الحروب بين الحاضر والمستقبل

السنة الثانية عشر ـ العدد141 ـ (شوال ـ ذو القعدة 1434  هـ ) أيلول ـ 2013 م)

بقلم: الدكتور الشيخ علي ناصر(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

إنَّ أكثر ما يستفزُّ الإنسان في هذا العصر هو فكرة وجود أسلحة في عالمنا المعاصر يمكن للإنسان من خلالها أن يقتل أخاه الإنسان بهذا الشكل المُرَوِّع، بل إن خطرها يهدِّد الحياة في كوكب الأرض، سواء على مستوى الإنسان، أو النبات، أو الحيوان، أو الماء، أو الهواء، فأسلحة الدمار الشامل، ولاسيما السلاح النووي تشكل أقوى وأخطر الأسلحة على وجه الكرة الأرضية.

لذلك فإن الأصل لا شك في أن القرن العشرين حمل في طياته جوانب مشرقة كالتقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي، وجوانب مظلمة مثل الحربين العالميتين وتطور الأسلحة الكيميائية والنووية(1). والواقع أن احتمال وقوع حرب تُستخدم فيها أسلحة دمار شامل، ولاسيما الأسلحة النووية، هو احتمال يعتدُّ به، فأسلحة الدمار الشامل موجودة على الكرة الأرضية، ومتوفرة لدى العديد من الدول المتصارعة كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والهند وباكستان من جهة أخرى. أضف إلى ذلك أنه تم استخدام هذه الأسلحة فعلياً في حروب عديدة. والفكر الإسلامي، والإنساني، يقضي بمواجهة إنتاج، وانتشار، واستعمال، هذا النوع من الأسلحة.

البند الأول- تعريف السلاح وتطوره تاريخياً

بدايةً لا بد من تعريف السلاح لغةً واصطلاحاً، وبيان كيفية وخطورة تطور الأسلحة والحروب في العالم، ولاسيما أسلحة الدمار الشامل، وأنواعها، ونتائج استعمالها:

1- السلاح لغةً: الجذر اللغوي لكلمة السلاح هو سلح: السلاح مذكر، لأنه يجمع على أسلحة.. ويجوز تأنيثه.. وتسلح الرجل: لبس السلاح، ورجل سالح: معه سلاح، والمسلحة: قوم ذوو سلاح(2). وقد ورد أيضاً: سلح: السلاح بالكسر، والسلحان بالضم: آلة الحرب، وفي المصباح: ما يقاتل به في الحرب ويدافع، أو حديدها، أي ما كان من الحديد.. ربما خص به "السيف والرمح".. والعصا تسمى سلاحاً.. والمسلحة: مثل "الثغر" والمرقب، وجمعه المسالح، وهي مواضع المخافة.. والمسلحة أيضاً: "القوم ذوو سلاح" في عدة، بموضع رصد، قد وكلوا به بإزاء ثغر.. يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له. وقال ابن شميل: مسلحة الجند: خطاطيف لهم بين أيديهم، ينفضون لهم الطريق، ويتجسسون خبر العدو، ويعلمون علمهم، لئلا يهجم عليهم، ولا يدعون واحداً من العدو يدخل عليهم بلاد المسلمين، وإن جاء جيش أنذروا المسلمين(3).

2- السلاح اصطلاحاً: هو الآلة التي يستعين بها الإنسان للدفاع عن نفسه في وجه حيوان مفترس، أو في وجه عدو يريد قتله، أو الاعتداء على عرضه، أو ماله، أو شعبه وبلده، أو للهجوم على شخص ما، أو مجموعة ما. وقد تُستعمل كلمة السلاح مجازاً في أمور عديدة: فيُقال الدعاء سلاح المؤمن، كما يُقال سلاح الدعاية والإعلام، وسلاح المنطق والحجة، وسلاح الكذب، وسلاح البيان، وسلاح التكفير في وجه من لم ينتمِ إليهم.

