السنة الثانية عشر ـ العدد135 ـ ( ربيع ثاني ـ جمادى أولى 1434  هـ ) آذار ـ 2013 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

نكباتٌ مفاجئة

كلّما حدثت كارثة في بلد ما من بلاد الله الواسعة.. تحدث معجزة.. على الرغم من أنّ عصر المعجزات قدْ ولّى منذ زمن بعيد جداً.‏. إنما في كرتنا الأرضية ـ كما يبدو ـ لا شيءَ مستغربٌ، وكلُّ شيءٍ ممكنُ الحدوث.‏. عداواتٌ.. أحقادٌ وأطماعٌ لا حدودَ لها ولا نهاية.. كلُّها.. كلها تختفي حين تقعُ الكارثة..

يُفجَع العالمُ، فترقَّ القلوبُ القاسيةُ، وتبكي النفوسُ الأمارةُ بالسوءِ، وتصبحُ الأرواحُ نقيةً صافيةً، وتتناسى الحكوماتُ كلَّ شيءٍ إلا تلكَ الكارثة، فتتسابقُ إلى مدّ يد المساعدة للمدينة المفجوعة.‏.

وأسبابُ الكوارثِ الطبيعيةِ كثيرةٌ جداً، لكنها سواءٌ في قدرتها على تفجير العواطف الدولية..‏ فقد تكونُ بسببِ جبلٍ بركانيٍّ أراد إفراغَ ما في جوفه من حممٍ مشتعلةٍ صارت عبئاً عليه، فقتل دون قصد، ودمّر، وأباد.. أو بسبَبِ زلزالٍ أرادَ أنْ يُهَدْهِدَ الأرضَ بيدِهِ القويةِ القادرةِ، فتشققتْ، والتهمَ آلافَ آلافِ البشر أو بسببِ مطرٍ هطَلَ على أرضٍ عطشى تهفو إليه، فصارت تطلِبُ المزيدَ ولا ترتوي.‏

براكينٌ.. زلازلُ.. فياضاناتٌ.. أمراضٌ.. أوبئةٌ.. ومجاعات..‏ كوارثُ تُنسي المشاكلَ والأحقادَ، وتوحِّدُ القلوبَ، ولكن إلى حين..‏

برقياتُ التعزيةِ، والطائراتُ المحمَّلةُ بالمعوناتِ تُرسَلُ من كل حدبٍ وصوبٍ بأقصى سرعةٍ نحو البلد المنكوب..‏ النكبةُ الطبيعيةُ ليس للإنسانِ يدٌ في حدوثِها، ولا يستطيع معرفةَ توقيتها، ولا إيقافَها، ولا تجنُّبَ نتائجها..‏ ترى ألأنها خارجةٌ عن إرادةِ التخطيطِ والتدبيرِ لدى عقلِ الإنسان، تؤثر فيه كلّ هذا التأثير..؟‏

هي زائرٌ يعشق المفاجآت..‏ وضيفٌ يُلزِمُنا استقبالَهُ في أيِّ وقتٍ يشاءُ هو، وغيرُ مرغوبٍ فيه حتماً..‏ ترسِلُهُ الطبيعةُ ليقيم بيننا لحظاتٍ، ثمّ يمضي..‏ لحظاتٍ وحسبْ.. يحطِّمُ فيها، ويهشِّمُ، ويُميت.‏. تُرى هل هذه النكباتُ المفاجئُة قادرةٌ فعلاً على هزِّ أعماقِ البشرِ أيضاً، وإعادتِهم إلى فطرتِهم السليمةِ الكامنة..؟‏ أوَ لو كانت تفعلُ هذا حقاً، أكانَ عالمُنا يظلُّ عالَمَ ذئابٍ هكذا؟‏

سيأتي الموتُ إلى كلِّ كائنٍ بشريٍّ.. يطرُقُ بابَهُ.. يحمله بين جناحيه، ويمضي به نحو البعيد.‏. أتساءلُ.. ترى لو جاءنا الموتُ ممتطياً ظهرَ زلزالٍ، أو بركانٍ، أو أيِّ شيءٍ آخر.. هل نحن مستعدون لاستقباله..؟‏

في جمجمتي تتصارعُ الأفكارُ، وفي صدري تتشابكُ الأحاسيسُ.. تُراهُ يأتي.؟ ومتى.؟ ومن سيمضي منا، ومن سيبقى.؟‏ أتطرُدُنا الدنيا، وتغلِقُ أبوابَها في وجوهِنا دون أن نُنهيَ ما بدأناهُ من مشاريعَ، وخططٍ مستقبليةٍ، وأحلامٍ واعدة..؟‏

