التحولات الاجتماعية في الكيان الصهيوني

السنة الثانية عشر ـ العدد 143 ـ ( ذو الحجة  1434 هـ ـ محرم 1435 هـ) تشرين ثاني ـ 2013 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يتبين لنا من خلال الرجوع إلى عدد كبير من الكتب والمؤلفات والدوريات الشهرية واليومية التي عالجت القضايا الإسرائيلية، بأن التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي في العقود الثلاثة الأخيرة هي التي جعلته ينزاح أكثر فأكثر نحو اليمين.

أشارت صحيفة "هآرتس" بتاريخ 2 كانون الأول 2009إلى تقرير وصف بأنه "سري" وضعه قناصل دول الاتحاد الأوروبي في القدس ورام الله، يوجهون فيه انتقادات حادة لسياسة إسرائيل في القدس الشرقية، ويدعو الاتحاد الأوروبي إلى القيام بإجراءات احتجاجية ضد إسرائيل، وفرض عقوبات على جهات ذات صلة بالنشاط الاستيطاني في المدينة المقدسة وفي محيطها.

وبحسب الصحيفة فإن التقرير، الذي ينشر للمرة الأولى، هو وثيقة حساسة جدا لكونها تتصل بمكانة القدس، ولذلك بقي سريا ولم يتم نشره بشكل رسمي على أنه يمثل موقف الاتحاد الأوروبي.

وجاء في التقرير أن الخارجية الإسرائيلية كانت تخشى من نشر التقرير في وسائل الإعلام نظرا للأضرار الشديدة التي قد يسببها لإسرائيل في الرأي العام الأوروبي. وبحسب التقرير فإن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس تعملان بموجب تقـرير أوروبـي سـري: "إستراتيجية ورؤية" تهدف إلى تغيير الميزان الديمغرافي في المدينة، وعزل القدس الشرقية عن الضفة الغربية.

كما يؤكد التقرير أن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس تقدمان المساعدة لجمعيات اليمين، ومن ضمنها "عطيرت كوهانيم" و"إلعاد" من أجل تحقيق هذه الأهداف والسيطرة على المدينة وخاصة منطقة الحرم الشريف.

وجاء في التقرير أيضاً أن مؤسسات خاصة تعمل على امتلاك بيوت في الأحياء العربية، وتحاول زرع مستوطنات يهودية في داخل هذه الأحياء.

كما يتناول التقرير الحفريات الأثرية في المدينة، وخصوصاً في منطقة الحرم القدسي الشريف. مشيراً إلى أن "الحفريات في سلوان وفي البلدة العتيقة ومنطقة الحرم تتركز أساسا في التاريخ اليهودي، وأصبح علم الآثار وسيلة أيديولوجية لصراع قومي وديني. وتجري إدارة هذه الصراع بطريقة تغير من هوية وطابع المدينة، بما يهدد الاستقرار فيها".

كما يقترح التقرير فرض عقوبات اقتصادية على المستوطنين في القدس، ويطالب القناصل بالتعاون من أجل نقل معلومات حول المستوطنين العنيفين في القدس ودراسة إمكانية منعهم من الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومنع تحويل أموال من مؤسسات حكومية أوروبية إلى هيئات تدعم الاستيطان في القدس، وإجراء تحقيق في هذا الشأن، وإصدار توجيهات لمكاتب السياحة في أوروبا لمنع دعم مصالح المستوطنين في القدس.

خصوصية القدس

كما هو معروف فإن مدينة القدس تتمتع بخصوصية كبيرة, لأنها تختص باستمرار فريد يتحدى التاريخ, فقد التقت داخلها حضارات العالم, ومرّ بها الأنبياء والأباطرة وجحافل الغزاة, كما كانت دائماً إحدى مراكز التصادم بين الإمبراطوريات القديمة والحديثة. فتعرضت للتخريب في حياتها الطويلة نحو ست عشرة مرة. وفي كل مرة كانت تنهض إلى الحياة من جديد وتعود قوية متعافية. تجلّت بها حكمة الأنبياء, فلعبت دورا مهما في حياة الأديان الثلاثة, وشهدت (الإسراء) معجزة الإسلام الكبرى, وهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين, وشهدت جبالها ووهادها دعوة السيد المسيح عليه السلام. وهي للعرب تاريخ محفوظ, وقد ظلت لفلسطين كالقلب, ومن أكبر مدنها حتى بدأت المؤامرة الصهيونية ووقعت تحت نير الاحتلال وبراثنه. وأصبحت بالتالي أخطر تحد يواجه العرب والمسلمين في تاريخهم الحديث. وهنا لا بد من القول إنه بقدر عروبة القدس يكون حجم الإرادة العربية, وبقدر ثبوت كذب الادعاءات الإسرائيلية في القدس يكون مدى العجز العربي.

