حكومة نتنياهو الثالثة وحتمية الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

السنة الحادية عشر ـ العدد133 ـ ( محرم ـ صفر 1433  هـ ) كانون أول ـ 2012 م)

بقلم: عدنان أبو ناصر

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

الواضح أنه ومن خلال الاطلاع على تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الجديدة, ومن خلال قراءة نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة, فإنه لم يتغير الكثير على المشهد السياسي في الكيان الصهيوني قبل الانتخابات وبعد الانتخابات، نفس الوزراء ونفس الأحزاب ونفس الأفكار ونفس الإرهابيين الأشرار.

وكرؤساء الوزارات الآخرين فنتنياهو مستميت على الحكم، ومستعد لعمل أي شئ، من أجل البقاء في سدة الحكم، وهو ما دفع رئيس الكنيست رؤوفي ريفلين لاتهامه بالخيانة وانه خان رفاقه وحلفاءه وانه لا بد سيدفع ثمن هذه الخيانة, وهو نفس الكلام الذي قاله عنه المتدينون في شاس أو غيرها من الأحزاب, لأنه تخلى عنهم لمجرد أن يكسب رضى لبيد صاحب اكبر أصوات واكبر شعبية وسط الطبقة الوسطى في تل أبيب.

كذلك فحكومة نتنياهو الثالثة حكومة مستوطنين بما في الكلمة من معنى، وهناك من يقول أنه لن يجرؤ على معاداتهم، وانه لو فعل ذلك فلن يترددوا في قتله مثلما فعلوا مع سلفه الإرهابي اسحق رابين، وإذا كان هناك من يعتقد أن العام 2005 حين قام الإرهابي آرئيل شارون بالانسحاب من غزة يشبه العام 2013 من ناحية المستوطنين فهو واهم. لان كلمة المستوطنين اليوم أصبحت فوق كلمة حكوماتهم. فهم لا يسترضون الحكومات الإسرائيلية وإنما تلهث الحكومات الإسرائيلية من اجل استرضائهم.

فكيف نجح نتنياهو في توريط يائير ليبيد في وزارة المالية ليواجه المتدينين والجيش والمستوطنين في أية محاولة لتعديل التوزيع المالي للميزانية؟. هل يكون قد لف الحبل حول عنقه؟. ولكن كيف تمكن نتنياهو من تشكيل حكومة في كيان لا يوجد فيه اليوم حزب كبير يستطيع تنفيذ برنامج سياسي؟. وفي ظل عدم وجود برنامج سياسي عند الأحزاب الإسرائيلية فكيف ستتمكن تسيفي ليفني من إعادة إطلاق المفاوضات مع السلطة الفلسطينية؟ وإذا كانت هذه هي الحكومة الثالثة لرئيس الوزراء نتنياهو فهل نكون أمام انتفاضة فلسطينية ثالثة؟.

مساومات وألاعيب

قبيل الإعلان عن تشكيل الحكومة طفحت الصحافة الإسرائيلية بالتقارير عن المماحكات والمساومات والألاعيب التي جرت في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وخصوصاً في المفاوضات الائتلافية بين "الليكود بيتنا" بزعامة بنيامين نتنياهو و"هناك مستقبل" بزعامة الإعلامي يائير لبيد. حيث لم يغير من هذه الصورة واقع اتفاق الفرقاء على حل وسط يتقاسم فيه "الليكود بيتنا" و"هناك مستقبل" وزارتي التعليم والداخلية. وبموجب الاتفاق ينال "هناك مستقبل" وزارة التعليم المشتهاة ويأخذ الليكود وزارة الداخلية المهيمنة.

إلا أن المفاوضات والمماحكات كانت القصة والحكاية. فحكومة تبدأ بهذا القدر من الإشكالات هي حكومة الاضطرار التي لا يرى أي طرف فيها أنها حكومة الخيار. فنتنياهو اضطر لقبول نفتالي بينت وحزبه "البيت اليهودي" شركاء له وما كان يرغب في حكومة تخلو من حلفائه الطبيعيين في الحزبين الحريديين: "شاس" و"يهدوت هتوراه". ولأن "هناك مستقبل" يعرض نفسه كبديل لنتنياهو وحكمه، فإن الأخير لم يكن يرغب لا في أن يمتلك يائير لبيد هذه القوة، وأكثر من ذلك لا يرغب في استخدامها وإظهار هذا الاستخدام.

