الوحدة ديننا

السنة الثانية عشر ـ العدد 137 ـ ( جمادى الثانية ـ رجب 1434  هـ ) أيار ـ 2013 م)

بقلم: الشيخ سليم اللبابيدي(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

اشتهر الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام بخصال إذا ذكرت ذكروا بها فإذا ذكرنا الصبر ذكر نبي الله أيوب وإذا ذكر الحسن والجمال ذكر نبي الله يوسف وإذا ذكر علم الكائنات ذكر نبي الله سليمان وإذا ذكر السحر ذكر نبي الله موسى وإذا ذكر الطب ذكر نبي الله عيسى وإذا جمعت جميع الخصال ذكر نبي الله محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام لأنه جُمعت فيه خصال الخير كلها وإذا ذكر نبي الله هارون أخو موسى عليهم وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام.

يتساءل كثير من الناس ما هي خصلة هذا النبي الكريم فنذكر أنه اشتهر بخصلة الوحدة وتركه للفرقة حتى ولو على حساب دينه بالظاهر التي لا يفقه الكثير، فحين غاب نبي الله موسى لتلقي الألواح عبدت بنو إسرائيل عجل السامري وفتنت به وقد نهاهم نبي الله هارون عن هذا الشرك ولكن لم يسمعوا له وكان بإمكانه أن يحاربهم ويشق الصف لهؤلاء القوم ولكن فضل الوحدة في تلك الفترة ولم يفرق بني إسرائيل وحين نهره أخوه وأخذ برأسه ولحيته بأنه إنما أراد وحدة الأمة، ولم نجد موسى عليه السلام وعلى نبينا الصلاة والسلام رفض هذا التبرير بل ولم نجد في كتاب الله أي ملومة على هذا التصرف.

فالوحدة هي دين هارون عليه السلام في تلك الفتنة وهي مسيرة نبينا عليه وآله الصلاة والسلام في كل حياته ومنهجه وهذا ما يجب على ورثة الأنبياء العلماء أن يدينوا به ويبذلوا من أجل ذلك كل الجهد من أنفسهم خاصة، وأن يطالبوا غيرهم بذلك بشكل أعم وهو من أولويات العمل في سبيل الله ولا يقوم دين الله إلا بذلك العمل وأن تكون الوحدة هي دين ومنهج ومطلب ومسعى جميع العلماء في كل تفاصيل دعوتهم ومنهجهم لأنها سنة نبيهم والأنبياء ومن رغب عنها أو تهاون بجهد العمل فيها فليس على المنهج الشرعي بشيء.

ذكرت هذه المقدمة لأني وجدت بعض العلماء الذين احترم يتهاون أو يخالف هذا المنهج بشكل أو بآخر فأما أن يخفف من جهد من يقوم بهذا التكليف الوحدوي وأما أن يعتبره دعوة إضلال للناس يراد بها مآرب أخرى ودون أن يطرح بديله للعمل الوحدوي وقد وجدت أصحاب هذه الدعوة لا يصح أن لا يُلفت نظرهم لخطورة دعوتهم مع احترامي الشديد لشخوصهم (وأنا أقلهم علماً ومكانة) ولكن حسبي بذلك أني هدهد سليمان وقد أحطت بما لم يمارسوه.