ولذلك كله تعتبر القدس المحور الأساسي في القضية الفلسطينية, ولا يوجد أي مشروع سلام وضع لحل هذه القضية دون إبراز قضية القدس فيه, حيث طالب بعضها بالتدويل وببقائها موحّدة, وطالب البعض الآخر بعودة القدس الشرقية إلى السيادة الفلسطينية, أما إسرائيل فهي تصر على توحيدها تحت سيادتها لتبقى عاصمة لها.

ويتزايد تعقيد مشكلة القدس لتصبح عقبة في طريق أي تسوية سياسية بسبب ما آلت إليه أوضاع المدينة المقدسة في ظل الخطة الصهيونية - الإسرائيلية لاستلاب عروبتها وتهويدها والقضاء التام على هويتها العربية والإسلامية وطابعها الحضاري المميز, باعتبارها المدينة المقدسة التي ظلت على مدار التاريخ العربي والإسلامي امتداداً ورمزاً للتعايش بين الديانات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية. من هنا ينظر الكثيرون إلى مدينة القدس على أنها بؤرة هذا الصراع, بكل أشكاله ومظاهره, ومحوره الرئيسي, خصوصاً أن الطرف الإسرائيلي يزعم - زوراً وبهتاناً - أن القدس يهودية.

ويتزايد وضع مدينة القدس خطورة وصعوبة وتعقيداً داخل منظومة الصراع العربي - الإسرائيلي بمفرداتها المختلفة مع بداية العد التنازلي لحل هذه القضية على طاولة المفاوضات, لأن قضية القدس من القضايا التي أجّلت إلى مفاوضات الوضع النهائي من اتفاقيات السلام بين الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني التي أجريت في أوسلو, وتم التعرض إليها كذلك في الاتفاق الذي وقع بين الجانبين في شرم الشيخ والذي كان يقضي بالانتهاء من هذه المرحلة من مفاوضات الوضع النهائي في شهر سبتمبر من عام 2000م.

ويصاب المتابع العربي لتطورات قضية القدس بحالة من القلق والخوف على هذه المدينة, بسبب سلسلة من الإجراءات والخطوات المتلاحقة - التي تمثل في الحقيقة صدمات - التي أحكمتها إسرائيل لابتلاع هذه المدينة العربية المقدسة واغتيال الحق الفلسطيني العربي, الإسلامي والمسيحي.

الإستراتيجية الصهيونية للقدس

يستغل الكيان الصهيوني جميع المحافل الدولية وأي فرصة تسنح له على المستوى الدعائي والإعلامي في العالم لإقحام القدس في المناسبات المختلفة والترويج - زوراً وبهتاناً - بأنها مدينة يهودية تضرب بجذورها في التاريخ اليهودي, وأنها عاصمة أبدية لـ"دولة إسرائيل"(!!), ومن محاولاته في هذا الصدد ما حدث في المعرض الذي أقامته شركة (والت ديزني) في مدينة أورلاند الأمريكية بمناسبة استقبال الألفية الثالثة. حيث قام الكيان بتقديم مدينة القدس في هذا المعرض كعاصمة له. وأنها, بشقيها الشرقي والغربي, جزء متكامل من الكيان, كما يقدم الكيان القدس بتاريخها اليهودي فقط باستثناء بعض اللحظات المسيحية والإسلامية التي عاشتها المدينة انتزاعاً من الحق اليهودي. ولكي يتحقق له ما يريد لجأ - كعادته- إلى تزييف التاريخ وطمس معالم الحق العربي - المسيحي والإسلامي- في تلك المدينة المقدسة, فقد تم تقديم باب الخليل الذي استولت عليه القوات الإسرائيلية في عام 1967م على أنه أثر يهودي, الأمر الذي يمثل انتهاكا سافرا وتشويها صارخا للتاريخ العربي والإسلامي للمدينة.

