أسباب الثورة ضد حكم مرسي.. والاحتمالات المتوقعة

السنة الثانية عشر ـ العدد 134  ـ ( صفر ـ ربيع الأول  1434  هـ ) كانون الثاني 2013 م)

بقلم: حسين عطوي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ما حصل وسوف يحصل في ارض الكنانة من أحداث وتطورات، وتجدد الثورة الشعبية، إنما جاء على اثر إقدام الرئيس محمد مرسي بإصدار إعلان دستوري رئاسي يجعل منه ديكتاتوراً مستبداً يستحوذ على جميع الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، ويلغي استقلالية القضاء، ويمنح الرئيس الحصانة من أي مساءلة قضائية، أو محاسبة، وهو ما لم يجرؤ على القيام به الرئيس السابق حسني مبارك، على الرغم من أنه مارس القمع والتسلط وأساء استخدام السلطة لصالح أسرته، وطبقة رجال الأعمال التي أثرت في زمن الانفتاح وتشكل منها حزبه الوطني.

فتجدد الثورة في مصر، لم يأت من فراغ، أو صاعقة في سماء صافية، فهي جاءت بعد شهور من تسلم الرئيس مرسي السلطة، أثر فوزه في انتخابات الرئاسة، تبين خلالها أن شيئاً في مصر لم يتغير، وأن سياسيات مبارك لا تزال قائمة، وجرى إعادة إنتاجها وإحيائها على كل الأصعدة، الوطنية والقومية، والاقتصادية والاجتماعية، وكان الإعلان الدستوري الرئاسي، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وفجرت غضب الشعب المصري، ودفعته إلى الثورة على حكم مرسي، لمنع عودة تثبيت دعائم نظام جديد لا يختلف عن سابقه، سوى في الشكل والأشخاص.

صحيح أن التغيير يحتاج إلى وقت حتى يثمر ويتلمس الشعب نتائجه، إلا أن الصحيح أيضا أن هذا التغيير لا يتم في السر وإنما في العلن، وله مقدماته ومؤشراته التي تدلل على أن هناك برنامجاً يحتوي على مضامين السياسيات التي سيجري إتباعها في العهد الجديد، والخطوات الإجرائية التي سيتم اتخاذها لتحقيق هذه السياسات.

لكن بعد مضي شهور قليلة على حكم الرئيس مرسي تكشّف بأنه ليس هناك أية مؤشرات، أو مقدمات توحي، أو تدل على وجود نوايا لديه لإحداث تغيير في السياسات، التي كان ينتهجها سلفه حسني مبارك، وبالتالي لم يشعر الشعب المصري، بان تطلعاته يجري التعبير عنها في الحكم الجديد، وإنما لمس إمعاناً في إبقاء القديم على قدمه، والإيغال أكثر في ذات السياسات التي كانت سبباً في تراكم الأزمة على مدى ثلاثة عقود من حكم مبارك، ووصولها إلى مستوى نوعي، وبالتالي اندلاع الثورة الشعبية العفوية في 25 يناير من عام 2011، وكان من نتيجتها انتخاب مرسي رئيساً لمصر.

ويتبين لنا ذلك بوضوح من خلال التوقف أمام السياسات والخطوات التي قام بها مرسي:

أولاً: على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية الـ(نيو/ليبرالية) التي كانت متبعة في السابق وتسببت بإفقار الشعب المصري، وتمركز الثروة بيد فئة قليلة من رجال الأعمال وأصحاب الملايين، وحولت اقتصاد مصر إلى اقتصاد ريعي تابع للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، وصندوق النقد الدولي، لم يجرِ أي مراجعة لها، بل على العكس فإن حكومة مرسي برئاسة هشام قنديل أقدمت على خطوات كرست هذه السياسات، وتجسدت بالعودة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي ( 4.8 مليار دولار) وبشروطه المعروفة، والتي تمثلت في إقدام الحكومة على رفع الدعم عن بعض السلع بهدف خفض العجز في الموازنة، وكذلك خفض الإنفاق الحكومي وتقليص الإنفاق الاستثماري.

