من طهران إلى فلسطين.. القدس تجمعنا وفلسطين توحدنا

السنة الثانية عشر ـ العدد141 ـ (شوال ـ ذو القعدة 1434  هـ ) أيلول ـ 2013 م)

بقلم: معين عبد الحكيم

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة ألقاها بين حشود المحتفلين بمناسبة يوم القدس العالمي لهذا العام في مجمع سيد الشهداء بالضاحية الجنوبية لبيروت إلى أن إحياء المناسبة في آخر جمعة من رمضان يأتي بهدف تذكير المسلمين والعالم بالقضية الفلسطينية ومنعها من الدخول في دائرة النسيان والتأكيد على الثوابت وحشد طاقات الأمة من أجل إنقاذ القدس وفلسطين من أيدي المحتلين الصهاينة.

وقال إننا أحوج ما نكون إلى إحياء هذه المناسبة للتأكيد على ثوابتها وقيمها ومعانيها وتسليط الضوء على ما تتعرض له فلسطين وشعبها في الـ"48" أو في الـ"67" أو في الشتات أو في القدس الشرقية أو في صحراء النقب من حصار وتجويع وهذه الأرض من تهويد وهذه المقدسات من مخاطر.‏

وأكد السيد نصر الله أن فلسطين التي نتحدث عنها هي فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر والتي يجب أن تعود كاملة إلى أهلها وإلى أصحابها الحقيقيين مبينا أنه لا يملك أحد في هذا العالم تفويضا بأن يتخلى أو يتنازل عن حبة رمل واحدة من تراب فلسطين أو عن قطرة من مائها أو نفطها أو قطعة من أرضها.‏

ولفت إلى أن إسرائيل التي هي قاعدة المشروع الصهيوني في المنطقة تمثل خطراً دائماً وهائلاً ليس على فلسطين وشعبها فحسب بل هي خطر دائم وهائل على جميع دول وشعوب هذه المنطقة ومقدراتها وخيراتها وأمنها وكرامتها وسلامتها وسيادتها معتبراً أن من ينكر ذلك مكابر فإسرائيل تهديد وجودي لكل دول وحكومات وكيانات وشعوب وحضارات هذه المنطقة.‏

وأكد سماحة السيد حسن نصر الله أن إزالة هذه الغدة السرطانية والكيان الغاصب مصلحة للعالمين العربي والإسلامي ومصلحة قومية ووطنية لكل بلدان المنطقة معتبراً أن كل من يقف في مواجهة المشروع الصهيوني ويقاومه في أي مكان في منطقتنا وفي العالم وبأي وسيلة فهو كمن يدافع عن فلسطين وشعبها وعن القدس وكمن يدافع عن وطنه وشعبه وكرامته ومستقبل أولاده وأحفاده.‏

وأشار الأمين العام لحزب الله إلى أن فلسطين والقدس مسؤولية عامة وشاملة لكل فلسطيني ولكل عربي مسلم ومسيحي ولكل إنسان في العالم لأنها قضية حق ومأساة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى مبينا أن مقدار المسؤولية وحجمها قد يتفاوت من دولة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر حيث تدخل المقدرات والإمكانيات والظروف والجغرافيا فهي بالدرجة الأولى مسؤولية الشعب الفلسطيني ثم من يليه ومن يليه إلا أن هناك حداً أدنى من المسؤولية على الجميع لا يستطيع أحد أن يتنصل منه.‏

وأوضح السيد نصر الله إلى ضرورة التأكيد على أولوية هذا الصراع وهذه المواجهة مع المشروع الصهيوني المحتل لفلسطين والقدس ولأراض عربية أخرى في لبنان وسورية معتبرا أن الأمة لو عملت منذ البداية بهذه الأولوية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولما كانت كل هذه المعاناة والمصائب التي يعيشها الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات ولما كانت كل هذه المجازر والويلات والآلام التي تحملناها في لبنان وتحملتها شعوب المنطقة بسبب هذا التخلي عن المسؤولية وعن الأولوية.‏

بدوره أكد الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في تصريح له على هامش مسيرات يوم القدس العالمي نقلته وكالة أنباء فارس الإيرانية أن احتلال أرض فلسطين المقدسة والقدس العزيزة ترك جرحاً في جسد العالم الإسلامي.‏

وقال روحاني إن يوم القدس هو يوم تستعرض فيه الشعوب وحدة العالم الإسلامي في مواجهة أي ظلم وعدوان مشيراً إلى أن مشاركة الجماهير في مسيرات هذا اليوم يعد دعامة معنوية وسياسية للشعب الفلسطيني على طريق تحرير القدس الشريف.‏