كما أن الإستراتيجية التي ينتهجها الكيان الصهيوني في القدس, تقوم على إلغاء المرجعية القانونية التي تخص مدينة القدس بشكل خاص, والمقصود بالمرجعية القانونية هنا هي القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن هذا الصراع ومظاهره. ومن المعروف في هذا السياق أن إسرائيل تتبنى موقفاً معادياً من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة, لأن هذه القرارات تجمع على إدانتها وإدانة تصرفاتها. من هنا لا تعترف إسرائيل بهذه القرارات, وبالتالي لا تعمل على تنفيذها بل تسعى إلى إلغائها, كما حدث مع إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي يقضي بالربط بين الصهيونية والعنصرية عام 1989م.

ولكنها تعادي القرارات الدولية التي تتعارض مع ما تريد وتقبل منها ما يتفق مع ما تريد. فقد قبلت عند الإعلان عن قيامها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 والقاضي بتقسيم فلسطين, لأن الجزء اليهودي في هذا القرار شكل نواة الدولة اليهودية الوليدة. فقد أعطى اليهود 56% من أرض فلسطين, في حين أنهم كانوا يمثلون 5.6% من نسبة السكان قبل التقسيم. ولكن إسرائيل لم تعد تقبل بهذا القرار لأنه يسمح بإقامة دولة فلسطينية, على الرغم من أنها أعلنت في بيان إعلان قيام الدولة احترامها لحق الفلسطينيين في إقامة دولة مماثلة.

كما ويهدف العدو الصهيوني إلى إلغاء أو الحد مما يمكن أن نسمّيه المرجعية الديموغرافية للقدس, التي تعني بطبيعة الحال أن الفلسطينيين يمثلون أغلبية واليهود أقلية. فقد شكّل الفلسطينيون - مسيحيين ومسلمين - أغلبية ساحقة في القدس, الأمر الذي يؤكد أحقيتهم بها وأنهم أصحاب الأرض الأصليون دون غيرهم, وأن المستوطنين الإسرائيليين يشكّلون أقلية حتى في الوقت الحالي, وإن كانت نسبتهم في المدينة تتزايد, وقد فطنت إسرائيل إلى خطورة هذه المرجعية مبكرا, فأعدت لها العدة للعمل على إلغائها, برز هذا في المذكرة التي رفعها (إسرائيل كوينج), المسئول عن المنطقة الشمالية في وزارة الداخلية الإسرائيلية, كوثيقة سرية إلى إسحاق رابين (1922 - 1995م) رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من كبار المسئولين الإسرائيليين, فقد أشار كوينج في مذكرته إلى زيادة نسبة الزيادة الطبيعية للسكان العرب في إسرائيل (5.9% سنويا), مقابل انخفاض نسبة الزيادة الطبيعية لليهود (1.5%), الأمر الذي يشكل خطراً على إسرائيل وأمنها, وتنبأت الوثيقة بسيطرة سياسية وديموغرافية عربية في بعض الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل.

ومن هذا المنطلق, سعت إسرائيل - وما زالت - إلى تغيير هذه المرجعية الديموغرافية وتسعى إلى إلغائها من خلال العمل على مسارين متوازيين يسير كل منهما بجوار الآخر وفي الوقت ذاته: المسار الأول هو استقدام مستوطنين إسرائيليين متشددين لتوطينهم في القدس, ويدخل هؤلاء المستوطنون سباقا مع الزمن لاحتلال المزيد من أراضي المدينة وتهويدها والقضاء المبرم على هويتها العربية والإسلامية وشخصيتها الحضارية المتميزة. أما المسار الثاني فيتمثل في تضييق الخناق على أبناء الشعب الفلسطيني, أصحاب الأرض الأصليين, بحيث لا يجدون أمامهم مفرّاً من مغادرتها وتركها لهم, وتحاول تحقيق هذا الهدف عن طريق سن مجموعة من القوانين والتشريعات تقوم على تنفيذها وزارة الداخلية الإسرائيلية.

والحقيقة الواضحة للعيان هي أن إسرائيل تطبّق سياسة مدروسة بعناية تهدف إلى طرد أبناء الشعب الفلسطيني من القدس, من خلال سن مجموعة من القوانين والتشريعات تبدو في ظاهرها قوانين تنظيمية ولكنها في باطنها تهدف إلى تضييق الخناق عليهم, من خلال تشديد الإجراءات وتصعيب مظاهر الحياة على أبناء الشعب الفلسطيني, الأمر الذي سيؤدي بهم في النهاية إلى ترك المكان ليتحقق للإسرائيليين في النهاية ما يريدون وتحقق الخطة الإسرائيلية مراميها.

