استهداف سورية قرار صهيوني بلسان أمريكي

السنة الثانية عشر ـ العدد142 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1434 هـ ) تشرين أول ـ 2013 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

"أوباما جبان، وواضح أنه لا يريد شن هجوم ويبحث عن دعم، من جانب الكونغرس". هذا ما نقلته صحيفة معاريف الإسرائيلية ليوم الأحد 1/9/2013 عن مسؤولين سياسيين إسرائيليين، بعد إعلان أوباما عن تأجيل الضربة العسكرية ضد سورية. 

وكتبت الصحيفة أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يؤيد توجيه ضربة عسكرية ضد سورية"، معتبراً أن "من شأنها أن تعيد الردع الأمريكي إلى المنطقة".

ويرى المسؤولون الإسرائيليون أنه "يصعب التصديق بأنه بعد أن يرفض الكونغرس طلبه، سيشن أوباما عملية عسكرية كهذه، من دون دعم المنظومة الدولية ومن دون دعم الرأي العام والكونغرس، وتوجه أوباما للكونغرس هو محاولة لكسب الوقت من أجل البحث عن حلول دبلوماسية تمنع الهجوم ضد سورية".  

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "أوباما تراجع عن ضرب سورية الآن، بعد أن فقد دعم بريطانيا، وبعد أن قرأ استطلاعات الرأي، التي دلت على أن غالبية الجمهور الأمريكي يعارض مهاجمة سورية". 

وقال مسؤولون إسرائيليون للصحيفة "إن الأمريكيين فقدوا الزخم، وأي هجوم لاحق لن يكون فعالاً، والرئيس السوري بشار الأسد يجلس ويفرك يديه مستمتعاً، والإيرانيين يضحكون في الطريق إلى القنبلة النووية، فقد منحوا الأسد الوقت لكي يحصن نفسه، وأوباما فقد عامل المفاجأة منذ وقت طويل".

وفي يوم الجمعة 30/8/2013 أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أنه  "في حال شن هجوم عسكري على سوريا، فإن الولايات المتحدة هي التي ستتولى قيادة هذا الهجوم، لكن في الوقت ذاته فإن الذي مهد الطريق لهذا الهجوم لم يكن الولايات المتحدة وحدها وإنما إسرائيل أيضا".فلماذا كل هذا الحقد الإسرائيلي على سورية؟

سورية هي العقبة

كما هو معروف فإنه في ظل المخطط الأمريكي الرامي إلى إقامة الشرق الأوسط الكبير، والهادف إلى تفتيتِ الدولِ الواقعة بين الباكستان والمغرب، واستبدالها بدويلات فاشلة تقوم على أسس عرقية ودينية ومذهبية وعشائرية، تدور جميعها في فَلَكِ "دولة إسرائيل اليهودية الكبرى"، وما يفضي إليه ذلك بالضرورة مِن وَضْعِ اليَدِ الأمريكية الصهيونية على ترسانة الباكستان النووية والحؤول دون امتلاك إيران سلاحاً نوويّاً، وتدمير الجيوش العربية الأربعة الأكبر (العراقي، المصري، السوري، والجزائري)، والتمهيد لتأمين المصالح الاقتصادية الأمريكية في القارة الأفريقية بالقوة العسكرية ممثلةً بالقوات الأمريكية لأفريقيا "أفريكوم" لمواجهة زحفِ التنين الاقتصادي الصيني في القارة السمراء، ومحاصَرة تسويق الغاز الروسي والإيراني لصالح الغاز القطري وتطويق روسيا عسكرياً وجيوسياسياً وتحريك الأقليات الإسلامية في الصين وروسيا، ورفد ما يمكن اختلاقه من بؤر توتر انفصالية فيهما بما يتبقى مِن الإرهابيين الذين تمّ تسريبهم في مهمة شيطانية إلى الأراضي السورية.