بداية يشرفني أن أقول إني وفقني الله عز وجل أن هداني للعمل الإسلامي بالطريق الوحدوي منذ بداية عملي الدعوي أي منذ أكثر من أربعين عاماً وكان معي هؤلاء الإخوة الذين أصبحوا بعد ذلك من العلماء بنفس المنهج وبنفس الحرص على الدعوة إلى الله عز وجل ودينه الشريف بطريق الوحدة، كنا في جامعاتنا وأحيائنا ومساجدنا نمارس الدعوة بداية لنقل ودعوة الناس بين الدين واللادين حينما كانت العلمانية والقومية واليسار هي المنتشرة على الحالة الفكرية عامة، ثم بعد انتصار الثورة الإسلامية وبداية الفتن التفريقية انتقلنا إلى الدعوة الوحدوية لأنها الطريق والمنهج الصحيح للإسلام ولا يُظن كانت سهلة بل لقد تعرضنا لحرب إبادة من أجل العمل الوحدوي وفصلنا من أعمالنا ومنعنا من مساجدنا ومدارسنا ومجال دعوتنا حتى وصل الأمر إلى حرماني جنسيتي لأنني انتمي إلى هذا الخط الوحدوي ولا نمن على أحد إنما نريد أن يكون عملنا خالصاً لله عز وجل. ولكن حين أجد أن أحد الإخوة العلماء يقول: (بأن حركات التقريب بين المذاهب لا تعدو أن تكون مجرد مناسبات للقاء وتبادل الصور التذكارية مع شيء من الراحة النفسية التي تعكس على روحية الجماهير)، هذا الكلام تحدث أحد السادة العلماء في حوار خاص مع موقع الخط الرسالي بالمغرب ونشر في وسائل الإعلام في لبنان وسماحته رجل نحب ونحترم لكن هذا الكلام جعلني أشك بمعرفته الحقيقية لسيرة والده وأسرته الكريمة (وهم مراجع وحدوية) بل ومعرفته بعمل الخط الوحدوي وخصوصاً في تجمع العلماء المسلمين السنة والشيعة في لبنان الذي لا يبعد عنه أكثر من خطوات.

هل جهد أكثر من أربعين عاماً ومحاربة الفتن ودعوة وحدوية كلفته الشهداء والإصابات والاعتقالات كانت للتصوير، وهل نحن في هذه المرحلة بالذات بحاجة منه لهذا الكلام الذي يهمش بل ويلغي تراث عمل إسلامي كنا نتوقع مثل هذا الكلام من غير هذا البيت المنسوب لقائد الوحدة رسول الله(ص)، وإن كنت تدعي الواقعية أو وصف واقع أو تمني غير ذلك فلا تبخس الناس أشياءهم.

وفي نفس الفترة أجد كثيراً من الفضائيات التي تدعو إلى الفتن والتفرقة وأني أجد أن هنالك كثيراً من علماء السنة يحاربون العلماء السنة الذين يدعون للوحدة الإسلامية، ويصل الأمر إلى التكفير والتهديد. وأيضاً كثير من علماء الشيعة  يحاربون العلماء الشيعة الذين يدعون إلى الوحدة الإسلامية، وأيضاً يصل الأمر إلى تكفيرهم بل وإخراج المظاهرات ضدهم فالفتنة هي عندهم أولى من الوحدة، وقد سمعت على فضائية الرسالة الإسلامية ببرنامج لأحد الدعاة الذين أيضاً أحب وأحترم وهو الشيخ د. عبد الله م. وهو يجيب عن سؤال عن دعاة الوحدة الإسلامية فيقلب الإجابة للتهجم على هذا الخط وأن الشيعة نختلف معهم في الأصول ويطرح خمسة أمور يعتبرها مانعة للعمل الوحدوي وأنها من الأصول بل ويقول إنه أشد سوء من اليهود والنصارى، ويطرح هذه الأمور الخمسة وبدل من أن يتحرى العلم يثير الجهل ويضلل الناس والعامة وسوف أجيب على هذه الأمور علماً أني سني حنفي المذهب ولكن هذا لا يمنعني من أن أكون مسلماً والوحدة ديني وهذه الأمور التي طرحها هي:

1-     القرآن.

2-     الصحابة.

3-     العصمة.

4-     السنة.

5-     التقية.

وقبل أن أرد بأدب الهدهد لسليمان عليه السلام أود أن أوضح أن هناك منطلقاً لدى السنة مختلف عن الشيعة في مسألة التقليد فنحن كمذهب أهل السنة نقلد الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، والشافعي، ومالكاً، وأحمد بن حنبل وغيرهم بشكل عام ونأخذ منهم بشكل مباشر، أما التقليد عند الشيعة فهو للأعلم الحي فالمكلف يقلد مرجع حياً يأخذ منه أمور دينه وبالتالي فهم يأخذون من مراجعهم الأحياء وهذا الأمر لا ينتبه إليه الكثير من الذين يتحدث من علماء السنة عن الشيعة.