وأوضح روحاني أن ما يجري عرضه اليوم تحت مسمى السلام هو تكريس للنوازع العدوانية الصهيونية ولكن بذريعة التسوية.‏

واختتم بالقول إنه وفي ظل الظروف الراهنة للعالم الإسلامي الذي يواجه مشاكل في المنطقة يحاول الصهاينة استغلال هذه الفرصة للتظاهر بنزعة سلمية فيما يواصلون في الباطن روح العدوان ضد الفلسطينيين.‏

المواجهة المستمرة

منذ بداية المؤامرة الغربية/ الصهيونية بالتخطيط والتنفيذ لسلب أرض فلسطين المباركة من أصحابها الحقيقيين نهاية القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، لإقامة الكيان الصهيوني وزرعه كــ"غدة سرطانية"في قلب الأمة العربية والإسلامية، والمؤامرات تحاك، ليس فقط ضد فلسطين وشعبها المرابط المجاهد، إنما أيضاً ضد كل مكونات الأمة العربية والإسلامية، بدءاً من إعطاء وعد بلفور المشؤوم، ومروراً بتمزيق وتقسيم وتشتيت الأمة الإسلامية والعربية جغرافياً وسياسياً ومذهبياً وطائفياً، وزرع هؤلاء المتآمرين على ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها كقنابل موقوتة في كل مكان من المنطقة العربية - الإسلامية، بحيث أصبحت هذه القنابل الموقوتة معدَة وجاهزة للانفجار كلما احتاج الغرب الحاقد والعدو الصهيوني لإشعال الفتن والأحقاد في أوساط العرب والمسلمين والفلسطينيين أنفسهم !. والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة، وأكثر وأكبر من أن تحصى وتعد، وفي الوقت الحالي لا يحتاج المرء كبير جهد ليكتشف حجم وخطورة القنابل الموقوتة "قنابل الفتنة والمؤامرة" المزروعة في جسد الأمة المنهك والمثخن بالجراح، وفي كل مكان من العالم توجد قنابل "فتنوية" جاهزة للتفجير في وجوه المسلمين والعرب والفلسطينيين حسب حاجة ورغبات وحسابات الغرب والعدو الصهيوني، وكل ما يحدث في المنطقة العربية والإسلامية من فتن ودماء وتفجيرات وعبث وقتل على الهوية وانجرار وراء السراب والأوهام والغوص في مستنقع الفتن المذهبية والطائفية والسياسية الذي سخر له الغرب والعدو الصهيوني كل إمكانياته، وأدواته المحلية والإقليمية من "أدعياء العلم والفتوى"، وفضائيات تبث من هنا ومن هناك، ومن قلب عواصم الغرب الكبرى وإعلاميين وإعلاميات، وكتاب,وباحثين ومتحدثين ومتحدثات، و"كومبارس" أجادوا القيام بــ"أدوار السب والشتم واللعن والقذف والتشهير ضد الجميع، وفي كل الاتجاهات!!" خدمة لمصالح أسيادهم من أعداء الإسلام والمسلمين والعرب والفلسطينيين، وكل ما يشهده العالم العربي والإسلامي في الوقت الراهن من أشكال مختلفة للانقسام السياسي، الاجتماعي، والجغرافي، والخلافات والفتن المذهبية والطائفية، والصراعات العسكرية والتناحر السياسي، ومحاولات تقويض أركان وأسس "الدولة الوطنية"، وتدمير وتمزيق وتخريب الأوطان العربية والإسلامية مثلما يحدث في أفغانستان، باكستان، العراق، ليبيا، سوريا، اليمن، تونس ومصر، ومن قبل ذلك تدمير الصومال، ومحاولات تقسيم المغرب، واستنزاف الجزائر، وتقسيم السودان، بالإضافة إلى ما عاشه مسلمو أوربا "البوسنة والهرسك، ألبانيا، ألبان كوسوفو"، وما يعيشه الآن مسلمو بورما من مذابح ومآسي يندى لها الجبين العالمي والضمير الإنساني،وغيرها ... وغيرها، بالإضافة طبعا للواقع الفلسطيني المؤلم والمؤسف والمحزن، حيث انقسم الفلسطينيون صيف 2007 إلى كيانين منفصلين، متنازعين، متخاصمين ومتصارعين الأول في الضفة الغربية المحتلة والثاني في قطاع غزة المحاصر، بينما الجزء الأكبر الباقي من فلسطين المحتلة خاضع كليا لاحتلال الكيان العنصرية الصهيونية الغاصب.

