الكيان الصهيوني في القوقاز وآسيا الوسطى
طبيعة وأهداف التواجد

السنة الثانية عشر ـ العدد 143 ـ ( ذو الحجة  1434 هـ ـ محرم 1435 هـ) تشرين ثاني ـ 2013 م)

بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يعمل الإسرائيليون خصوصاً والحركة الصهيونية العالمية على وجه العموم، على أن يكون لهم موطئ قدم في كل مكانٍ في العالم، فلا يغيبون عن بقعة، ولا يغادرون مكاناً، بعيداً أو قريباً، خطراً أو آمناً، سواء كانت لهم فيه مع أصحابها علاقاتٌ طيبة، أو مصالح مشتركة، تجارية أو اقتصادية، سياحية أو دينية، عسكرية أو أمنية، أو غير ذلك، ويحققون من خلال تواجدهم الكثير من الأهداف، الربحية والمعنوية، السياسية والمادية، والأمنية والعسكرية.

كما لا تغيب دولة الكيان الصهيوني عن مناطق أعدائها، وأراضي خصومها، فتحاول أن تخترقهم، وتزرع العملاء بينهم، أو تتجسس عليهم، وتراقبهم وتتابعهم، وتخلق لهم المشاكل، وتثير بينهم الخلافات، وتؤجج نار الفتنة بين أطرافهم، وتتصل ببعضهم، تنسق معهم، كما قد تزودهم بالمال والسلاح والخبرات والمعلومات والقدرات، ليقوى فريقٌ على آخر، وتتغير معادلات القوى، وتختل التوازنات، فتمتد الصراعات وتتعمق، وتشتد الحروب وتقسى، وتتعقد الشروط وتختلف، ما يسهل على الإسرائيليين التواجد في مناطقهم، والتغلغل بينهم، مستخدمين كل الذرائع، ومستفيدين من كل الفرص المتاحة، فيتدخلون مباشرةً بأسمائهم ومشاريعهم، أو يتخفون تحت أسماء أخرى، أو ضمن هيئاتٍ وجمعياتٍ أجنبية، مستفيدين من تعدد الجنسية لدى مواطنيهم، وقدرتهم على التجوال في كل المناطق، دون أن يثير تحركهم ريبة، أو يلفت الأنظار.

تتناول هذه الدراسة التواجد الصهيوني في القوقاز وآسيا الوسطى، موضحة أهمية تلك المنطقة، وطبيعة التواجد الصهيوني فيها، والعوامل التي ساعدت على هذا التواجد، والأهداف التي ترجوها دولة الكيان من تواجدها في تلك المنطقة، حيث يتواجد الإسرائيليون بكثرة في هذه المنطقة، ويعرفون أهميتها وتميزها، ويدركون دورها المباشر في تغذية بعض أطراف القوى الدولية الكبرى.

الموقع والأهمية الاستراتيجية

تكاد تكون المنطقة التي نستهدفها بالدراسة، وهي التي تقع في غرب آسيا، ونتطلع للتعرف على طبيعة التواجد الصهيوني فيها، قطاعاً واحداً، وحقلاً موحداً، ومناطق نفوذٍ يصعب المفاضلة بينها، أو التفريق خلالها، إلا أنها تتكون من قسمين رئيسين وهما:

·        منطقة القوقاز، التي تحتوى على ثلاث دولٍ كبيرة هي أرمينيا وجورجيا وأذربيجان.

·        منطقة آسيا الوسطى وتتشكل من خمسة دول، هي أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمنستان.

تعد هذه الدول منطقة تنافس استراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وقد كانت هذه الدول تابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً ثم نالت استقلالها بعد انهياره، وتتمتع هذه المنطقة بموقعها المتميز، إذ أنها تشترك في حدودها مع روسيا وإيران والصين وتركيا، وتطل على بحر قزوين الغني بالنفط.

 وبعد استقلال هذه الدول سارعت دولة الكيان الصهيوني، والعديد من الدول الإقليمية والدولية، للعبِ دورٍ كبير فيها، بسبب أهميتها الجيو/سياسية الكبيرة، كونها تقع بين دولتين عظميين، روسيا والصين، فضلاً عن قربها من تركيا التي تعتبر بوابة المنطقة إلى أوروبا، وكذلك إيران التي تشكل هاجساً حقيقياً للكيان الصهيوني وشعبه، وتهدد مستقبل وجوده، وتعرض استقراره للخطر.

لذلك تولي دولة الكيان الصهيوني أهمية قصوى إلى تلك المنطقة، وتقوم مختلف الوزارات ذات الاختصاص، والمؤسسات الأمنية والعسكرية،  بإعداد دراساتٍ خاصة بها، وتشكل فرقٍ علمية وميدانية لمتابعتها، وتحاول التعرف على مختلف تفاصيل الحياة فيها، إذ تعتبرها مناطق مهمة، وقد تستطيع أن تلعب دوراً في السياسة والحرب والاقتصاد في المستقبل.