المسألة الأولى بالنسبة للقرآن: فحين طرح الأمر الأول بالنسبة للقرآن أدعى أن لدى الشيعة قرآناً كريماً غير الذي لدى السنة واستدلّ بكلام من كتب قديمة، وللجواب على هذا فأقول لسماحة الشيخ د. عبد الله م. إن الإمام الخميني(قده) والإمام الخامنئي والإمام السيستاني كلهم صرح وأصدر الفتاوى بأن ليس لدى الشيعة قرآن كريم غير الذي بين يدي المسلمين من سورة الفاتحة إلى سورة الناس. وعقلاً فإنهم أصبحت للشيعة دول ذات منعة فلماذا لم يطبعوا هذا القرآن الذي تدعي يا شيخ يا دكتور حتى ولو طبعة داخلية. وأنا ذهبت إلى النجف وقم ومشهد فلم أجد في كل مدارسهم الدينية ومكاتبهم مثل هذا القرآن بل وإن في مشهد مبنى ملاصق لمسجد الإمام الرضا(ع) وهو عبارة عن معرض للقرآن الكريم، لم أجد فيه قرآناً غير الذي أعرفه، وإن كان لأحد أن يثبت ذلك فهو أنت لأن البيّنة على من ادّعى، فأتِ لنا بأي قرآن أو آية لدى الشيعة غير ما عند السنة إنما هو كتاب المسلمين الأوحد قرآناً كريماً للسنة والشيعة.

المسألة الثانية في موضوع الصحابة: إنهم ينكرون الصحابة ويعتبرونهم أسوأ الناس وهذا قول لا أسمعه إلا من علماء الفتنة ولم أجد أي مرجع من مراجع الشيعة ينكر الصحابة رضوان الله عليهم بالإطلاق بل وأكثر أني قرأت وسمعت منهم وفي مجالسهم الخاصة توقير واحترام الصحابة عموماً وللشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم وما عليك إلا أن تراجع كلام هؤلاء في كتبهم وليس من كلام العوام والجهلة.

المسألة الثالثة: موضوع العصمة وقد تحدث الشيخ د. عبد الله م. أن العصمة عند الشيعة ولم يحدد لمن هذه العصمة للأنبياء، للأئمة، للمراجع، للعلماء، هكذا تحدث بشكل مطلق دون منهج علمي وللإجابة على ذلك من خلال مدرسة السنة أن مسألة العصمة أمر خلافي لدينا حتى للأنبياء والرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، فمنا من يقول بعصمته منذ الولادة إلى الوفاة ومنا من يقول بعصمته بعد النبوة ومنا من يقول بعصمته فقط بالوحي والتبليغ وكل له دليل ورد على دليل الآخر والشيعة أيضاً لديهم في العصمة آراء حسب المراجع وهي بدلائل ولديهم ردود على الآراء الأخرى فلماذا يحق لنا أن نتفاوت بهذه المسألة ولا يحق لغيرنا في مسألة هي ذات أوجه؟؟!.

والمسألة الرابعة: السنة، ويقول أنه سأل عند انطلاق الثورة الإسلامية في إيران رجل من حرس الثورة كان في مؤتمر في ماليزيا حول السنة وأحاديثها فأجاب (لنا سنتنا ولكم سنتكم)، واستدل بأنهم ينكرون السنة النبوية والحديث النبوي الشريف، وللإجابة لسماحة الشيخ د. عبد الله م. أن من تستشهد برأيه إنما هو عنصر في الحرس الثوري أي كأي جندي في أي جيش فهل هو مصدر يأخذ منه عالم مثلك وكان بعد انتصار الثورة الإسلامية بعام واحد أي أنه قد يكون حديث العهد بالدين بشكل عام، ولكن أجيبك يا صاحب السماحة الشيخ د. عبد الله م. حول السنة، هل السنة والحديث الذي عند الإمام البخاري هو نفسه عند تلميذه الإمام مسلم أو الإمام النسائي أو بقية كتب السنة هل اختلاف كتب السنة لدينا يجعل لكل إمام من أئمة الحديث سنة خاصة يدعي بأنها تختلف عن سنة الإمام الآخر وبالممارسة اليومية مع علماء الشيعة لم أسمع منهم حديث شريف بالرواية عن مراجعهم وأئمتهم إلا ووجدت نصه في كتب السنة لدينا.