وفي ظل المخطط الصهيوني الذي لم يتغير من حيث الأطماع في سورية، والسبب في ذلك، أن سورية، دولة وشعباً، هي الدولة العربية، التي استمرت في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني منذ بداية استيطانه في فلسطين ومحاولاته المستمرة للتوسع على حساب الأراضي العربية، وهي التي تصدت لاعتداءات إسرائيل الحدودية منذ عام 1948، وهي التي خاضت مع مصر حرب تشرين ضدها وحطمت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وهي التي تصدت للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 ومنعته من تحقيق أهدافه، وهي التي ساعدت المقاومة الوطنية في لبنان على تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، ثم هزمت إسرائيل في حربها على لبنان صيف عام 2006، وهي التي وقفت إلى جانب المقاومة في غزة أثناء العدوان عليها أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.

في ظل كل ذلك تتبين أسباب الحقد الإسرائيلي على سورية والأطماع الإسرائيلية القديمة والجديدة فيها، والتي عبر عنها أكثر من مسؤول بأن سورية هي الوحيدة التي أبقت قضية فلسطين حية في النفوس، وهي التي أوجدت وساعدت المقاومة الفلسطينية، علاوة على ذلك فسورية تتصدى لمخططات الإدارة الأمريكية الرامية إلى الهيمنة على المنطقة العربية وتسييد إسرائيل عليها.

إذن, سورية في نظر الولايات المتحدة وإسرائيل هي العقبة الوحيدة أمام مخططاتهما في المنطقة، كما أنها تشكل تهديداً وجودياً وحقيقياً للأطماع الصهيونية، وهذا ما دعا الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهما من الدول الغربية التحرك وبكامل الثقل الإعلامي ضدها، أولاً لتجريم الجيش السوري، ووضع سورية في دائرة الاستهداف الغربي والدولي الدائمين ثم التحرك بكامل الثقل الاستخباري العسكري. وثانياً وهذا هو الهدف المركزي لأمريكا وإسرائيل والقوى الغربية، هو تفكيك سورية وتقسيمها إلى دويلات طائفية وإثنية متنازعة ومتحاربة فيما بينها لأن تحقيق هذا الهدف المذكور هو الذي يريح إسرائيل ويساعدها على تحقيق هيمنتها بحيث تصبح ضابط الأمن الإقليمي الوحيد الذي يسيطر على المنطقة.

إن واشنطن وتل أبيب تعلمان جيداً أن الأسلحة الكيميائية السورية ليست سوى ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة لحرب تدفع إليها الدوائر الصهيونية واشنطنَ دَفعاً لتأمينِ حماية إسرائيل التي باتت متيقنة مِن أنّ وجودها باتَ مُهدداً أمام قوة المقاوَمة في لبنان أو فلسطين المحتلة، فما بالك إن وَجَدَتْ نفسَها في حرب أمام سورية أو إيران أو كليهما، ولذلك فإن استكمال الحرب الدائرة في سورية وتصعيدها بمشاركة القواعد الأمريكية والأطلسية في المنطقة وبمشاركة جيوش دول عربية وإقليمية باتت في حالة عداء مُعلَن مع سورية، إضافة إلى عشرات آلاف الإرهابيين الإسلاميين الذين يتصدى لهم الجيش السوري الآن، كلّ هذا تنظر إليه الدوائر الصهيونية كفرصة تاريخية ربما يستحيل أن تتكرر.

لذلك كله نرى أن إسرائيل تتعامل، خلافاً لما يبدو في وسائل الإعلام، مع الحرب الغربية ضد سوريا وكأنها بدأت. وبرغم ما توحي به أجهزتها الرسمية من تدني احتمال تعرض إسرائيل للحرب، فإنها تتصرف على أساس انخراط كامل فيها. وهذا ما يظهر من السلوك الرسمي والشعبي الإسرائيلي شبه الهستيري. 

في هذا السياق أقر المجلس الوزاري المصغَّر تفويض قيادة الجيش باستدعاء أعداد محدودة من القوات الاحتياطية اللازمة في ميادين الاستخبارات والدفاع الجوي وحماية الجبهة الداخلية. وعرضت قيادة الجيش أمام المجلس الوزاري المصغَّر تقريراً عن جاهزية الجبهة الداخلية لمواجهة أي هجمات كيميائية، فضلاً عن عدد من السيناريوهات من بينها احتمال تعرض إسرائيل لمثل هذه الهجمات.

وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية حالة الطوارئ وألغت مؤتمر السفراء الذي كان مقرراً افتتاحه يوم الأحد 1/9/2013 في إطار الاستعداد التام للقيام بدورها في الحرب, حيث أن هذا المؤتمر سنوي للسفراء الإسرائيليين في 20 دولة مركزية في العالم لمناقشة مكانة الدولة العبرية ووضع التصورات لسياستها الخارجية. واندفع الجمهور الإسرائيلي للتزود بكمامات الغاز وتجهيز الملاجئ والغرف الآمنة، وبدا أن هذا الاندفاع يصعب كبحه. 

وهكذا فإن كل الاكاذيب التي تسوّقها الإدارة الأمريكية لشن عدوانها على ارض سورية، ما هي إلا لاستكمال تنفيذ مخططات ضرب وتقسيم دول المنطقة ولا سيما سوريا المقاومة والممانعة لكل مشاريع الهيمنة الاستعمارية, لذلك فإن إسرائيل تعتبر من أكثر المنتفعين من العدوان على سوريا، وما نراه يؤكد أن العدوان الذي تحضر له واشنطن على سورية ما هو إلا عدوان إسرائيلي بامتياز.

مصلحة إسرائيلية

في دراسة للجنرال عاموس يدلين، مدير مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية سابقًا في الجيش الإسرائيلي, قال: إن العدوان المحتمل من قبل أمريكا ضد سورية يحمل في طياته العديد من المصالح التكتيكية والإستراتيجية للدولة العبرية.

ولفت الجنرال المتقاعد بتاريخ 2/9/2013 إلى أن العدوان بات مهما جدا لإسرائيل لكي تثبت أمريكا للعالم برمته أنها ما زالت مؤثرة على ما يجري في المنطقة وأن ردعها ما زال قائما وإعادة الثقة بقوتها في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أنه منذ اندلاع الاحتجاجات في العالم العربي تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وفقد تقريبا قوة الردع التي كانت يملكها، وبالتالي فإن العدوان على سورية سيعود بالإيجاب على حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وفي مقدمتهم إسرائيل. وتابع أنه من مصلحة إسرائيل المحافظة على الهدوء على الجبهة الشمالية مع لبنان وسورية، وحتى إذا تمت مهاجمتها، فإن القرار بالرد يجب ألا يكون أوتوماتيكيًا وعلى صناع القرار في تل أبيب دراسة استيعاب الضربة دون ردٍ.

علاوة على ذلك، أشار الجنرال يدلين إلى أن تصميم أمريكا على معاقبة سورية لاجتيازها الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس أوباما، هو بمثابة رسالة قوية لإيران بأن واشنطن تُخرج إلى حيز التنفيذ تهديداتها، وعندما أكدت على أنها لن تسمح بتحول إيران إلى نووية، فإنها ستعمل أيضا من أجل منع هذا التحول، مؤكدا على أن الائتلاف الذي سيُقيمه الرئيس الأمريكي ضد سورية سيكون موجهًا أيضًا ضد إيران في المستقبل.

إنه من المهم جدًا للعدو الصهيوني منع انتصار المحور السوري الإيراني وحزب الله في الازمة الدائرة في سورية، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تقوية هذا المحور، وبالتالي فإن مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تكمن في إضعاف هذا المحور.كما أنه من مصلحة الكيان الصهيوني أن تنتهي الحرب في سورية لصالح المعارضة وإقامة دولة مؤيدة للغرب.

وقال الجنرال يدلين "إنه في حال فشل الضربة الأمريكية المحدودة فإن قوة الردع الأمريكية ستُسحق مقابل استعمال الأسلحة غير التقليدية، علاوة على أن ذلك سيمس بصورة أمريكا، ذلك أن الفشل سيُفهم الرئيس الأسد بأن ثمن استخدام الكيميائي مع التدخل الأمريكي هو ثمن رخيص، وبالتالي فإن هذا الأمر سيُشجعه على استعمال هذه الأسلحة مرة أخرى".