وكما هو معروف يقيم في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس وفلسطين المحتلة عام 1948 قرابة ستة ملايين فلسطيني، بينما ينتشر في مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا، والدول العربية والإسلامية، وشتى بقاع الأرض قرابة سبعة ملايين فلسطيني، ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان والأردن وسوريا حياة غاية في الصعوبة.

والمتأمل لكل هذه الفتن المتنقلة من دولة إلى أخرى، ومن موقع إلى آخر يدرك أن الهدف الأساسي من وراء هذه المؤامرات التي تنهك جسد الأمة، استنزاف طاقات وقدرات وخيرات الأمة وإلهائها، وإشغالها وإضعافها، وحرف اتجاه بوصلتها لإبعادها عن التماس المباشر مع فلسطين، والقضية الفلسطينية، فكل هذه المؤامرات والحرائق المتنقلة التي تشتعل في أغلب مناطق الوجود الإسلامي، والعديد من الدول العربية والإسلامية، إنما يفتعلها أعداء الأمة بقيادة "التحالف الغربي/ الصهيوني" لحجب حقيقة ما يدور على أرض فلسطين من محاولات تقسيم وهدم للمسجد الأقصى المبارك، والحرم القدسي الشريف، وتهويد مستمر وسلب للمقدسات الإسلامية والمسيحية، ومصادرة المزيد من الأراضي وتهويدها، وإقامة المزيد والمزيد من المستوطنات الاستعمارية الصهيونية العنصرية، لضمان بقاء الكيان الصهيوني كغدة سرطانية في قلب الأمة/ فلسطين، وضمان التفوق العسكري، والتكنولوجي، والأمني، والنوعي للكيان الصهيوني الغاصب، ومنع أية محاولة عربية أو إسلامية جادة لامتلاك زمام التكنولوجيا والتقدم العلمي لأية دولة إسلامية أو عربية، واستنزاف مقدراتها، وسرقة عقولها العلمية وخبرائها وعلمائها.

ونقول إنه للأسف الشديد يقع بعض أبناء الأمة الإسلامية والعربية في شرك مؤامرات "تحالف الغرب/ الصهيوني" بوعي، أو بدون وعي، ويتحولون بقصد أو بدون قصد إلى "أدوات" في يد هذا "التحالف الشيطاني العدواني الحاقد" الذي لا يريد إلا الشر والسوء والضرر للأمة وشعوبها، ودولها، وكياناتها الوطنية، وقواها الحية وأحزابها وتياراتها السياسية، الإسلامية والوطنية والقومية والليبرالية، ومؤسساتها..

القدس عنوان الوحدة

إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن تغير النظام السياسي في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية ترك أبرز تأثير له على صعيد تغيير موقف إيران السائد خلال عهد النظام البهلوي البائد وذلك بفصل عرى الحلف الشاهنشاهي- الصهيوني باعتباره عدواً للإسلام والعرب، وأصبح الموقف السياسي والمعنوي للجمهورية الإسلامية الإيرانية القاعدة الصلبة والرئيسية في دعم موقف الأمة الإسلامية الموحد في الدفاع عن قضية فلسطين.

وبالطبع فإن عمق هذا الموقف المبدئي يعود إلى ما قبل العام 1979 حينما أطلق الإمام الخميني (ره) في خطاباته ضد نظام الشاه صرخته ضد تحالف الشاه وهو حاكم بلد إسلامي كإيران، مع عدو الأمة الإسلامية يعني إسرائيل، ونصح رضوان الله عليه الشاه بالعودة إلى حضن الأمة الإسلامية، لكن تلك النصيحة لم تدخل في أذن الشاه المليئة بوساوس مشؤومة من المحتلين أعداء الجبهة العربية والإسلامية.

ومع انتصار الثورة الإسلامية وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران صدر الأمر بإغلاق سفارة العدو الصهيوني في طهران وارتفع علم فلسطين عليها. وكان الراحل ياسر عرفات أول شخصية أجنبية تزور طهران، واصفاً هذا النصر بأنه نصر للأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني. ولم تمض مدة إلا وطرحت مبادرة إعلان آخر جمعة من شهر رمضان بأنها يوم القدس العالمي من قبل القيادة الإيرانية. فاتخذ الدعم السياسي والمعنوي، والشعبي خصوصاً لقضية فلسطين طابعاً واسعاً.