ولعل وزارة الخارجية الصهيونية واحدة من أهم المؤسسات والوزارات التي تهتم بهذه المنطقة، وتخصها بكثيرٍ من الجهد والوقت، حيث تم توسيع قسم منطقة "أوراسيا" في الخارجية الصهيونية، وهو القسم المسئول عن العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة، بحيث أصبح القسم المعروف باسم "أوراسيا 2" مسؤولاً عن العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة في منطقتي جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، ولوحظ أن هذا القسم المختص قد نشط كثيراً، وأصبح له دورٌ بارز في ظل تولي أفيغودور ليبرمان مفاتيح وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث انتبه ليبرمان إلى أهمية الحدائق الدولية الخلفية، في دول أفريقيا، وفي منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى، فوضع خططاً ومشاريع عملية لغزوها واقتحامها، ومنافسة أصحاب النفوذ القديم فيها.

أهمية المنطقة

لا يمكن إهمال أو طمس عوامل القوة والتميز التي تمتاز بها منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وقد تتلخص الأهمية الإستراتيجية للمنطقة في المحاور التالية...

·        الموقع المميز

تقع المنطقة المذكورة في موقع متوسط بين روسيا وتركيا والصين وإيران وبحر قزوين، وهي مناطق قوة عسكرية، وصراعاتٍ سياسية قديمة وحديثة، نشأت عليها حضارات، وسادت فيها دول، وتشكلت فوقها إمبراطوريات وجمهوريات، كان لها دور كبير في تشكيل ثقافة المنطقة، ورسم هويتها الدينية والحضارية، ما يجعل منها محل تأثير على هذه المناطق الحساسة من جهة، وعلى المنطقة المحيطة بها بصورةٍ عامة، حيث تعتبر ممراً مهماً للغاية لخطوط الطاقة القادمة من آسيا الوسطى وبحر قزوين، والواصلة لدول البحر المتوسط وموانئه.

كما تعتبر سوقاً تجارياً مهماً، ومناطق امتصاص وصرفٍ مالية كبيرة، حيث أن أغلب دولها قد نالت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينات، ما جعلها سوقاً متعطشة للاستثمارات المختلفة، وأسواقاً مفتوحة للعديد من المنتجات، حيث أنها كانت تخضع للمخططات الإستراتيجية السوفيتية، التي تخدم أهداف الإتحاد العظمى على حساب الأهداف الوطنية للدول.

ولعل سعي تلك الدول الناشئة حديثاً لإعادة بناء جيوشها، التي لم تكن موجودة سابقاً، ولم يكن لها أدوارٌ وطنية محددة وخاصة بها، ما جعلها دولاً غير مهيأة، وينقصها الكثير للتطور والارتقاء، ما يجعلها سوقاً مفتوحة لاستيراد السلاح والخبرات العسكرية والأمنية، خاصة بعد الحرب على أفغانستان، والحروب التي خاضتها بعض تلك الدول ضمن الاتحاد السوفييتي.

·        النفط والغاز

يعتبر المخزون الهائل من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضة وباقي المعادن الإستراتيجية، أكثر ما يميز المنطقة، ويسبب في تدافع دول العالم عليها، واهتمامهم بها، وصراعهم على النفوذ فيها، بمن فيهم الكيان الصهيوني، إذ أن كازاخستان  تمتلك ربع احتياط العالم من اليورانيوم، وتمتلك تركمنستان رابع احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، وتعد أوزبكستان ثالث أكبر منتج للقطن في العالم، وتمتلك رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب، وعاشر احتياطي عالمي من النحاس، إضافة للكميات الضخمة من النفط والغاز في بحر قزوين.

ولعل الغاز والنفط والمعادن المشعة، هي أكثر ما يسيل لعاب الإسرائيليين، ويحركهم بقوة تجاه هذه المنطقة، ويدفعهم للتفكير في كيفية اختراقها والتأثير عليها، والاستفادة منها، أو حرمان الآخرين من الخصوم والأعداء من فرصة الحصول عليها، والاستفادة منها، خاصة أن إمكانياتها كبيرة، ومخزونها هائل، وأسواقها مفتوحة، وقدرتها على الاستيعاب غير محدودة.

·        مراحل التواجد الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى

لما كانت دول آسيا الوسطى والقوقاز جزءاً لا يتجزأ عن الإتحاد السوفيتي، فإن علاقتها بدولة الكيان الصهيوني لم تكن مفصولة أو معزولة عن علاقتها بموسكو، أي أنها لم تكن مستقلة في تحديد شكل علاقتها بدولة الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل منها دولاً تابعة، وغير فاعلة في صنع العلاقة وتحديدها، على الرغم من أنها تعتبر دولاً إسلامية، كون أغلب سكانها من المسلمين، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على قرار حكومات دولها في فتح وبناء علاقاتٍ دبلوماسية وثنائية مع دول الكيان الصهيوني.

