السورية يُشكلان تهديداً إستراتيجياً كبيراً لدولة إسرائيل. ولكن السوريين، خلافاً لحزب الله، ليسوا وكلاءً إيرانيين واعتباراتهم مبنية على مصالح سورية وليست إيرانية. والتخوف من رد إسرائيلي هائل يردع سوريا. وفي الواقع، لم ترد سوريا على الهجمات المباشرة ضدها في الأعوام الأخيرة والتي عُزي أن إسرائيل وراءها. أضف إلى ذلك، على مر العامين الماضيين، استثمر الجيش السوري جهوداً أساسية في الحرب الأهلية. على الرغم من ذلك من الصعب تقدير مدى التآكل الذي أصاب قدرات الجيش في وجه إسرائيل، ولا بد أن هذه القدرات قد أُلحق بها الضرر على نحو أساسي. ومن المحتمل أن الأحداث في سوريا قد قلصت من رغبة الأسد لأن يكون جزءاً في أي رد ضد إسرائيل في حال وقوع الضربة ضد إيران. يمكن أن يُقال إن الاعتماد المتزايد للأسد على شريكه الإيراني ورغبته في الانتقام جراء الهجمات التي اتُهمت بها إسرائيل ضد أهداف عسكرية في سوريا قد يُشجعان على رد سوري. ولكن تقييد سوريا في الرد على هجمات مباشرة، على الرغم من تهديدات الأسد، تُعد مؤشراً جيداً أن الحاكم السوري لا يرغب في المخاطرة بتوريط إسرائيل في بلده. فمثل هذا التورط قد يُغير ميزان القوة في الحرب الأهلية السورية، وفق ما يراه النظام، والديناميكية الإيجابية التي حاز عليها بعد نجاحه في استعادة بعض المناطق الأساسية من أيدي المتمردين. لذا، حتى وإن رد الأسد، سيكون رده مُقلصاً ورمزياً كالسماح للإرهابيين بالعمل من الأراضي السورية ما من شأنه أن لا يجر إسرائيل إلى حرب شاملة.

أما العنصر الثالث ذو الصلة فهو النشاط الإرهابي الفلسطيني في غزة والعنصران الأكثر أهمية هما حماس والجهاد الإسلامي. إن التوتر بين السنة والشيعة بشأن الحرب الأهلية في سوريا دفع حماس إلى الابتعاد عن سوريا وحزب الله وإيران وأضر بعلاقات حماس مع إيران ومساعدة طهران لحماس. لذا، من المحتمل أن تمتنع حماس عن الدخول في أي حرب مع إسرائيل وقد تبدو متعاونة مع النظام في طهران على خلاف الجهاد الإسلامي التي ستكون جزءاً من الرد الإيراني. والجدير بالقول إن الأشهر الأخيرة قد شهدت دفئاً مُعيناً في العلاقات بين حماس وطهران ما قد يُشجع قيادة حماس على أخذ القرار بتقديم الدعم، حتى وإن كان رمزياً، لجهود الانتقام الإيراني في محاولة لإثبات ولائها مرة أخرى. على الرغم من ذلك، إن التوتر الذي لا يزال موجوداً بين حماس وطهران من المحتمل أن يبدو في رد ضئيل من قبل المنظمات الإرهابية الفلسطينية. وكلما ازداد سوء الوضع الاقتصادي والسياسي لحماس، لكما زاد الضغط على قيادتها من أجل العودة إلى الكنف الإيراني والمشاركة في الرد على إسرائيل في حال وقع الهجوم الغربي على إيران.

من جانبها، تعرف إسرائيل كيفية التعامل مع التهديد من الجنوب، حتى وإن تضمن إطلاق مئات الصواريخ على المدن الإسرائيلية خلال أيام، كما حصل في عمليتي الرصاص المسكوب وعمود السحاب. وقد تعاملت إسرائيل بنجاح مع تهديد منطقة غوش دان عبر استخدام رد دفاعي وهجومي مُدمج وشامل. يبدو أن إسرائيل لديها الرد الملائم على أي تهديد من الجنوب، حتى وإن قررت المنظمات الإرهابية العمل على نطاق واسع وبالتأكيد في حال قررت تقييد عملياتها.

