مفهوم الشهادة وأثره في صناعة النصر

السنة الحادية عشر ـ العدد133 ـ ( محرم ـ صفر 1433  هـ ) كانون أول ـ 2012 م)

بقلم: الشيخ جمال الدين شبيب

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

الشهيد في الشرع هو القتيل في سبيل الله واختلف في سبب تسميته بالشهيد قالوا لأن ملائكة الرحمة تشهده أي تحضر غُسله أو نقل روحه إلى الجنة. وقالوا لأنه ممن يُستشهد يوم القيامة مع النبي (ص).

وقال ابن الأثير: الشهيد في الأصل هو من قُتل مجاهداً في سبيل الله ثم أتسع في التسمية حتى شملت كل من سماهم النبي (ص) شهداء (المطعون - والمبطون - والغريق - وصاحب الهدم - والشهيد في سبيل الله).

وأجمع العلماء على أن الشهيد هو كل مسلم قتله البُغاة والمحاربون في المعركة أو أغاروا عليه في داره وتسببوا في قتله. وكل هؤلاء شهداء.

الشهيد في القرآن

وردت آيات كثيرة في فضل الشهداء عند الله سبحانه وتعالى نقتطف منها ما يلي:

1- يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ (التوبة:111).

2- ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ﴾(آل عمران:169-171).

3- ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾( البقرة:154).

4- ويقول: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾(محمد: 4-6).

الشهيد صدقَ العهدَ مع الله

قال تعالى: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23) فمنهم من بذل جهده على الوفاء بعهده حتى استشهد، ومنهم من ينتظر الشهادة وما بدلوا عهدهم ونذرهم.

فقد تولّى الله هؤلاء الرجال بالصدق في أقوالهم وأحوالهم و صدق الحال بالشهادة أقصى الغاية في الوفاء لأنه شديد على النفس.

الشهداء في صحبة الأنبياء

قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾(النساء: 69). وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾(الزمر: 69)، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ (الحديد:19).  

لقد بيّن الله سبحانه وتعالى منزلة الشهداء إذ جعلها برفقة النبيين والصديقين لأن الشهداء أدى بهم حرصهم على الطاعة، والجهد في إظهار الحق أن بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله ولذلك جعل الله مكانتهم في الجنة مع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

الشهادة اصطفاء من الله وفهم لسرّ الحياة

قال تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾(آل عمران: من الآية140) أي يكرمكم بالشهادة. ومن عاشر الشهداء قبل اصطفائهم سيجد أن هناك إرهاصات للارتقاء وللصعود ولاعتلاء كرسي الشهادة فتجدهم في اللحظات الأخيرة على طهارة خالصة في أحاديثهم وفي حركاتهم وفي سكناتهم وفي الأريج المتدفق من ساحاتهم في التعليقات الأخيرة لهم والتي تمتلئ صدقا وحقيقة.

الشهداء سادة هذا العالم لأن المولى عز وجل اختارهم واصطفاهم دون غيرهم عن هذا البحر الهائج من البشر فهم من فهموا سر هذا اللغز الذي نحياه ويصيب معظمنا بالحيرة هم من توصلوا للحقيقة "اطلب الموت توهب لك الحياة".

الشهيد في السنة النبوية الشريفة

ورد كثير من الأحاديث النبوية الشريفة في فضل الشهادة والشهداء في سبيل الله نذكر منها:

1- قال (ص): "القتلى ثلاثة رجال، رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، ذلك الشهيد الممتحن، في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك مصمصة مسحت ذنوبه وخطاياه، أن السيف محاء للخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب وبعضها أسفل بعض. ورجل منافق جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فذلك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق".

2- ذكر الشهيد عند النبي(ص) فقال: "لا تجف الأرض من دمه حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من الأرض بيداً، وفي يد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها".

3- قال(ص): "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، لما يرى من فضل للشهادة، فيتمنى أن يرجع فيقتل مرة أخرى".