3- أسلحة الدمار الشامل: كانت الأسلحة الفردية قديماً عبارة عن الحجر، والخنجر، والسيف، والرمح، والسهم. واستعملت أسلحة قد نستطيع أن نطلق عليها اسم: "أسلحة الدمار الشامل القديمة"، التي تقضي على البشر بشكل جماعي، كتسميم المياه، واستعمال المنجنيق، وإلقاء الأفاعي والعقارب في المنازل والقرى، وإحراق المنازل والمزروعات. أما في عصرنا الراهن فيُعَرَّف سلاح الدمار الشامل بأنه أي سلاح:

أ- ذري: أي السلاح النووي. إنه أخطر أسلحة الدمار الشامل، وأشدها تدميراً وفتكاً. وتُوَلِّد الأسلحة النووية قدراً هائلاً من الطاقة المتفجرة، التي تنجم عن التغيرات التي تقع في تركيب نواة المواد المُشعَّة. وتُسبِّب الأسلحة النووية خسائر كارثية، بداية بسبب درجات الحرارة العالية والصدمات الأرضية التي تسببها، وبعد ذلك بسبب الإشعاع الذي يمتد أثره لسنوات كثيرة. فالأسلحة النووية قادرة على تدمير مدن بأكملها عن بكرة أبيها وقتل وجرح الملايين من البشر. ونشير في هذا الصدد إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الأسلحة الذرية هي:

1. القنبلة الذرية وفكرتها تعتمد على انشطار اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239 دون الاستعانة بالنيوترونات لبدء التفاعل المتسلسل.

2. القنبلة الهيدروجينية التي يزيد انفجارها على انفجار القنبلة الذرية الانشطارية من مائة إلى ألف مرة.

3. القنبلة النيوترونية، حيث أن معظم مفعولها يكون على شكل أشعة نيوترونية تخترق الأجسام الحية، وتؤدي إلى قتلها في الحال، بينما لا تؤثر في المنشآت بشكل يذكر، وذلك على العكس من الأنواع الأخرى(4).

ب- أو بيولوجي: (Biological Weapons) أي السلاح البكتيريولوجي. وترجع خطورتها إلى أنها تستخدم الجراثيم، أو سمومها، في المعارك. والجراثيم هي كائنات حية صغيرة لا ترى بالعين المجردة، وإنما بالمنظار المُكَبِّر، ومن أمثلتها: البكتريا، والفطريات، وهي تسبب كثيراً من الأمراض الخطيرة كالطاعون، والحمى الخبيثة، والكوليرا. والكثير من الأمراض الناجمة عنها تؤدي إلى الوفاة في غضون أيام قليلة. وقد زادت التطورات الحادثة في علم الهندسة الوراثية من الخطر الماثل بهذه الأسلحة، حيث أصبح من الممكن تطويرها وتعديلها بحيث تصبح أكثر فتكاً وقدرةً على البقاء والتكاثر. أما على مستوى الخواص الحربية للأسلحة البيولوجية فيمكن تلخيصها بالآتي: القدرة على الانتشار على مساحات شاسعة، وفقدان التحذير (يمكن أن تنتشر مع الريح)، والتأثير المتأخر (تحتاج الجراثيم إلى وقت حضانة في الجسم كي تسبب المرض)، والقدرة على اختراق الإنشاءات من دون تدميرها (يمكن استعمالها لاحقاً)، التأثيرات المرحلية (إعاقة، وشلل مؤقت، وتشوُّه، وموت). ولقد عرَّفت نشرة الجيش الأمريكي الحولية عام 1956م، الأسلحة الحيوية (البيولوجية) على هذا النحو: "استخدام عسكري للكائنات الحية، أو منتجاتها السامة لتسبب الموت، أو العجز، أو التدمير، للإنسان، أو لحيواناته الأليفة، ونباتاته، وهي ليست قاصرة عن استخدام البكتيريا، بل تشمل أيضاً استخدام كائنات دقيقة أخرى، ونباتات، وأنواع أخرى من الأحياء كالحشرات"(5).