التوصيات

 يؤكّد التقرير على الجدل القائم، أنّه بالنسبة لإسرائيل، التهديد الأساسي للردّ الإيراني على هجومٍ غربيٍ أو إسرائيلي سيكون وابلاً من الصواريخ التقليدية والصواريخ التي ستُطلق باتجاه المدن الإسرائيلية والمنشآت النووية من قبل إيران وحزب الله. ولا يزال هذا الأمر بعيداً عن سيناريو الرعب لحربٍ شاملةٍ بين إيران وإسرائيل أو حربٍ إقليميةٍ، والتي هي غير محتملة بشكلٍ كبير. وعلى الرغم من ذلك، فإنّه يجب تقليص مخاطر التصعيد إلى صراعٍ أكبر وأوسع من خلال العمل على أربع جبهات.

1- هجوم جراحي: إذا تمّ التوصّل إلى قرارٍ بمهاجمة منشآت إيران النووية، فإنّ الهجوم الجراحي هو المفضّل، أو بعبارةٍ أخرى، هجوم محدّد على البنى التحتية التي تدعم البرنامج النووي العسكري الإيراني على مدى أيام قليلة. وفي الهجوم المحدّد، سيكون من الممكن زيادة الأضرار التي ستلحق بالبرنامج النووي العسكري الإيراني، ولكنّه سيترك طهران محتفظةً بكلّ ممتلكاتها الباقية التي تُعتبر ضروريةً للاقتصاد الإيراني وبقاء النظام. وفي هكذا وضع، سيكون لدى النظام الكثير مما سيخسره في حال التصعيد، وهذا سيقلّص فرص اختيار إيران لإستراتيجية الردّ الكبير.

2- تهديد موثوق في "ضربة ثالثة" قويّة وشاملة: إلى جانب الهجوم الجراحي ضدّ إيران، يجب إيصال رسالة واضحة إلى طهران مفادها أنّ ردّاً إيرانياً كبيراً سيؤدّي إلى تصعيدٍ للصراع وسينتج عنه ردٌّ أمريكيٌ وإسرائيليٌ شاملٌ وقويّ، بحيث سيتضمّن الممتلكات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الخاصة بالنظام. ودمج سيناريو الهجوم المحدود مع تهديدٍ غربيٍ موثوق بتوسيع أهداف الهجوم في حال التصعيد يخدم إستراتيجية الإحجام في الردّ الإيراني ويحتفظ بإنجازات الهجوم بأقلّ ثمن ممكن. ويمكن توقّع ردّ إيراني في أيّ حال، وسيكون التحدّي هو الحدّ من هذا الردّ واحتواءه.

3- ركيزة إسرائيلية دفاعية قويّة: حيث أنّ هناك احتمالاً بأن يحصل ردٌّ إيراني، حتى ولو كان محدوداً من حيث المدى، فإنّ قدرة إسرائيل على التصدّي لمكوّنات الردّ مهمّةٌ بشكلٍ أساسي. وقد قامت إسرائيل بتطوير أنظمتها الدفاعية المضادة للصواريخ، مثل حيتس والقبّة الحديدية، وإذا تمّ استخدام هاتين المنظومتين مع وسائل الدفاع السلبي والإنذار المبكر والوعي العام والانضباط، سيكون من الممكن الحدّ من الأضرار الناتجة عن ردٍّ إيراني. وهذا الأمر لن ينقذ حياة الناس ويقلّص الأضرار فحسب، بل إنّه سيخفّف من الضغوط للقيام بردّ إسرائيلي قد يؤدّي إلى تبادل التفجيرات والتصعيد. وفي الوقت الحالي، يجب القيام بتحضيرات للتصدّي للهجمات الانتحارية من الجوّ والبحر والهجمات ضدّ الأهداف في الخارج. وفي حال قام الإيرانيون، مع ذلك، بردٍّ كبيرٍ، فإنّ إسرائيل ستكون بحاجةٍ للقيام بردٍّ واسع النطاق ضدّ البنى التحتية الأساسية في إيران لكي يفهم الإيرانيون الحاجة لإنهاء الصراع في أقرب وقتٍ ممكن.