وبذلك يكون "هناك مستقبل" قد حقق أهدافاً جوهرية مهمة أبرزها إبعاد الحريديم عن الحكومة والاتفاق على صيغة تجنيدهم في الجيش، وفضلاً عن ذلك كله انتزع بقوة وزارة التعليم بعدما كان قد صارع على وزارة الخارجية. وأمام كل ذلك بدا نتنياهو يشعر أن لبيد يقامر، وأنه لا يريد التواجد في الحكومة بقدر ما يريد إظهار عضلاته وصولاً للاستعداد لخوض انتخابات جديدة.

وهكذا انفرجت الأزمة بوساطة نفتالي بينت الذي عرض اقتراح تقاسم الحقيبتين المختلف بشأنهما بعدما كانت المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود. وشكّل مقترح بينت الشامل نهاية للتهديدات المتبادلة بمنح وزارة التعليم لشاي بيرون من "هناك مستقبل" وتنازلهم عن مطلب وزارة الداخلية. ولكن المقترح لم يتوقف هنا بل منح "البيت اليهودي" رئاسة لجنة المالية في الكنيست التي طالب بها، ومقابل ذلك يُعدل عدد الوزراء بإضافة وزير لحركة تسيبي ليفني هو عمير بيرتس، وينال الليكود نائب وزير آخر. وتضمن الاقتراح أيضاً عقد لقاء ثلاثي بين قادة الليكود و"هناك مستقبل" و"البيت اليهودي" لإتمام إبرام الاتفاق نهائياً وإعلانه.

وقبل الإعلان عن الاتفاق على تشكيل الحكومة بيوم واحد بلغ التوتر ذروته حينما أعلنت جهات ليكودية أن نتنياهو وجه إنذاراً ليائير لبيد مفاده: "إذا لم تتنازل فسوف أبدأ مفاوضات سريعة مع الحريديم لتشكيل ائتلاف آخر". وكان المقصود وجوب إنجاز الاتفاق خلال ساعات وإلا. وصارت المسألة برمتها، عند لبيد، تتلخص في كلمتين: حكومة ائتلافية أم انتخابات معادة؟ ولكن نتنياهو حاول أن يقول أن لديه خيار ثالث، وهو حكومة الـ55 نائباً بين "الليكود بيتنا" و"شاس"و"يهدوت هتوراه" و"حركة ليفني".

صحيح أن هذه حكومة لو تشكلت ستكون حكومة أقلية مع الحريديم، ولا تحظى بشعبية واسعة خصوصاً في الوسط السياسي لكنها في نظر نتنياهو أفضل من حكومة تبدأ بتقييد حركته وإضعافه. وحكومة الأقلية في كل الأحوال خيار مر هو الآخر. غير أن العودة إلى استخدام هذا الخيار يظهر أن نتنياهو و"الليكود بيتنا" وصلوا إلى الحد الأقصى من التنازلات في المفاوضات مع التحالف الثلاثي.

غير أن خيار الائتلاف في حكومة أقلية مع الحريديم كان خياراً قائماً طوال الوقت منذ ظهور نتائج الانتخابات. وكان أفيغدور ليبرمان من دعاة هذا الخيار الذي سيقود لاحقاً، بحسب رأيه، إلى شق "البيت اليهودي" وانضمام عدد من أعضائه إلى الائتلاف. طبعاً هذا إذا لم يأت نفتالي بينت شخصياً، وإذا لم يتفكك التحالف الثلاثي. عند ذلك ارتفعت بعض الأصوات في "البيت اليهودي" تقول إنها غير مستعدة لانتخابات معادة، ولا تريد الركض وراء أهواء يائير لبيد. وهذا ما حدا بنفتالي فوراً، إلى إبلاغ ما أسماهم "رفاقي في الليكود" أن ينسوا أمر توجيه تهديدات لـ"صديقي" يائير لبيد.

