القلق الإسرائيلي من التقارب المصري الإيراني

السنة الثانية عشر ـ العدد 137 ـ ( جمادى الثانية ـ رجب 1434  هـ ) أيار ـ 2013 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

"إن إيران كدولة ليست عدواً لمصر وأن القاهرة تفتح معها صفحة جديدة وأنها أي إيران دولة صديقة وإننا إذا كنا نفعل ذلك في مصر فنحن ننتظر ردهم في طهران وان مصر لا تمانع في أن تتلقى أي اتصال من حزب الله بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى أي تدخل في شؤون لبنان". هذا ما قاله د.نبيل العربي أول وزير خارجية مصري بعد انتصار الثورة في مؤتمر صحفي أعلن فيه تصريحات مثيرة وصفت بأنها ثورة في سياسة مصر الخارجية.

كانت لهذه التصريحات أصداء غير مريحة في الأوساط الخليجية خاصة والعربية عامة وأدت إلى جو من القلق والترقب في المنطقة وظهرت تساؤلات عديدة عن مغزى هذه التصريحات؟ ولماذا ظهرت في هذا الوقت الذي تشكو فيه دول الخليج من التدخلات الإيرانية وتتهمها بالتآمر على أمنها الوطني؟ وهل تشكل العلاقة مع إيران أولوية مصرية في هذا الوقت؟ وما الأهداف التي تسعى إليها حكومة الثورة من تطبيع علاقاتها مع إيران مع أنها البادئة بقطعها إثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل مارس 1979؟ وإلى أين تتجه مصر الثورة؟ كيف ستتطور العلاقات بين مصر وإيران بعد قطيعة استمرت أكثر من ثلاثين عاما؟ هل ستتغير الكثير من المعادلات الإقليمية في حال اللقاءات المتكررة بين طهران والقاهرة؟ ماذا يعني تحذير أحمدي نجاد من مخاطر تقسيم المنطقة واللعب على نار الفتنة المذهبية؟ وأخيراً هل يمكن الحديث عن حلف استراتيجي نواته طهران والقاهرة للتعاون مع قضايا المنطقة العربية والإسلامية؟

العلاقات الإيرانية المصرية

مرت العلاقات المصرية-الإيرانية بمحطات تاريخية، فمنذ عام 1928 تفاوتت هذه العلاقة بين التقارب الذي بلغ حد المصاهرة بين الأسرتين الحاكمتين آنذاك، فاروق الأول ملك مصر والسودان وشاه إيران محمد رضا بهلوي.

ثم عرفت هذه العلاقات مراحل من التعامل الحذر ثم التوتر بعد قيام ثورة 1952 لتصل في نهاية الستينيات إلى قطيعة تامة عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979, عندما استضاف الرئيس المصري الراحل أنور السادات شاه إيران السابق.

ويعود تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية في العصر الحديث إلى سنة 1847 حين وقعت معاهدة أرضروم الثانية بين الدولة القاجارية الإيرانية والدولة العثمانية والتي جاء فيها أن الدولة الإيرانية تستطيع تأسيس قنصليات لها في الولايات العثمانية فتم افتتاح قنصلية لرعاية المصالح الإيرانية في القاهرة, وكان أول سفير إيراني في مصر هو حاجي محمد صادق. وقد أعقب ذلك توقيع اتفاقات صداقة بين البلدين في العام 1928. وكان تطورا جديدا في العلاقات بزواج يقرب بين العائلتين الملكيتين في الدولتين، حيث تزوجت الأميرة فوزية- شقيقة الملك فاروق الأول من ابن الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي.

وكما هو معروف فقد انحصرت تطورات العلاقات المصرية - الإيرانية، خلال الأعوام الثلاثين الماضية، بين التوتر والفتور، وذلك على خلفية توقيع مصر لاتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، ثم دعم مصر للعراق في حربها ضد إيران.

وكما ذكرنا فقد كانت العلاقات قوية وتعاونية مطلع القرن الماضي، قبل أن تنتقل إلى حالة الخلاف والعداء، إثر قيام ثورة يوليو 1952، ودعم مصر لرئيس الوزراء محمد مصدق ضد نظام الشاه المخلوع.

