اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الثانية عشر ـ العدد135 ـ ( ربيع ثاني ـ جمادى أولى 1434  هـ ) آذار ـ 2013 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

شريعة السجود في كتاب

الكتاب: شريعة السجود
الكاتب: آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي
الناشر: بيت العلم للنابهين ببيروت

كتاب (شريعة السجود) في 64 صفحة من القطع الصغير للفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي الصادر عن بيت العلم للنابهين ببيروت في العام 1433هـ (2012م)، وهو واحد من نحو ألف عنوان تعاهد المؤلف على كتابة كل عنوان صبيحة كل يوم جمعة بشكل عام، فتكون لديه حتى الآن أكثر من 400 مخطوط في الشريعة تنتظر الطباعة تباعاً، ناهيك عن انشغاله في دائرة المعارف الحسينية وفي غيرها من التأليفات والمشاريع الثقافية.

السجود من حيث اللغة هو الخضوع ومن حيث الاصطلاح هو ملاصقة المواضع السبعة بالأرض من الجبهة وباطن الكفين وأطراف القدمين والركبتين، وأظهرها مصداقاً مباشرة الجبهة بالأرض، وتأسيساً على هذا الفهم اللغوي للسجود فما من مخلوق في الوجود إلا وهو ساجد للخالق، وفي نطاق الكرة الأرضية وحصراً بالإنسان، فالكل هو ساجد لله من مؤمن أو كافر أو ملحد، وهو السجود التكويني الذي لا محيص منه، فمن استطاع أن يخرج من مملكة السماء وقوانينها وموازينها فيكون خارج تعريف السجود والخضوع، وحيث لا أحد يشذ عن القاعدة الكونية التكوينية مهما بلغ من العلم وعلت أرنبة أنفه، فالكل في مملكة الرب يخضع والكل على عتبة الإله يسجد، فلا يمكن قطع العلاقة بين الخالق والمخلوق بين ممكن الوجود وواجب الوجود، وهذا الفهم يؤكده الفقيه الشيخ حسن رضا الغديري وهو يقدم لهذا الكتيب ويعلق عليه في 38 تعليقة، وذلك بقوله: (فكل موجود خاضع لله تعالى وساجد له بوجوده وبموجوديته وإن كان هو غير ملتفت إلى ذلك كما هو الحال في عموم الكفار والملحدين وحتى عبدة الأصنام، فالموجود بما هو.. هو خاضع ساجد، وهذه هي السجدة التكوينية). يتابع الفقيه الكرباسي في 111 مسألة تفاصيل شريعة السجود وأحكامها، والسجود على أنواع فهناك سجدة الصلاة والسجدة عن السهو في الصلاة والسجدة أداءً لشكر الله والسجدة لسماع واحدة من آيات العزائم في القرآن الكريم، والسجدة لتعظيم الآخر.

ويختلف الأمر بين سجود وسجود، فمن الناس من يسجد للخالق تعبداً ومنهم يسجد للمعبود تعظيماً وآخر تكريماً وثالث تمجيداً، ورابع شكراً، وهكذا، وفي كل الأحوال لا يصح إلا السجود للمعبود وإن كان ظاهره السجود للعبد كسجود الملائكة لآدم، وسجود يعقوب وزوجه وبنيه ليوسف، وسجود الزائر على عتبة المعصوم، فلم يكن سجود الملائكة تعبداً وإنما: (كان منهم طاعة لله وتحية لآدم) كما قال الإمام علي بن الحسين السجاد(ع)، ولم يكن سجود يعقوب(ع) وولده تعبّداً، وإنما كان: (شكراً لله باجتماع شملهم) كما أكد الإمام السجاد(ع)، ومن ذلك كما يقول الفقيه الكرباسي في المسألة الأربعين: (السجود الذي يقوم به بعض المؤمنين في العتبات المقدسة هو من الشكر لتوفيقه لزيارة مراقد المعصومين(ع)، وإن نوى السجدة للمعصوم فهو حرام بل هو من الكبائر)، فهي من التعظيم لصاحب المرقد الذي أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيراً.