4- قال (ص): "لولا أن أشق على أمتي - أو قال: على الناس - لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله، ولكن لا أجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه، ولشق عليهم أن يتخلفوا بعدى أو نحوه، ولوددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل ثم أحيا فأقتل".

5- وعنه(ص) أنه قال: "ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات".

6- قال (ص): "لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في جواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مطعمهم ورأوا حسن منقلبهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما أكرمنا الله به، وما نحن فيه، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب. فقال الله: أنا أبلغهم عنكم"، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً﴾ (آل عمران:169).

الشهيد في آثار الصحابة

1- روى ابن المبارك عن شعبة عن السدى عن مرة قال : (ذكروا عن عبد الله قوما قتلوا في سبيل الله، فقال : أنه ليس على ما تذهبون وترون، أنه إذا التقى الزاحفان نزلت الملائكة، فتكتب الناس على منازلهم، فلان يقاتل للدنيا،وفلان يقاتل للملك، وفلان يقاتل للذكر، ونحو هذا، وفلان يقاتل يريد وجه الله، فمن قتل يريد وجه الله، فذلك في الجنة).

2- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (والله إن من الناس ناساً يقاتلون ابتغاء الدنيا، وإن من الناس ناساً يقاتلون أن دهمهم القتال، ولا يستطيعون إلا إياه، وإن من الناس ناساً يقاتلون ابتغاء وجه الله أولئك الشهداء، وكل امرئ منهم يبعث على الذي يموت عليه، وإنها والله ما تدري نفس ما هو مفعول بها، ليس هذا الرجل الذي قد تبين لنا أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

3- قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما استشهد الشهداء بأحد، ونزلوا منازلهم، رأوا منازل أناس من أصحابهم لم يستشهدوا وهم مستشهدون . فقالوا : فكيف بأن يعلم أصحابنا ما أصابنا من الخير عند الله، فأنزل : ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران:169).

جاء في الحديث: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا، أرواحهم في طائر خضر تعلق من ثمر الجنة، أو نسمة تعلق في ثمر الجنة أو شجرها، قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون)، أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك إطلاعة، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا، ثم اطلع إليهم الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لم يتركوا قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا، فنقتل في سبيلك مرة أخرى.

 ويؤتى بالشهيد من أهل الجنة، فيقول له الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة، وما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة.

وللشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.

منزلة الشهيد ومقداره

الشهيد له منزلة كبيرة وقدره ومقداره عند الله عظيم. نوجز ذلك في النقاط التالية:

1- لا يغسل كما يغسل الموتى فالغسل تطهير لجسد الميت والشهداء أطهار بما فيهم من حياة ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها لأنهم بعد أحياء.

2- أحياء فلا يشق قتلهم على الأهل والأصدقاء.. لأنهم مكرمون عند الله مأجورون لذا لا يجوز البكاء عليهم.

3- الشهيد آمن في قبره والأرض لا تأكل أجسادهم, كذلك نص ابن الحنفي في حاشية كتابه الجهاد أن جسد الشهيد حرام على الأرض أكله, والدلائل والبراهين من الواقع الملموس كثيرة.

4- يشفع الشهيد في سبعين من أهله (صحيح الترمذي).

5- يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليقتل عشرات المرات لما يراه من الكرامة (صحيح مسلم والبخاري).

6- الشهداء هم أول من يدخلون الجنة (الترمذي).

7- الملائكة تظلل الشهيد بأجنحتها حتى يرفع ويدفن(صحيح البخاري ومسلم).

8- قبورهم برائحة المسك كذلك رائحة الشهيد رائحة طيبة كالمسك, ولون دمه في الظلام نور ينبعث من الجرح (المرجع آيات الرحمن في جهاد الأفغان للدكتور عبد الله عزام).

9- أرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش من ساعة استشهادهم إلى يوم القيامة وعندئذ ينزلون منازلهم عند الله (جاء في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه أخرجه أبو داود والبيهقي).

10- وهناك عشرات الكرامات التي يتميز بها الشهيد, والقصص التي يحكيها العلماء وأهل الشهيد عن أشياء كثيرة شاهدوها وعاينوها بأنفسهم. 