واليوم أيضاً فإن رسالة قضية فلسطين رسالة الوحدة بين البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة، في حماية قضية فلسطين والقدس الشريف، جعلت إيران الإسلام تضع كل طاقتها المعنوية والسياسية باتجاه خدمة مصالح الأمة الإسلامية، جنباً إلى جنب مع سائر البلدان الإسلامية.

لقد صار المسجد الأقصى الذي كان قبلة المسلمين الأولى ومحل معراج رسول الله(ص) وصارت فلسطين اليوم رمزاً للبشرية الساعية لتحقيق العدالة والاستقلال والحرية ومما يبعث على الفخر بأن هذا الموقف قد استمر بكل حكمة واقتدار من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة سماحة القائد السيد علي الخامنئي الذي يدعو كل المسلمين الغيارى في يوم القدس العالمي لنجدة الشعب الفلسطيني المظلوم. 

فلسطين في الصدارة

تتعرض القضية الفلسطينية لخطر التصفية كلياً في ظل الظروف الدولية والإقليمية الحالية، وتحاول أمريكا إعادة التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإطلاق مسار التنازل الفلسطيني الجديد من أجل مماطلات جديدة تفتح المجال لمزيد من قضم الأراضي وإقامة المستوطنات، فكل المفاوضات لن تجدي لأن الصهيونية إيديولوجيا لا تفيد المبادرات معها ولا أحد يعتقد أن الصهاينة سوف يتفاوضون على إيديولوجيتهم لأن ذلك يعني التخلي عن الصهيونية التي ترفض الانسحاب من الأراضي المحتلة، ولذلك لا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تستهدف الأرض والإنسان والتاريخ الفلسطيني، فحكومة العدو قد صدقت مخطط مصادرة أراضي النقب وتصاعد وتيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة، وتعاني القدس التهويد والاستيطان وهدم المنازل إضافة إلى الممارسات العدوانية على المقدسات العربية والإسلامية التي تنتهك القانون الدولي الذي يحظر تغيير هوية المواقع المحتلة وتغيير معالمها. وتطلق السلطات الإسرائيلية قطعان المستوطنين لتدنيس المسجد الأقصى المبارك والتعدي الصارخ على الرموز الدينية المقدسية في فلسطين. وسياسة الاستيطان ومصادرة العقارات ما زالت تجري حثيثة في ظل رغبة الاحتلال في تنفيذ مخططه الاستيطاني الكامل بمحو التاريخ العربي والإسلامي من ذاكرة القدس وتغيير هويتها وطبيعتها السكانية.‏

علماً بأن جميع دول العالم تعدّ الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير شرعي وغير قانوني وفقاً لقواعد القانون الدولي وأن محاكمة مجرمي الحرب لدى الجنائية الدولية جائز رغم عدم تصديق إسرائيل على النظام الأساسي للمحكمة وتحفظها على إدراج الاستيطان ضمن جرائم الحرب. وسياسة إسرائيل المتسارعة لتنفيذ مخططها التهويدي والاستيطاني في القدس تستوجب الدعم السياسي من مناهضي الصهيونية وتدويل كل قضايا الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال واللجوء إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية في سبيل تحقيق المطالب الفلسطينية ومحاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم اليومية بحق الشعب الفلسطيني. وكل ذلك بالترافق مع العودة إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني والعربي والمسلم لنصرة القدس، والشعب الفلسطيني حتى ينجح في حراكه يجب أن يلقى الدعم الكامل حتى تكون هناك سياسات مضادة للتهويد في القدس والعمل على إبراز الهوية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة داخلياً وخارجياً ومكافحة سياسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.‏

إن كل من يراهن على الجامعة العربية بأنها قد تدعم صمود القدس فهو واهم، فهي لم تنفذ أي التزام من التزاماتها تجاه القدس وخاصة التزامات القمة الثانية والعشرين التي عقدت في ليبيا عام 2010 والتي أقرت تخصيص 500 مليون دولار لدعم صمود القدس، ولم يصل منها شيئاً. فقد تكشفت الأقنعة داخل الجامعة العربية بعد اشتراكها في المؤامرة على سورية متماشية مع التغيرات التي تريد أميركا فرضها في زمن الفوضى والإرهاب والربيع العربي المشؤوم.‏