ج- أو كيماوي: وهي غازات حربية، سامة، وحارقة. قد تكون غازية، أو سائلة سريعة التبخر، ونادراً ما تكون صلبة. وهي تُستعمل في الحروب لغرض قتل أو تعطيل الإنسان، أو الحيوان. وتقسم الغازات الحربية إلى: غازات سامة قاتلة، وغازات شل القدرة، وغازات الإزعاج، والغازات الخانقة، والغازات الكاوية، والغازات المُقَيِّئَة، والغازات المسيلة للدموع، وغازات شل القدرة أو الغازات النفسية، وغازات غير مستمرة (يستمر مفعولها لبضع دقائق)، وغازات مستمرة (يستمر مفعولها من 12 ساعة إلى عدة أيام)، وغازات سريعة التأثير (كغازات الأعصاب)، وغازات ذات تأثير مؤجل (كالغازات الخانقة)(6).

وتُسَهِّل التقنيات الحديثة جعل هذه الأسلحة متاحة لعدد من الدول أكثر بكثير من ذي قبل، كما تزيد من قدرتها على إيقاع خسائر أكبر بالأرواح. وقد طُوِّرَت هذه الأسلحة بشكل كبير، وزادت إمكاناتها التدميرية، وقدراتها على الفتك بالكائنات الحية(7). كما زاد عدد الدول المنتجة لها، وتطورت أساليب استخدامها، والمعدات المستخدمة في إطلاقها، أو قذفها. فمن الممكن إطلاق أسلحة الدمار الشامل باستخدام الصواريخ الباليستية، أو صواريخ كروز، أو الطائرات، أو المدفعية، أو المركبات الأرضية. وأصبحت أسلحة الدمار الشامل، بأنواعها المختلفة، تثير جدلاً شديداً بين مؤيد، ومعارض، لإنتاجها، واستخدامها، ولاسيما أنها استخدمت منذ بدايات هذا القرن.

وعلى الرغم من المعاهدات الدولية إلا أنها أصبحت أكثر انتشاراً من ذي قبل، وتَيَسَّر الحصول عليها. وأثَّرت تلك الأسلحة في السياسة العالمية والإقليمية منذ أن ظهرت في بداية القرن العشرين، فلم تحظَ قضية من القضايا بهذا القدر من الاهتمام مثلما حظيت قضية أسلحة الدمار الشامل، وهي ما زالت تستخدم في الحروب المعاصرة للتأثير على مسرح العمليات، سواء على المستوى الإقليمي أو المحلي. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أنه تم غزو العراق من قبل القوات الأنجلو- أمريكية تحت زعم امتلاكه لهذه الأسلحة، وتُهَدَّد بسببه حالياً إيران، وكوريا الشمالية.

البند الثاني-الحروب العالمية

أولاً- الحرب العالمية الأولى:

لقد ظهرت في القرن العشرين أنواع أخرى من الأسلحة، أكثر تطوراً وتعقيداً من سابقاتها. وقد أطلق على الحرب العالمية الأولى بحق اسم الحرب الكبرى، وكان من أهم أسبابها "التنافس الاستعماري"، حيث عرف القرن التاسع عشر بقرن الاستعمار. فقد سعت الدول الصناعية الكبرى خلاله إلى مزيد من المستعمرات للحصول على المواد الأولية، والأيدي العاملة، والأسواق الاستهلاكية لمنتجاتها، فنشأ بينها سباق محموم للتسلح. وأدت هذه الحرب على الصعيد السياسي إلى تغيير جذري في خريطة أوروبا السياسية. أما الوطن العربي فتخلص من السيطرة التركية ليقع في قبضة الاستعمار الأوروبي، أو الانتداب. وكادت الشعوب المستضعفة تأمل خيراً بإعلان مبادئ الرئيس الأمريكي ولسون، وبتأسيس عصبة الأمم(8)، غير أن مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام 1919م أعطى الدول المنتصرة مكاسب استعمارية جديدة(9).

