التجّمع.. مستودع لفكر الإسلام الوقاد

السنة الثانية عشر ـ العدد 134 ـ (  ربيع أول ـ ربيع ثاني 1434  هـ ) شباط ـ 2013 م)

بقلم: الشيخ حسن المصري(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

        خلق الله العلماء ليكونوا مرساة سفينة دينه التي بها يطمئن الخلق إلى سلامة المركب الذي يسكنون إليه، وجعلهم حفظة لنهجه القويم الذي اعتاده المؤمنون في مسيرة الحياة.

        والعلماء هم حفظة القرآن وجوداً وتفسيراً وتقديمه للناس جرعة إيمانية يشفون من مرض الانحراف والشطط، وبذلك يسلك الناس سبيل الرشاد ويعتمرون قبعة الإسلام الواضحة والبينة.

        والعلماء هم ورثة الأنبياء الحقيقيون الذين ورثوا الاستقامة والهداية والصلاح فاعتمد عليهم الرسل الكرام في حفظ أمانة الدين حديثاً ورواية وشرحاً وتبياناً..

        والعلماء هم الموجهون مسيرة الإسلام بالاتجاه الصحيح بحيث يعرف الناس مواطئ أقدامهم فلا يخافون الابتعاد عن تعاليم الدين ولا يجرفهم تيار الغلو المشوه لصورة الإسلام الناصعة، ولا يحط من قدرهم تيار الإسفاف المريض الذي يقلل من قيمة الإسلام الكبير الذي يحتضن في قلبه الإنسان المطلق لأنه غاية الرسالات وهدف الأنبياء والرسل.

        من هنا خصهم الإسلام عبر القرآن على سلوك الدرب الرحب والطريق الواضح: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾(التوبة: من الآية122).

        فهم إشارات السير المضيئة في درب الإسلام المعبد بالوضوح والاستقامة والفلاح، وهم الدلالة الواضحة على سلوك المجتمع الإنساني: " إذا صلح العالم بالكسر، صلح العالم بالفتح"...

        وأخطر ما يتعرض له الإسلام من رجالاته القيمين عليه فهم مصدر صلاحه وهم مدعاة لتشويهه وتقزيمه.. وعندما يتحول العلماء إلى مادة يستغلها أعداء الإسلام تكون الفتنة الكبرى ويكون سلوك الانحراف قد بدأ يغزو وجه الإسلام المضيء..

        وقد شهدنا عبر التاريخ المعاصر كما الماضي أساليب الانحراف على أيدي من يُفترض أنهم خزنة علم الله وهم الموجهون لسلوك المسلم باتجاه ربه الكريم.

        لقد عرفنا منهم الخالي من العلم الصادق والبعيد عن حظيرة القادة الموجهين، فشهدنا أساليب الانحراف لدى الأمة باتجاه التفرق والتشتت الذي يؤدي إلى ضعف بنية الإسلام وهشاشة عظم الأمة بحيث يستقوي عليها أعداؤها بواسطة الجرعات التكفيرية التي سقاهم إياها بعض من لم يتفقهوا في الدين فخربوا صفوفهم بدل أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، فعادوا إليهم بالسم الزعاف الذي يقضي على مقومات المجتمع الإسلامي السليم.

        وعرفنا منهم المليء بالعلم الطاهر والحس المسؤول والفكر الواضح الذي لم يبخل على الأمة بدوائها الناجع فسلمت مجتمعاتهم من عبث العابثين وإفساد المجرمين، فغرفوا العلم المحمدي من نهج رسول الله ونهلوا من منابع القرآن الكريم كل أساليب أعمالهم المنيرة " وكل إناء بالذي فيه ينضح" فكانت المجتمعات القدوة بواسطة هؤلاء القدوة الصالحين.

        لقد كان لهؤلاء العلماء الأعلام مثل أعلى يحتذى في كل المواقف وفي شتى المواقع إنه الإمام المغيب السيد موسى الصدر، الذي عبَّد طريق الوحدة الإسلامية بمواقفه البناءة ودعوته الصادقة إلى جمع كلمة المسلمين بدءاً بتوحيد أعيادهم وصولاً إلى وحدة عباداتهم التي لا تختلف بالجوهر إنما بظاهر بعض الأمور الشكلية.

        لقد جعل الإمام موسى الصدر من حياته في لبنان منطلقاً لجمع المسلمين إلى مائدة الوحدة الجامعة بحيث ينسى أحدهم أن أخاه المسلم يختلف معه بشيء، إنما القاسم المشترك بينهما القرآن، وكلنا نعترف به، والسنة والنبوية وكلنا نؤمن بها، فلا يوجد حديث شيعي إلا وتعترف به الصحاح عند السنة، إنما الخلاف في التأويل والتفسير والشرح.

        فمثلاً "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" حديث إجماعي إلا أن الاختلاف في شرح المولى هل هو ولي أمر المسلمين أم المناصر والمحب والداعم، وهكذا في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(المائدة:55)، فبالإجماع أنها نزلت بعلي بن أبي طالب (ع) ولكن المشكلة في التفسير أيضاً.

        لقد جعل الإمام موسى الصدر من هذه الخلافات مادة لجمع الكلمة بدلاً من التفرقة، فكان يدعو في المناسبات الشيعية خيرة علماء السنة ليتحدثوا فيها، وكان يخطب في مناسبات أهل السنة ليقول لمن يطمع أن يفرق بين المسلمين أنك لن تؤتي التوفيق بهذا الأمر..