إن كل ما سبق يلقي الضوء على السياسة التي تطبّقها إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني بالقدس من خلال تعامل وزارة الداخلية الإسرائيلية معهم, وما لها من دور حيوي في حياتهم اليومية والمعيشية, بهدف دفعهم إلى ترك القدس ويتحقق للإسرائيليين السيادة المطلقة عليها, لتكون عاصمة لدولتهم, ولكن هيهات أن يتحقق لهم ما يحلمون به لأسباب عدة أبسطها أن القدس مدينة عربية فلسطينية تضرب بجذورها في التاريخ العربي الفلسطيني.

ولا يعلن المسئولون الإسرائيليون صراحة أهداف هذه السياسة العنصرية العدوانية وتفاصيل تطبيقها. وإنما يكتفون بالإشارة إلى أنها مجرد إجراءات تنظيمية في المقام الأول وصادرة بموجب قوانين تطبقها العديد من الدول المتقدمة, ومن هذه القوانين قانون الدخول إلى إسرائيل وقانون الإقامة وقانون المواطنة وغير ذلك. وهذا في الواقع حق أريد به باطل, فمن بين ثنايا بعض التصريحات التي يدلي بها بعض المسئولين الإسرائيليين يمكن أن نستشف الملامح العامة والخطوط العريضة لهذه السياسة وأهدافها والأسباب التي دفعت إلى وضعها.

فالهدف المعلن لهذه السياسة هو الحفاظ على ما تسميه إسرائيل (التوازن الديموغرافي في القدس), والذي يعني بطبيعة الحال - وفق رؤيتهم - الحفاظ على وجود أغلبية يهودية ثابتة في القدس. ومن ذلك ما أوردته اللجنة الوزارية الإسرائيلية العليا المسئولة عن دراسة معدلات التنمية في القدس بأنه (يجب الحفاظ على التوازن النسبي بين اليهود والعرب كما كان في نهاية عام 1972م, أي 73.5% يهودا و 26.5 فلسطينيين).

السياسة الصهيونية تجاه المقدسيين

تنفذ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ احتلال القدس سياسة هدفها تدعيم "السيادة الصهيونية" على المدينة المقدسة من خلال خلق أغلبية حاسمة لليهود في المدينة. كان الهدف المعلن لإسرائيل هو الحفاظ على ما تسميه بـ (التوازن السكاني) في القدس, والذي يعني بطبيعة الحال الحفاظ على أغلبية يهودية دائمة في القدس.

ولكي يتحقق هذا الهدف تعمل إسرائيل على مدار سنوات طوال على زيادة أعداد اليهود في القدس الشرقية من ناحية, ودفع الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية إلى مغادرة المدينة من ناحية أخرى, من خلال:

- التمييز المنظم والموجه ضد السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية فيما يتعلق بمصادرة أراضيهم بزعم التخطيط والبناء على أسس قانونية منظمة, وفي المقابل نجد عمليات بناء واسعة النطاق واستثمارات ضخمة بهدف إنشاء أحياء سكنية لليهود في القدس الشرقية, لعل آخرها مستوطنتا رأس العمود وجبل أبو غنيم, ويترتب على هذه السياسة وجود نقص حاد يصل إلى آلاف الشقق بين السكان الفلسطينيين, ونتيجة لعدم وجود بديل آخر يضطر المواطنون الفلسطينيون إلى مغادرة المدينة والبحث عن حلول أخرى للسكن خارج حدود مدينة القدس.

- تخصيص الحد الأدنى من الاستثمارات في مجال البنى التحتية والخدمات, فقد صرح رئيس البلدية السابق (أيهود أولمرت) في هذا الشأن بقوله: (المشكلة الأساسية التي تعانيها القدس هي الهوّة السحيقة بين البنى التحتية في شرق القدس من ناحية, وغربها من ناحية أخرى. فحالة البنى التحتية في معظم أحياء القدس الشرقية سيئة, وقد بذلت حكومات إسرائيل في الأعوام الثلاثين الأخيرة جهوداً محدودة وغير كافية في هذا المجال).

- رفض تلبية طلبات جمع شمل الأسر التي قدمتها نساء فلسطينيات يسكّن في القدس من أجل أزواجهن الذين لم يقيموا معهن في القدس منذ عام 1994م, ويترتب على هذا أنه لكي تقيم هذه النسوة مع أزواجهن يضطر عدد كبير منهن إلى مغادرة المدينة.