وأعودُ بقلبٍ واجِفٍ للتساؤلِ: لو جاءَ.. هل نحن مستعدونَ للترحيبِ به، وتقبُّلِ فكرةِ الذهابِ معه نحو البعيد. البعيد..؟‏ وإنْ لم نكنْ، ألا يجبُ أنْ نفعلْ؟‏.. بتأمُّلِ مسيرةِ حياتِنا، لردعِ النفسِ التي أخطأتْ، والقلبِ الذي امتلأ بالغلّ، والعقلِ الذي برّر..‏ وإغلاقِ الفمِ الذي آذى، والعينِ التي لا ترى إلاّ العيوب..‏ وصمِّ الأذُنِ التي تُنْصِتُ إلى ما يسيء..‏

ويظلُّ السؤالُ قائماً..‏ أقادرون نحن على زلزلةِ أعماقِنا، وتنقيتِها قبلَ أنْ تزلزِلَنا الطبيعةُ، ويحتَضِنَنَا الموتُ.. أم أنّ تلك النكباتِ ستبقى كعهدِها مجرّدَ صحوةٍ مؤقتةٍ لكائناتٍ بشريّةٍ تعشقُ النسيان.؟‏

كوارثُ تصطنعُها أمريكا لا حول ولا قوةَ لنا لاستدراجِ تعاطُفِ الأممِ معنا.. لأنها -أي أمريكا- هي التي تحرِّكُ الأممَ برؤسائها وملوكِها وأمرائها وحكَّامها، وبالتالي كيف ستُحرِّكُ العالمَ ضدَّها؟.. هي تصنعُ لنا كلَّ يومٍ آلةَ دمارٍ جديدة، وفي كلِّ يومٍ تجدُ حجَّةً تدحضُ بها احتجاجَنا الإنسانيَّ.. والدمارُ الشاملُ كسلاحٍ هو بين أيدينا.. هكذا يقولون، أما الذي بين أيديهم فهو قتلٌ على شكلِ مساعداتٍ إنسانيةٍ وبالمجان يوزَّعُ على دول العالم العربي والإسلامي..

إنهم يقتلوننا كلّ يومٍ ويبرِّرون أن الإرهاب يعيشُ بين ظهرانينا.. يدمِّرون لأن تدميرَهم لنا سيحمِيَنا من الدمارِ الشاملِ الذي في السلاحِ الموهومِ أو المصطنع أمريكياً وصهيونياً.. سلاحُ الدمارِ الشاملِ الأمريكيُّ هو بالنسبةِ إليهم مساعداتٌ إنسانيةٌ ربما يلقونها من على متن طائرةٍ حربيةٍ أو ربما من خلال الأباتشي، أو ربما وللسرعةِ القصوى من خلال الأف 16، هم أحرارٌ فيما يوزِّعون كيفاً وكماً.. أحرارٌ.. لأن أسلحتَهم المدمِّرةَ هدايا في عُلَب موتٍ أحمر.. أما السلاح الذي بين أيدي العرب فإنه يجرح.. والجَرْحُ مقدِّمةٌ لدمارٍ شاملٍ للمنطقة، ولا أحدَ يهبُّ لنجدتِنا منهم ومنا، والعربُ نائمون ينسون بسرعةٍ أو يتناسون.. وسيأتي الموتُ عاجلاً أم آجلاً.. فلا فرق في الموت حين يأتي على متن بارجةٍ أو حين نجوع ونعرى فنموت.. الأمرُ سيان طالما أن المساعدات الإنسانيةَ في طريقِها إلى ذاكرتنا كي ننسى.. الموتُ قادمٌ فهل نحن فعلاً مستعدُّون.. لكن الطبيعةَ لا تنسى، وهي في أحايين كثيرة تأتي للانتقام.. ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾..

متى سنصحو؟؟ وحدَهُ الله يعلم.. وحتى يحين ذلكَ الوقتُ على الدنيا ومَن فيها السلام.

أعودُ وأختمُ بتساؤلي: أقادرون نحن على زلزلةِ أعماقِنا، وتنقيتِها قبلَ أنْ تزلزِلَنا الطبيعةُ، ويحتَضِنَنَا الموتُ.. أم أنّ تلك النكباتِ ستبقى كعهدِها مجرّدَ صحوةٍ مؤقتةٍ لكائناتٍ بشريّةٍ تعشقُ النسيان.. لستُ أدري..  

اعلى الصفحة