ولهذا فمن الممكن تقسيم الوجود الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى إلى ثلاث دورات زمنية، وفقاً للأحداث السياسية المعاصرة، التي كان لها الدور الأكبر في رسم وتحديد العلاقات الثنائية، وهي:

* المرحلة الأولى (1948– 1985)

اعتبرت المنطقة كلها خلال هذه المرحلة مناطق محرمة وممنوعة على الكيان الصهيوني، وهي الفترة الممتدة بين تأسيس دولة الكيان وصولاً إلى سنوات سقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي، وتميزت بوقوف المنطقة موقف الخصم مع الكيان الصهيوني تبعاً لمقتضيات الحرب الباردة، والعلاقات السوفيتية الأميركية، وكذلك العلاقات العربية – السوفيتية، والصراع العربي – الصهيوني، ولم تكن لدول هذه المنطقة - كونها كانت تابعة للسياسة المركزية للاتحاد السوفيتي- أية علاقات مع الكيان الصهيوني، كما لم يكن لديها القدرة والحرية على تغيير شكل ونمط العلاقة لو أرادت، نظراً لمركزية العلاقات الخارجية التي كان الكرملين يتحكم بها ويسيطر عليها، على الرغم من المساعي الصهيونية المحكومة التي قام بها مهاجرون روس إلى الكيان الصهيوني، حيث حاولوا الاستفادة من جنسيات بلادهم الأصلية، وعلاقاتهم الواسعة فيها، وقدراتهم المالية الكبيرة، التي ساهمت في بناء شركات وأساطين تجارية عملاقة، كان له دور كبير فيما بعد في رسم السياسات الخارجية لدول المنطقة.

* المرحلة الثانية (1985-1991)

شكلت المرحلة الثانية على قصرها، وعلى الرغم من ضعف القبضة المركزية السوفيتية، نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين المنطقة كلها ودولة الكيان الصهيوني، حيث لعبت سياسة ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفيتي قبل انهياره، دوراً مهماً في تسويق الكيان الصهيوني، وتقديمه كدولة طبيعية لدول المنطقة، وتبعاً لتحسن العلاقات بين موسكو والكيان، كان الأمر ينسحب على العلاقات مع تلك المنطقة.

* المرحلة الثالثة (بعد1991)

تعتبر هذه المرحلة هي الأطول والأخطر، وهي الأكثر تأثيراً وفعلاً، والأعمق أثراً ونفوذاً، حيث شكل انهيار الاتحاد السوفيتي نقطة انطلاق للمرحلة الثالثة من العلاقة التي جاءت في مصلحة الكيان الصهيوني، حيث اعترفت دولة الكيان باستقلال تلك الدول، وعملت على بدء علاقات معها على كل الأصعدة، وقد لعبت تركيا آنذاك، في ظل الحكومات القومية، دوراً كبيراً في فتح الباب للنفوذ الصهيوني، واستطاعت العديد من الشركات الصهيونية، بدعم وغطاء من الشركات التركية، أن تبدأ مشاريع ضخمة في القوقاز، وبذلك بدأ التدخل الاقتصادي والسياسي والأمني الصهيوني في تلك المنطقة.

ولاقت دولة الكيان الصهيوني ترحاباً كبيراً من حكومات هذه الدول، حيث نشطت العلاقات التجارية والاقتصادية، بعد تبادل الاعتراف الدبلوماسي بينهم، وبدأت دولة الكيان الصهيوني في استعراض قوتها وتفوقها وتطورها التقني والعسكري والصناعي على دول المنطقة، المتعطشة لكل أشكال التعاون.

·        العوامل التي ساعدت الكيان الصهيوني على التوغل في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى

لعبت عوامل عديدة ومختلفة في نجاح الكيان الصهيوني في الدخول إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وهي عوامل كان بعضها موجوداً، إلا أنه كان ضعيفاً وغير مؤثر، بينما ظهرت عوامل أخرى جديدة، لها دور أكثر قوة، فضلاً عن غياب موانع وعقباتٍ كثيرة كانت تمنع وتعرقل، وهي عوامل داخلية وخارجية، وذاتية وموضوعية، ومن هذه العوامل:

- الولايات المتحدة الأمريكية

لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً كبيراً ومهماً في نجاح دولة الكيان الصهيوني في الدخول إلى دول المنطقة، وتعزيز علاقتها بهم، وبناء أوسع شبكة علاقات شعبية ورسمية معهم، مستغلةً تعطش دول المنطقة للانفتاح على أمريكا والغرب، والتخلص من التبعية لموسكو والاحتكام إليها، ولهذا ساهمت الإدارات الأمريكية المختلفة في تدعيم مشاريع التعاون الصهيونية مع دول المنطقة سياسياً ومادياً، وحرصت على نجاحها وتميزها، لتكون نموذجاً ومثالاً، تحتذي به دول أخرى في المنطقة وخارجها.