وأدى إلغاء الدعم عن المحروقات، وزيادة الرسوم على الخدمات العامة إلى ارتفاع أسعار جميع السلع ما انعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين. كما أدت الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، الذي تهيمن عليه واشنطن وحلفاؤها، إلى انخفاض قيمة العملة، والتسبب بمزيد من تفاقم الأزمة المعيشية للشعب المصري.

أما مطالب القطاعات العمالية والموظفين بتحسين أوضاعهم المعيشية، فإنه لم يجر تلبيتها، ولهذا عادت إلى الواجهة الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية على نطاق واسع كما كانت عليه في أيام حكم مبارك.

ومعروف أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية هي التي تحدد توجهات الحكم، أن كان لناحية موقفه من التبعية للخارج، والسعي إلى بناء اقتصاد إنتاجي مستقل، أو لناحية موقفه من مفهوم العدالة الاجتماعية، ولهذا فان مرسي لم يظهر انه يعتمد توجهاً يقود إلى إخراج مصر من فلك التبعية الاقتصادية للغرب، وإعادة بناء نظام العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على أسس من التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والذي لا يمكن تحقيقه من دون التحرر من نظام التبعية الاقتصادية للخارج، كما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد انتصار ثورة 23 يوليو عام 1952، حيث أمم قناة السوس، وأصدر قانون الإصلاح الزراعي وأطلق مشروع بناء الصناعة المصرية، ومن ثم أقام مشروع السد العالي، والتي شكلت بمجموعها أساس تحرر مصر من التبعية، وبناء نظام اقتصادي يقوم على التنمية والعدالة.

وكذلك كما فعلت إيران الثورة بعد انتصارها على نظام الشاه حيث أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بفعل السياسات التحررية التي اتبعتها، من الدول المتقدمة اقتصادياً وصناعياً وتقنياً، وعلمياً، وشعبها ينعم بالعدالة الاجتماعية.

ثانياً: على الصعيد الوطني، بقيت مصر مقيدة باتفاقيات كامب ديفيد، التي جعلتها جزءاً من المنظومة الأمريكية الغربية الصهيونية في المنطقة، ولم يعمد مرسي إلى مراجعة هذه الاتفاقيات التي تنتقص من سيادة مصر على سيناء حيث تتواجه قوات متعددة الجنسيات، فيما يحدد عديد القوات المصرية، ونوعية العتاد الحربي، بما يمنع على الجيش المصري، إدخال دبابات وطائرات حربية إلى سيناء.

وما جرى أن مرسي حافظ على هذه الاتفاقيات وأكد التزامه بها بمواصلة العمل بموجبها وفقاً للتعهدات التي قدمها للمسؤولين الأمريكيين الذين زاروا مصر قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، وقبيل إعلان فوز مرسي، الذي تأخر أياماً، وأعلن بعد أن تلقت واشنطن ضمانات واضحة وقاطعة بالحفاظ على "الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وأمريكا، وتدعيم النظام الاقتصادي القائم".

 لذلك فإن الاستمرار بمواصلة نهج كامب ديفيد، كرّس التفريط بالسيادة الوطنية وعدم استقلالية القرار المصري، واستطراداً أبقى مصر جزءاً من الإستراتيجية الأمريكية، خاضعة لهيمنة الولايات المتحدة.

ثالثاً: على الصعيد القومي، واصل الرئيس مرسي سياسة التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرض له الجنود المصريين على الحدود المصرية الفلسطينية، وعندما حصل العدوان الصهيوني الأخير، بدلاً من أن يقدم مرسي على قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفك الحصار عن قطاع غزة، ودعم المقاومة بالسلاح، اتبع مرسي نفس السياسة التي كان يتبعها مبارك، لامتصاص غضبة الشارع إن كان لناحية سحب السفير المصري من تل أبيب، أو فتح معبر رفح إنسانياً، أو لناحية إرسال مسؤول مصري إلى قطاع غزة، ومواصلة لعب دور الوسيط بين المقاومة والعدو الصهيوني للتوصل إلى اتفاق التهدئة، بل إنه تفوق على مبارك لناحية عدم حصر التنسيق مع المسؤولين الصهاينة بجهاز المخابرات المصرية، وتوليه الرعاية السياسة للاتفاق، والإشراف على تنفيذه، وبالتالي تكريس دور مصر كحارس لأمن العدو الصهيوني.