إلى ذلك قال مصدر في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) المؤيدة لإسرائيل إن اللجنة أوفدت مئات النشطاء لكسب تأييد الكونجرس لتحرك عسكري في سورية. وقال مصدر في ايباك "نعتزم القيام بجهد كبير يشارك فيه نحو 250 ناشطا في واشنطن للاجتماع مع الأعضاء المكلفين بالتواصل معهم في مجلسي الشيوخ والنواب". 

وهكذا لم يكن من قبيل الصدفة على الإطلاق أن تتزامن الترتيبات الأمريكية لضرب سورية مع وجود وفد أمني صهيوني رفيع في الولايات المتحدة برئاسة كل من يعكوف عامي درور، مستشار "الأمن القومي" الصهيوني ونمرود شيفر، رئيس شعبة العمليات في هيئة أركان جيش الحرب الإسرائيلي. فمن الواضح أن الصهاينة حاولوا بكل قوة التأثير في مسار العملية العسكرية الأمريكية المرتقبة، بحيث تحقق خارطة المصالح الإسرائيلية. إن "إسرائيل" تنطلق من افتراض مفاده أن الحملة العسكرية الأمريكية المرتقبة ضد سوريا ستضعها أمام جملة من الفرص والتحديات، فعلى صعيد الفرص الإستراتيجية، فإن "تل أبيب" ترى أن حملة عسكرية على سوريا، يمكن أن تخدم "إسرائيل" في تحقيق الأهداف التالية:

أولاً: تدمير أكبر قدر من القوة العسكرية السورية، سواء على صعيد التقليدي وغير التقليدي. وترى الدوائر الإسرائيلية أن تدمير الدفاعات الجوية السورية، ومخازن السلاح الكيماوي ومخازن الصواريخ البعيد المدى يمثل مصلحة إسرائيلية من الطراز الأول.

ثانياً: تنطلق "إسرائيل" من افتراض مفاده أن الضربة العسكرية تحمل في طياتها رسالة ردع لإيران، وهذا ما عبر عنه داني دانون نائب وزير الحرب الإسرائيلي، حيث قال إن العملية العسكرية المرتقبة ضد سوريا ستحمل في طياتها رسالة واضحة لإيران بأن العالم لن يسمح لها بمواصلة مشروعها لإنتاج سلاح نووي، معتبراً أن العملية العسكرية في حال تمت "ستعزز من صدقية قيادة الرئيس أوباما الذي اعتبر أن حصول إيران على سلاح نووي يمثل"خطاً أحمر لن يسمح بتجاوزه". ويذكر أن "إسرائيل" تعتبر البرنامج النووي الإيراني يمثل "خطراً وجودياً" عليها لأنه يسمح بسباق تسلح نووي في المنطقة.

ثالثاً: ترى "إسرائيل" أن نجاح الولايات المتحدة في تنفيذ الضربة العسكرية سيؤدي بشكل خاص إلى تعزيز مكانة واشنطن في المنطقة، وهذا بحد ذاته يمثل مصلحة استراتيجية لـ"إسرائيل". حيث ترى محافل التقدير الاستراتيجي في "تل أبيب" أن استعادة الولايات المتحدة مكانتها في المنطقة سيعزز من المكانة الإقليمية لـ"إسرائيل"، كما أن هذا التطور يحسن من فرص استئناف محور الاعتدال العربي لدوره، وهو بحد ذاته يحسن البيئة الإقليمية لـ"إسرائيل" كما قال ألون ليفين وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي الأسبق.