ومن الشهداء –أيضاً -: الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس، قال(ص): (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد -الذي يقتل دفاعاً عن عرضه - ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) وقال عليه الصلاة والسلام:(من قتل دون مظلمته فهو شهيد).

والموت في الرباط في سبيل الله من أعظم الميتات وأطيبها، قال عليه الصلاة والسلام: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان). وأما من مات على عمل صالح قبض عليه فإنه من علامات حسن خاتمته.

الشهادة أمنيّة رسول الله

قال(ص): "لولا أن أشق على أمتي - أو قال: على الناس - لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله، ولكن لا أجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه، ولشق عليهم أن يتخلفوا بعدى أو نحوه، ولوددت أني أقاتل في سبيل الله، فأقتل ثم أحيا فأقتل".

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: وفي الحديث فضل الشهادة على سائر أعمال البر؛ لأنه عليه السلام تمنّاها دون غيرها، وذلك لرفيع منزلتها وكرامة أهلها، فرزقه الله إياها؛ لقوله: "(ص)؛ لقوله (ص)في وجعه الذي مات فيه: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فالآن أوانَ قطَعَت أَبْهَري" في إشارة إلى الشاة المسمومة التي قدمتها له امرأة يهودية عقب خيبر.

من سأل اللهَ الشهادةَ بِصدقٍ بلغ منازلَ الشهداء  قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: فتأمل قول النبي (ص): "من سأل الله الشهادة صادقاً من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" ولا ريب أن ما حصل للمقتول في سبيل الله من ثواب الشهادة تزيد كيفيته وصفاته على ما حصل لناوي ذلك إذا مات على فراشه وإن بلغ منزلة الشهيد فهاهنا أجران: أجر وقرب، فإن استويا في أصل الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثراً زائداً وقرباً خاصاً وهو فضل الله يؤتيه من يشاء.

مَن قُتِل دون مَظْلَمته فهو شهيد

الجهاد قد فرضه الله على كل قادر دفاعاً عن المقدَّسات والحرمات، وعن العقيدة والمبدأ، وعن الحِمَى والوطن، ولقد قال رسول الله(ص): "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد" أخرجه أبو داوود والنسائي. وقال "من قتل دون مظلمته فهو شهيد" أخرجه النسائي وإسناده صحيح.

الشهيد يعيش معاني النصر ويسمو بوعد الله

دماء الشهداء كانت دائماً وقوداً لحركات الجهاد والمقاومة والتحرير، ونوراً يضيء الطريق في غياهب الظلمات. وعندما تكون المعركة التي استشهد فيها تدور بين شعب مستضعف لا يملك من عناصر القوة المادية إلا نفسه، وقد حُرم من مناصرة إخوانه العرب والمسلمين، وبين أعتى قوّة عسكرية واقتصادية في المنطقة مدعومة بأشرس قوة عالمية، فهنا تشمخ الشهادةُ بالشهيد، وتتنزّل الملائكة من كلّ حدب وصوب لاصطحاب الروح الطيبة العملاقة في معراجها من قمّة الأرض إلى قمّة السماء.

والشهيد يحيا معاني النصر وهو على طريق الشهادة واصطفاء الله له بها فيشعر بوعد الله الذي لا يتخلّف: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم..﴾، ﴿إن ينصركم الله فلا غالب لكم..﴾، ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين..﴾، ويشعر أنه جدير بالانتماء لهذه الأمّة المباركة: ﴿خير أمّة أخرجت للناس﴾.

ذكرى شهداء قوات الفجر في صيدا 1982

ولئن فاتت شهداءنا مظاهر النصر النهائي، فلقد عاشوا بشائر النصر وعلاماته، كأنهم يرونه أمامهم رأي العين، وهو لم يغب عنه لحظة واحدة. وإذا كانت النفوس كباراً..... تعبت في مرادها الأجسام.. وعندما يستشعر المؤمن روح الجهاد يمضي على هداية الله وإرشاده فقال: ﴿والذينَ جاهدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾.