        لقد بدأ عصر الوحدة الإسلامية منذ انطلاقة هؤلاء الأعلام الذين شعروا بخطر الغرب على وحدة الأمة وكيانها، فبدأوا يعدون العدة لمواجهتهم بأساليب الوحدة المواجهة لأساليب التفرقة لديهم.

        وفي عصرنا الحاضر اختلطت الأمور بعضها ببعض فلم يعد المسلم البسيط يميز بين الحكيم النطاسي البارع وبين من تسلق على جدار الحكمة ليعيث فساداً بجسد الأمة والمسلمين. وساعدهم على ذلك أمدادهم بوسائل الفساد، فكانت بعض الفضائيات حصان طروادة الذي امتطاه الغرب لتشويه معالم الإسلام عبر هؤلاء المتسلقين.

        فكانت الآراء الهدامة تعرض من هنا وهناك وكانت أساليب الشتم والسب والخداع لغة هؤلاء المجرمين الذين التحفوا شعارات القادة وهم بعيدون كل البعد عن سماتهم وصفاتهم.

        وإذا أردنا الاستفاضة في هذا الأمر شرحاً وتمثيلاً لضاق المقام بذلك، لكننا جعلنا هذه المقدمة لنصل إلى محل حديثنا وهو أن هذه الحالة استدعت من المخلصين للأمة ورسولها وربها أن يتنادوا لمجمع طبي عام يميز فيه الخبيث من الطيب، فكان "تجمع العلماء المسلمين" في لبنان..

        هذا التجمع الذي أعطى أُكله كل حين بإذن ربه فتحول إلى مصفاة إسلامية لم يشوهها الغرب أو يمزقها بأدواته الرخيصة، فجمع من علماء الشيعة أصفاهم ومن علماء السنة أتقاهم وجعلهم في بوتقة واحدة ليعيدوا إلى الأمة فكر نبيها فلا يشطط بهم رأي ولا يفسد منهم عطاء.

        لقد تحول هذا التجمع إلى شراع يُبحر فيه المسلمون عبر هؤلاء الأمناء على دين الله ليقدموا الإسلام بمنظره الحقيقي مضاءً منيراً لامعاً في كل اتجاه دون غلو ودون إسفاف.

        إن تجمع لعلماء المسلمين في لبنان مستودع لفكر الإسلام الوقاد، تحول بهذه السرعة إلى موئل للأمة يوجهها كلما حاول المنحرفون أن يأخذوها إلى حيث يحرم أن تكون.

        وعلى الرغم من محاربة بعض المتطفلين على مائدة القيادة في الأمة فإن التجمع مخر عباب بحورهم العكرة بنصاعة علمهم وإيمانهم اللذين لا يقبلان الشك ولا التساؤل!. فنراهم في كل مناسبة يخترعون مناسبة لتجمع الأمة عبر أسبوع الوحدة الإسلامية لأنها وعاء لمولد الرسول الأكرم(ص) فلم يعد هناك من مجال للعب بأفكار الأمة إن كان مولد الرسول في الثاني عشر من ربيع الأول أو في السابع عشر منه، فكل هذا الأسبوع هو مولد لرسول الله محمد(ص).. فمن أين للعابثين بالأمة أن تمتد أياديهم الخبيثة للتفرقة من هذا الباب، وكل مسألة فيها نوع من التمايز، جاء التجمع ليجعل منها وحدة إسلامية جامعة تزيد أعياد المسلمين وتحولها من مادة خلافية إلى جامعة يزداد عدد أيام التحصيل فيها.

        لقد أنار هذا التجمع للأمة طريقها وحدد إشارات سيرها، فلم يبقَ للحاقدين مجالاً لشق الصف الإسلامي بل جعله موحداً كما يحب الله تعالى،﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾(الصف:4). فأدخلوا الفرح إلى قلب المولى تعالى وأقروا عين رسول الله وسدوا كل الثغرات التي يحاول من خلالها أبالسة الأرض أن يفسدوا وينخروا صف الأمة ووحدتها.

        لقد تحول هذا التجمع إلى بوصلة توجه الأمة نحو الهدف الصحيح لمسلكها المبارك، فلم تعد الخلافات المذهبية أولوية بل تحولت إلى وجهة نظر يلتقي حولها العلماء ليمحصوها درساً ونقاشاً ليصلوا إلى الدرب الأسلم لسلوك الأمة.. بل تحولت قضاياهم الكبرى هي الأولوية الحقيقية. حين نسي العالم الإسلامي القدس الشريف وأرض فلسطين السليبة جاء صوت هذا التجمع صارخاً في برية المسلمين هلموا إلى قدسكم فحرروه وتعالوا إلى مقاومتكم فشدوا آزرها لتطرد من أرض الإسلام هؤلاء الدخلاء على منطقتنا والذين لعبوا بعقول الكثيرين من أبنائنا ليحولوهم إلى صفهم المنحرف.

        لقد جدول التجمع أولويات الأمة وصاغ الحلول لها في كل الميادين فبات العراقي لا يشعر أنه مستفرد والسوداني مستوحد والفلسطيني مهمل، بل تحول جسد الأمة إلى صياغة جديدة في لغة الإسلام المحمدي "من بات ولم يهتم بشؤون المسلمين فليس بمسلم"!!.

        لقد نظرنا إلى مرآة هذا التجمع لعلماء المسلمين فرأينا صفاءها المبهر ونصاعة الدعوة فيها وصدق التوجه نحو الله، فبتنا نردد وراء كل موقف الحمد لله رب العالمين...

        فمبروك للتجمع في عيد إنشائه وإلى المزيد من العطاء والمواقف المعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

نائب رئيس المكتب السياسي لحركة أمل(*).

اعلى الصفحة