هل أفشلت المبادرة الروسية العدوان على سوريا

السنة الثانية عشر ـ العدد142 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1434 هـ ) تشرين أول ـ 2013 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ما بين التلويح بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا والخوف من تداعياتها المدمرة، جاءت المبادرة الروسية لتنزع فتيل الحرب في المنطقة وتحول دون وقوعها. مبادرة فرملت اندفاعة واشنطن في مغامرة غير محسوبة النتائج على المستويات كافة، وجنحت بالإدارة الأمريكية للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي، لكن الموقف الأمريكي يبقى في موضع التشكيك.

لقد أفرزت الأزمة السورية منظومة جديدة كسرت الأحادية القطبية لدى الولايات المتحدة الأمريكية. فمن الواضح أن هذه الأزمة بلورت أقطابا دولية جديدة لا يمكن السماح بعدها للولايات المتحدة بأن تنفرد بالهيمنة على القرار الدولي وبالسيطرة على العالم. أما الدور العربي، فقد بات هامشيا لكن بعض الأنظمة العربية تسعى لضرب أي قوة ممانعة تشكل تهديدا للعدو الصهيوني.

في المحصلة، فإن المفاوضات الروسية الأمريكية أخفتت صوت الحرب وأعادت الدبلوماسية إلى الواجهة من جديد. مفاوضات يرى فيها مراقبون أن مناقشة الملف السوري تأتي ضمن سلة من الملفات العالقة على الساحة الدولية.

مواقف عربية متباينة حيال ضرب سوريا

هناك أكثر من موقف عربي حيال القرار الأمريكي بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، هذا ما أظهرته مداولات وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية خلال اجتماعها الأخير. السبب المعلن هو أن القرار ليس صادراً عن مجلس الأمن الدولي، أما الأسباب الأخرى الحقيقية فتتفرع بحسب المصالح والمخاطر التي تراها كل دولة على حدة.

لقد بدا كأن دول مجلس التعاون الخليجي فوضت إلى السعودية الإعلان عن موقفها المؤيد بقوة وبوضوح للتحرك الأمريكي والمعارض بشدة لتدخل إيران وحزب الله في سوريا.

وعلى الرغم من تناغم هذه الدول الخليجية مع الحكومة الانتقالية في مصر، إلا أن القاهرة جاهرت برفضها أي تدخل خارجي إلا بتفويض من الأمم المتحدة، مع علمها بأن هذا الخيار متعذر بفعل الفيتو الروسي، لكن يبدو أن تعقيدات الوضع المصري الراهن رجحت هذا الرفض خشية تعميم التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية.

أما العراق، فلديه حتمية الانسجام مع الموقف الإيراني المتحالف مع سوريا. في حين أن للجزائر موقفاً ثابتاً ضد التدخلات الخارجية، ما يبقيها حالياً على تنسيق كامل مع روسيا. ولدى فلسطين سبب مبدئي للرفض، إذ إنها تطالب بمرجعية الأمم المتحدة وقراراتها لأي مفاوضات مع إسرائيل.

يبقى الأردن ولبنان اللذان وجدا نفسيهما في زاوية النأي بالنفس والخوف من التداعيات، نظرا للتداخل الوثيق بين الأزمة السورية وأوضاعهما الداخلية.

هذا الانقسام العربي يذكر بحال مشابهة عشية غزو العراق عام ٢٠٠٣، لإسقاط نظام صدام حسين، على الرغم من اختلاف الظروف والمعطيات، وكذلك وجود أنظمة جديدة لبلدان تخلصت من حكامها الاستبداديين بمساهمة خارجية، بلغت في ليبيا والعراق حد التدخل العسكري المباشر.