وكانت الأوضاع السياسية الداخلية لكلا البلدين، وما يدور على المسرح الداخلي من تطورات وظهور أيديولوجيات -كانت في معظمها متعارضة- خاصة في ظل حالة ثورية غيرت ملامح الوضع السياسي في البلدين في أوقات متفاوتة: 1952 في مصر، و1979 في إيران.

وكان الدور الإقليمي للبلدين، وما يستتبعه من نفوذ سياسي، بداية بالمشروع القومي الذي روج له الرئيس جمال عبد الناصر، وصولاً للمشروع السياسي القائم على نموذج الدولة الإسلامية المطروح من قبل إيران الثورة، في ظل غياب متزايد للدور المصري الإقليمي في ظل نظام كامب ديفيد، نتج عنه -إلى جانب العديد من العوامل- بروز الدور الإيراني على مختلف الساحات السياسية العربية في لبنان، وفلسطين، والخليج، والعراق، والتحالفات الخارجية، التي أسهمت في كثير من الأحيان في تعطيل التقارب وإذكاء عوامل الخلاف.

ولم تنقطع تصريحات مسئولي البلدين خلال سنوات القطيعة، لم تنقطع تصريحات بأن كلا منهما لا يعد الآخر عدوا، كما جرت محاولات على استحياء لاستضافة مثقفين مصريين في إيران. إلى أن وقعت مصر وإيران أول برتوكول بينهما، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية، يقضي باستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وطهران بمعدل 28 رحلة جوية أسبوعيا، في الثالث من أكتوبر 2010.  

وتزايد إثر ذلك الحديث عن احتمال انتهاء زمن القطيعة بين البلدين، ذلك الطرح الذي تلقى دفعة قوية بنجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام في مصر، وإعلان وزير الخارجية المصري نبيل العربي أن مصر "بصدد فتح صفحة جديدة مع جميع الدول، بما فيها إيران"، ثم سفر وفد دبلوماسي شعبي مصري لإيران بغرض التمهيد لعودة العلاقات. وأظهر الجانب الإيراني مرونة في هذا السياق، حيث أبدي الرئيس الإيراني رغبة قوية في عودة العلاقات بشكل طبيعي مع مصر. غير أن تلك الأجواء المتفائلة بشأن التصالح شابها اتهام دبلوماسي لإيران بالتجسس على مصر.

وعلى الرغم من وجود ملفات خلافية تسببت مجتمعة في حصر العلاقة بين إيران ومصر في إطار التوتر والمنافسة، فإن طهران تمكنت من فتح آفاق واسعة، وإقامة علاقات جيدة مع حركات المقاومة الفلسطينية وسوريا. وبالمنطق البراجماتي ذاته، حافظت طهران على حد أدني من العلاقات مع مصر علي المستويين الثقافي والتجاري، بحيث يمكن البناء عليهما، في حال سنحت الفرصة لإعادة العلاقات مع مصر بشكل طبيعي، معتمدة في ذلك على ما تتمتع به مصر من مكانة وأهمية بالنسبة لإيران. وترى إيران في عودة العلاقات مع مصر فرصة لتحقيق عدد من الأهداف:

 فبسبب معارضة ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي تقوده واشنطن للملف النووي الإيراني، إلى جانب الدعم الإيراني لحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية, وتدعيم العلاقات مع الدول الإفريقية، ودول أمريكا اللاتينية. تمكنت الإدارة الأمريكية من فرض عقوبات ظالمة على الجمهورية الإسلامية وعملت على إحكام الحصار الدولي على طهران. لذلك فيمكن للعلاقة مع مصر المساهمة في إيجاد نظام إقليمي قادر على مواجهة كل المحاولات الغربية على فرض الهيمنة على المنطقة.

كما أن أي تحسن في العلاقات مع مصر يعني بالضرورة حدا من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وحدا من تأثيرها في السياسة المصرية بصفة خاصة، لاسيما مع نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام الذي أقام علاقة مع الولايات المتحدة، قوامها التبعية وهو ما عبر عنه الرئيس الإيراني صراحة لوفد الدبلوماسية الشعبية المصري، الذي زار إيران، حين أكد استعداد بلاده تقديم مساعدات واستثمارات لمصر تقارب قيمة المساعدات الأمريكية، موضحا أن التحالف مع إيران من شأنه أن ينهي حاجة مصر للاعتماد على الدعم الأمريكي.

