العناصر المؤكدة لوحدة الأمة الإسلامية
قراء معاصرة

السنة الثانية عشر ـ العدد135 ـ ( ربيع ثاني ـ جمادى أولى 1434  هـ ) آذار ـ 2013 م)

بقلم: المحامي الشيخ مصطفى ملص

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أليس من الغريب في القرن الميلادي الواحد والعشرين وبعد مرور أربعة عشر قرناً على بعثة النبي(ص) أن نكتب ونتحدث لنؤكد أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، أو لندعو إلى هذه الوحدة التي اثبتها المولى عز وجل في قرآنه الكريم بقوله عز وجل: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(الأنبياء:92)، وبقوله في آية أخرى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(المؤمنون:52).

إن النصوص الشرعية أو الدينية من كتاب وسنّة كلها تثبت وحدة أمة المسلمين، وأن العرق أو اللون أو اللسان أو الانتماء الإقليمي كلها عناصر لا تؤثر في وحدة الأمة سلباً، وأن جامع المسلمين الأول والأساسي هو شهادة أن لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله، من آمن بها فهو مسلم، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولا يُعاب إنسانٌ على كفرٍ كان عليه بعد أن يدخل في الإسلام مهما كان هذا الكفر، شركاً أو إلحاداً أو إنكاراً لوجود الله عز وجل، أو عبادة وثنٍ أو صنمٍ أو كوكبٍ أو نارٍ أو عجلٍ، أو غير ذلك مما يتخذه الناس أرباباً من دون الله.

وإذا كان الدخول في الإسلام يكتمل بشهادة التوحيد، فإن مستلزمات هذه الشهادة حددها رسول الله (ص) المعروف في حديث"جبريل عليه السلام" الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي يبين فيه النبي الأكرم محمد (ص) أن أركان الإيمان وأركان الإسلام هي الإيمان بالله وملائكته و كتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من عند الله، وأن أركان الإسلام خمسة، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وأن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك... الخ.

فمن اجتمعت عنده أركان الإيمان وأركان الإسلام فهو مسلم، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم. وهكذا نجد أن النصوص جعلتنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها في تحديد من هو المسلم الذي هو جزء من امة الإسلام. أما الواقع فهو مختلف في كثير من نواحيه مع نصوص الكتاب والسنة، ونرى فيه من يستسهل القول بالتكفير أكثر بكثيرٍ من القول بصحة الإيمان، حتى أن بعضهم يكفر الناس احتياطاً، فلعل لديهم ما يخرجهم من الملة وهو لا يعلم به. وفي هذا خلافٌ لهدي وإرشاد وتعاليم المصطفى (ص)، الذي رضي من الناس إظهار إسلامهم ليحكم به، ولو كانوا منافقين، فكان يقول عليه الصلاة والسلام عن المتهمين في دينهم:" بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر".

ونرى بعض الناس يربطون الحكم بإيمان المرء وكفره بحسب موقفه من شخص معين من المسلمين كخليفة أو صحابي أو عالم أو صاحب مذهب فقهي أو فكري، وكأن ذلك من أركان الإسلام، وهذا تحميل للدين ما لا يحتمله، ولو فتح هذا الباب لكان شراً ووبالاً على الدين. نعم، الموقف من خليفة أو حاكم أو إمام بعد رسول الله لا يُخرج من الدين ولا يطعن في الإيمان.

ما يطعن في إيمان المرء أن يُكذّب أو يُنكر شيئاً ثبت في كتاب الله، أو قال به رسول الله(ص)، فهذا مخرج من الملة قطعاً، أما ما سوى ذلك فقد يكون ذنباً من الذنوب يتاب منه، أو يعاقب عليه. كما أن سابَّ الله أو رسوله وهو مدرك لما يقول كافرٌ لما في ذلك من الاستهانة بالله ورسوله ولكلٍّ حكمهُ عندَ الفقهاء.

إن ما نريد الوصول إليه هو ضرورة وضع منظومة تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله(ص) في تحديد من هو المؤمن أو المسلم ومن هو الكافر، ومن هو المرتد عن الدين ومن هو الفاسق ومن هو المبتدع أو صاحب البدعة في الدين لنضع حداً لفتنة التكفير التي تضرب اليوم بين المسلمين، فتفرق صفهم وتفسد وحدتهم وتجعلهم في ضياع يستفيد منه أعداؤهم والمتآمرون عليهم والطامعون في إضعافهم وتفريق صفهم، فليس للمسلم أن يكون عوناً لأعداء الإسلام على المسلمين، وليس له أن يترك نصرة إخوانه في الدين، فضلاً عن وجوب نصرة المظلومين أينما وجدوا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومن حديث رسول الله: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم".