كما أسفرت الحرب العالمية الأولى عن وقوع ملايين القتلى والجرحى، عدا الدمار الهائل الذي حل بالأبنية والتجمعات السكنية، والتلف الذي حلَّ بالأراضي الزراعية، ووقع الإنسان في الفخ الذي نصبه لأخيه الإنسان، فبدل أن يتحسن اقتصاد الدول المستعمرة المتنافسة على الموارد البشرية والمادية والمعنوية، والمتسابقة فيما بينها للوصول إلى الثروة في أسرع وقت ممكن، غرق الجميع في حرب قتلت البشر، ودمرت الحجر، وأفشلت الخطط، وأدت إلى انهيار الاقتصاد. كما تم في هذه الحرب أول استعمال للأسلحة الكيميائية المتطورة على نطاق واسع في القارة الأوروبية. وما يجدر الإشارة إليه أن ألمانيا كانت أول دولة تجرأت على استعمال القنابل المحشوة بالمواد الكيميائية القاتلة، في حربها ضد جيوش الدول الحليفة سنة 1915م، فقصفت جنود أعدائها على الحدود الفرنسية البلجيكية بقذائف "الكلورين". فانتشرت غيوم الموت على مساحات شاسعة قضت على كل أشكال الحياة فيها من بشر وحيوانات ونبات. ثم كررت ألمانيا استعمال الأسلحة الكيميائية سنة 1916م على الجبهة الروسية، فحصلت فيها مآس فظيعة من قتل، وخنق، وتشويه، وقضت أيضاً على الثروات الحيوانية والحرجية. فما كان من الدول الحليفة إلا أن ردَّت على القصف الكيماوي بمثله، فضربت الجيش الألماني على كل الجبهات بغاز الخردل، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الجنود الذين أصيبوا بالعمى، والاختناق، والتدرُّن الرئوي، والالتهابات الجلدية، وأخيراً الموت. وفي 19-12-1915م، استعمل الألمان غاز الفوسجين لأول مرة ضد القوات البريطانية، وكان يخترق حتى الأقنعة الواقية. فابتكر الحلفاء أقنعة للوقاية من هذا الغاز الجديد، فما كان من الألمان إلا أن طوروا غازاً ثالثاً هو "ثاني فنيل كلوراسين" الذي يسبب التقيؤ، يطلقونه مع غاز الفوسجين، فيضطر الأعداء لرفع كماماتهم للتقيؤ، ويصابون بالفوسجين القاتل. وفي شهر آب من سنة 1916م طوَّر الروس غاز "كلوربكرين" الخارق للأقنعة، وفي 12-7-1917م استعمل الألمان لأول مرة غاز الخردل، وحصدوا ألوف القتلى من الحلفاء(10).

ثانياً- الحرب العالمية الثانية:

إن استخدام الأسلحة الكيميائية في هذه الحرب كان شبه معدوم على الرغم من توفرها بكثرة لدى ألمانيا النازية، بسبب تهديد الحلفاء لهتلر بأن لديهم القدرة على ردِّ الصاعِ صاعين وبشكل فوري، وقد أثبتوا ذلك في الحرب العالمية الأولى. ولكن مفاجأة العالم وذروة مآسيه تمثلت بقصف الولايات المتحدة الأمريكية لليابان بالسلاح النووي عبر إلقاء قنبلة على مدينة هيروشيما (بتاريخ 6-8-1945م) وأخرى على مدينة ناجازاكي (بتاريخ 9-8-1945م). وهكذا فلم يمنع هولُ الكارثة الأولى والمفاجأة الكبرى التي صدمت العالم، الولايات المتحدة الأمريكية من تكرار عملها الوحشي بعد ثلاثة أيام بحجة إجبار اليابان على الاستسلام بدون شروط. لقد قتل نتيجة إلقاء القنبلتين زهاء 300.000 شخص جراء التأثيرات الإشعاعية الناجمة عن الانفجارين. وكان معظم الضحايا من المدنيين. وقد استمرت التأثيرات الإشعاعية للقنبلتين النوويتين، لسنوات بعد الحادثة. وقد عانى اليابانيون الذين تعرضوا للإشعاعات النووية من الموت، أو من الأمراض التي أصابت كل حواسهم، وانتقلت بعدهم إلى أولادهم، وإلى أحفادهم. وبعد أسبوع واحد من إلقاء القنبلتين أعلنت اليابان استسلامها بدون قيود أو شروط(11).