كذلك تعد القضية الفلسطينية وتعاطي مصر معها إحدى أهم القضايا الخلافية بين الدولتين. إذ تري إيران أن اعتراف مصر بالكيان الصهيوني وانخراطها في التطبيع معه، خلال الأعوام الثلاثين الماضية، كان حدثا مفصليا دخلت بموجبه بعض الدول العربية في مسيرة السلام مع إسرائيل، وأقام بعضها بالفعل علاقات معها. وترى طهران أن القاهرة في ظل نظام حسني مبارك المخلوع كانت دائما لاعبا عربيا أساسيا في توفير الأمن لإسرائيل، والعمل على الحد من نشاط ودور جماعات المقاومة الفلسطينية، خلال وساطتها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهي سياسيات تتعارض مع التصور الإيراني القائم على أن حل القضية الفلسطينية في زوال إسرائيل.

وعلي الرغم من التطبيع السياسي المصري مع إسرائيل، فإن عدم التطبيع الشعبي ورفض غالبية الشعب المصري للعلاقات مع إسرائيل، لاسيما بعد ثورة 25 يناير، قد أصبح أحد العوامل التي تعول عليها إيران في تغيير السياسية المصرية تجاه إسرائيل، وتجاه القضية الفلسطينية برمتها، لاسيما وأن بوادر هذا التغيير قد بدأت في الظهور بالفعل من خلال عدة تحركات، مثل الجدل الذي ثار حول اتفاقية الغاز، وتزعم المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، وأخيرا فتح معبر رفح بشكل دائم.

كما تعول إيران على تأثير التطورات المصرية في الأوضاع الداخلية للأنظمة العربية الأخرى. فوفق الرؤية الإيرانية في هذا الإطار، فإن الانفتاح السياسي في مصر من شأنه أن يغير سياستها الخارجية والإقليمية، استجابة لانتقادات واحتجاجات داخلية محتملة وتجاه إسرائيل بصفة خاصة، الأمر الذي يصب في اتجاه إضعاف إسرائيل من خلال رفع الغطاء الأمني عنها في المنطقة.

وتري إيران أن ثورات المنطقة العربية جاءت بإلهام من الثورة الإسلامية لإيران وانعكاسا لها. وحسب وصف إمام جمعة طهران آية الله أحمد خاتمي، فإن الأحداث الراهنة في العالم العربي عكست "هزات ارتدادية للثورة الإسلامية في إيران"، وهو ما أكده أيضا المرشد الأعلى للثورة، آية الله السيد علي خامنئي في خطبته في 4 فبراير 2011، التي ألقاها باللغة العربية مخاطبا الشعبين المصري والتونسي وشدد فيها علي دعمه "للثورات العربية ذات المد الإسلامي، والتي تنهي عهد الاستكبار والوجود الصهيوني - الأمريكي في المنطقة".

وفي هذا السياق، تعول إيران على عدم عودة مصر إلى وضعها السابق، الذي جعل منها تابعا لرغبات الغرب، وأن نظام الحكم فيها سيميل نسبيا إلى الديمقراطية الدينية، اعتمادا على الحضور المكثف للحركات الدينية المحظورة النشاط سابقا.

العلاقات الاقتصادية

على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إيران ومصر، فإن التبادل التجاري بين البلدين لم يتوقف، وإن لم يكن بمعدلات كبيرة، حيث لم تتجاوز قيمة التبادل التجاري بينهما 100 مليون دولار. وخلال الأعوام الماضية، استطاعت بعض المنتجات المصرية غزو الأسواق الإيرانية، أبرزها المنتجات الغذائية، والأدوية، ومستلزمات البناء، والمواد الكيماوية، والصناعات المعدنية والهندسية، في حين استطاعت إيران الوجود في السوق المصري خلال إسهامها في مجال السيارات -على سبيل المثال- خاصة شركة "سوزوكي إيجيبت" المصرية، وشركتي"سايبا" و"خودروا" الإيرانيتين.

وأشار تقرير لهيئة الاستثمار المصرية إلى أن حجم الاستثمارات الإيرانية في مصر لم يتخط حاجزا يصل إلى نحو 331 مليون دولار من خلال 12 شركة فقط مسجلة بالهيئة منذ عام 1970 وحتى عام 2010، وهذه الاستثمارات مرشحة للتضاعف، حال عودة العلاقات بين البلدين، وفق تصريحات الرئيس الإيراني بأن إيران ستتجه بكل ثقلها للاستثمار في مصر.