إن أحوال المسلمين اليوم على اختلاف بلدانهم ليست بالجيدة، وقد تداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وهم متفرقون ضعفاء، متحاربون متنازعون، يضعون أنفسهم في خدمة خصومهم وأعدائهم، وهم أحوج ما يكونون إلى اجتماع كلمتهم ووحدة صفهم، وفقاً لكتاب ربهم وسنة نبيهم (ص)، لذلك نحن مضطرون لأن نتحدث عن العناصر التي تؤكد على وحدة أمة محمد (ص).

العناصر المؤكدة لوحدة الأمة الإسلامية

المسلمون هم الذين صدّقوا برسالة محمد (ص)، وآمنوا بالله رباً وبمحمد رسولاً ونبياً، وبالقرآن كتاباً منزلاً من عند الله عز وجل، وآمنوا بالغيب الذي تحدث عنه القرآن الكريم كاليوم الآخر والحساب والجنة والنار، والجن والشيطان وغير ذلك من الأمور التي اخبر عنها القرآن الكريم سواءٌ مما هو كائن في المستقبل أو مما كان في الماضي، أو مما هو متعلق بما في السموات والأرض.

وهذا الإيمان هو الذي يوحدهم ويجعلهم امة من دون أمم الأرض جميعها، وعندما نتحدث عن أمة فهذا يعني أننا نتحدث عن جماعة من البشر، لهم غايات مشتركة في الحياة يسعون إلى تحقيقها، وأول هذه الغايات الحفاظ على ذات الأمة، والحفاظ على ملامحها ومميزاتها التي تمتاز بها، وعلى مصالحها التي تساعد على ذلك، فالانتماء إلى الأمة يحتم الالتزام بالحفاظ عليها، وإلا تحول أبناء الأمة إلى مرض ينخر في بنيانها ويحطم الأسس التي تقوم عليها.

وإذا عدنا إلى القرآن الكريم سنجد الكثير من الآيات التي تحثنا على ذلك، وتنهانا عن التنازع والفرقة، وعن الاقتتال والخصام، وتدعونا لكي نكون مصلحين في امتنا ومجتمعاتنا ومن هذه الآيات قوله عز وجل:

1- ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾(الأنعام: من الآية 159)

2- ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾(الأنفال: من الآية 46)

3- ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾(آل عمران: من الآية103)

4- ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾(التوبة: من الآية 71)

5- ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾(الأنفال: من الآية 60)

إن هذا الكم من الآيات الكريمة وغيرها تدعو للحفاظ على الإسلام بل على وحدة الأمة كي تبقى قوية عزيزة منيعة قادرة على صد الأعداء، وهذا ما يؤدي إلى الحفاظ على بقاء الأمة وحفظ وجودها، ليس كأفراد فقط، وانما كقيم ومبادىء وتعاليم وشريعة....الخ.

يقول رسول الله(ص): "المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.."

وهذا الحديث النبوي يتحدث عن حق المسلم على المسلم، وعن مسؤولية المسلم عن المسلم، وفيها وجوب إنصافه وتقديره والدفاع عنه ونصرته إذا احتاج إلى النصرة، وان شخص المسلم وماله وكرامته محرم على المسلم أن ينال منها أو أن يسمح لأي احدٍ مسلماً أو غير مسلمٍ أن ينال منها.

العناصر الإيمانية والعبادية

المسلمون على اختلافهم يعتقدون بما يلي:

1- الإيمان بالله الواحد الأحد بأسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يلق بكماله وجلاله.

2- الإيمان بنبوة ورسالة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أنه رسول مرسل من الله عز وجل لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

3- الإيمان بأن القرآن الكريم كتاب الله المنزل على رسوله محمد(ص)، وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الموجود بين دفتي المصحف لا زيادة فيه ولا نقصان، وهو المتعبد بتلاوته في الصلاة. ولا صحة لكل تهمة تزعم أن فريقاً من المسلمين يقولون بنقصه أو تحريفه أو الزيادة فيه، ما دام من ينسب إليهم القول ينفون ذلك عن أنفسهم.

4- الإيمان بالمغيبات التي تحدث عنها القرآن الكريم كالملائكة والحشر والجنة والنار والجن وغيرها.

5- الإيمان بأركان الإيمان، وبأركان الإسلام وهي الصلاة والصيام والزكاة والحج بالإضافة إلى الشهادتين على الرغم مما يمكن أن يكون هناك من اختلافات في التفاصيل الفقهية.

