الشر المطلق.. والانحراف المطلوب

السنة الحادية عشر ـ العدد133 ـ ( محرم ـ صفر 1433  هـ ) كانون أول ـ 2012 م)

بقلم: الشيخ حسن المصري(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في ضوء ما يجري من أحداث على الساحة الإسلامية  وما يسفك من دماء تضج إلى خالقها بالشكوى يتراءى أمامنا سؤال نافر عن شرعية هذا السفك وعن ملاءمة هذه الأحداث مع منطوق ومفهوم الإسلام القرآني المحمدي.

وبالعودة إلى منابع الإسلام الأساسية تتضح لنا الحقائق التالية:

1- هل أن الإسلام انتشر وعمَّ أقطار العالم بالسيف والقتل أم أنه كان حالة استثنائية في ظروف استثنائية بحتة؟.

لقد أوجز لنا القرآن هذه الحالة وملاءمتها مع الشرع بالآية القرآنية الكريمة: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. ولقد رفع الإسلام يافطة كبرى وخريطة طريق للمسلمين حرَّم عليهم تجاوزها... فأعلن أنه لا إكراه في الدين وليس مسموحاً استعمال القوة من أجل حشو قلوب الناس بالإيمان.. لأنه يستحيل الإيمان بالإكراه والمطلوب من الدعوة الإسلامية هو الإيمان وليس الإسلام وهذا يتنافى مع القوة... ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾.

فالحجة والمنطق والبرهان هو الوسيلة الفضلى لدى الإسلام في إبراز حقيقة الإيمان به.. لأن الإسلام بالقوة هو استسلام مؤقت لشدَّ ما يعود صاحبه إلى ربقة الكفر عندما تنتفي القوة والإكراه والبطش.

إن مشكلتنا فيما يعيشه المسلمون على مر العصور هو في عدم اكتمال الصورة الحقيقية للإسلام المحمدي في أذهان أتباعه ومريديه... بحيث يرى بعض المسلمين أن الكافرين أقرب إليهم من بعض المسلمين.. لعدم اكتمال صورة الإسلام المحمدي في أذهانهم أو لانقلاب المشهد الحقيقي لدى بصائرهم، فشط بهم الطريق وفسد لديهم الاستنتاج فكان شعارهم: ﴿هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً﴾ لأنهم انطلقوا في معادلتهم من حقد وتعصب أعمى بصيرتهم عن واقع الإسلام الصادق، وأصبحت لديهم جوانب الإشراف الإسلامي مخفية في ظلامية أفكارهم وحقدهم وشططهم.

2- إن الإسلام المحمدي لم يستعمل قط القوة من أجل الإيمان ولم تكن هناك معركة واحدة بدأها المسلمون على مر العصور... لأن الإسلام كان يتحدث مع الناس بلغة المنطق والحجة البينة..

إلا أنه عندما استعمل المشركون القوة من أجل إيمان المسلمين ومن أجل عودتهم عن إيمانهم إلى عبادة الأصنام.. وعندما تحولت وسيلة الدفاع عن الأصنام إلى استعمال السيف، أباح الإسلام لبنيه الدفاع عن النفس وهذا ما تقره شرعة حقوق الإنسان والشرعة الدولية لأن الدفاع عن النفس وما تحمل هذه النفس من مادة الإيمان وما تمتلكه هذه النفس من صفات هو واجب على الإنسان في هذه الحياة.

فكانت المعارك التي شنها الإسلام والسلف الصالح كلها من باب الدفاع عن النفس، لأن المشركين تحولوا إلى حجر عثرة في طريق نشر أفكار الإسلام المنطقية، ولم يرد المشركون الحجة بالحجة إنما استعملوا البطش والقتل والتعذيب من أجل كبح جماح الإسلام الذي تمرس بالمنطق والفهم واللغة ولم يلجأ إلى السيف قط إلا من باب الدفاع عن النفس المشروع، فالعنف ليس هو الأساس في خط المواجهة مع الانحراف من خلال الجهاد..

والجهاد هو من بذل الجهد لتقويم الاعوجاج فكان الجهاد واجباً في مقابل الأسلوب الذي اعتمده المشركون  وليس في مواجهة الأفكار التي يحملونها على الإطلاق.

كل هذا برسم صورة التعامل بين المشركين وبين المسلمين أما فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض فلم يجز الإسلام إطلاقاً استعمال القوة من أجل اجتهاد هنا واجتهاد هناك، والقاعدة الأساسية التي سنها الإسلام واضحة إن أصاب المجتهد فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد.

فالاختلاف بين السنة والشيعة هو كالاختلاف بين السنة فيما بينهم وبين الشيعة فيما بينهم وهذا يتجلى في مواطن عديدة بين السنة وكذلك عند الشيعة..

من هنا ننطلق إلى واقعنا المعاصر وما يحاول الغرب أن يرسخه في أذهان المسلمين وما يريده هذا الشر المطلق أن يجعله حقيقة بين أتباع دين محمد(ص) بحيث يصبح المسلم عدواً للمسلم الآخر في حين يتربع الشر في قلوب البعض والانحراف في عقول بعض آخر وبهذا تضعف بيضة الإسلام وتقوى شوكة الانحراف والكفر والطغيان.