المسألة الخامسة: التقية، ويقول بأن الشيعة يعتبرون تسعة أعشار الدين التقية ويقول هذا ليبرر أن كل كلام وحدوي ليس صحيحاً، إنما هو من باب التقية، وللإجابة على سماحة الشيخ د. عبد الله م. أبدأ بقول الله عز وجل ﴿إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ فهل تريد أن تلغي كلام الله يا سماحة الشيخ؟ وهل هذا أمر شرعي وبه مباحث في كتب السنة أم هو للشيعة فقط، وقد كان الإمام الخميني(قدس) أصدق حين أصدر الفتوى بأنه: ((لا تقية في دولة الإسلام ولا تقية مع المسلمين)) واسمح للهدهد أن ينتقل إلى الواقع لا من أجل الفرقة والفتنة بل من أجل نصرة العلم وخط الوحدة وأقول لسماحتكم من واقع الحال ومن مبدأ الاستقراء للواقع كما عند الإمام الشافعي فإني أجد هذه الأمور إنما هي كلمات ظاهرها تدعون به الحق وهو في الحقيقة باطل لا أصل له إنما هو يثير العامة ويفرق الأمة وخصوصاً عندما تذيلون ذلك بمسألة المتعة وتدعون إنها الزنى المنظم وتقولون بأن الشيعة لا يتناكحون إلا بالمتعة وهذا أيضاً بالواقع وعلى الأرض ليس بصحيح إنما الأمة الإسلامية على خير والشيعة جزء لا يتجزأ من هذه الخيرية والأسر الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها نكاحها دائم والاستثناء لا تقاس عليه القواعد يا سماحة الشيخ د. عبد الله م. فالأنكحة التي تستثنى في مجتمعاتكم لا تجعلنا نعتبرها هي الأساس وليس آخرها "نكاح بالمجاهدة" الذي أفتى فيه لمن يقاتل في سوريا، وإني أجد طرح العصمة تثيرون به العامة ولكن أجد عندكم عصمة الحاكم ولا يصح حتى التكلم به، فإن مواجهة باطل الحكام يخرج من الدين، فأصحاب خط الوحدة الإسلامية هم مرابطون على ثغور الإسلام يدافعون عن الدين وأذكركم برد الإمام عبد الله بن مبارك (المرابط بالثغور) للإمام القاضي عياض (إمام الحرم) الذي دعاه للحرم من المرابطة، فما قال:

     يا عابد الحرمين لو أبصرتنا            لرأيـت إنك بالعبــادة تلعب

     من كان يضـرج بدمــائه            ليس كمن كان في الحرم يتعبد

ختاماً أذكر سماحتكم أني قلت لكم في الحج هذا العام تذكرون سوريا وتنسون فلسطين وتذكرون الشيعة وتنسون اليهود وأمريكا وأعداء الدين، وتقولون عن الشيعة أنهم يفرقون المسلمين كشاس اليهودي الذي حاول التفريق بين الأوس والخزرج في زمن النبي محمد(ص) والحقيقة من يقاتل اليهود هم الشيعة في لبنان، فيا ورثة الأنبياء ويا علماء الأمة الوحدة هي ديننا والفتنة والتفرقة ومحاربة دعوة الوحدة أمر أقل ما يقال فيه لا يرضي الله عز وجل.

اعلى الصفحة