- الدولة التركية

بلغ التعاون الصهيوني التركي في ظل رئاسة القوى القومية التركية للبلاد أوجه، وهو الذي ساعد دولة الكيان على التوغل في تلك الدول، إضافةً لدعمها المالي لدول المنطقة التي تتماشي مع سياستها، ويرجع ذلك أيضاً لرغبة أمريكية في محاصرة روسيا والصين وإيران، وتأمين موارد النفط في تلك المنطقة، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك ما نسبته 44 % من أصول شركات النفط في منطقة القوقاز وبحر قزوين، وتسعى إلى تقليص اعتمادها إلى أقصى حد ممكن على نفط الخليج، حيث تطمح إلى زيادة حصتها، وزيادة نفوذها ومساهمتها في استخراج الكنوز الجوفية لدول المنطقة.

وللأسف فإن التقارب الصهيوني التركي في تلك الفترة، هو الذي الذي مهد الطريق لدخول تل أبيب بقوة إلى تلك الدول، خاصة أن أنقرة لديها علاقات قوية مع هذه الدول ذات الأغلبية الإسلامية، وتنظر إلى كثيرٍ منها أنها جزء من الأمة التركية، وأنها تتبع للعلم التركي، وتنطق باللغة التركية وتعتز بها، وكانت علاقة تركيا في تلك الفترة سيئة مع الدول العربية، ولم تكن تحرص على استثمارها أو تحسينها، بل كانت تفضل المصالح الإسرائيلية على المصالح العربية، وترى أن المنافع التي تجنيها من تقاربها مع الكيان الصهيوني، تفوق كثيراً تلك التي كان من الممكن لها أن تحصدها في حال تقاربها من العرب، بل إنها كانت تعتقد أنها بتقاربها مع الدول العربية، فإنها تخسر حظوتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وتتضاءل فرص انضمامها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتهدد عضويتها في حلف الأطلسي "الناتو"، وتضيع عليها فرص تطوير سلاحها الجوي والبري، وتقضي على فرص عقد صفقات صيانة وتدريب وتأهيل مع الشركات الإسرائيلية، فضلاً عن تعطيل مناوراتها العسكرية مع مختلف قطاعات الجيش الإسرائيلي.

- ضعف الهيكل الأمني والسياسي والاقتصادي لدول المنطقة

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال تلك الدول، وجدت نفسها تعاني من أزمة اقتصادية وأمنية، وأن الفارق بينها وبين كثيرٍ من دول العالم كبيراً، إذ أن الفجوة التي تركها الاتحاد السوفيتي بينهم وبين المجتمع الدولي فجوة كبيرة، ويصعب عليهم ردمها بأنفسهم أو وحدهم، ولهذا استطاعت دولة الكيان الصهيوني استغلال هذه الفرصة، وتلبية حاجات تلك الدول، من حيث التعاون العسكري أو الاستثمارات الاقتصادية، أو تزويدها بالمعونة الفنية التي هي في أمس الحاجة إليها.

وساعد دولة الكيان الصهيوني على سرعة اختراق أنظمة دول هذه المنطقة، حاجة أنظمتها لإعادة بناء قواتها الأمنية والعسكرية لتقوية حكمها، ومنع المنظمات "الإرهابية" من الإطاحة بها، تحت لافتة مكافحة "الأصولية الإسلامية" التي تقض مضاجع النخب الحاكمة في هذه العواصم، حيث صور لهم مستشارون صهاينة وغربيون، أن الإسلام المتشدد أو الأصولي، هو الخطر الأكبر على استقرار وتقدم بلادهم، وساعدهم على ذلك قيام بعض المجموعات الإسلامية المتشددة بعملياتٍ عسكرية في بعض دول هذه المنطقة، كان لها أثر سلبي على علاقة هذه الدول بالكيان الصهيوني، حيث ساعدت في زيادة التعاون بينهم، ورفعت من مستوى التنسيق، وتبادل المعلومات والخبرات، وساعدت النخبة الحاكمة في تبرير مواقفها وسياساتها المتقاربة والمتعاونة مع دولة الكيان الصهيوني.