6- أداء عبادة الحج في وقتٍ واحد وشكلٍ واحد دون أي تمييز بين مذهب ومذهب أو فئة وفئة.

7- اتفاق الجميع على أن من أنكر أمراً من هذه الأمور الستة التي ذكرناها لا يكون مسلماً.

هذا من ناحية الإيمان والعبادات والشعائر، أما من ناحية الأمور الأخرى المؤكدة لوحدة الأمة وللزوم أن تكون الأمة واحدة موحدة فمنها:

المصلحة العليا للأمة

يبلغ تعداد المسلمين في العالم اليوم مليار ونصف مليار نسمة بالحد الأدنى، لذلك هم من أكبر الأمم عدداً في البشرية، وهم منتشرون على اتساع رقعة الكرة الأرضية إما كشعوب أصيلة أو كجاليات وافدة إلى دول غير إسلامية أو كأقليات مسلمة في بلدان أخرى.

والعالم الغربي يواجه المسلمين كأتباع ديانة واحدة، لا يفرق بين شعبٍ وآخر ولا بين مذهب ومذهب، ولا يرضى العالم الغربي غير المسلم إلا أن تكون الشعوب الإسلامية مجرد تابع لسياساته، تأتمر بأوامره، وتحافظ على مصالحه، ثم إن السياسة العالمية اليوم تقوم على نهج القوة، وعلى نفوذ التكتلات العالمية الكبيرة، فهناك اتحادات فيدرالية مثل الولايات الأمريكية المتحدة، وهناك اتحادات كونفدرالية مثل الاتحاد الأوروبي، وهناك أحلاف عالمية بين دول متعددة جمعت بينها مصالح خاصة مثل حلف شمال الأطلسي، ودول البريكس، وجماعة جنوب شرق آسيا وغيرها من الأحلاف السياسية والاقتصادية والعسكرية، وغالباً ما ترفض هذه الأحلاف أن يكون من ضمنها دول إسلامية إلا إذا كانت تابعة وهامشية وخاضعة لشروطهم. فهل من مصلحة المسلمين في ظل هذا الواقع العالمي أن تبقى مصالحهم مهددة، وقرارهم مصادراً وتأثيرهم في السياسة العالمية ضعيفاً أو معدوماً؟.

بالتأكيد ليس هناك عاقلٌ يرضى بذلك أو يقول به، إن العالم الإسلامي الذي يتمتع بثروات هائلة من النفط والمعادن والبحار والأراضي الزراعية والتنوع المناخي لو قدر له أن يتوحد على أسس من الوعي والإيمان والحكمة لاستطاع الإفادة من ثرواته وقدراته التي تذهب اليوم هدراً وتتحكم بها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وبريطانيا التي لم تنخرط في الاتحاد الأوروبي بشكلٍ كامل.

إنه مما يؤسف له أن الدخل القومي للعالمين العربي والإسلامي لا يقاس بالدخل القومي لبعض الدول الأوروبية، فهناك دراسات تقول إن الدخل القومي لإسبانيا مثلاً وهي دولة ليست غنية في أوروبا وتعتمد في دخلها القومي على السياحة وعلى بعض الصناعات، يعادل الدخل القومي لمجموع الدول العربية بما فيها الدول النفطية، وان دخل ايطاليا يعادل دخل العالم العربي وإيران.

إن المطلع على أحوال الدول الإسلامية بمعظمها يدرك كم تعاني من الفقر والتخلف، فبعض الدول في أفريقيا مثلاً ما زالت بدون شبكة طرقات معبدة وبدون كهرباء أو هاتف، وتعاني نقصاناً هائلاً في الطب والمستشفيات والجامعات والمدارس، وأن أرضها متروكة بدون زراعة على الرغم من توفر الماء وخصوبة الأرض، وذلك بسبب عدم قدرة أهلها على تأمين الآلات المساعدة في الزراعة وبسبب عدم وجود المستثمرين من المسلمين وغيرهم ونضرب مثلاً على ذلك دولة السودان التي يمتنع العالم العربي والإسلامي عن مد يد العون لها، ما أدى إلى فشل الدولة في الحفاظ على وحدتها وقامت دولة جنوب السودان التي أصبحت مرتعاً لليهود والصهاينة يتخذون منها منطلقاً للنفوذ في القارة الأفريقية بشكلٍ عام.