وقد كان لمصر وإيران علاقات اقتصادية دائمة منذ أقدم العصور، وكان باب التجارة والتبادل مفتوحاً بينهما دائماً. ولكنها توقفت لفترة بسبب الاختلاف في مواقف البلدين وسياستهما الخارجية، فمنذ بداية الثورة الإسلامية الإيرانية ظهر خلاف واضح بين البلدين انتهى بقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، إلا أن القيادة السياسية في مصر لا تعارض حالياً انفتاحاً اقتصادياً مع إيران في مجالات حيوية وباستثمارات مباشرة، خصوصًا بعد تغيير الخريطة في المنطقة، في إشارة إلى أن الأوضاع في العراق ودخول شركات عالمية المنطقة بقوة للاستثمار فيها يتطلب تغييرًا في الفكر السياسي والاقتصادي للتعاطي مع هذه الأوضاع. فالقيادتان في مصر وإيران تتطلعان إلى استثمار ثقلهما سياسياً واقتصادياً ودروهما المحوري للعب دور رئيسي في القضايا الإقليمية وطي صفحة الماضي لأنه على المستوى الرسمي لا يشكل الخلاف حول تسمية شارع (شارع سابق باسم الاسلامبولي)، أو دفن شاه إيران المخلوع في مصر أية عقبات أمام تطوير العلاقات الاقتصادية.

وثمة قواسم مشتركة تجمع بين الدولتين يمكن أن تسهم في تطوير العلاقات بينهما، وهي:

1- تعتبر كل من إيران ومصر من أقوى البلدان النامية كما أنهما عضوان نشيطان في مجموعة الـ15.

2- تعبر كلتا الدولتين من دول الجنوب مما وفر إمكانية التعاون في مجموعة الـ77 وتعاون جنوب – جنوب.

3- شكّل الدين الإسلامي عاملاً إضافيًا في تدعيم التعاون بين البلدين في إطار مُنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة الثماني الإسلامية.

4- كذلك يقع البلدان في منطقة هامة على الخريطة الجغرافية السياسية العالمية ألا وهي منطقة الشرق الأوسط التي تتعرض لتطورات سياسية متسارعة تفرض على الدولتين ضرورة التعاون الأمني في المحافل الدولية, خاصة في ظل توافقهما على ضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.

وتعتبر مصر وإيران دولتين مستقبلتين للاستثمارات مع تفاوت مكانة كل منهما في هذا الصدد والتي تتحدد بشكل أساسي بناء على مصالح الشركات الكبرى التي تضخ الجانب الأعظم من الاستثمارات التي تتدفق عبر بلدان العالم، وعلى مناخ الاستثمارات في هذه الدولة أو تلك، وأيضاً بناءً على فرص الاستثمار والأرباح المتوافرة في كل دولة، إلى جانب الموقف السياسي من قبل الدول التي تقوم شركاتها بضخ الاستثمارات. وقد بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تلقتها إيران نحو 33 مليون دولار عام 2001، في حين تلقت مصر نحو 510 مليون دولار كاستثمارات أجنبية مباشرة في العام نفسه. ويرجع انخفاض تدفقات الاستثمار المباشر إلى مصر إلى حالة تباطؤ الاقتصاد المصري قبل أحداث 11 سبتمبر إلى جانب الآثار السلبية للأحداث ذاتها على حركة الاستثمار عبر العالم عمومًا.

أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران فإنها هامشية تمامًا، ويعود ذلك إلى الضغوط المكثفة التي مارستها الولايات المتحدة إزاء الدول الصناعية المتقدمة لمنع أو تحجيم توجيه الاستثمارات إلى إيران, وهو ما يمثل عاملاً مؤثرًا ساهم في محدودية الاستثمارات الأجنبية التي تتدفق لإيران. وبالتالي فإن أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها لم تؤثر في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة لإيران، لسبب بسيط أنه لم تكن هناك تدفقات تذكر أصلاً. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت إلى إيران بلغت 35، 39، 33، مليون دولار في أعوام 1999، 2000، 2001 على التوالي. ومن المرجح أن إيران كان يمكنها الحصول على حصة من الاستثمارات العربية والإسلامية العائدة من الغرب هربًا من الاضطهاد ومخاوف التجميد، لو كان المناخ السياسي أكثر استقرارًا، ولو كانت البنية الاقتصادية الإيرانية جاذبة للاستثمارات. وقد تدفقت بعض الاستثمارات من إيران إلى مصر في فترة حكم الشاه ومازالت موجودة حتى الآن, وهي تعود للدولة الإيرانية وليس للأفراد. وكان عدد المشروعات الاستثمارية التي تشارك فيها إيران بالاستثمار في مصر هو 7 مشروعات حتى منتصف عام 1999 ارتفعت مؤخرًا إلى 8 مشروعات، مما يعني أن هناك استثمارات إيرانية جديدة حتى وإن كانت محدودة.

وتشير بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر إلى أن الاستثمارات الإيرانية تشارك في 8 مشروعات يبلغ رأسمالها 454 مليون جنيه مصري وتبلغ تكاليفها الاستثمارية 563 مليون جنيه، وتبلغ قيمة المساهمة الإيرانية فيها نحو 108 ملايين جنيه وذلك في نهاية عام 2000. وعلى الرغم من محدودية هذه الاستثمارات، إلا أن وجودها في حد ذاته يعني أن هناك معرفة وخبرة إيرانية في التعامل مع السوق المصرية، وهو ما يمكن أن يشكل أساساً لزيادة هذه الاستثمارات إذا توافرت إرادة سياسية واقتصادية لتطوير التعاون الاقتصادي عامة والاستثماري خاصة بين الدولتين بقطاعيهما العام والخاص. وفي مجال الاستثمار المتبادل لابد أن نشير إلى بعض الأمثلة من الاستثمارات فيما بين إيران ومصر والتي تدل في حد ذاتها على الإمكانيات الكافية لتدعيم التعاون بين البلدين والتي يمكنها أن تكون في المستقبل حافزًا لتطوير وتوسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

بعد ذلك نسأل: هل يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد في العلاقات المصرية – الإيرانية؟

إن الرؤية القائمة على إمكانية الفصل بين الاعتبارات الاقتصادية والاعتبارات السياسية، وعلى أنه إذا نجحت الدول العربية في تحييد التفاعلات الاقتصادية وعزلها عن الخلافات السياسية العربية، فسوف تتمكن من تحقيق قفزة نوعية في العمل المشترك، وهو ما ينطبق أيضاً على علاقات الدول العربية بدول الجوار الجغرافي (إيران – تركيا).

والغريب حقًا أن الإمارات، التي تدعي أن لديها مشكلة الجزر الإيرانية، والتي تعتبر عاملاً مهماً في عرقلة تطوير العلاقات المصرية – الإيرانية، هي نفسها الشريك التجاري العربي الأول لإيران (وإن كان من الضروري الإشارة إلى أن جانبًا كبيرًا من التجارة الإيرانية – الإماراتية هو عبارة عن تجارة ترانزيت أو تجارة محولة تتم عن طريق إمارة دبي التي تعد المركز الإقليمي الأكثر أهمية لتجارة الترانزيت في منطقة الخليج). وهذه الحقيقة يجب أن تدفع مصر، سواء كدولة أو كقطاع أعمال عام أو خاص، نحو تطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران، خصوصاً وأن مصر وإيران تملكان اقتصاديين كبيرين ويمكن أن تكون هناك مجالات واسعة للتعاون بينهما.

قلق أمريكي إسرائيلي

قالت مصادر إسرائيلية إن قرار الجيش الإسرائيلي بمنع وصول إسرائيليين إلى المنطقة الحدودية مع مصر والحزام الأمني، جاء في أعقاب فشل الجهود الأميركية في تنسيق النشاط المصري– الإسرائيلي المشترك لمواجهة ما يسميه الإسرائيليون "إرهاب سيناء"، ورفض المصريين إعادة خط الاتصال المباشر بين قصر الرئاسة في القاهرة ومنظومة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب، كما كان في عهد نظام الرئيس حسني مبارك.