- غياب الدور العربي والإسلامي عن المنطقة

لم تنشغل الدول العربية والإسلامية بهذه الدول، ولم تهتم بها، ولم تكن تعتقد أنها قد تستفيد من التعاون معها، فهي في أغلبها دولٌ نفطية وغازية، ولديها مقومات اقتصادية جيدة، فهي لا ترى فائدة من الارتباط والتعاون مع دول متخلفة، ارتبطت لسنواتٍ طويلة بأنظمة ديكتاتورية شمولية، وفي الوقت نفسه لم تبادر حكومات هذه الدول على الرغم من أنها بلاد إسلامية، بمحاولة التقارب مع الدول العربية والإسلامية، وهو ما جعل الساحة مفتوحة للكيان الصهيوني دون منازع أو ممانع

- انتفاء العداء التاريخي

عدم وجود عداء تاريخي بين الكيان الصهيوني ومنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، ما ساعد على تَقَبُّل التواجد الصهيوني فيها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن الدول العربية والإسلامية لم تؤسس لحقيقة الصراع العربي الإسرائيلي، ولم تبيّن مخاطر الحركة الصهيونية على الأمة العربية والإسلامية، ولم تكشف حقيقة المؤامرات الإسرائيلية ضد القدس والمسجد الأقصى، وهو أحد أهم أسس وأسباب حالة الصراع والعداء مع الكيان الصهيوني، وهو حالة إسلامية عامة، إلا أنه انتفى في هذه الدول، ما سهل على الإسرائيليين الدخول واستغلال الفراغ.

- الجالية اليهودية

ساعدت الجالية اليهودية لتمهيد الطريق للتغلغل الصهيوني، وعلى الرغم من قلة عددهم إلا أن لهم تأثيراً كبيراً، بما يتمتعون به من قوة سياسية ومالية، فكثيرٌ من المهاجرين اليهود هم من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، يعرفون هذه البلاد، ويتقنون لغتها، ويدركون قدراتها وخيراتها، ويعرفون كيف يتعاملون معها، وهو الممر الذي سهل على الإسرائيليين إيفاد بعض المختصين إليها، من قدامى اليهود المهاجرين منها، ممن دربوا خصيصاً للتعامل معهم، والتأثير عليهم.

- كره الحقبة السوفيتية

كرهت شعوب هذه الدول الحقبة السوفيتية، ورأت أنها خسرت الكثير بالارتهان إليها، وأن عليها عمل الكثير لتعوض ما فاتها، وتحقق ما تصبو إليه، لذلك تسارعت رغبتها في التحرر من الشيوعية، وأبدت رغبتها في تسريع اتجاهها للدول الغربية، وتبنيها الأفكار الليبرالية، وهو ما كانت حكومات الكيان الصهيوني تحاول أن تبرزه لهم، أنها واجهة الديمقراطية والليبرالية، وأنها بوابة إلى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

·        أهداف الكيان الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى

تتعدد أهداف الكيان الصهيوني من علاقاتها مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، وهي مزيج من أكثر من جانب، وهي قد لا تختلف كثيراً عن طموحاتها من بناء علاقاتٍ جديدة، مع دولٍ أخرى في أي مكانٍ آخر من العالم، فهي تقوم على ذات الأسس، وتتفق مع نفس السياسة والهدف، ومنها ...

سياسياً:

- الظهور كقوة إقليمية تلعب دوراً مؤثراً في المنطقة، معززةً بذلك نفوذها العالمي.

- إضعاف الأمن القومي للدول العربية، وعزل العرب عن الامتداد إلى الدول الإسلامية في تلك المنطقة، وعزل تلك الدول عن المحيط العربي.

- التأكيد على دورها الوظيفي المنوط بها لصالح الغرب وأمريكا، وذلك بالعمل علي منع عودة روسيا كقوة عظمى، و منع التوسع الإيراني والصيني والعربي في المنطقة، ومحاولة عمل بديل عن خطوط النفط المارة بروسيا والمتوجهة لأوروبا.

- مد نفوذها السياسي في تلك المنطقة بما يعزز الاعتراف بها دوليا، ويحسن صورتها ويمنحها دعماً دعائياً.

- تشجيع الهجرة إليها، حيث عملت دولة الكيان الصهيوني على جلب الآلاف من يهود تلك المنطقة للسكن في دولة الكيان، فقد جلبت ما يقرب من 23 ألف يهودي من جورجيا، و70 ألفاً من أوزبكستان، والآلاف من أذربيجان وباقي دول تلك المنطقة، وأنشأت العديد من مكاتب الهجرة لاستقدام أكبر قدر ممكن من اليهود، بالإضافة لافتتاح العديد من المراكز الثقافية اليهودية للترويج للثقافة والأفكار الصهيونية.

- مواجهة تركيا ذات التوجهات الإسلامية، حيث أنها عمدت بعد التوتر الذي شاب العلاقة بين الدولتين في السنوات الأخيرة، إلى محاربة تركيا في تلك المنطقة، وهذا ما جاء على لسان وزير خارجيتها السابق ليبرمان من أنه سيعزز علاقة دولة الكيان الصهيوني مع أرمينيا، "ذات العداء التاريخي مع تركيا  بسبب ما يعرف بمجازر الأرمن".