إن دولاً مثل السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة تمتلك ثروات هائلة كدول وكأفراد أثرياء، وهي تستثمر هذه الثروات في أمريكا وأوروبا أو تضعها في البنوك الربوية، ومن المؤسف أن الإدارة الأمريكية هي التي تتحكم بهذه الثروات والودائع وتستطيع الحكومة الأمريكية بقرارٍ منها أن تحجز كل هذه الأموال أو أن تصادرها إذا شاءت وليس للدول العربية المعنية قدرة على منعها من ذلك.

فلو أن هذه الأموال وغيرها كثير استثمرت في العالم الإسلامي لحولت هذا العالم الى جنة من الخيرات ولقضت على ظاهرة البطالة التي تشمل أكثر من 40% من الشباب العربي والطاقات العربية.

ثم إن التجارة البينية بين دول وشعوب العالم الإسلامي لا تتجاوز نسبة 5% من الميزان التجاري لهذه الدول بينما تبلغ النسبة مع الغرب 95% على الرغم من أن هناك إمكانية لرفع هذه النسبة إلى 50% لو توجهت هذه الدول باتجاه العالم الإسلامي، ما سيؤدي إلى نتائج اقتصادية مذهلة على كافة الأصعدة.

ومن الملاحظ أن العالم الغربي يستورد المواد الخام من العالم الإسلامي بأسعار زهيدة ثم يعيد تصديرها إليه بعد تصنيعها بأسعارٍ خيالية بحيث يغطي جزءٌ صغيرٌ من المواد الخام المصنعة كلفة استيرادها كلها كمواد خام.

إن وجود حكام خاضعين للتأثير الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً، يعيشون الخوف على عروشهم ومناصبهم سوف يبقي العالم الإسلامي في حالة شلل تجاه هذا الوقع المؤلم, لذلك الأمل معقود على توعية الجماهير بالمخاطر الحقيقية التي تتهددها وأنها آتية من الغرب ومن أتباعه في المنطقة، هذه الجماهير التي تعمل أمريكا وإسرائيل والأنظمة العميلة لها على إيجاد عدّو وهمي من بين أبناء الأمة لصرف انتباه الأمة عن أعدائها الحقيقيين، سالبي قرارها وناهبي ثرواتها والمحتلين لأرضها ومقدساتها.

التعاون العلمي والتقني

لا سبيل للارتقاء بالحياة إلا بالعلم وامتلاك القدرة على إنتاج التقنيات الحديثة والمتطورة، ولقد امتلك العالم الغربي ناصية العلم فتحكم به بحيث يمنعه عمن يشاء ويبيحه لمن يشاء. وهذا الأمر ليس حديثاً في التاريخ الإسلامي وجد رجل حكم مصر بالقرن التاسع عشر أدرك أن تقدم المسلمين لا يكون إلا بالعلم والتصنيع فأراد أن يقيم دولة تهتم بالعلم والصناعة، وكان لهذا الحاكم وهو محمد علي باشا الارناؤوطي طموحات في توسيع الرقعة الواقعة تحت سيطرته، ووصل به الأمر إلى مواجهة الدولة العثمانية وحقق الانتصارات التي تؤكد على مقدرته في تحقيق طموحاته، فكانت النتيجة أن أوروبا جميعها وقفت ضد محمد علي باشا وتأمرت عليه ودعمت السلطنة العثمانية الهرمة رغم العداوة معها لإيقاف محمد علي باشا ومنعه من تحقيق غاياته. وقد فرضت الدول الأوروبية حظراً على تحول مصر إلى دولة صناعية وفرضت عليها أن تبقى دولة زراعية، وكانت مصر في ذلك الوقت مع اليابان وفرنسا في مستوى اقتصادي واحد. فأين أصبحت اليابان وفرنسا وأين أصبحت مصر اقتصادياً؟ اليابان وفرنسا من أقوى دول العالم اقتصادياً بينما مصر تتسول الحنطة من الولايات المتحدة الأمريكية.

وما زال القرار الغربي حتى الآن نافذاً بحق دول العالم الإسلامي بحيث يمنع على هذه الدول امتلاك العلم والصناعة والتقنية، ولا يسمح لها إلا بالصناعات التي أصبحت متخلفة قياساً على التقدم العلمي الحاصل في الغرب.

وما الموقف الأمريكي والغربي اليوم من البرنامج النووي السلمي الإيراني إلا تطبيق لهذه السياسة وهذا القرار، وهم يضغطون على إيران لوقف التخصيب ويعلنون استعدادهم لبيعها اليورانيوم المخصب لمفاعلاتها السلمية، والقصد من ذلك إبقاء التقدم العلمي في إيران تحت السيطرة الغربية للحد منه وصولاً إلى تعطيله وتدميره.