ويبرِّر بعضهم ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أنه كان ضرورياً لإيقاف الحرب العالمية الثانية بسرعة، والحيلولة دون إراقة المزيد من الدماء!! بينما يرى آخرون بأن استعمال القوة كان مبالغاً فيه. ونحن نتساءل: كيف يمكن تبرير قتل مئات الآلاف من الأبرياء للضغط على الحكومة اليابانية كي تستسلم؟ ثم إن قبول هذا المنطق يعني تبرير استعمال السلاح النووي من قِبل دولة معتدية قوية ضد دولة معتدى عليها وضعيفة، فنعيش في عالم تسوده شريعة أسوأ من شريعة الغاب، لأنها تشكل خطراً على البشرية جمعاء. ويمكننا ملاحظة أن مدة النزاع، وعدد القتلى، قد زادا في الحرب العالمية الثانية، من خلال إجراء مقارنة رقمية بين الحربين العالميتين كالآتي(12):

النزاع

مدة النزاع

أعداد القتلى

نسبة الضحايا من المدنيين

الحرب العالمية الأولى

1914-1918م

26,000,000

50%

الحرب العالمية الثانية

1939-1945م

53,547,000

60%

البند الثالث-الحروب المستقبلية

أولاً- أساليب القتال في حروب المستقبل:

تدل الدراسات على أن أساليب القتال في حروب المستقبل ستركز على العنصر التقني، بدل العنصر البشري، ويشمل ذلك الحصول على المعلومات الالكترونية الملتقطة لاسلكياً من الجو بواسطة الطائرات الكبيرة المجهزة بأنظمة الإنذار المبكر والمراقبة والاستطلاع، ومن الفضاء بواسطة الأقمار الصناعية. إن دقة الأسلحة وقدرتها على اكتشاف العدو وإفنائه، توحي بأن فكرة الاشتباك عن قرب ستتلاشى وتختفي، حيث تقوم القاذفات بعيدة المدى كمقاتلات الشبح، والقنابل الموجهة باللايزر، بتدمير الدفاعات الجوية والبنى التحتية الأساسية للعدو. كما يمكن أن تحل في أرض المعركة شبكات الألغام الذكية، والطائرات التي تعمل من دون طيارين، محل القدرات والمدرعات الكثيفة(13).

ولا شك أن حروب المستقبل ستعتمد أكثر على تقنيات الحاسوب وعالم البرمجيات. وقد شرع خبراء السياسات، وصفوة التقنيين، ومقاولو وزارة الدفاع الأمريكية، بدراسة مجموعة من التهديدات المحتملة بدءاً من قوة عظمى تبرز فجأة إلى الوجود، ومروراً بقوة محلية إقليمية تبدل تكتيكاتها بطريقة دراماتيكية، وانتهاءً بمرتزقة التطفل الحاسوبي الذين قد يتسببون في انهيار البنوك وأسواق المال والأسلحة المتطورة، بفيروسات الحواسيب والبرمجيات(14).