وما زالت رغبة إسرائيل في فرض سيطرتها الواسعة على القدس وتثبيت سيادتها على كل أجزاء المدينة قائمة ومتأججة أكثر مما كانت عليه في ظل الاقتراب من المرحلة النهائية من المفاوضات, التي سيناقش خلالها موضوع القدس. فعلى سبيل المثال لا الحصر بعد نشر التقرير النسوي لمعهد القدس (ماخون يروشا لايم) لعام 1997م, صرح رئيس بلدية المدينة أيهود أولمرت بأن (هذا التقرير يحوي أشياء لا أحبّها, مثل الزيادة الطبيعية لدى السكان غير اليهود في المدينة).

وتعمل وزارة الداخلية الصهيونية في القدس الشرقية منذ شهر ديسمبر من عام 1995م على تطبيق السياسة العامة لإسرائيل, التي تستهدف الحد من أعداد الفلسطينيين الذين يقيمون في المدينة. وتتخذ الوزارة خطوات عدة في إطار تنفيذ هذه السياسة, ومن هذه الخطوات:

- سلب حق المواطنة من سكان القدس الذين أقاموا سنوات عدة خارج حدود المدينة, ونتج عن هذا أن طلبت وزارة الداخلية من آلاف الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية مغادرة منازلهم.

- يتم إلغاء حق المواطنة دون أن تتاح للفلسطيني الذي سُلب منه هذا الحق إمكان أن يطعن في القرار. وحتى إذا منح هذا الحق فهو حق شكلي فقط.

- تطلب الوزارة بشكل متكرر من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية أن يقدموا أمام موظفيها ما يثبت أنهم مازالوا يقيمون في المدينة. ولكن الحصول على الإثبات المطلوب مسألة صعبة جداً, فالأشخاص الذين أقاموا في القدس الشرقية طوال حياتهم يصعب عليهم إثبات ذلك. فالمستندات تُطلب من المواطن حتى إذا كان قد قدمها منذ فترة وجيزة إلى الوزارة ولكن ضمن طلب آخر.

- رفض تسجيل الطفل الذي وُلد لأبوين أحدهما من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية في سجل المواليد, وكذلك رفض إصدار رقم قومي له, حتى لو كانت وزارة الداخلية قد اعترفت من قبل أن هذه الأسرة تقيم في القدس.

- الامتناع التام عن قبول الطلبات الخاصة بجمع شمل الأسر, ويترتب على ذلك أن السكان الفلسطينيين في المدينة غير قادرين على الزيادة إلا في مجال الزيادة الطبيعية. والطريقة الوحيدة الآن التي يمكن من خلالها قبول طلب جمع شمل الأسر هي إقامة دعاوى قضائية أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية.

ومن أبرز الإجراءات التعسفية التي تطبقها وزارة الداخلية الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين في القدس لدفعهم إلى تركها الإجراءات التالية: إلغاء حق المواطنة, تعويم حق الطعن, إثبات (مركز الحياة), عدم إصدار رقم قومي للأطفال الفلسطينيين في القدس, عدم تغيير تسجيل الحالة الاجتماعية في بطاقة الهوية, رفض طلبات جمع شمل الأسرة في القدس.

تغيير التركيبة الديموغرافية

بغرض السيطرة الكاملة على مدينة القدس وتهجير سكانها الفلسطينيين, يصعد الاحتلال الصهيوني حرب تغيير التركيبة الديموغرافية فيها، وهكذا كثف العدو الصهيوني في الفترة الأخيرة انتهاكاته في مدينة القدس ضمن حرب تغير التركيبة الديموغرافية في المدينة.

وقالت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في القدس المحتلة في تقرير موثق بالصور أنها رصدت تصعيداً ملحوظاً وتكثيفاً واضحاً من الاحتلال الإسرائيلي بحفر طبقات الأرض وتوسيع شبكة الأنفاق أسفل وفي محيط المسجد الأقصى المبارك، وتحديداً في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، والمسماة بمنطقة النفق الغربي، حيث ينفّذ الاحتلال العديد من الحفريات في عمق الأرض وفي عدة مستويات، بحيث بات الاحتلال يحفر طبقة تحت طبقة، في المحيط الملاصق للمسجد الأقصى وباتجاه المنطقة أسفله، الأمر الذي يوسّع شبكة الأنفاق أسفل الأقصى ومحيطه القريب. وأشارت "مؤسسة الأقصى" أن أعماق وامتداد الحفريات لا تعرف حقيقتها بالكامل كون وجود مناطق كثيرة مغلقة لا يمكن الوصول إليها. وجاء رصد المؤسسة هذا خلال مشاركتها في جولة دراسية نظمتها "مؤسسة القدس للتنمية" قبل أيام.