ومن أسباب النصر استشعار روح الإقدام على الاستشهاد؛ لأن الشهادة قمة الجهاد؛ ولأن المجاهدين إذا وضعوا أرواحهم على أَكُفِّهِمْ، واستعدوا حقًّا لبذْلِها في سبيل ربِّهم، صاروا قوَّة لا يغلبُها عدوٌّ، والله ـ جل جلاله ـ قد وعد هؤلاء الشهداء خير الوعد، فقال: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الذين قُتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا بلْ أحياءٌ عِندَ ربهمْ يُرزقُونَ . فَرِحِينَ بما آتاهمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ويَسْتَبْشِرُونَ بالذينَ لم يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وفَضْلٍ وأنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ﴾.

من هنا ندرك في هذه الذكرى أهمية مشروع الشهادة في التمكين للمشروع الإسلامي وتحقيق النصر منطلقاً من تحرك شباب المقاومة وقوات الفجر في صيدا في مقاومتهم للعدوان والاجتياح الصهيوني عام 82 من خلال عشقهم للشهادة الذي تربوا عليه ونهلوا منه قرآناً وسنة وسيرة للنبي (ص) وأصحابه. فلم يترددوا عندما دعاهم الواجب الجهادي ولم ينتظروا إذناً من أحد ولم ينظروا إلى انعدام تكافؤ القوى مع عدوهم.

ونحن على يقين من أن مفهوم الشهادة في الإسلام يشكل أقوى وأعلى رافعة للمشروع الإسلامي وإذا كان البعض يحتار ويتساءل عن فحوى المشروع الذي يحمله الإسلاميون.. يكفي أن نقول له مشروعنا هو مشروع الشهادة الذي يجمع الأمة ويوحدها لمقاتلة أعداء الله الغاصبين لفلسطين وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس. أما السياسة والحكم فهي تفاصيل في مشروعنا ووسيلة لتحقيق المقصد الأسمى وهو الفوز برضى الله بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. وحبذا لو فهم الإسلاميون اليوم هذا الدرس وجاهروا بمشروعهم الأساس تحت عنوان "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" لخرست كل أبواق الفتن والمزايدة ولتم التمكين المنشود للمشروع الإسلامي.

اليوم هناك من يتآمر اليوم على مشروع الشهادة فيتطاول على المقاومة ويتطاول على سلاحها الذي أذل العدو الصهيوني وكسر عنفوانه معتبراً أن هذا أمر مهين وخطير ومسيء للتاريخ النضالي لصيدا وأهلها ويتنكر لدماء شهدائها الأبرار.

لكننا على يقين بأن مشروع الشهادة فوق كل الحساسيات والمذهبيات والخلافات لأن فيه عزة الأمة ونصرها وسعادة الدار الآخرة والفوز بجنات النعيم. لذلك ومن كل قلبي أدعو كل من يريد أن يكرّم شهداء قوات الفجر والجميع أهلهم وإخوانهم وأحبابهم إلى أن يسلك مسلكهم ويحتضن مشروعهم الجهادي مشروع الشهادة ويعمل على جمع الشمل ورص الصفوف ونبذ كل ما من شأنه أن يوهن عزيمة المؤمنين ويدس الفرق والتنازع بينهم فهذا هو أبلغ تكريم وهذا ما يريده الشهداء منا جميعاً.

والكل يدرك أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية المهم أن يبقى مشروع الشهادة هو الأساس وعلى أساسه نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. ونتجنب تجريح الأشخاص والهيئات ولا نتكلم إلا بخير كذلك أرادنا الإمام الشهيد حسن البنا الذي قال أعتقد بأن الأمة الإسلامية أمة واحدة وأتعهد بالعمل على جمع كلمة المسلمين.

كذلك تكون صناعة النصر عندما نربي الشاب على مشروع الشهادة ونبتعد بهم عن الصغائر وسفاسف الأمور ونتجاوز عن كل من اعتقدنا أنه مخطئ باجتهاده عسى أن يتجاوز الله عنا يوم القيامة.

اعلى الصفحة