4- خطّة لليوم الذي يلي الضربة: التخطيط لهجومٍ على إيران يجب أن يتضمّن خطّة لليوم الذي يلي. يجب أن تضمن الخطّة أنّ العقوبات الدولية على إيران ستستمرّ كجزءٍ من الضغط المستمرّ على طهران للتخلّي عن برنامجها النووي العسكري. كما يجب أن تضمن الضربة أنّه لا يزال هناك تهديدٌ عسكريٌ موثوق. هذا الأمر ضروريٌ لتحسين الشروط للتوصّل إلى اتفاقٍ دبلوماسيٍ بين إيران والغرب بحيث تصبح إيران بعيدةً عدّة سنوات عن القنبلة النووية وتوافق على مراقبة الاتفاق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذريّة. هذا الأمر فقط كفيلٌ بمنع إيران من تسليح نفسها بأسلحة نووية طوال الوقت.

يناقش العديد من الخبراء بأنّ هجوماً، بغضّ النظر عن مستوى نجاحه، لا يمكنه إيقاف البرنامج النووي العسكري الإيراني للأبد. ومع ذلك، هذا الأمر لا يبرّر عدم العمل والاستسلام. وإذا لم توافق إيران على تسويةٍ مقبولةٍ تضمن أنّ وقت الانطلاق نحو القنبلة يسمح بالاكتشاف والردّ ضمن الوقت، واستخدام الخيار العسكري قد يشتري الوقت حتى يحصل تغييرٌ في النظام. كما أنّه قد يرسل رسالةً شديدة الوضوح للإيرانيين بأنّ مساعيهم لتسليح أنفسهم مع القدرات النووية العسكرية سيتمّ التصدّي لها في المستقبل أيضاً.

إن أي ضربة عسكرية هي جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية العامة اتجاه أن تصبح إيران نووية، إستراتيجية تفضل الحل الدبلوماسي. والضرر اللاحق ببرنامج إيران النووي سيُثبت لطهران أن الغرب مُصمم على منعها من أن تصبح نوويةً. كما أنها تُشير إلى جهوزية للقيام بالعمل من أجل تعليق التقدم على الجبهة النووية وليس تهديداً لبقاء النظام. وعندما تصبح القنبلة النووية خارج متناول القبضة الإيرانية وعندما يُثبت الغرب جديته، قد يصبح النظام الحالي في طهران أكثر مرونةً ويوافق على إيقاف برنامجه العسكري النووي ويقبل بمراقبة وثيقة تتماشى مع الاتفاقية. أما إذا لم يوافق على القيام بهذا الأمر في وقتنا الحالي، سيسمح الهجوم فعلاً بمزيد من الوقت من أجل مزيد من الضغط على النظام عبر استخدام العقوبات لجر إيران إلى القبول بهكذا اتفاقية أو مواجهة ضغط محلي متزايد من شأنه أن يُهدد بقاءه. في أي من الحالتين، يجب أن يُنظر إلى الضربة على أنها أداة لتعزيز هدف منع إيران من الحصول على أسلحة نووية عبر وسائل دبلوماسية إلى أقصى حد ممكن وليس أنها الحل بحد ذاته.

إن التوصيات الأربع أعلاه، التي تربط سيناريو الضربة المحدودة مع ترتيب دفاعي واسع كجزء من إستراتيجية دبلوماسية طويلة الأمد لا تنتهي في يوم حصول الضربة، هي بهدف تقليص خطر حصول ضربة غربية لإيران إذا لم تُبد رغبتها للوصول إلى حل دبلوماسي يضمن عدم تطويرها قدرات نووية عسكرية. وتظهر التوصيات أن الاستعداد الصحيح والتعاون الغربي يمكن لهما أن يُقلصا من فرص وقوع حرب إقليمية في أعقاب حصول ضربة للمنشآت النووية الإيرانية. وهكذا استعداد يدعم حلاً دبلوماسياً طويل الأمد للأزمة النووية الإيرانية. وأولئك الذين يُبالغون في تقدير التهديد باندلاع حرب إقليمية يُلحقون الضرر بمصداقية الخيار العسكري ويُشجعون على حالة يُصبح فيها هذا الخيار السبيل الوحيد لمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية.

اعلى الصفحة