القلق من تأجيل الضربة

لم تنجح كل المحاولات المستميتة لبث الطمأنينة في نفوس الإسرائيليين التي بذلتها القيادات السياسية والعسكرية، بعد تأجيل الضربة العسكرية لسورية, بغية قضاء عطلة عيد رأس السنة العبرية. كما أن دعوات رئيس الحكومة بنيامين نتانياهوالمواطنين إلى الخروج لإحياء العيد والتنزه والتمتع فيه. وقيام الجيش بإعادة الجنود الذين تم استدعاؤهم على عجل لخدمة الاحتياطي، وإرسال جنود آخرين إلى بيوتهم لقضاء العيد مع عائلاتهم، وإعادة بطاريات منظومة القبة الحديد إلى المخازن، كل ذلك لم يهدئ من روع المواطنين. فبقوا يعبرون عن قلقهم الشديد من التطورات على الجبهة السورية ويرفضون الحرب.

كما لم تنجح كل محاولات الطمأنة هذه التي بلغت أوجها بقرار قيادة المؤسستين السياسية والعسكرية خفض حال التأهب، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تأجيل الضربة العسكرية إلى حين مصادقة الكونغرس عليها، لم تنجح ولم تحقق أهدافها، لكن أصحاب القرار في إسرائيل وجدوا فيها فرصة لتغيير الصورة التي نقلت إلى العالم وفيها تظهر حالة الرعب والذعر، التي لم تشهدها إسرائيل منذ "حرب أكتوبر" قبل أربعين سنة. فقد نقلت شاشات التلفزة في العالم أجمع كيف تدفق آلاف السكان على مراكز الكمامات الواقية من الغاز وهم في حالة عصبية شديدة أدت بعض الأحيان إلى شجارات وشـتائم وانتهت في الكثير من المراكز إلى وقوع إصابات بين المنتظرين في الطوابير. وارتفعت أصوات وسائل الإعلام، بسبب نقص كميات كبيرة منها، إذ إن 40 في المئة من الإسرائيليين لم يحصلوا بعد على كماماتهم.

وراح مواطنون يتظاهرون ورؤساء بلديات يحذرون من خطورة أوضاع الملاجئ ويقولون إنه لا توجد في بلداتهم أماكن آمنة لحماية سكانهم من الصواريخ. وشكا آخرون من نقص كبير في الملاجئ وعدم صلاحية الغالبية بينها للاستعمال. هذه المشاهد وضعت القيادة الإسرائيلية في حالة حرجة ازدادت لدى ظهور عدم ثقة بالتصريحات والتهديدات التي أطلقت. فجاء قرار الرئيس الأمريكي تأجيل الضربة بمثابة حبل نجاة للقيادة الإسرائيلية لاتخاذ خطوات تخفف من ذعر السكان ومن الوضع الذي شهدته إسرائيل لدى استعدادها لاحتمال أن تتعرض لضربات انتقامية من سورية، في حال قررت الولايات المتحدة توجيه الضربة.

وأدخل تأجيل قرار الضربة بحد ذاته الإسرائيليين في حالة إرباك، لا تقل حدة عن حالة الإرباك في العالم. وظهر الانقسام بين الإسرائيليين حول الموقف الأمريكي وما إذا كان قراراً صائباً أم إنه تراجع يعكس ضعف الرئيس أوباما. فاليمين الإسرائيلي اعتبر تأجيل ضربة كهذه، وهي في مقاييس قادته ضربة خفيفة أمام ما يتوقعونه من الولايات المتحدة تجاه الملف النووي الإيراني، يعتبر مؤشر ضعف الرئيس الأمريكي. وخرج وزير الإسكان أوري أرئيل، وهو من قادة حزب المستوطنين، بحملة يتمرد فيها على موقف رئيسه نتانياهو وطلبه إلى الوزراء الصمت، قال أرئيل: "في البيت الأبيض رئيس يبث رسالة ضعف وعجز إلى أعداء الديموقراطية وأنصار الإرهاب وإبادة الشعوب في العالم".

وأضاف: "إن الموقف الأمريكي الضعيف من الموضوع السوري يعلم إسرائيل درساً لا ينسى، بأن لا تبني مصالحها ومواقفها على الدعم الأمريكي في معركتها لمنع إيران من التسلح النووي".وتابع: "علينا أن ندرك أننا سنكون وحدنا في مواجهة النظام الإيراني. وهذا يتطلب منا أن نستعد من الآن لهذه المعركة".