وكما يقول الفقيه الكرباسي في المسألة 54: (السجود الذي يقوم به بعض الناس عند الوصول إلى الوطن فهو من السجود لله شكراً على الوصول بالسلامة إلى أرض الوطن، وما يفعله البعض من دون الإنتباه إلى وجه الشكر فهو من الشكر أيضا حتى وإن أصبح عادة)، نعم: (السجود للملوك والشخصيات والعلماء والمؤمنين محرّم بل إذا نوى العبادة فهو شرك، حيث إنَّ السجود لله وحده، ولا يجوز السجود لغيره تعالى) كما يرى الفقيه الكرباسي، نعم: (ويستثنى منه السجود للتعظيم والتكريم إذا قلنا بجوازه، ولكن الأمر المتيقَّن أنَّ مثل تلك الأعمال تنجرّ إلى الشرك بالله، فالأفضل أن يُجتنب عن مثلها، وحاشا أن يسجد إنسانٌ لإنسانٍ آخر مهما كانت شخصيته عالية ومتعالية من حيث العلم والكمال والجاه والجلال، فالسجدة تختص بالله تعالى وليس للسجدة التعظيمية مجال واسع غير محدود وفيه شرط أساسي هو عدم قصد التعبد وحتى شائبته، وإلا فيحرم من دون شك، وكثيراً ما نرى أن الإفراط في هذا يجرّ الإنسان إلى جانب التعبّد ولو من حيث لا يشعر بذلك في نفسه). في الواقع لا يدرك معنى السجود إلا من أتى بها على حقيقتها المادية والمعنوية الجسمانية والنفسية، وهي كما يقول الإمام علي بن أبي طالب(ع): (السجود الجسماني هو وضع عتائق الوجود على التراب، واستقبال الأرض بالراحتين والركبتين وأطراف القدمين مع خشوع القلب وإخلاص النية، والسجود النفساني هو فراغ القلب من الفانيات، والإقبال بكنه الهمَّة على الباقيات، وخلع الكبر والحميّة، وقطع العلائق الدنيوية، والتحلي بالأخلاق النبوية)، وقد دلّت الأبحاث الأخيرة أن السجدة المباشرة على الأرض تعمل عمل المفرغة للشحنات الكهربائية الزائدة والمضرة، وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد ضياء الدين حامد رئيس قسم تشعيع الأغذية بالهيئة المصرية للطاقة الذرية: (في السجود تنتقل الشحنات الموجبة من جسم الإنسان إلى الأرض التي تعتبر سالبة الشحنة وبالتالي تتم عملية التفريغ خصوصاً أن الإنسان عند السجود تكون هناك سبعة أعضاء ملتصقة بالأرض كما يقول الرسول الله(ص) إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ـ أي أعضاء ـ وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه وبالتالي هناك سهولة في عملية تفريغ الشحنات حيث يتخلص الإنسان بعدها من الصداع والإرهاق وكل الأمراض التي ذكرناها)، ويضيف الدكتور حامد: (تبين لي من خلال الدراسات أنه لكي تتم عملية تفريغ الشحنات بطريقة صحيحة لابد من الاتجاه نحو مكة في السجود وهو ما نفعله في صلاتنا لأنَّ مكة هي مركز اليابسة في العالم أجمع، وأوضحت نتائج الدراسات أنَّ الاتجاه إلى مكة في السجود وهو أفضل الأوضاع لتفريغ الشحنات وتخليص الإنسان من همومه ليشعر بعدها بالراحة النفسية إلى جانب أن أماكن السجود في كل أنحاء العالم ثابتة إذا تم الاتجاه إلى مكة). من هنا ندرك مغزى السجود، وأهميته في الحياة اليومية للإنسان بخاصة وأن الإنسان يتقلب بيد الحياة بين الأفراح والأتراح، بين انقباض الروح وانشراحها، وفي كلتيهما تنشدَّ النفس إلى السجود لتفريغ ما في القلب وعرضه على الذي هو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وتفريغ الشحنات الجسدية على الحاضنة التي منها وإليها يعود الإنسان، فالطبيب الحكيم تحت أقدامكم فأين تذهبون!

اعلى الصفحة