ثمة ملاحظة هي أن هذه البلدان المحررة حديثا من أنظمتها المستبدة شهدت تظاهرات شعبية تندد بالضربة الأمريكية المزمعة على سوريا، ولا تعطي أولوية لضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد، فهذه التظاهرات تتضامن مع الدولة السورية لا مع المعارضة التي تطالب علنا بتدخل دولي لإسقاط  الرئيس الأسد وليس لمعاقبته فحسب.

المبادرة الروسية تسقط الخيار العسكري الأمريكي

أقصت لقاءات جينيف بين الأمريكيين والروس الخيار العسكري الذي لوحت به الولايات المتحدة الأمريكية طويلاً، لإعادة ما أسمته "التوازن" إلى الميدان السوري، فتكشف عن نوع جديد من التوازن في العالم، قوامه مشاركة موسكو لواشنطن في القرارات الدولية. وزيرا خارجية البلدين، وبعد لقاءات ماراتونية استمرت لأيام، توصلا إلى اتفاق يشكل خطوة أولى في مسار طويل لحل شامل وكامل، عبر السيطرة على الأسلحة الكيميائية وإبطال مفعولها.

موسكو بدت واثقة من التزامات دمشق، فمضت في إظهار تمسكها بالأطر القانونية من خلال تأكيد لافروف على مرجعية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والعودة إلى مجلس الأمن الدولي، في حال أخل أي طرف بالتزاماته. الولايات المتحدة واصلت تراجعها التدريجي عن خيارها العسكري ضد سوريا، من خلال التزامها مع الجانب الروسي، وعاد وزير خارجيتها جون كيري للتلويح بالبند السابع في مجلس الأمن تارة وحض دمشق على التقيد بالتزاماتها تارة أخرى.

لجأت أمريكا إلى جينيف تحت ضغط دبلوماسي هندسته روسيا. وبعيداً عن الصراخ العربي وتهويل بعض الدول الغربية الحالمة بكسر سوريا، تتطلع روسيا إلى جينيف ٢ كأمل وحيد لإخراج سوريا من أزمتها، من خلال طاولة حوار تجمع كافة الأطراف المتنازعة. من مدينة اسطنبول التركية، أعلن رئيس أركان ما يسمى "الجيش السوري الحر" سليم إدريس رفض الاتفاقية الروسية الأمريكية بكل جزئياتها.

على النقيض من موقف المعارضة السورية، لاقت اتفاقية جينيف ترحيباً واسعاً، حيث سارع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الإعراب عن أمله في أن ينهي الاتفاق بين موسكو وواشنطن المعاناة المروعة للشعب السوري.

بريطانيا التي سلت يدها من التدخل العسكري في سوريا، رحب وزير خارجيتها ويليام هيغ بالتقدم المهم الذي تم إحرازه في جينيف، قائلاً إن الأولوية باتت للتطبيق السريع والكامل للاتفاق، بما يضمن وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت إشراف دولي. أما فرنسا التي أبدت حماسة لافتة لشن العدوان على سوريا، فرحب وزير خارجيتها لوران فابيوس بالاتفاقية الروسية الأمريكية، وقال إنها تمثل تقدما مهما. وقد نظرت ألمانيا بإيجابية للاتفاقية، فاعتبر وزير خارجيتها فيدو فستر فيلي أنها ستزيد بشكل كبير فرص التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.

إن المبادرة الروسية تجرد أوباما من ذرائع التدخل في سوريا. فالارتياح الذي أبدته الأمم المتحدة وأوروبا للفكرة أجبر الرئيس الأمريكي على تلقي المبادرة الروسية بكثير من اللهفة، خوفاً من تبعات تدخل عسكري يرفضه شعبه الذي أنهكته الحروب والأزمات الاقتصادية التي تتبعها، وكان من المرجح أن يرفضها الكونغرس.

سوريا توافق على المبادرة الروسية

بعد تراجع الرئيس أوباما عن تسديد الضربة العسكرية لسوريا، مفسحاً في المجال أمام الحل السلمي، قام الرئيس السوري بشار الأسد بخطوة إلى الأمام، وذلك بالموافقة على أمرين هما: طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من سوريا الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، والموافقة على الاقتراح الروسي الذي طرح تخلي سوريا عن السيطرة على ما تملكه من أسلحة كيميائية ووضعها تحت الرقابة الدولية.