غير أن الكلام الجميل والمنمّق من بينت لم يخف واقع أن التحالف الثلاثي بات يعاني من خطر التفكك الحقيقي. فتقريباً نال "البيت اليهودي" ما يريد من وزارات وربما أن مطلبه الوحيد الباقي هو ترؤس لجنة المالية في الكنيست.

المهم في الأمر أن الخلاف الوزاري ظل قائماً بين الليكود و"هناك مستقبل" تحت الرماد. ويوحي كلا الطرفين بأن المعركة الدائرة ليست معركة شكلية، وإنما هي تعبير عن خلاصة فكر الحزبين. فمن يسيطر على التعليم يمكنه أن يوجه الإسرائيليين إلى حيث يريد.

وفي هذا السياق بدا، زعيم "البيت اليهودي" أقرب إلى الوسيط منه إلى الشريك والحليف للبيد. وربما أن نتنياهو يعتبر ذلك أول إنجاز له، الأمر الذي قد يوحي بأن العلاقات داخل الحكومة سوف تكون مغايرة لما كان أثناء المفاوضات. وكان نتنياهو يخشى أن يبقى لبيد وبينت حلفاء داخل الحــكومة، ويبـقيان "الليكود بيتنا" أقلية إذا تحالفا مع تسيبي ليفني.

حكومة مشوهة

وهكذا نجح نتنياهو في إنجاز عملية تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، برئاسته، بعد مفاوضات طويلة ومتعثرة تمخضت عنها ولادة حكومة مشوهة "إيديولوجياً"، حيث ضمت أقطاب اليمين المتشدد المتمثل في كتلة "الليكود - بيتنا" ويمين الوسط "البيت اليهودي"، بجانب صقور اليسار المتمثل في حزبي "هناك مستقبل" و"الحركة"، ليضم الائتلاف 68 نائباً من نواب الكنيست الـ120.

ويعد موشيه يعالون الذي حصل على حقيبة وزارة الدفاع من أبرز المتطرفين في "الليكود"، والمعروف بتصريحاته ومواقفه المتشددة وأفكاره العدوانية ضد دول الجوار لإسرائيل، وعلى رأسها مصر وسوريا.

وكان قد صرح "يعالون" عقب تسلمه حقيبة الدفاع بأن إسرائيل والأجهزة الأمنية ستواجه خلال السنوات القريبة، تحديات كبيرة وتهديدات، على حددوها الجنوبية من جانب شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان وتهديد نووي إيراني وحالة عدم استقرار في العالم العربي والأزمة الاقتصادية في تل أبيب، ومسألة المساواة في تحمل العبء داخل الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية.

وتتسم حكومة نتنياهو الجديدة بمزيد من التطرف مع تولي نائب الكنيست المتطرف موشيه يعالون حقيبة وزارة الدفاع ونفتالى بينت ملف القدس والمستوطن المتطرف أورى آرئيل حقيبة وزارة الإسكان، والمعروف بمواقفه المتشددة ببناء المزيد من المستوطنات.

ولا يتوقع المحللون الإسرائيليون أن تعمر هذه الحكومة طويلاً، بسبب وجود معسكر قوى "بينت - لابيد" بوجه نتنياهو داخل الحكومة، حيث اضطر الأخير إلى تقديم عدة تنازلات أمام شريكيه الجديدين، وبالتالي إذا استمرت حالة الجذب والشد فإنها حتما ستقود إلى أزمة تنفجر فى أى وقت، وذلك إلى جانب احتمالات تعرض شريك نتنياهو الرئيسي أفيجادور ليبرمان للمحاكمة، وعدم قدرته على تولى منصب مهم في الحكومة، وهذا يجعله أقل تمسكا بالحكومة، واستبعاد المتشددين دينيا "الحريديم".