ومع أن الدعم يقوي صمود أهل القدس كما صمود أهل النقب لكن دولاً عربية تدفع المليارات في خدمة الإرهاب وتدمير الدول العربية الأخرى وبدلاً من أن يكون الدعم السياسي والاقتصادي للقدس واجباً عربياً للدفاع عن المقدسات الإسلامية في الأراضي المحتلة التي تتعرض لعملية تهويد ممنهجة وسياسات ترفضها كل المواثيق والأعراف الدولية، أصبح واجب تلك الدول خدمة المشروع الصهيوني وتقديم التنازلات تلو التنازلات، بل ثمة حكام عرب يساهمون في التآمر على ملايين الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم بسبب سياسات الاستيطان والتهويد لإجبارهم على نسيان حق العودة إلى ديارهم، وذلك بضربهم وتشريدهم من جديد في مخيمات الشتات.‏

وحتى المجتمع الدولي لن يستطيع تحمل مسؤولياته بضرورة وقف الاستيطان والتهويد وسياسة إبعاد الفلسطينيين وطردهم من منازلهم في القدس المحتلة بذريعة عدم الترخيص، ما دامت أمريكا قد استخدمت عشرات "الفيتوات" لمنع تحرير القدس والأراضي المحتلة ودعم إسرائيل لتهويدها، حيث تعتبر جريمة الاستيطان الإسرائيلي في نظر القانون الدولي، من الجرائم المستمرة التي تترتب آثارها ما بقيت المستوطنات قائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإسرائيل تعتبر الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في مدينة القدس إستراتيجية عامة تتفق بشأنها معظم الأحزاب الإسرائيلية، كما تتفق على قتل الفلسطينيين وطردهم وتشريدهم.‏

والتنبؤات المظلمة حول القضية الفلسطينية التي أحدثتها حالة التردي والاستكانة العربية، بأن مأساة الشعب الفلسطيني بلا حل وأن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق العودة واسترجاع الأراضي المحتلة لن تنفذ، تظل أمامها حقائق يجب ألا تغيب وهي أن الشعوب العربية والإسلامية كافة ستنشد بعد انتصارها على المؤامرة تحرير كامل فلسطين من رجس الصهيونية. وكل من راهن على نسف المقاومة العربية الإسلامية من باب الإرهاب الأمريكي المنظم فهو أداة من حيث يدري أو لا يدري بيد الصهاينة وكل المراهنين على تصفية القضية الفلسطينية وجعل القدس عاصمة لإسرائيل.‏

وثمة سؤال بسيط: إذا كانت الأساطير المؤسسة لإسرائيل حقيقية فلماذا يغادر كثير من الإسرائيليين ما يزعمون أنه "أرض الميعاد"؟ مع أن المتوسط السنوي للمستوطن الصهيوني يبلغ نحو 19 ألف دولار، جلها تأتي على شكل مساعدات ظاهرة ومستورة من أمريكا وبعض الدول الأخرى، ومع ذلك، مليون إسرائيلي غادروا فلسطين المحتلة خلال العشرين سنة الماضية، ما يدل على الحالة النفسية السيئة التي يعاني منها يهود إسرائيل بسبب السياسات الصهيونية التي لا تعرف إلا العدوان، وزج الإسرائيليين في حالة هستيريا دائمة من الخوف من شن الحروب اللازمة لاستمرار الكيان الصهيوني، ولذلك قرر بعضهم التخلي في قرارة نفسه عن أمنيات المشروع الصهيوني أو ما يسمى "درب أورشليم الكبير".‏

توحيد الطاقات واستنهاضها

إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني يتطلب من كل العرب والمسلمين وأحرار العالم الذين يتحركون من أجل دعم الحرية والديمقراطية العمل من اجل استنهاض طاقاتهم في دعم صمود الشعب الفلسطيني المادي والمعنوي ودعم خياراته الوطنية والاعتراف بحقوقه المشروعة والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس.

إن الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية تتطلب من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية أولاً أن تتوحد في بوتقة النضال من خلال استعادة الوحدة الوطنية وعدم انتظار تطورات خارجية يعول عليها البعض للاستقواء من أجل إعلان غزة محررة بدلا من تعزيز الخيارات الوطنية القادرة على استنهاض الحالة الوطنية ووضعها على سكة الانطلاق لمواجهة مخططات الاحتلال ومشاريعه المدعومة من الإدارة الأمريكية وذلك من خلال رسم إستراتيجية مقاومة وطنية وكفاحية مؤهلة لإنقاذ الوضع الفلسطيني من حالته الراهنة.