وخلافاً للموقف الذي روج له نتانياهو بدعم أوباما في تأجيل العملية خرج رفاقه في اليمين يقولون "على رغم الموقف الإسرائيلي المعلن رسمياً، إلا أن نتانياهو كان يريد وبشدة أن يرى عملية عسكرية أمريكية عينية ومحدودة في سورية تعيد لأمريكا صدقيتها وتعزز قوة الردع الأمريكية في المنطقة، وتبرز مركزية الولايات المتحدة في المنطقة، وتوجه رسالة شديدة اللهجة أيضاً إلى إيران والعناصر المتطرفة في المنطقة. لكن الإدارة الأمريكية تحت رئاسة أوباما، خيبت الأمل وأكدت أنها تسعى إلى تقليص حجم الدور العسكري في المنطقة وعدم التورط في حروب إقليمية في الشرق الأوسط، وذلك بغية التفرغ لمعالجة المشاكل الداخلية، ونقل محورية السياسة الخارجية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى".

وتحولت المقارنة بين الملفين السوري والإيراني إلى مركز خلاف بين الإسرائيليين إذ اعتبر مسؤولون سياسيون أنه على رغم الفرق الواضح بين الأزمة السورية وبين المسألة الإيرانية، فإن نتانياهو يخشى أن يشكل التردد الأمريكي لخوض هجوم عسكري في سورية رسالة سلبية لإيران مفادها أن الولايات المتحدة لن تتحرك عسكرياً لوقف برنامجها النووي. ولم تتردد هذه الجهات في القول إنه من الصعب التحرر من الانطباع بأن التردد الأمريكي في الشأن السوري سيبقي إسرائيل وحيدة في المواجهة العسكرية ضد إيران. وسيعزز من معنويات الجهات المتطرفة في المنطقة مثل حزب الله باتجاه زيادة تدهور الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، وفق تعبيرهم. فيما رأى آخرون أن توجه أوباما إلى الكونغرس هو محاولة من أوباما لربح الوقت سعياً للوصول إلى حل ديبلوماسي يمنع شن الهجوم.

هذا النقاش الذي نقل صورة إلى الولايات المتحدة ودول الغرب عن موقف إسرائيل لا يعود لمصلحة نتانياهو وإسرائيل، أثار مخاوف لديه. فقد خشي من أن يحسب الأمريكيون أنه يسرب للصحافة موقفاً مناقضاً لموقفه الرسمي ضد أوباما. فأصدر أوامره لوزرائه ونوابه بأن لا يتفوهوا أبداً بالموضوع. وحذرهم من أن من يهاجم الرئيس الأمريكي إنما يمس بالأمن القومي الإسرائيلي. وعاد إلى حملة التهديد بالرد على أية ضربة من سورية أو حلفائها في لبنان وقطاع غزة حتى بعد إعلان إسرائيل خفض حالة التأهب. واختار نتانياهو عيد رأس السنة العبرية، ليطلق رسالة لا تخلو من التهديدات واستعراض العضلات في الوقت نفسه، فبعد أن طمأن الإسرائيليين إلى أن فترة الأعياد ستمر بهدوء وقال لهم "اخرجوا للاحتفال بالعيد كالمعتاد"، راح يهدد قائلاً: "السياسة التي أوضحناها خلال الفترة الأخيرة والمتعلقة بالحفاظ على أمننا تمكنت من إعادة قوة الردع لإسرائيل فعندما نقول إننا في حال لاحظنا خطراً حقيقياً سنعمل وبقوة فإننا ننفذ ما نقوله وأعداؤنا يدركون ذلك بل لا توجد أية جهة في المنطقة ولا أي نظام حكم يشكك في جدية نوايانا المعلنة وإصرارنا على عملياتنا، إذا قررنا تنفيذها".