وبحسب المصادر المقربة من الموساد، فإن نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، وصل إلى مصر في السادس من الشهر الجاري في محاولة "لتفعيل الحرب ضد الإرهاب"، وفق ما اتفق عليه في الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني 2012 بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة، عند اتخاذ قرار وقف إطلاق النار بعد عملية "عمود السحاب".

وأضافت المصادر الإسرائيلية أن المستويات السياسية والعسكرية والاستخبارية المصرية تنصلت من هذه الالتزامات بحجّة الأوضاع السياسة غير المريحة.

وربط الإسرائيليون بين الرد المصري وزيارات قياديين إيرانيين إلى القاهرة فكتب موقع "دبكا" الإسرائيلي يقول: "القلق في واشنطن وتل ابيب من التقارب بين القاهرة وطهران نابع في الأساس من أن المبادر الرئيسي لهذه الخطوات هي قطر، التي أعلنت، أنها على استعداد لمساعدة مصر اقتصاديا وتقديم قرض بقيمة 2 بليون دولار إضافة إلى بليوني دولار قدمت إلى مصر في السنة الماضية. والسؤال الذي يطرحونه في واشنطن وتل ابيب لماذا تقف قطر خلف المتمردين السوريين ضد الرئيس السوري بشار الأسد وتدعم وتشجع فجأة التقارب المصري الإيراني؟ هل قطر تتطلع إلى إقامة محور إيراني مصري قطري بدلا من محور طهران دمشق حزب الله في الشرق الأوسط؟".   

تتساءل المصادر الإسرائيلية وتجيب: "بالنسبة لإسرائيل هذه التساؤلات لها أهمية كبيرة نظرا لأن قطر تحاول في الآونة الأخيرة أن تشمر عن ذراعيها من الناحيتين الاقتصادية والمالية ليس فقط باتجاه القاهرة وإنما أيضا باتجاه حركة حماس والسلطة الفلسطينية. أما القلق الأكبر، حسب الإسرائيليين، سيكون في حال تمت هذه الخطوات القطرية من خلال تنسيق مع مصر لأنها ستؤدي في نهاية الأمر إلى دخول إيران من الباب الخلفي إلى رام الله أيضا".  

ويربط الإسرائيليون بين هذا الوضع وتصريحات رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، مؤخراً حول خطر سيطرة حماس على الضفة الغربية وما أعلنه رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، بأن الحدود الإسرائيلية- المصرية ليست حدود سلام، وما قام به من خطوات لتعزيز الوضع الأمني في تلك المنطقة، بينها تشكيل وحدة جيش خاصة للدفاع عن الجزء الجنوبي من حدود إسرائيل مع مصر. وبرأي الإسرائيليين، فإن إقامة السياج الحدودي مع مصر لن يكفي لمواجهة التهديدات التي تواجهها إسرائيل. كما لا يمكن أيضا لأي سياج حدودي مع سورية أن يواجه المخاطر ووقف التغييرات الإستراتيجية التي تجري في دمشق والقاهرة أو تلك التي تحدث في شبه جزيرة سيناء، على حد ما ذكرت المصادر الإسرائيلية.

كذلك فقد علقت الإذاعة العامة الإسرائيلية على الإعلان عن تجدد رحالات الجوية بين القاهرة وطهران بعد انقطاع دام قرابة 34 عاماً، بأنه ردا على عدم زيارة الرئيس الأمريكي بارك أوباما للقاهرة واكتفاءه بزيارة إسرائيل والأردن.

وأوضحت الإذاعة العامة أن الإعلان رسمياً عن رحالات بين مصر وإيران يؤكد على وجود شرخ في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، لذلك لجأت القاهرة إلى أن تقوى وتدعم من علاقاتها بطهران على حساب واشنطن، رغم الدعم الواضح من أوباما للرئيس المصري.

ونقلت الإذاعة عن مسئولين إسرائيليين أن هذا التقارب في المصالح بين الرئيس المصري محمد مرسى وأحمدي نجاد يبعث بالقلق الشديد لدى تل أبيب، ولا يشير إلى إمكانية تقدم في العلاقات بينهما.