وكان نتنياهو قد أشاد بالاتفاقات الائتلافية التي تم التوصل إليها بين "الليكود" من ناحية وحزبي "هناك مستقبل" و"البيت اليهودي" من ناحية أخرى، حيث قال إن الحكومة الجديدة ستعمل من أجل جميع "مواطني إسرائيل"، على حد قوله.

وحصل حزب "هناك مستقبل" الذي يترأسه الإعلامي الإسرائيلي الشهير يائير لبيد على خمس حقائب وزارية، بينها وزارة المالية التي ستسند إلى رئيس الحزب، كما أسندت للحزب رئاسة لجنة شئون استيعاب القادمين الجدد البرلمانية ولجنة الكنيست للنهوض بمكانة المرأة واللجنة الخاصة بمراجعات الإسرائيليين، كما سيتم تعيين أحد نواب الحزب نائباً لوزير التضامن الاجتماعي.

وتم إسناد 3 حقائب وزارية إلى حزب "البيت اليهودي" وعُين رئيسه نفتالي بنيت وزيراً للاقتصاد والتجارة، كما سيرأس اللجنة الوزارية لشئون غلاء المعيشة وتخفيف المركزية في المرافق الاقتصادية وتشجيع التنافسية، كما تم تعيين عضوين للحزب في منصبي نائب وزير الشئون الدينية ونائب وزير التربية والتعليم، كما سيتولى الحزب رئاسة لجنة المالية البرلمانية.

ومن بين البنود التي تنص عليها الاتفاقات الائتلافية الجديدة وضع قيود على عدد أعضاء مجلس الوزراء، لكي لا يتجاوز الثمانية عشر في الانتخابات المقبلة، وذلك علاوة على رئيس الوزراء، كما لن يتم تعيين وزراء دولة، ولن يتم تعيين أكثر من 4 نواب وزراء، وسيكون من الممكن تعديل هذا البند بعد الحصول على تأييد 70 نائباً في الكنيست فقط، وسيتم حجب الثقة عن الحكومة بأغلبية 65 عضواً في الكنيست فقط، كما تقرر زيادة نسبة الحسم في الانتخابات إلى 4%.

وفى مجال التعليم، تقرر أن يقوم وزير التربية والتعليم خلال فترة أقصاها 6 أشهر من تشكيل الحكومة الجديدة ببلورة منهج تعليمي للمواد الأساسية، ينطبق على جميع التلاميذ في إسرائيل.

أما رئيسة حزب "الحركة" تسيبي ليفنى التي كانت أول من قام بالتوقيع على الاتفاق الائتلافي مع نتنياهو، فلقد حصلت على وزارة العدل، بجانب تكليفها أيضاً بملف مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني.

ولكن أبرز الخائبين، فهو نائب رئيس الحكومة الحالي سيلفان شالوم الذي يأمل نتنياهو إبقاءه في منصبه وزيراً لتطوير النقب والجليل، في حين كان هو يطمح لتطوير مكانته بحيث يغدو وزيراً للشؤون الإستراتيجية. ويختلف شالوم عن سواه بأنه شرقي ويميل للتهديد، وهذا أمر حساس الآن في ظل اعتبار الحكومة الحالية حكومة أشكيناز.

وبديهي أن من بين الخائبين أيضاً وزير المالية السابق يوفال شتاينتس الذي يشعر أنه مضطر للقبول بمنصب أقل قيمة. ويمكن الإشارة إلى أن عناوين الخيبة هذه تثير تقديرات باحتمالات تفجّر الوضع في الليكود لاحقاً.

ولكن المسـألة ليست شخصية وحسب وإنما تتعلق بتوجهات الحكومة في المستقبل. وهكذا فإنه مقابل التفصيل في كل ما يتعلق بالسياسة الداخلية في الخطوط الأساسية للحكومة هناك ما يشبه الغياب عن السياسة الخارجية، خصوصاً إزاء التسوية. فقد تناول الاتفاق الائتلافي المسألة الفلسطينية بشكل بالغ العمومية، وأشار إلى أن "إسرائيل ستسعى إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بهدف الوصول إلى اتفاق سياسي معهم ينهي النزاع. إذاً ما تحقق اتفاق سياسي فسيعرض لإقراره على الحكومة، والكنيست، وإذا كانت حاجة فعلى استفتاء شعبي". وتجدر الإشارة إلى أن بند السلام لا يرد إلا في النقطة قبل الأخيرة من الاتفاق الائتلافي مع "هناك مستقبل"، ولا يظهر البتة في الاتفاق مع "البيت اليهودي".  