وأوضحت المؤسسة "انه من خلال مقارنات مع زيارات وجولات سابقة، رصدنا تكثيفاً ملموساً للحفريات التي يجريها الاحتلال على امتداد وعمق هذه المنطقة، ولاحظنا أن الحفريات لا تتم في طبقة واحدة من الأرض، بل تتمّ في طبقات متعددة في الأرض، تتعدى الثلاث طبقات، وفي جميع الاتجاهات، خصوصاً في اتجاه الشرق، صوب الأقصى، كما أن أعماق كل طبقة وطبقة تختلف لكنها تزيد عن المترين، هذه الحفريات تمتدّ على طول أكثر من 600 متر في الجهة الغربية من الأقصى، كما لاحظنا أن الاحتلال بدأ يحفر في مواقع جديدة ويوسع من امتداد الحفريات خاصة في الأطراف الجنوبية والشمالية، علما أن هناك حفريات في مناطق أخرى ولكن يبدو أن هذه الحفريات هي الأكثر اتساعاً وعمقاً".

وأضافت "أن توسيع هذه الحفريات يزيد في حقيقة الأمر من شبكة الأنفاق التي حفرها ويحفرها الاحتلال الإسرائيلي أسفل وفي محيط المسجد الأقصى المبارك، ويجعل البلدة القديمة والمسجد الأقصى تحت شبكة متشعبة من الأنفاق والحفريات". وتابعت "إن المنطقة اليوم هي أشبة بورشات حفر كبيرة يتواصل فيها العمل ليلاً ونهاراً، حيث أكد لنا شاهد عيان أن حركة العمال وكثافة العمل في الحفريات تزداد في ساعات الليل".

وأشارت المؤسسة "إننا حقيقة لا نعلم بشكل محدد ودقيق وكامل اتساع ومسافات واتجاهات الحفريات وعمقها، حيث لاحظنا خلال المشاركة في الجولة التعليمية أن كثيراً من مواقع الحفريات مغلق، إما بالأبواب الحديدية أو الخشبية أو بالستائر، ويكاد من المستحيل اختراق هذا الإغلاق، ولكن في الأمر إشارة إلى تعمّد الاحتلال الإسرائيلي تعتيم حجم هذه الحفريات".

في نفس السياق فأن بلدية الاحتلال القدس بصفتها "لجنة تنظيم محلية" صادقت على مخططات هيكلية خطيرة في ساحة البراق التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأقصى وجزءاً هاماً من القدس المحتلة. وأوضح المحامي قيس ناصر المحاضر لقانون التنظيم والبناء والمستشار القضائي لسلطات محلية عربية حيثيات هذه المخططات "إن بلدية القدس بحثت مخططين أساسيين في ساحة البراق، الأول مخطط شامل لساحة البراق وهو يضع الصورة النهائية للساحة، والثاني مخطط لإقامة مركز يهودي يدعى "بيت الجوهر". وأضاف أن المخطط الأول هو مخطط شامل لساحة البراق كانت حركته المؤسسات التابعة مباشرة للحكومة الإسرائيلية ولمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وكانت بلدية القدس تبنت المخطط مبدئيا. أما المخطط الثاني فهو مخطط لتوسيع المركز اليهودي المسمى "بيت الجوهر" المتواجد حاليا في الجهة المقابلة لحائط البراق. هذا المخطط يحرّك أيضاً من قبل المؤسسات التابعة مباشرة للحكومة الإسرائيلية ولمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.

ويقترح المخطط توسيع المركز الحالي لتصبح مساحته 2384 متراً مربعاً فوق الأرض و - 1320 متراً مربعاً تحت الأرض. ويقع المخطط في أرض كان قد أعلن عنها عام 1997 منطقة أثرية هامة. ووافقت سلطة الآثار على المخطط إلا أنها اشترطت موافقتها بتنفيذ حفريات واسعة في الموقع، وأن يتم تغيير المخطط حسب الأثريات التي ستكتشف في الموقع.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

اعلى الصفحة