وتمثل الأقمار الصناعية العيون التي يرى بها قادة الجيوش، فهي توفر لهم المعلومات التي تساعدهم على التنبؤ بمسار الأمور ومصيرها، والتخطيط لمواجهة تحديات المستقبل والتحكم به. ولا يخفى على أحد أن الأقمار الصناعية أحدثت ثورة في عالم جمع المعلومات عبر المراقبة، والتجسس، والتعقب الأرضي، وتحديد الطرق والأماكن والمواقع، وتطوير آلات التقاط الصور. كما ساهمت في تطوير الصواريخ والقنابل الذكية، ومستوى سرعتها ودقتها. أضف إلى ذلك أنها أعطت القيادات العسكرية قدرة أكبر على إدارة الحروب البرية، والجوية، والبحرية، وفي التقلبات الجوية والمناخية.

وبحسب رؤية أحد الباحثين: "إن إطلاق القمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك عام 1957م، ثم القمر الصناعي الأمريكي إكسبلورر في الشهر الأول من العام 1958م، لم يقلاَّ أهمية من حيث الثقل العسكري الاستراتيجي عن تفجير القنبلتين النوويتين الأمريكية عام 1945م ثم الروسية عام 1949م"(15).

لذا أصبحت حماية الأقمار الصناعية في الفضاء تشكل أولوية في أية حرب محتملة قادمة. لقد افتتح الصاروخان الصيني والأمريكي اللذان دمَّر كل منهما قمراً صناعياً في الفضاء، باب السمة الثانية للسباق الاستراتيجي الصاروخي، ما يجعل المرحلة القادمة سباقاً بين تدمير الأقمار الصناعية والدفاع عنها، أو عدم السماح بتدميرها كلها من خلال إيجاد بدائل لها(16).

ثانياً- احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة:

إن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة في الوقت الحاضر قد يبدو ضعيفاً، إلا أنه يبقى ممكناً ويجب وضعه في الحسبان، وبالتالي يستحق الدراسة عن قرب، فالواقع المأساوي الذي ينجم عن الحرب كظاهرة اجتماعية، هو أن بني البشر قد بلغوا في الوقت الراهن درجة من التقدم التكنولوجي جعلتهم لأول مرة في تاريخ الإنسانية قادرين على قتل أنفسهم بأنفسهم.

ومن الشواهد على احتمال استعمال أسلحة دمار شامل في أية حرب جديدة، الحرب التي شنها النظام العراقي على إيران في شهر أيلول سنة 1980م، مدعوماً من قبل بعض الدول الغربية والعربية. وقد استعملت حكومة الرئيس صدام حسين الغازات السامة ضد القرى والمدن الإيرانية، وألقت بقنابلها السامة على الشعب الكردي العراقي، فقامت بغارات جوية على مدينة حلبجة وغيرها من مدن كردستان العراقية في محافظة السليمانية، وحصدت في يوم واحد (18-3-1988م) سبعة آلاف قتيل وخمسة آلاف مُشَوَّه(17).

ومن الشواهد أيضاً، التهديدات التي تطلقها "إسرائيل" بين الحين والآخر. وكلنا يعرف أنه لا يمكن أخذ الأمان من دولة "إسرائيل"، ذات القدرات النووية، فقد قام هذا الكيان على الغدر، والاغتصاب، وارتكاب المجازر، والتدمير، في صراعه مع العرب، ولاسيما الشعب في فلسطين.

وها هي اليوم تنفق مليارات الشواكل لبناء "ملجأ يوم الحساب"، أو كما يُطلق عليه باللغة العبرية "يوم هدين"، وهو المصطلح الذي تطلقه "إسرائيل" على اليوم الذي تتعرض فيه لهجوم بالسلاح الذري، أو تقوم هي باستخدامه ضد طرف عربي، أو إسلامي.