فيما يتعلق بالأمر الأول، فقد أرسلت سوريا طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة وأصبحت عضواً رسمياً كامل العضوية في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الكيميائية على ما أكد مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري.

أما فيما يتعلق بوضع الأسلحة الكيميائية تحت سيطرة الرقابة الدولية، فقد وافقت سوريا على ذلك. فهل يجدي هذا الانصياع إلى الأمم المتحدة، وهل يجنب سوريا الضربة العسكرية الأمريكية ؟ وماذا عن تعاون الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم العسكري من الدول الداعمة لها ؟

لا يبدو أن ثمة شيئا مؤكدا على هذا الصعيد. فحسن النية الذي أبدته سوريا لم يفض إلى تغيير ملموس في مواقف الدول الغربية اتجاه النظام في سوريا، كما أن هذا النظام، بالتالي، يريد الحصول على ضمانات بأن صفحة الضربة العسكرية على بلده قد طويت إلى الأبد، فلا تبقى الفزاعة التي يتم التلويح بها على سوريا عند الضرورة.

تطالب سوريا أيضاً بأن يتم نزع الأسلحة الكيميائية من أيدي الجماعات المسلحة التي سبق واستخدمتها في معارك سابقة، وخاصة في خان العسل في حلب، كما تطالب بوضع الأسلحة النووية التي تمتلكها إسرائيل تحت رقابة التفتيش الدولي، إذ لا يجوز أن تسلم سوريا أسلحتها لتصبح فريسة اعتداء داخلي أو خارجي.

إذا كانت سوريا قد أبدت استعدادها لاستقبال خبراء كيميائيين من الأمم المتحدة، فهل ستوافق المعارضة السورية على الذهاب إلى مؤتمر جينيف ٢ من دون أي شروط مسبقة، لاسيما طلب تنحي الرئيس الأسد؟ وهل يفضي التنازل من جهة واحدة إلى حل سلمي، أم أنه يجب أن تخطو المعارضة خطوة إلى الأمام لملاقاة النظام في منتصف الطريق؟

إن عدم التوافق يجعل انعقاد مؤتمر جينيف ٢ بعيداً جداً، إذ قد يشكل الملف الكيميائي مدخلاً للحل السياسي من دون أن يؤدي إلى تسريع عقد المؤتمر. فالمطلوب، إذاً، بذل الجهود لإيجاد الحل السياسي للأزمة بدلاً من صرف ملايين الدولارات لتنفيذ ضربة عسكرية محدودة أو شاملة لن تؤدي إلى أي نتيجة سوى إبقاء النازحين في دول الجوار التي نزحوا إليها.

عودة روسيا للعب دور أساسي في الشرق الأوسط

لقد استطاعت الدبلوماسية الروسية أن تسجل عددا من النقاط باقتراحها وضع السلاح الكيميائي السوري تحت الرقابة الدولية. ويبدو أن الكرملن استعاد زمام المبادرة، وذلك على نقيض التأويلات التي فسرت صمت فلاديمير بوتين في نهاية آب الماضي بأنه قد أذعن للضربة العسكرية الأوروبية.

 لقد عادت موسكو إلى قلب العملية السياسية في الشرق الأوسط، وها هو فلاديمير بوتين بعد أيام من قمة سان بطرسبرغ، يسحب البساط من تحت قدمي أوباما وهولاند اللذين بذل وزيرا خارجيتهما جهوداً كبيرة من أجل تشكيل ائتلاف يدعم العملية العسكرية ضد دمشق. فما هي أهداف روسيا، وما هو المنطق الذي تستند إليه سياستها حيال سوريا؟.