وفي نفس السياق أكد مصدر دبلوماسي مسؤول أن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للمشاركة في أعمال قمة منظمة التعاون الإسلامي بالقاهرة، أثارت قلق الإدارة الأمريكية التي طلبت من السفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون بشكل عاجل نقل رسالة إلى الرئيس محمد مرسي، لتوضيح الموقف المصري، وطلب تفسيرات واضحة له، وأن السفيرة الأمريكية التقت رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بعد تعثر لقاء الرئيس مرسي بسبب انشغاله بمؤتمر القمة الإسلامي.

وقال المصدر الدبلوماسي المسؤول: إن السفيرة الأمريكية بالقاهرة، طرحت تساؤلات الإدارة الأمريكية أمام رئيس الوزراء بشأن زيارة الرئيس أحمدي نجاد، ولقاءاته والمؤتمرات الصحافية التي عقدها في مشيخة الأزهر، وداخل مقر السفارة الإيرانية بالقاهرة، وأشارت إلى ارتياح الإدارة الأمريكية لموقف شيخ الأزهر الذي أعلنه أمام الرئيس الإيراني، من الشيعة، ومن السياسة الإيرانية تجاه سورية، وأن الدكتور هشام قنديل أكد أن زيارة الرئيس الإيراني لمصر بروتوكولية للمشاركة في أعمال القمة الإسلامية، وأن الزيارة ليست معاداة للولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف المصدر الدبلوماسي: أن السفيرة الأمريكية أكدت خلال اللقاء أن بلادها لن تسمح بوجود علاقات إستراتيجية مصرية مع إيران قد تهدد أمن المنطقة، وأن أمريكا ستتخذ إجراءات واضحة قد تؤثر على علاقتها مع مصر بشكل سلبي حال حدوث ذلك !! وأوضحت السفيرة الأمريكية أن الاقتصاد المصري سيتلقى دعما حينما تنخرط المعارضة السياسية والحكومة في عملية أخذ وعطاء جادة حول مسائل جوهرية كالدستور الجديد، وإخراج قوانين لحماية الحريات الفردية وضمان حرية التعبير، والتجمع، والدين، وحماية استقلال القضاء، وحرية الصحافة، وتوفير الفرصة للأقليات والنساء للمشاركة في مستقبل مصر.

هوامش:

1- علي أكبر أسدي، التطورات السياسية في مصر .. الاستراتيجيات والتداعيات الإقليمية، مختارات إيرانية، العدد 129، أبريل 2011.

2-  ياسر عبد العزيز، ما بين مصر وإيران، المصري اليوم، 14 ديسمبر 2008.

3- د. محمد علي مهندي، انهيار حلفاء أمريكا، مختارات إيرانية، العدد 129، أبريل 2011.

4- نجاد يعتزم إعادة العلاقات مع مصر، موقع الجزيرة نت، 1 يونيو 2011.

5- طهمورث غلامي، مستقبل مثلث أمريكا، إسرائيل، مصر والسيناريوهات المحتملة، مختارات إيرانية، العدد 129، أبريل 2011.

6- مجيد محمدي، غياب الحركات الإسلامية عن التطورات في الشرق الأوسط، مختارات إيرانية، العدد 128، مارس 2011.

7-  د.علي أكبر ولايتي، الموجة الجديدة للصحوة الإسلامية، مختارات إيرانية، العدد 128، مارس 2011.

 8- نجاد: مصر غالية وسنأتي للاستثمار بها بكل ثقلنا، صحيفة الأهرام، 2 يونيو 2011.

9- تغيير اسم شارع الاسلامبولي إلي شهداء ثورة مصر، صحيفة الأخبار، 2 يونيو 2011.

10- حجة الله جودكي، مصر تتغير، مختارات إيرانية، العدد 129، أبريل 2011.

11- أسد الله طاهري، آفاق تطوير العلاقات المصرية - الإيرانية، مختارات إيرانية، العدد 130، مايو 2011.

12-  تغيير اسم شارع الاسلامبولي إلي شهداء ثورة مصر، صحيفة الأخبار، 2 يونيو 2011، مرجع سابق.

13- علي منتظري، الأمل والخوف في الثورة المصرية، مختارات إيرانية، العدد 128، مارس 2011. انظر أيضا: حشمت الله فلاحت بيشة، خطر الانحراف في الحركات الثورية بالمنطقة.

14- محمد حسين كاظمي، مصر من دون الغرب، مختارات إيرانية، العدد 129، أبريل 2011.

 

باحث وكاتب سوري(*)

اعلى الصفحة