لذلك العالم الإسلامي يحتاج إلى وحدة سياسية تجعله قوياً وقادراً على مواجهة الحظر الغربي على العلوم والتقنيات، وقادراً أيضاً على تبادل الخبرات بين دوله وشعوبه، فلن يكون للعالم الإسلامي تقدم وتطور فعلي ما دام غير مستقل عن الإرادة الغربية، والتجربة الإيرانية خير نموذج، حيث تدل على أن هناك إمكانية لامتلاك ناصية العلم والتقنية والقدرة والقوة على الصمود والتحدي، ولكن الأمر يحتاج إلى قرار سياسي والى قيادة تعرف كيف تدير المواجهة مع الغرب المستكبر.

وحينما نتكلم عن التعاون العلمي والتقني لا نعني به فقط التعاون العسكري أو التسليحي، بل التعاون لحل كثير من المشاكل على صعيد التنمية الزراعية والصناعية والتعليمية والبيئية وعلى صعيد استثمار الثروات الطبيعية والثروات المائية البحرية والنهرية، والمطرية، وغير ذلك.

الوحدة وفتح الحدود

إن الوحدة بين الشعوب والدول الإسلامية سيكون لها اثر كبير على صعيد إلغاء الحواجز الجمركية وعلى صعيد انتقال الأفراد بين الدول والأقاليم وسيكون لها اثر اقتصادي كبير، لأن سوقاً ستنشأ بين ما لا يقل عن مليار إنسان، فكم ستوفر هذه السوق من فرص العمل أمام الطاقات العلمية والتجارية والصناعية والشبابية.

إن الحدود الوهمية بين الشعوب الإسلامية لم توجد إلا لخدمة الغرب الاستعمار وللتفريق بين أبناء الأمة الواحدة، لذلك تؤكد تجارب الأمم أن الاتجاه لإزالة الحدود وهو المصلحة الحقيقية،  فدول الاتحاد الأوروبي أزالت الحدود فيما بينها ويستطيع الأوروبي وغير الأوروبي الموجود في أوروبا أن يتنقل بين هذه الدول دون أن يعيقه عائق أو يسأله عن مساره سائل، وفي أمريكا نجد أن الحدود بين دول أمريكا الشمالية ليست أكثر من خطوط وهمية وأن المواطنين الكنديين والأمريكيين والمكسيكيين يدخلون ويخرجون بدون تأشيرة دخول، كما أن حركة تبادل السلع والبضائع جيدة بالكامل.

ماذا تعني الوحدة الإسلامية؟

ربما يتخوف البعض من دعوة الوحدة باعتبار أنها تلغي الخصوصيات بين الشعوب، وتؤدي إلى خضوع بعضهم للبعض الآخر، أو إلى تحكم الدول القوية بالدول الضعيفة. والبعض يفهم منها قيام نظام سياسي على رأسه خليفة أو حاكم قد يصبح دكتاتوراً أو طاغية بفرض إرادته وقراراته على الآخرين وربما كانت هناك مخاوف أخرى وجميع هذه المخاوف مشروعة وللناس الحق بها.

ولكن ما نريد قوله إننا لا نقبل بفرض تصور معين للوحدة بين المسلمين ودولهم، ولا ندعي أن هناك إطاراً سياسياً مجرباً أو محدثاً يشكل نموذجاً لهذه الوحدة.

إن إيجاد التصور حول الوحدة وإطارها السياسي أمرٌ متروك لأولى الشأن والاختصاص من رجال فقه وقانون دستوري واقتصاد وسياسة وأمن وجيش كل في مجاله واختصاصه، فقد تكون الصيغة دولة فيدرالية أو كونفيدرالية، أو اتحاداً أو حتى حلفاً، وقد يرى البعض اندماجاً وقد يرى البعض الآخر الحفاظ على أشكال من الدولة ضمن الاتحاد، إلى آخر ما هنالك من تصورات.

إن مسألة الوحدة الإسلامية وأطرها تشكل تحدياً أمام المسلمين عليهم أن يجدوا الصيغة التي تكفل قيام وحدة بينهم قابلة للحياة والاستمرار وتحقق في ذات الوقت الغايات والأهداف والمصالح العليا للوحدة الإسلامية، وأساس هذه الوحدة أن نقر جميعاً بأن من توفرت فيه أركان الإيمان وأركان الإسلام فهو مسلم له مالنا وعليه ما علينا، مهما تضاربت المصالح والرؤى والأفكار والنظرة إلى التاريخ أو إلى الرجال أو كان الاختلاف حول قضية من قضايا الدنيا. 

اعلى الصفحة