التوازن الذي وضعه نتانياهو بين الحفاظ على علاقة تنسيق مع واشنطن وأوباما مقابل عدم التراجع عن تهديداته واستعراض قدرات بلاده، سيبقى السياسة التي سيمارسها رئيس الحكومة إلى حين إقرار الموقف الأمريكي تجاه سورية. وهو يحرص جداً على الحفاظ على علاقة جيدة، خلافاً للأزمات بين واشنطن وتل أبيب التي كانت تسببها سياسة نتانياهو المتعنتة.

حملة نتانياهو هذه لم تقنع الإسرائيليين، بل اعتبروا أن تأجيل الضربة والاحتماء بمجلس الشيوخ كانت محاولة من أوباما، لحماية نفسه ومساعدته في النزول عن الشجرة التي صعد عليها قبل سنة عندما وضع خطوطاً حمراً لسورية. ويرى البروفيسور أبراهام بن تسفي العودة إلى مجلس الشيوخ خطوة غير ضرورية بصورة سافرة. وقال: حتى لو كان يُفضّل أوباما صوغ تأييد حزبي عام واسع لكل إجراء عسكري مهما كان محدوداً فالحديث في الظروف الحالية عن تخلٍّ طوعي عن السلطة التي يفترض أن تبقى من نصيب البيت الأبيض وحده. وعلى رغم أن الدستور الأمريكي يُفوض إلى مجلس النواب سلطة أن يعلن بصورة رسمية بدء حرب، فإن الحالة الحالية لعملية عقاب محدودة مركزة لا تدخل البتة في دائرة هذا التصنيف. لأنه في كل ما يتعلق باستعمال القوة العسكرية وإجراءات التدخل التي هي أقل في سعتها من مواجهة عسكرية شاملة، تُترك لرئيس الولايات المتحدة وحده الصلاحية، مدة لا تقل عن شهرين وبعد مرور هذه الفترة فقط يجب عليه أن يطلب موافقة مجلس النواب على تغيير وضع المواجهة وتوسيعها والاستمرار في العملية العسكرية.

وكما يرى بن تسفي فإن العودة إلى مجلس الشيوخ تصادر صلاحيات البيت الأبيض الرسمية بأن يُدير عمليات عسكرية من دون موافقة مجلس النواب بل فيها، وهذا أخطر، تخلٍّ طوعي عن مكانته المهيمنة بصفته زعيم القوة العظمى الوحيدة. ويضيف بن تسفي قائلاً: "أليس البيت الأبيض باعتباره لاعباً رئيساً، هو الذي يفترض أن يمنح الموافقة وأن يقود المعركة كلها وألا يُخضع سلوكه لإرادة سائر اللاعبين واضطراراتهم وتفضيلاتهم؟".

وعلى رغم هذه التساؤلات والمواقف الإسرائيلية المتباينة يبقى الأمر الأساس بالنسبة إلى إسرائيل في تأجيل تنفيذ الضربة، هو ما إذا كان أوباما فعل ذلك لضعف في شخصيته وهذا يشكل ضوءاً أحمر لإسرائيل في كل ما يتعلق بموقفها تجاه الملف النووي الإيراني الذي ما زالت تنتظر الحلول من الولايات المتحدة، قبل أن تعلن أن الأمر بات يشكل خطراً كبيراً على وجود الدولة العبرية وكيانها، ليدفعها إلى اتخاذ قرار بنفسها في كيفية التعامل مع الملف الإيراني.

وأخيراً يمكن القول: إن أمريكا هي ليست شرطي العالم وهي بعيدة كل البعد عن القيم التي تتشدق بها وليس لها أي حق إطلاقا بالهجوم على سورية مهما كانت المسوغات ومهما كانت الأوضاع متردية في سورية التي نتألم لحالتها، وأن الادعاء الأمريكي بأن الضربة العسكرية المزمعة هي دفاع عن الشعب السوري، هو محض تضليل، فالولايات المتحدة لا تقيم أي اعتبار للدماء السورية، وما يهمها هو مصالحها هي ومصلحة الكيان الصهيوني.

اعلى الصفحة