واستعداداً لهذا اليوم فقد قررت "إسرائيل" توفير بيئة آمنة تسمح لقيادتها السياسية وكبار القيادات العسكرية بالعمل بشكل طبيعي في حال تعرضت لهجوم نووي، وذلك عبر بناء ملجأ، على عمق 2 كلم من سطح الأرض، مضاد للأسلحة النووية يُستخدم كمقر اجتماع للحكومة، ويؤوي الوزراء والنواب وكبار قادة الدولة. وقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت "الإسرائيلية" عن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت الذي زار الملجأ مؤخراً قوله: "يبدو هذا كنهاية العالم، مثل هذه الأمور لا تُرى إلا في الأفلام وفي التلفزيون. في هذا المكان يتجولون بإحساس من الرهبة. من هنا ستُدار دولة مشتعلة".

وقد وُلدت فكرة الملجأ في عهد حكومة باراك في العام 2000م، وبدأ العمل بهذا الملجأ في العام 2006م، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه في العام 2011م. وأدى الكشف عن إقامة هذا الحصن النووي إلى ردة فعل غاضبة لدى وسائل الإعلام والرأي العام الصهيوني، التي ترى أن قيادتها قد خانتها، وأن كل ما يعنيها تأمين نفسها وضمان عدم المساس بها في الوقت الذي يتعرض فيه الكيان للقصف بسلاح نووي. من جهة أخرى وجَّه الجنرال (رؤفين بيدهستور) رئيس هيئة أركان سلاح الجو الصهيوني سابقاً انتقادات حادة لفكرة إقامة الملاجئ النووية التي أثبتت فشلها في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها غير عملية، إلى جانب أنها مرهقة اقتصادياً، وأمنياً، ونفسياً، وأن إبقاء الناس داخل الملاجئ مدة أربعة أشهر متواصلة أمر مستحيل. وتساءل: ماذا لو حدث الهجوم بشكل مفاجئ وبدون إنذار؟ وعليه يجب القضاء على هذه الخطة في مهدها قبل أن تُعرض على الحكومة كأنها الإمكانية الوحيدة للدفاع عن النفس في وجه التهديد الذري الإيراني(18).

ثالثاً- كارثة الحرب العالمية الثالثة:

أثبتت الدراسات والإحصاءات أنه إذا ما نشبت الحرب العالمية الثالثة، فإن الإنسانية قد تواجه كارثة، هذه بعض مظاهرها:

1- يُباد خلال ساعات قليلة أكثر من مائتي مليون إنسان.

2- يُقتل مئات الملايين من الحيوانات.

3- تَزول النباتات من مساحات واسعة.

4- يَغزو البحر أراضي واسعة بسبب تلاطم الأمواج الناتجة، بصورة اصطناعية، عن الانفجاريات النووية، ويغرق أناس كثيرون جراء ذلك.

5- تَلتهم الحرائق مدناً بأكملها.

6- تُهدد الغيوم الإشعاعية حياة الأحياء، وتترك فيهم آثاراً لا يمكن التنبؤ بها، ولاسيما على مستوى الأمراض الوراثية.

7- يَنتشر الجوع.

8- تَنتشر الأوبئة بواسطة الجراثيم التي تلقيها الصواريخ والأقمار الصناعية.

9- تَتغير عوامل المناخ(19).

وأخيراً فإن سعي الدول لامتلاك أسلحة نووية سيزيد من احتمالات حدوث حرب نووية إقليمية، ما يزيد بدوره من احتمال حدوث كارثة عالمية. لقد تركز القلق حول خطر نشوب حرب نووية على علاقة الولايات المتحدة بروسيا، بيد أن هذا الخطر لا يزال قائماً، إذ يمكن أن يؤدي الصراع بين الهند وباكستان مثلاً إلى حرب نووية إقليمية تحجب أشعة الشمس وتجوِّع الكثير من البشر. والواقع أن أية حرب نووية إقليمية ستتسبب بمعاناة عالمية، حيث أن إسقاط قنابل نووية على المدن والمناطق الصناعية سيؤدي إلى اندلاع عواصف نارية وحرائق ضخمة، وهذه بدورها ستؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الدخان إلى طبقات الجو العليا. إن جزيئات الدخان هذه ستظل عالقة في الغلاف الجوي لسنوات طويلة، حاجبة بذلك أشعة الشمس، فيصبح سطح الأرض بارداً ومظلماً وجافاً، ما سيؤدي إلى انهيار الإنتاج الزراعي العالمي، وحدوث مجاعة جماعية على مستوى العالم، وهو ما يسمى بظاهرة "التبريد العالمي" أو "الشتاء النووي"(20).