اقتصادياً

- تأمين خط جيهان النفطي، حيث تسعى لتأمين منابع النفط  التي تغذى خط الأنابيب الذي يمتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم إلى ميناء عسقلان المحتل، وينقل النفط الأذربيجاني والكازاخستاني الذي يزودها بما يقارب 40% من حاجاتها النفطية، وتسعى مستقبلاً لعمل خط أنابيب يصل عسقلان بإيلات المحتلة على البحر الأحمر، لتصدير النفط من إيلات لدول آسيا كاليابان والهند والصين، لتصبح واحداً من أهم ممرات الطاقة العالمية، مقللة بذلك الأهمية الإستراتيجية لقناة السويس، والهيمنة الروسية على ممرات النفط، وكذلك إضعاف تأثير روسيا على آسيا الوسطى والقوقاز، وعزل الصين وإيران عن الثروات النفطية لتلك المنطقة.

- عملت على ربط اقتصاد بعض دول تلك المنطقة باقتصادها، بحيث يصعب على تلك الدول فك هذا الربط، وتسعى من خلال ذلك لتقوية اقتصادها بفتح تلك الأسواق لمنتجاتها واستثماراتها، إضافة للتحكم في تلك الدول اقتصاديا.

أمنياً وعسكرياً

- محاربة التنظيمات الإسلامية، إذ تسعى دولة الكيان الصهيوني لملء الفراغ الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفيتي في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية، لضمان عدم ظهور إسلاميين في تلك المنطقة، وضمان بقاء تلك الدول على حالها من حيث الضعف والتبعية لواشنطن "وتل أبيب" على حد سواء، مستعينة بالأنظمة الحاكمة المستبدة في هذه الجمهوريات التي تستشعر خطر الحركات الإسلامية عليها.

- تكثيف تواجدها العسكري والأمني في تلك الدول، والاستفادة من بيع الأسلحة والتعاون الاستخباري معها.

- إضعاف نفوذ إيران الاقتصادي والعسكري والأمني والسياسي في تلك المنطقة، واستخدام دولها "المجاورة لإيران" كورقة ضغط على إيران لتهديدها عسكرياً وأمنياً.

- تسعى دولة الكيان الصهيوني وبدعم أمريكي وغربي لتقييد الدور الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك الحيلولة دون عودة روسا كدولةٍ عظمى، عبر إيجاد دول معادية على حدودها وإشغالها بها، ومحاولة إفقادها أهيمتها في نقل النفط من خلال نقله عبر دول منطقة القوقاز، وكذلك التأثير على الموقف الروسي تجاه دعم بعض الدول كإيران وسوريا.

- تأمين حاجاتها من المواد الأساسية، كالقمح واليورانيوم والنفط، فقد اشترت دولة الكيان مجمعاً لمعالجة اليورانيوم من كازاخستان، حيث استطاعت بذلك توفير كل متطلباتها من اليورانيوم، واستفادت أيضاً من قاعدة بايكونور الفضائية الكازاخية في إطلاق أكثر من قمر صناعي لها من هناك.

·        مظاهر النفوذ الصهيوني في القوقاز وآسيا الوسطى...

أصبح من السهل على أي زائرٍ أو مهتم ومراقب لما يجري في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، أن يلحظ وجوداً إسرائيلياً نشطاً وهاماً في أكثر من مجالٍ وقطاع، وهذا الوجود الذي تطور إلى درجة النفوذ الفاعل والمؤثر، يبرز في أكثر من اتجاه، ومنها:

- سياسياً

سارعت دولة الكيان الصهيوني منذ إعلان تلك الدول استقلالها عام1992، للاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وتقديم نفسها كوسيط لجذب رؤوس الأموال الغربية والأمريكية، وفتحت لها أبواب واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، وبدأت الوفود الحكومية الصهيونية بالقيام بالعديد من الزيارات لتلك الدول، حيث قامت بتوقيع العديد الاتفاقيات، معبدة الطريق أمام الشركات الصهيونية لغزو تلك المنطقة.

- اقتصادياً

بعد استقلال تلك الدول، استغلت دولة الكيان الصهيوني حالة الضعف الاقتصادي التي تمر بها، وأقامت العديد من المشاريع مستعينة بالجالية اليهودية فيها، وقامت بإنشاء غرفة للتجارة والصناعة خاصة بدول آسيا الوسطى لتسهيل التجارة معها، وتعاونت مع تلك الدول في شتى المجالات، الاقتصادية والصناعية والزراعية والري والصحة، وتقديم الخبرات والدعم الفني وتدريب الكوادر، حيث قامت ببناء مشروع ري وتدريب خبراء في زراعة القطن في أوزبكستان، وقامت بتقوية مصفاة تكرير النفط في تركمنستان، كما قامت باستثمارات محلية في قطاع البنوك والمحلات التجارية الكبرى والاتصالات، وعملت على استخراج النفط ومده، حيث أنها تلبي 40 % من حاجاتها النفطية من كازاخستان وأذربيجان.