هناك ٣ عوامل أساسية يشير إليها المحللون: الدعم الدائم لنظام الرئيس بشار الأسد، المصالح العسكرية للكرملن في سوريا، والحرب الباردة التي يقودها بوتين ضد الولايات المتحدة.

لكن ثمة عوامل أخرى للموقف الروسي من الملف السوري، وهي المقاربة الخاصة للعلاقات الدولية، حرب الحلف الأطلسي ضد ليبيا، صعود التيارات المتطرفة، ورفض كل ما يؤدي إلى الفوضى.

في سياق متصل تظهر نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية و ١٠ دول أوروبية التراجع الكبير في تأييد العدوان الأمريكي على سوريا. فالمعارضة لهذا العدوان في ألمانيا وصلت إلى ٧٥%، وفي بريطانيا ٧٠ %، وفي فرنسا ٦٥%، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ٦٢%. حتى في تركيا، يعارض الرأي العام هناك التدخل في سوريا بأغلبية قدرها ٧٢ %.

بالتأكيد، هناك ظاهرة التعب في الدول الغربية التي تدخلت قواتها منذ عام ٢٠١١ في النزاعات الغامضة وغير المرضية من حيث النتائج، بالإضافة إلى طبيعة المتمردين السوريين وانقساماتهم ووجود المتطرفين في صفوفهم وأساليبهم الوحشية وهفواتهم التي يبثونها على شرائط الفيديو. وهناك أيضاً الحيرة اتجاه التطورات السياسية التي بدأت في عام ٢٠١١ باعتبارها ربيعاً عربياً، بالإضافة إلى الفشل في العراق الذي انفجر ثمنه السياسي بعد ١٠ سنوات في وجه الإدارة الأمريكية، والذي دفع ديفيد كاميرون الثمن باهظاً في البرلمان البريطاني بسببه.

إن ما جرى بشأن السلاح الكيماوي السوري شبيه إلى حد بعيد بأزمة الصواريخ الكوبية عام ١٩٦٢، حيث اتفقت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي على تفكيك منظومة الصواريخ السوفيتية في كوبا، مقابل تراجع واشنطن عن ضرب النظام الكوبي ومهاجمته. وفي حين أعلن عن ذلك الاتفاق برعاية الأمم المتحدة، فقد ظلت نقاط غير معلنة في الاتفاق الروسي الأمريكي الجديد، ومنها التزام واشنطن بتفكيك وتخفيف منظومات صواريخ متطورة كانت قد نصبتها في تركيا وتشكل خطراً استراتيجياً على موسكو.

إن ما لم يتم تظهيره أيضا في الاتفاق الكيماوي الروسي الأمريكي هو أن موسكو وعدت دمشق وحلفاءها بإتمام صفقة صواريخ (أس ٣٠٠) الروسية وأسلحة أخرى متطورة وطائرات حديثة، مقابل تعاون دمشق في إنجاح المقترح الروسي حول الكيماوي السوري لإنهاء الأزمة.

لا تزال مجريات الأمور في بدايتها، وهي لا تتعدى إعلان نيات تحفظ لواشنطن ماء وجهها في العالم، وتجنب دمشق ضربة عسكرية أمريكية وعدواناً من شأنه إرباك الجيش السوري في معركته مع المسلحين على الأرض. إعلان النيات هذا يحتاج إلى متابعة واستكمال. لقد وضعت موسكو حدا للجموح الأمريكي الغربي الخليجي التركي، إذ لم يعد بالإمكان التذرع بالسلاح الكيماوي لشن عدوان على سوريا.

أما مسار الأزمة السورية بمختلف تشعباتها الداخلية والإقليمية فيظل مسارا منفصلا. فالجيش السوري مستمر في معركته في الميدان ضد الجماعات المسلحة السورية وحلفائها الإقليميين الذين يعانون الآن من معضلة صرير الأسنان.