إن الأخطار الكبيرة التي يحملها التحرك الأمريكي الأخير باتجاه تحقيق الأهداف المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في المنطقة، وفي ضوء قناعتنا باستمرار أمريكا في مواقفها وسياستها المعادية لشعبنا وشعوب المنطقة من خلال دعمها الكامل والمطلق مادياً وعسكرياً للوجود الصهيوني، وإصرارها على تجريد القدس من هويتها العربية الإسلامية بتهويدها تحت ستار تدويلها، واستيطان وتهويد الضفة، وإعادة المنطقة إلى دائرة نفوذها، وتحركها المحموم لضرب الأمة العربية والإسلامية.

وأمام خطورة الأوضاع نقول حان الوقت لنؤكد أن لا حركة أو تحرك في المنطقة من دون فلسطين، ولا تحول ولا تغيير من دون قضية فلسطين، وإذا لم يكن هذا الهم الفلسطيني في صلب الحركات والانتفاضات الجماهيرية، ستقع في إطار الفخ الذي تحاول الإدارة الأمريكية من خلاله إبعاد الشعوب عن قضيتها المركزية.

إن فلسطين كانت ولا تزال "القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية"، وإن تحريرها هو العنوان الأبرز لتحرير الإنسان العربي والمسلم، وإن هذا التحدي سيظل مفتوحاً ينتقل من جيل إلى جيل حتى تتحرر فلسطين لتكون عنوان مستقبل الأمة.

إن الشعب الفلسطيني التي يقبض على الجمر والحجر ويتمسك بالمقاومة من اجل استعادة حقوقه الوطنية لهو قادر على فك قيود الأسرى الأبطال في المعتقلات الصهيونية واستعادة وتحرير الأرض والإنسان من خلال ضخ دماء جديدة في شرايين الأمة العربية والإسلامية، دون الرهان والارتهان لما يسمى بالمفاوضات الثنائية بالمرجعية الأمريكية، بل من خلال النهوض الوطني ومواصلة مسيرة النضال والجهاد التي فجرها ولازال مئات الآلاف من الشهداء الأبرار.

إن صرخة الإمام الخميني رحمه الله في إعلان يوم القدس العالمي، تدعونا إلى الصحوة ونحن نرى فلسطين بكامل حدودها التاريخية تتهود وتزرع بالمستوطنات، ولم نر من يقف ليطلق صرخة قويه في وجه الظلم التاريخي الذي يلحق بالشعب الفلسطيني وقدس الأقداس كما أطلق الإمام الخميني (رض)،حيث لم نسمع من قادة الدول العربية سوى الاستنكار والإدانة والتطبيع السياسي والهرولة إلى الولايات المتحدة للمتاجرة بالأرض الفلسطينية.

القدس تضيع، وكيري يجمع المفاوضين دون أن يعني ذلك أنها ستمهد عملياً لحلول، ولو أولية حولها، فهو يواجه حكومة عنصرية تضم عتاة المتطرفين والرافضين لمجرد (الحلول الوسط) على علاتها ونواقصها، ويرفض تيار واسع فيها مجرد الحديث عن مبدأ حل الدولتين وفق المفهوم الإسرائيلي أيضاً،(أي عدم العودة إلى حدود عام ،1967 وشطب حق العودة، ورفض مطلق للقدس الشرقية بوصفها عاصمة للدولة الفلسطينية.. إلخ من الشروط الإسرائيلية- الأمريكية - الصهيونية).. وهي بمجموعها مسائل تشكل صعوبة تاريخية كبرى للمفاوض الفلسطيني.

أخيراً فإننا نؤكد على ضرورة استنهاض الهمم باتجاه القدس، والحذر من الأخطار المحدقة التي تتعرض لها، وقرع ناقوس الخطر اتجاه ما تتعرض له القدس وفلسطين، حيث هدم البيوت وتكثيف الاستيطان في الضفة الفلسطينية، وتحويلها إلى السجن الكبير بالجدار، واستهداف المقدسيين على كل المستويات، إضافة إلى الحفريات، والتهجير للفلسطينيين مقابل سياسة الجذب للمستوطنين، وسحب هويات المقدسيين ومحاولات إبعاد الشخصيات الدينية والوطنية عن القدس، والقيام بتجريف عدد من مقابر المسلمين والمتاحف والبيوت والمحلات التجارية والحدائق والعمل على تغيير معالم البلدة القديمة والمدينة المقدسة بكاملها في مسعى لتفريغ المقدسيين الأحياء والأموات منها من أجل تنفيذ سياسة الاحتلال الرامية لتهويد القدس.

اعلى الصفحة