- عسكرياً

استغلت دولة الكيان الصهيوني الفراغ الأمني بعد استقلال تلك الدول، وقامت بتدريب أجهزة مخابراتها أساليب مكافحة ما يسمى بـ "الإرهاب" ، وقد ساعد على ذلك  خوف حكام تلك الدول من المنظمات التي تطلق عليها اسم "الإرهابية"، وما قامت به الإدارة الأميركية من حملة ضد "الإرهاب"، وخاصة الحرب ضد أفغانستان، حيث عملت جمهوريات آسيا الوسطى على تحديث منشآتها العسكرية بما يلبي متطلبات حلف شمال الأطلسي، فقدمت دولة الكيان خبراتها في إعداد القيادات الأمنية، ما فتح المجال للتوغل العسكري والاستخباري الصهيوني، وقامت بإبرام العديد من الصفقات لتحديث وبيع الأسلحة لتلك الدول خاصة جورجيا وأذربيجان وكازاخستان، ومن أهم مظاهر التوغل العسكري في تلك المنطقة:

التواجد العسكري في جورجيا، إذ تعد جورجيا ذراع الكيان الصهيوني في منطقة القوقاز، فقد أعدت دولة الكيان الصهيوني الجيش الجورجي، وأمدته بأحدث الأسلحة من طائرات بدون طيار، وتحسين طائرات "سيخوي-25"  لتتوافق مع استخدام الأسلحة الغربية، إضافة لوجود أكثر من ألف خبير عسكري صهيوني عملوا على إعداد الجيش الجورجي، منهم جنرالات سابقون في الجيش الصهيوني، كالجنرال احتياط إسرائيل زيو الذي كان قائد قوات المظليين في حرب لبنان الأولي 1982، وقائد لواء المظليين وفرقة غزة إبان الانتفاضة الثانية 2000، والجنرال احتياط غال هيرش قائد فرقة الجليل في حرب لبنان الثانية 2006، والجنرال روني ميلو وهو عضو كنيست سابق، إضافة أن وزير الحرب الجورجي يهودي يحمل الجنسية "الإسرائيلية".

ولعل نجاح جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" في اختطاف واعتقال الناشط الفلسطيني ضرار السيسي من على الأراضي الأوكرانية، يؤكد عمق التواجد الإسرائيلي الأمني والعسكري في هذه المنطقة، حيث أنها تعمل بالتنسيق والتعاون مع أجهزتها المنية والعسكرية، ولا تجد صعوباتٍ تذكر في تنسيق جهودها الأمنية معها.

ولقد كان لدولة الكيان الصهيوني اليد الكبرى في توريط جورجيا مع روسيا، وبالتالي قيام حرب هاجمت فيها القوات الروسية جورجيا عام 2008، وقد استفادت دولة الكيان الصهيوني من هذا النفوذ، فقد بلغت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لجورجيا بعد الحرب الجورجية الروسية 200 مليون دولار سنوياً، وقد حصلت على حق استخدام مطارات في جورجيا لنصب صواريخ وإقلاع طائرات مهددة بذلك الأراضي الإيرانية، واستطاعت الضغط على روسيا لمنعها من بيع أسلحة متطورة لسوريا وإيران، مثل صواريخ أس 300 وصواريخ إسكندر، مقابل عدم بيع الكيان الصهوني أسلحة متطورة لجورجيا.

- التواجد العسكري في أذربيجان، فقد قامت دولة الكيان الصهيوني بتوقيع صفقات سلاح بمئات ملايين الدولارات مع أذربيجان، منها اتفاقية بشأن مشروع مشترك لصنع طائرات صغيرة من دون طيار، والتزود بوسائل اتصال، وتطوير بعض الأسلحة، وتدريب دولة الكيان لطيارين في سلاح الجو الأذري ، إضافة للتعاون الأمني الاستخباري بين البلدين، ما مكن دولة الكيان الصهيوني من التجسس على إيران، والتهديد بضربها من أذربيجان التي تشترك معها في الحدود، والقريبة من منشآتها النووية.

·        تحديات الكيان الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى

لا يعني نجاح دخول الإسرائيليين إلى دول المنطقة، أنها حققت أهدافها، وتمكنت من تحقيق ما تصبو إليه، وأنها لم تعد تواجه صعوباتٍ تذكر، أو أن أحداً لا يعترض على وجودها، أو على أيٍ من برامجها الخاصة أو المشتركة في هذه الدول، بل إن الكيان الصهيوني يعاني من مشاكل هناك، ويخشى من تحديات، ويعيش مواطنوه وخبراؤه حالة خوف وترقب من أعمال عدائية موجهة ضدهم، وما يواجه الإسرائيليون في المنطقة ما يلي ...