في كل الأحوال تمنح الحكومة الجديدة خصومها في المعارضة أوراقاً كافية لمهاجمتها. فهذه الحكومة، في نظر المتدينين، علمانية معادية للمتدينين برغم وجود حزب ديني فيها.

حكومة للقتل والاستيطان

كما هو معروف فقد عُيّن الجنرال الإرهابي موشيه يعالون، وزيراً جديداً للحرب في الكيان الصهيوني، وهو من العناصر الأشد إرهاباً في حزب "الليكود"، عارض الانسحاب العسكري من قطاع غزة، ويرفض تجميد الاستيطان، لكنه أكثر حذراً بشأن البرنامج النووي الإيراني. وشغل يعالون (62 عاماً) منصب رئيس هيئة الأركان، وكان يطمح إلى الحصول على حقيبة وزارة الحرب منذ دخوله المعترك السياسي عام 2008 في حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو حيث قدم نفسه وقتها بصورة "الجندي الأول في إسرائيل". لكن كان عليه الانتظار قليلاً لتحقيق حلمه في هذه الحكومة بعد أن كان وزير "الشؤون الإستراتيجية". 

وقاد يعالون المظلي السابق، عام، 1988 كوماندوز هيئة الأركان، وشارك مباشرة في اغتيال القائد الفلسطيني أبو جهاد خليل الوزير عام 1988 في تونس.

وعيّن يعالون، وهو من أوكرانيا، جنرالاً في العام 1995 وأصبح رئيساً لوحدة الاستخبارات، ثم تسلم قيادة منطقتي الشمال والوسط قبل أن يصبح رئيساً لهيئة الأركان عام 2002. وبنى هذا الجنرال السابق لنفسه صورة "المتشدد"، حيث كان خلال خدمته العسكرية في طليعة من قاموا بقمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وفي عام 2002 لم يتردد في وصف الفلسطينيين بـ"السرطان".

وفي عام 2005 قرر إلغاء زيارة إلى بريطانيا على خلفية قضية مرفوعة ضده باعتباره المسؤول عن اغتيال القيادي في حركة حماس صلاح شحادة في 22 يوليو/تموز 2002.

عام 2009 انتخب نائباً على لائحة الليكود، وقال في أحد تصريحاته مندداً بالضغوط الأمريكية "لست خائفاً من الأمريكيين ولكن في الحكومة هنالك من هم خائفون من أوباما".

وفي ما يتعلق بمسألة البؤر الاستيطانية العشوائية فإن يعالون يعارض تفكيكها. ويعتبر أن اليهود يستطيعون ويتوجب عليهم العيش إلى الأبد في جميع أرض فلسطين التي وصفها بـ"الحدود التوراتية". وهاجم يعالون في عام 2009 حركة السلام الآن المناهضة للاستيطان ووصفها "بالفيروس". وعارض أيضاً اتفاقية التبادل مع حركة حماس عام 2011 التي خرج بموجبها 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.

وعززت حكومة نتنياهو الجديدة، ثقل لوبي المستوطنين القوي مع تخصيص عدد من الحقائب الرئيسة لمدافعين شرسين عن الاستيطان.

ونجح نتنياهو في تشكيل حكومة أكثر رسوخاً في الإرهاب والتشدد، ويتوقع المحللون أن تنعكس "تعزيزاً ملحوظاً لقوة المستوطنين". ورغم أن الائتلاف الحكومي الجديد يضم تنظيمي الوسط، يش عتيد (19 مقعداً) والحركة (ستة مقاعد)، المنفتحين على تسوية مع الفلسطينيين، إلا أن الغلبة فيه لتحالف "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" (31 مقعداً) والبيت اليهودي (12مقعداً) القريب جداً من المستوطنين. 