باحث في الشريعة والقانون الدولي(*)

هوامش

(1) أوضاع العالم، تقرير معهد ويرلدوتش حول التقدم نحو مجتمع قابل للبقاء 1999م، المحرر العام: ليستر بار. براون، ترجمة: فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية – عمان، 2001م، ص: 27-29.

(2) الجوهري، أبو العباس، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط4، بيروت- لبنان، دار العلم للملايين، 1407هـ، مادة سَلَحَ، ج1، ص: 375-376.

(3) الزبيدي، تاج العروس، تحقيق: علي شيري، لا.ط، بيروت- لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هـ-1994م، مادة سَلَحَ، ج 4، ص: 92-94.

(4) راجع:  www.ar.wikipedia.org

(5) راجع المواقع الآتية:

 www.ar.wikipedia.org

www.moqatel.com/openshare/Behoth/Askria6/AslhaDamar/sec06.doc_cvt.htm

(6) للمزيد من المعلومات يمكن مراجعة موسوعة ويكيبيديا: www.ar.wikipedia.org

(7) تعتبر أسلحة الدمار الشامل أشد فتكاً وأعظم تأثيراً في مسرح الحرب، سواء على مستوى القوات المتحاربة، أو المدنيين.

(8) عصبة الأمم منظمة دولية تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى، والهدف من إنشائها هو التقليل من عملية التسلح العالمية، وفك النزاعات قبل أن تتطور لتصبح نزاعاً مسلحاً، كما حدث في الحرب العالمية الأولى، وأثبتت المؤسسة فشلها في منع وقوع  الحرب العالمية الثانية، ما تطلب استبدالها بهيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. راجع: ar.wikipedia.org.www

(9) www.7oob.net/vb/t86327.htmlhttp

(10) الغريِّب، محمد ميشال، جرائم الحروب الكيميائية، ط1، بيروت- لبنان، دار الروضة، 1410هـ-1989م، ص: 55-58.

(11) المرجع نفسه، ص: 87-89.

(12) (Calculated from Ruth Leger Sivard,World military and social Expenditures 1991 (Washington ,DC:World Priorities1991)

(13) ستكس .G، القتال في حروب المستقبل، مجلة العلوم، المجلد 12- العدد 2- فبراير/شباط 1996م، ص: 57.

(14) المرجع نفسه، ص: 55.

(15) شفيق، منير، الإستراتيجية والتكتيك في فن علم الحرب-من السيف والدروع إلى الصاروخ والأنفاق، ط1، بيروت-لبنان، الدار العربية للعلوم ناشرون، 1429هـ-2008م، ص: 90.

(16) المرجع نفسه، ص: 96.

(17) الغريِّب، محمد ميشال، جرائم الحروب الكيميائية، مرجع سابق، ص: 12.

(18) راجع: فلسطين المسلمة، العدد العاشر، تشرين الأول 2007م، ص: 17.

(19) فرنر، فيكتور، الحرب العالمية الثالثة- الخوف الكبير، ترجمه عن الفرنسية: د. هيثم كيلاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1988م، ص: 5-6.

(20) روبوك .A، وتوون .O.B، حرب نووية إقليمية والمعاناة عالمية، مجلة العلوم، المجلد 26، العددان 5/6، مايو/يونيو 2010، ص: 42-48.

اعلى الصفحة