- باتت الثورات العربية وأبعادها الجديدة، وتطوراتها المختلفة، ومآلاتها المجهولة، تقلق دولة الكيان الصهيوني، وهي تخشى من انتقال العدوى لتلك الدول، كون أكثر دول المنطقة إسلامية، وهي تعيش نفس الحالة من سيطرة أنظمة وحكام مستبدين موالين لها.

- انفضاح وانكشاف دورها بعد الحرب الجورجية الروسية الأخيرة، حيث تكشّف الدور الصهيوني الكبير في جورجيا، وظهر بأنها لعبت دوراً رئيساً في إدارة المعركة، وفي تزويد الجورجيين بمختلف أنواع السلاح، وأنه كان على أرض المعركة أكثر من ألف ضابط عسكري إسرائيلي، شاركوا بالفعل في إدارة وتوجيه العمليات العسكرية، ما لفت أنظار القوى الإقليمية إلى قوة وكثافة حضورها الأمني والعسكري، الأمر الذي نبهها وحرضها لمحاولة حصر هذا النفوذ.

- تغير المزاج السياسي والأمني التركي بعد التوتر الذي شاب العلاقات الصهيونية التركية، فمن المتوقع أن تسعى تركيا لتحجيم ومحاربة الدور الصهيوني في تلك المنطقة، خصوصاً أنها لها مصالح تاريخية واستراتيجية في المنطقة.

- تسعى إيران لمحاولة صد التوغل الصهيوني في تلك المنطقة، لما يشكله من خطورة على أمنها القومي، فهي تجاور دول المنطقة، ما يجعل من أهدافها قريبة من القواعد الإسرائيلية في بعض هذه الدول، ما يجعل عين إيران مفتوحة على أي نشاطٍ إسرائيلي في أي دولةٍ مجاورةٍ لها، خاصة أن الخبراء العسكريين الإسرائيليين يعتمدون على قواعدهم في هذه الدول، فضلاً عن المطارات الوطنية العسكرية، لاستخدامها في حال توجيه أي ضربة عسكرية ضد أهدافٍ إيرانية.

- بدأت تظهر ملامح تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، وإعادة بروز القوة الروسية، إذ بعد التراجع الذي تعانيه أمريكيا، فإن هذا قد يشكل تحدياً لاستمرار الدعم المقدم لدولة الكيان الصهيوني في المنطقة، خاصةً أن روسيا تسعى من جديد لإعادة بسط نفوذها على تلك الدول، وتأمين أمنها القومي عبر منع تواجد أي قوة مؤثرة في تلك المنطقة، إضافة لسعيها للعودة كقوة عالمية، وإن كانت مظاهر تناقضها مع الكيان الصهيوني غير كبيرة.

- تنامي الشخصية الأرمينية المستقلة وذلك بالتعاون مع روسيا وإيران وتركيا،ـ وذلك خلافاً لدول المنطقة، فقد انتابت العلاقات الأرمينية الصهيونية حالة من الفتور، نظراً للتحالف الأرميني الروسي الذي يمنع أي تواجد قوي لدولة الكيان في تلك الدولة، بالإضافة للعلاقات الوطيدة بين تركيا – ذات العلاقات التاريخية المتوترة مع الأرمن – والكيان الصهيوني، حيث أن دولة الكيان لم تعترف حتى الآن بالمجازر العثمانية ضد الأرمن، إلا أنه وبعد تقلص وتوتر العلاقات بين تركيا ودولة الكيان الصهيوني بعد مواقف حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب أردوغان الداعمة للقضية الفلسطينية وذات التوجه نحو العمق العربي والإسلامي.

تسعى دولة الكيان في الآونة الأخيرة لإعادة صياغة تحالفاتها بما يضمن محاصرة ومواجهة توجهات التركية الجديدة، بتعزيز العلاقة مع الدول ذات الخلافات مع تركيا ومنها أرمينيا واليونان.

كما تسعى لأن تجعل من هذه الدول قاعدة انطلاقٍ قوية لها في مواجهة إيران، فعلياً أو صورياً لجهة إرهابها وتخويفها، بأنها أصبحت وسطاً وجنوباً تحت مرمى الصواريخ الإسرائيلية، وأمام أنظار طائراتها الحربية القتالية.

الكيان الصهيوني لا يتوقف، ولا يغمض عينه عن أي منطقة قد تساهم في أن تكون فاعلة في معاركها ضد العرب والمسلمين، أياً كانت هذه المناطق بعيدة أو نائية، وأياً كان حجم المتوقع منها، ما يعني أن تبقى عيوننا جميعاً مفتوحة ونشطة، فلا نسمح للكيان الصهيوني أن يتغلغل وأن ينجح، وألا نترك له الباب مفتوحاً ليدخل، بل نسبقه ونعزز علاقاتنا، ونحصن وجودنا وروابطنا، لتساهم معنا هذه الدول، وهي إسلامية، في معركتنا ضد الكيان الصهيوني الغاصب المحتل.  

اعلى الصفحة