فإننا نشاهد على الساحة الإسلامية كيف أن الشر المطلق استطاع أن يستحوذ على عقول بعض المسلمين ليدفعهم بعداوة كبرى تجاه بعض المسلمين الآخر من أجل ترسيخ قوته وانحرافه ومسكه زمام الأمور في بلاد الإسلام الغنية بإنسانها وأرضها وخيراتها...

وبنظرة سريعة على تحركات الغرب في بلاد المسلمين، نشاهد كيف أنهم استطاعوا أن يدخلوا قلوب الحكام والناس على دين ملوكهم فكان الانحراف المطلوب لديهم عن جادة الاستقامة، وأصبحت المقدسات الإسلامية منسية لدى أغلب المسلمين وهم يتلهون بأمور سخيفة وبقضايا لا تمت إلى الإسلام بصلة..

من هنا واجب القادة الشرعيين لهذه الأمة والأمر المفروض على رجال الدين المسلمين أن يأخذوا زمام المبادرة ويتوجهوا إلى الأمة بلغة الإسلام القرآني لغة الجمع لا المنع ولغة الوحدة لا الفرقة ولغة المحبة لا البغضة، من أجل أن تستقيم أمور الإسلام والمسلمين في بوتقة واحدة عنوانها الأساس: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

وبنظرة واقعية إلى ما تختزله هذه المعادلة نرى أن الابتعاد عنها اقتراب من طريق الضلال ونسيان المقدسات وإهمال خط الاستقامة الذي انطلق من الله سبحانه وتعالى ومر بأنبيائه ورسله والصالحين وصولاً إلى قادة المواجهة مع الشر المطلق في هذا العصر وصولاً إلى الإمام المنتظر (عج) في مواجهة خط الانحراف الذي قاده إبليس وسلم رايته إلى دول الغرب ومن سار في ركابهم وأهدافهم من أبناء هذه الأمة.

فانظروا كيف نسي المسلمون القدس الشريف وحولوا وجهة العداء إلى الحليف والشقيق الذي يتألم لألمهم ويتوجع لوجعهم ويبكي لضعفهم وتشتتهم... فالشيعة ليسوا أعداء السنة وإنما هم سيفهم الفتاك بوجه أعدائهم، وكذلك السنة ليسوا بأعداء الشيعة وإنما المفروض أن يكونوا سيفهم القاطع برقاب الكفر والانحراف والضلال.

والحالات التكفيرية التي تسيطر على عقول وقلوب بعض المسلمين ليست من الإسلام في شيء، وإنما هي حالة صهيونية أمريكية أراد الغرب منها أن تفتك بالصف الإسلامي الموحد من أجل شرذمته وتفتيته وإضعافه لتصل إلى أهدافها الخبيثة، والرامية إلى تقسيم الأمة وشل قدرتها الدفاعية فضلاً عن الهجومية فتأمن هذه القوى من سيطرتها على مقدرات شعوبنا وأمتنا.

إن هذه الحالات التكفيرية والوهابية التي تنطلق من فكر مشوه ومن قاعدة مرتبطة بمصالح الدول التي وكلتها في أبشع عملية تخريبية ضد الوحدة الإسلامية لا تزال تسعى من أجل إيجاد الفرقة في صفوف الأمة كما يحدث في أغلب دول المنطقة، وما يحدث في عملية المواجهة الكبرى مع الصهاينة الذين يباركون مساعي هؤلاء المخربين لتبقى الأمة منشغلة فيما بينها بعيدة عن القضية المركزية فلسطين، خاصة ونحن نشاهد ما يجري في الأراضي المحتلة من تخريب للأقصى والمقدسات وحقوق الإنسان في فلسطين، وكأن الأمر لا يعني أحداً من قادة العرب وشعوب بلادهم الذين يهتمون بما يجري في أفريقيا وآسيا وكل العالم إلا فلسطين.

 

يا أمة الإسـلام هل من يقظة                 للحق تكشــف حيرة المتردد

قد آن أن ندع التخاصم جانباً                 ونسير صفاً لاكتساب المقصد

إن التفرق موهنٌ لنشـــاطنا                      والاجتماع يشــد أزر المفرد

لم يفتكن بنا العــدو لقــلّة                       لكن لطــول تفرُّق وتبــدد

فلنتحـد صفاً ونطرح فارقاً                     لنصد عدواناً بعزم توحــد

ولنســتعن بالله في إخلاصنا                    بالله لا بالأجنبـــي الأبعـد

كنا أقــلاءً وكان عــدونا                        جماً ولم نُغلب ولم نســتنجد

في حين جندنا العقيدة جحفلاً               هز الوجود بعزمـة المتوطد

فاسـتعلم التاريخ عن حملاتنا                  يخبرك عما ندعيه ويشــهد

خضعت لنا الأعـــداء يومَ                    خضوعِنا لله رهن قداسة وتعبد

واليوم لم نرضخ لخالق مجدنا               الماضي قدنا للعدو والملحــد

نائب رئيس المجلس السياسي لحركة أمل(*)

اعلى الصفحة