وقال الصحفي باراك رافيد في صحيفة "هآرتس" إن "معظم المراكز الرئيسة ستسند إلى مستوطنين أو إلى داعمين لهم"، موضحاً أن ذلك بمثابة "إدخال الثعلب في عش الدجاج".

فمن المعروف أن يعالون من أكثر داعمي المستوطنين وأشد المعارضين لأي تجميد. كما أن وزير الإسكان أوري ارييل، المسؤول الثاني في حزب "البيت اليهودي"، الذي يقيم في مستوطنة بالضفة من أشد المعارضين لقيام دولة فلسطينية. وقالت هاغيت عوفران متخصصة الاستيطان في السلام الآن، المنظمة غير الحكومية، أن "وزير الإسكان له دور كبير في بناء المستوطنات ويمكنه خلق أمر واقع على الأرض". والبيت اليهودي، الذي يتزعمه رجل الأعمال نفتالي بينيت، سيسيطر أيضاً على اللجنة البرلمانية للمالية، اللجنة القوية التي تقوم بدور حاسم في توزيع الميزانية.

كما حافظ رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، على بقاء الوزارات السيادية والحساسة بالنسبة للفلسطينيين، تحت سيطرة شخصيات دينية ومتطرفة. وظهر ذلك جلياً بعد إعلانه عن تشكيلة حكومته الجديدة، التي يوكل فيها وزارة شؤون القدس، ووزارة الجيش، ووزارة الإسكان لشخصيات متطرفة، وصلت إلى دفة الحكومة عن طريق أحزاب دينية يهودية متشددة.

وقال عضو الكنيست "الإسرائيلي" عن حزب العمل الذي بقي في المعارضة "يتسحاق هرتسوغ" قال، "إن الحكومة الجديدة ذات طابع يميني عقائدي مما يجعلها عاجزة عن تحريك عملية سياسية جدية". وأشار إلى أن هذه الحكومة  تقوم على تحالف بين أصحاب رؤى اليمين الاقتصادي، ما يعني أن سياساتها ستضرّ بمصالح الطبقات الوسطى والضعيفة.

صحيفة يديعوت أحرنوت من جهتها أشارت إلى أجواء الارتياح والتفاؤل لدى المستوطنين بالتشكيلة الحكومية الجديدة. وقال مسؤول استيطاني رئيس مجلس بنيامين "ابي روئا"، "نأمل أن تنضج المسببات المؤدية إلى الاستقرار وضمان استمرار الاستيطان خلال فترة الحكومة المقبلة".

وجاءت أقوال "روئا" بعد أن أعلن نتنياهو عن تولي موشيه يعالون وزارة الجيش عن حزب الليكود اليميني، وأوري أريئيل لوزارة الإسكان "الإسرائيلية" التي ستهتم في البنى التحتية في المستوطنات، وتسهيل البناء فيها، وإقرار الخطط الاستيطانية، وهو أصلا مستوطن في الضفة المحتلة.

ليس ذلك فقط، بل إن الوزارة التي تعتبر أكثر حساسية للفلسطينيين هي وزارة شؤون القدس ويهود الشتات، التي منحها نتنياهو في ائتلافه الجديد إلى رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت، إضافة إلى وزارة الصناعة والتجارة "الإسرائيلية".

ويعرف بينيت بأنه لا يقبل بتقسيم القدس بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، ويرى أن القدس كاملة من حق اليهود، ولا يؤمن باتفاق أوسلو، بل يعارض بكل صراحة إقامة دولة فلسطينية، "أعتقد أنه في حال قيام دولة فلسطينية سوف يؤدي هذا إلى عشرات السنوات من المعاناة والحرب لكلا الطرفين"، كما أنه يعارض بناء الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام (48)، وإخلاء المستوطنات.

ويسعى بينيت اليوم إلى تعزيز مكانته كأحد رموز الصهيونية المتدينة في "إسرائيل"، حيث أنه يمثل اليمين المتطرف، فقائمة حزبه اتهمت في أكثر من مرة بأنها قائمة متطرفة للغاية، وبأن ميثاق الحزب يطمح إلى إقامة دولة تسير حسب الشريعة اليهودية.