التسوية الكيماوية بين روسيا وأمريكا

أبرز ما يمكن استخلاصه من التسوية الأمريكية الروسية حول السلاح الكيماوي السوري هو أن هذه التسوية دشنت انتهاء عصر الأحادية الأمريكية في قيادة العالم، وقد تكون واحدة من مجموعة تسويات وتفاهمات بين واشنطن وموسكو حول عدد من الأزمات الإقليمية والدولية التي قد تظهر تباعا في الأسابيع والأشهر المقبلة.

يرى مراقبون أن التفاهم الروسي الأمريكي ما كان ليحصل لو لم تدرك واشنطن وموسكو مخاطر فعلية كانت ستهدد المنطقة والعالم نتيجة ضرب سوريا. ويعتقد المراقبون أن "المبادرة الروسية الكيماوية"، إذا جاز التعبير، أنقذت أوباما في الدرجة الأولى، ولكنها مكنت موسكو من العودة للعب دور رئيسي على ساحة المنطقة، في ضوء معلومات تتردد من حين إلى آخر مفادها أن الأمريكيين لزموا ملف المنطقة إلى الروس.

من خلال مسار الأحداث والحراك السياسي والدبلوماسي الذي رافق التحضيرات الأمريكية للعدوان على سوريا، فإن كل ما حصل يؤكد أن أمريكا قد تعرضت لنكسة كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة، على عكس ما يذهب إليه البعض الذي يحاول الترويج لانتصار أمريكي، وهو ما يقتضي الإشارة إليه في الملاحظات الآتية:

١- لقد رفضت القيادة السورية التراجع عن معركة ضرب العصابات الإرهابية، علما أن واشنطن استغلت مسألة الأسلحة الكيماوية بهدف تغيير التوازنات على الأرض لمصلحة هذه العصابات، بعد التغيير الجذري الذي حصل في الأشهر الماضية لمصلحة الجيش السوري.

٢- اعتمدت القيادة الروسية سياسة توريط الولايات المتحدة عبر إطلاق مواقف معينة في بداية الأزمة الأخيرة، فذهب البعض إلى تفسيرها بأن روسيا قد تخلت عن حليفتها سوريا، ولكن تبين لاحقا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعمد عدم التصعيد في المرحلة الأولى، مما دفع بالرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تسلق أعلى الشجرة من خلال التحضير للعدوان. بعد ذلك، لجأت القيادة الروسية إلى التصعيد التدريجي في المواقف، بما في ذلك إعلان الرئيس الروسي صراحة عن استعداده لمساعدة سوريا بالأسلحة، إذا تعرضت إلى هجوم أمريكي بالتوازي مع إرسال السفن الحربية إلى المتوسط .

٣- الانتصار الروسي في الموقف حول سوريا في مقابل الولايات المتحدة الأمريكية والذي يتمثل برفض الرأي العام الأمريكي والغربي لأي عدوان على سوريا.

٤- الملاحظة الرابعة وربما هي الأهم التي تمثلت بالرسائل المباشرة العلنية والسرية التي تبلغتها واشنطن من أن اللجوء إلى العدوان على سوريا سيؤدي إلى إشعال المنطقة بكاملها، بل إن كل صاروخ يسقط على سوريا سيقابل بصاروخ على كيان العدو ودول الخليج التي غطت العدوان، وصولا إلى تركيا وربما الأردن.

انطلاقاً من هذه المعطيات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، جاءت المبادرة الروسية لتؤمن للرئيس الأمريكي النزول عن الشجرة، وتاليا لحفظ ماء وجهه حتى لا يأخذ المنطقة إلى حرب سيدفع فيها حلفاؤه الثمن الباهظ ، خصوصا وأن أوباما أصبح محشوراً ولم يعد بإمكانه التراجع من دون حفظ ماء الوجه، لأن أي تراجع دون الحصول على شيء ما سيعني هزيمة كاملة لأمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط .

لكن، يبقى الأهم في كل ما حصل هو أن أمريكا اضطرت للاعتراف بأن الحل السياسي هو المدخل الوحيد لحل الأزمة السورية، انطلاقا من العودة إلى مؤتمر جينيف ٢ ، بينما تخلي سوريا عن سلاحها الكيماوي يشكل ورقة قوة لها، لأنها في الأساس ليست بوارد استخدام هذا السلاح، في حين أنها ستحصل على أسلحة متطورة من روسيا للمحافظة على التوازن مع العدو الإسرائيلي.

سقوط مراهنات العدوان على سوريا

فجأة، تهاوت المراهنات على عدوان أمريكي ضد سوريا وأصيب المراهنون بالإحباط، خصوصاً أولئك الذين اعتقدوا أن ساعة الحساب قد اقتربت مع النظام السوري وحلفائه في المنطقة، وأنهم على قاب قوسين من إعلان شفاء غليلهم من سوريا. إلى جانب ذلك، بدأت حقيقة المواقف الأمريكية تنكشف بعد أن تبين للجميع أن الرئيس أوباما ومن معه من صقور وحمائم في إدارته السياسية والعسكرية أنهم كانوا ذاهبين إلى حرب بالإكراه، وكأن الحل سقط عليهم من السماء وليس من موسكو أو طهران أو دمشق.

لقد بدا الحديث على ألسنة المسؤولين في البيت الأبيض، بدءا من باراك أوباما، مرورا بوزير الخارجية جون كيري، وصولاً إلى قادة البنتاغون على نقيض ما كان عليه قبل ساعات من انعقاد جلسة الكونغرس وخطاب أوباما للشعب الأمريكي.

السؤال المطروح هو: ماذا بعد؟ هل انتهت مرحلة الخطر على سوريا والمنطقة، أم أن المقترح الروسي بشأن السلاح الكيميائي السوري هو بداية لحل مرتقب؟

أما الجماعات المسلحة، والتي هي بغالبيتها قوى سلفية وتكفيرية مرتبطة بأكثر من جهاز ودولة، فقد أعلنت أنها لن تلتزم بأي قرار دولي أو داخلي وأنها، بالتالي، سوف تستمر بعمليات القتل والإرهاب. علينا ألا ننسى أن بعض الدول الخليجية أعلنت، وبصراحة، رفضها لأي من الحلول السياسية مع النظام في سوريا ، وأن هذه الدول، وإن بدت أنها مستعدة للتراجع حاليا بسبب ضغط الرأي العام العربي والدولي ضد العدوان على سوريا، إلا أنها ما تزال تمتلك القدرة على تحريك الجماعات المسلحة مالياً وتسليحياً وأمنيا.

إن الحدث المهم ليس في موافقة دمشق على المبادرة الروسية بل القبول الأمريكي بها والتراجع عن خيار الحرب. فاستعداد سوريا للمواجهة في حال فرضت عليها، لا يتعارض مع قبولها للمبادرة التي تجنبها حربا لم تسع يوما إليها، بينما قبول واشنطن لهذه المبادرة يتعارض مع إجراءاتها المعهودة وأسلوبها الحربي الذي طالما لجأت إليه في التعامل مع الدول الأخرى.

لن تتمكن واشنطن من القفز فوق توازنات إستراتيجية: فإيران مقابل أمريكا في الخليج والمنطقة، وروسيا داعم جدي وظهير فعلي لسوريا، وجيش سوري مدعوم ميدانيا من حلفاء يؤازرونه ولا أحد يستطيع التكهن بخياراتهم وما لديهم من مفاجآت، والأخطر من ذلك كله أن إسرائيل ستكون في قلب المعركة. إذاً، لقد طرقت الإدارة الأمريكية أبواب الحرب على سوريا فبقيت مقفلة بوجهها، وهي المرة الأولى التي يذهب فيها طرف قوي بحجم أمريكا إلى الحرب للطرق على الأبواب وليس لخلعها. 

اعلى الصفحة