ترحيب غربي

ذكرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن السفير الأمريكي "دان شايبرو" جلس لكتابة برقية مطولة إلى البيت الأبيض قبيل زيارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ليقدم من خلالها تقريراً عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

وأشار السفير في تقريره أن هناك حقيقة واضحة تشير إلى أن "بنيامين نتنياهو" أصبح أضعف، وأصبح رهينة سياسية لجميع شركائه في الائتلاف، لافتاً أن هناك ارتفاعاً كبيراً في قوة المستوطنين في حكومة "نتنياهو" الثالثة، وأنه لم يتم الانتهاء من تشكيل الحكومة بعد، ولكن يبدوا أنه سيتم إشغال معظم المناصب الوزارية من قبل المستوطنين ومؤيديهم.

وقال السفير يمكننا إن نفترض أن منصب وزارة الإسكان سيتولاه "أورى أرئيل" الذي سيخصص قدراً كبيراً من وقته لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتقديم المزيد من العطاءات والبناء في الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، وبالتأكيد سوف يقول بأن البناء في المستوطنات سوف يساهم في توفير وانخفاض أسعار المساكن.

وأشار السفير إلي أن وزير الحرب الجديد "موشيه يعالون" يعتبر من بين الشخصيات المفضلة لدى المستوطنين في الليكود وهو سيكون مفتاح البناء في المستوطنات وبإمكانه فتح وإغلاق هذا الصنبور متى شاء، وأنه كان قد هاجم سياسة سلفه "أيهود باراك" في الموافقة على البناء في المستوطنات، وفي إحباط إطفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير الشرعية، وأوضح "يعالون" أنه يعتزم تغيير هذه السياسة.

وأردف السفير أنه على عكس السنوات الأربع الماضية زعماء المستوطنين سيكون لهم باباً مفتوحاً أمام مكتب وزير الجيش، وسوف يجدون ما يطمحون إليه في مكتبه، وكذلك لدى نائب وزير الجيش حيث من المقرر تعيين "زئيف إلكين" في هذا المنصب، وسيكون مسئول عن هذه القضية برمتها.

وأضاف السفير أن القائمة تطول فتولي "نفتالي بينت" رئيس حزب البيت اليهودي منصب وزير الصناعة والتجارة والعمل يمكنه من خلاله إعادة رسم خريطة الأولويات الوطنية وتقديم الفوائد والإعانات الحكومية لبناء مزيد من المستوطنات، وسيحاول إقناع العالم أنه لا يوجد شعب فلسطيني والمستوطنات قانونية في الواقع.

وأكد السفير على أن  "يائير لبيد" رئيس حزب "يش عتيد"  لا يعتبر المستوطنات مشكلة في حملته الانتخابية وهو عارض تجميد البناء، وقال أنه لن يكون الشخص الذي يوقف زيادة تمويل المستوطنات. كما سيكون لدى زعيمة حزب "الحركة"  "هتنوعاة" تسيفي ليفني وزيرة العدل الكثير من الوقت للتعامل مع المحاكم، والتفاوض مع الفلسطينيين، وقال أيضاً أن "نتنياهو" الذي طبخ هذا الحساء الآن سوف يأكله، ومستشاريه يحذرونه من الضرر الذي تسببه المستوطنات ويؤيدون تجميدها حتى لو جزيئاً فقط. وختم السفير "شابيرو" رسالته محذراً لأنه: "إذا لم تظهر القيادة والمسئولية فإن الحكومة الاستيطانية سوف تصبح معزولة دولياً.

وأعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن رغبته في "العمل في شكل وثيق" مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي شكلها رئيس الوزراء نتنياهو، وفق بيان صادر عن البيت الأبيض. وقال الناطق باسم الرئاسة الأمريكية أن "الرئيس أوباما يأمل العمل في شكل وثيق مع رئيس الوزراء والحكومة الجديدة في إسرائيل من اجل التصدي للتحديات العديدة التي تواجهنا ودفع مصلحتنا المشتركة في السلام والأمن".

من جهتها رحبت بريطانيا بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مطالبة في الوقت نفسه بضرورة السعي الدولي لحل القضية الفلسطينية، التي ستفيد كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقال وزير الخارجية، وليام هيغ، في بيان رسمي، اليوم الأحد: "أهنئ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على استمراره في رئاسة الحكومة لفترة جديدة في مثل هذا الوقت الهام في التاريخ الإسرائيلي." وأضاف: "نتطلع للعمل مع الحكومة الجديدة لتعزيز التنمية والعلاقات الثنائية وتعزيز الشراكة الناجحة في العديد من المجالات؛ ومنها التجارة والأمن والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي." وأشار هيغ، إلى ما أوضحه في الماضي القريب، حول ضرورة وضع حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على رأس أولويات السياسة البريطانية الخارجية.

وقال الوزير: "لقد طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الجهود الدولية لإحياء عملية السلام، وتعهدت بأن المملكة المتحدة لن تدخر أي جهد لتعبئة الاتحاد الأوربي والدول العربية خلفها وصولاً إلى السلام."

وعبّر عن ترحيبه بزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط الأسبوع القادم مطالبا كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس بالعمل سويًا على تعزيز السلام، والذي يأتي في صالح كلٍّ من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

خلاصة القول: إن الحكومات الإسرائيلية مهما تغيرت وتبدلت وجوهها وتشكيلتها وتركيبتها الحزبية، فإن السياسة الرسمية المنهجية المعتمدة ستظل كما هي ولن تتغير، حيث أن الأحزاب الصهيونية، من يمينها وحتى يسارها، متفقة حول الرؤى والأهداف والبرامج والاستراتيجيات والمخططات العدوانية والاضطهادية تجاه الشعب الفلسطيني وحركة تحرره الوطني، وإزاء الجماهير  الفلسطينية الرازحة تحت وطأة القهر والتمييز العنصري والاضطهاد القومي والحرمان من الحقوق. فهؤلاء الشركاء متفقون بخصوص الحل للمسألة الفلسطينية، والاستيطان السرطاني وضرورة بناء المزيد من البؤر الاستيطانية في القدس الشرقية والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومبدأ فرض الخدمة المدنية على الشباب العرب كشرط أساسي لتحقيق المساواة للجماهير العربية. ولذلك لن يكون أي تغيير جوهري وجذري في السياسة الإسرائيلية الرسمية، الأمر الذي سيعكس أثره السلبي على المسار السياسي التفاوضي مع الفلسطينيين.

والواقع إن بنيامين نتنياهو، الذي قاد حكومتين في الماضي، سيواصل طريق التسويف والمراوغة والمناورة السياسية والنهج العدواني والاضطهادي تجاه شعبنا الفلسطيني بهدف تبديد وتصفية قضيته الوطنية وإلغاء حقوقه الأساسية، وضد جماهيرنا الفلسطينية لحرمانها من حقوقها، وضد الطبقات العمالية المسحوقة الكادحة، وذلك بالعمل على خصخصة الخدمات الأساسية وتقليص ميزانيات التعليم والرفاه الاجتماعي، وتبذير الأموال على الاستيطان والبؤر الاستيطانية السرطانية في الضفة الغربية.

لذلك كله يمكن القول، انه على ضوء التركيبة للحكومة الجديدة، سوف تتواصل مخططات هدم البيوت العربية غير المرخصة، ومشاريع الاقتلاع ومصادرة الأرض العربية وخاصة في منطقة النقب، لأجل تضييق الخناق ومحاصرة وتطويق الوجود الفلسطيني في هذا البلاد وتحقيق الحلم الصهيوني الأبرتهايدي بإفراغ "الوطن اليهودي" من السكان العرب. أمام هذا المشهد الإسرائيلي المتشدد والمتطرف ليس أمام الفلسطينيين إلا الانتفاضة الثالثة.

اعلى الصفحة