أما على صعيد الأزمة في سورية، فإن مرسي حرص في كل المحطات، على تأكيد تراصفه إلى جانب المحور الأمريكي الغربي التركي والعربي الرجعي في إشهار العداء لنظام الرئيس بشار الأسد، الذي يجري استهدافه لمقاومته مشروع الهيمنة الاستعمارية ودعمه المقاومة ضد الاحتلال في لبنان وفلسطين والعراق.

رابعاً: أما على صعيد الحرية والديمقراطية، وهو الانجاز الوحيد الذي حققته ثورة الشعب المصري، فان مرسي سعى من خلال إعلانه الدستوري إلى إعادة إنتاج الحكم الديكتاتوري والإقدام على إلغاء استقلالية القضاء مما جعل الشعب المصري على يقين بان مرسي بات لا يختلف بشيء عن مبارك،وانه بإصداره الإعلان الدستوري يريد تنصيب نفسه وصياً على الثورة وحاكماً مستبداً وديكتاتوراً، وتحصين نفسه من أي محاسبة قانونية لتكريس نفس سياسات مبارك.

انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن انتفاضة وثورة الشعب المصري ضد حكم الرئيس مرسي كانت نتيجة طبيعية ومتوقعة، لعدم حصول أي تغيير، ولاستمرار سياسات نظام مبارك ما فاقم الأزمة وجعل مرسي بنظر غالبية الشعب المصري لا يختلف بشيء عن مبارك، وهو ما عكسته إحدى الشعارات التي رفعت في الشارع بالقول، مرسي مبارك، والتي جرى طرحها بعد إقدام مجموعات الإخوان بالاعتداء على المعتصمين أمام قصر الاتحادية، وسقوط عشرات الضحايا، ومئات الجرحى الأمر الذي ذكر المصريين بحادثة موقعة الجمل أثناء الثورة ضد مبارك، فيما الخطاب الإعلامي لحزب الحرية والعدالة الحاكم، لم يختلف عن إعلام الحزب الوطني لناحية العمل على تشويه صورة المعارضين لـ مرسي بوصفهم "قلة مندسة".

وفي هذا السياق قالت إحدى المتظاهرات "لا يوجد فارق فعلي بين فترتي حكم الحزب الوطني، وجماعة الإخوان المسلمين، كلاهما تعمدا تشويه المعارضين، وكلاهما استخدما القوة القاتلة في الرد على الاحتجاجات الجماهيرية".

خامساً: الاحتمالات.. من الواضح أن الأزمة المصرية أزمة عميقة، وهي دخلت اليوم مرحلة جديدة، من الصراع والفرز، وظهر بوضوح أن الرئيس وحزب الحرية والعدالة وحلفائه من الأحزاب والتيارات السلفية والجماعة الإسلامية في صف، والأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والقومية والليبرالية التي انضوت تحت اسم جبهة الإنقاذ الوطني في صف مقابل ومعها القضاء المصري الذي انتفض دفاعاً عن استقلاليته متمرداً على قرار مرسي تعيين نائباً عاماً جديداً، فيما مئات الدبلوماسيين المصريين في الخارج الذين أعلنوا رفضهم الإشراف على الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي صاغته وأقرته الجمعية التأسيسية على عجل في ظل مقاطعة أعضائها من الأحزاب الوطنية والليبرالية والكنيسة القطبية، وهو ما أدى إلى مفاقمة الأزمة وتأجيج الثورة ضد مرسي.

على أن رفض الرئيس مرسي الاستجابة للمطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري الرئاسي وتجميد الاستفتاء على الدستور، وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية على نحو يعبر عن كل تلاوين الشعب المصري، وإقدامه على طرح إعلان دستوري جديد بعد ساعات طويلة من الحوار والنقاش مع أنصاره ومؤيديه والمتحالفين معه، لا يختلف عن الإعلان القديم، يؤشر إلى أن مرسي يناور ويرفض التراجع عن قراراته، ويسعى إلى تحصين موقفه، ما يؤجج الصراع، ويعقّد الأزمة ويجعلها مفتوحة على عدة احتمالات:

الاحتمال الأول: الصدام في الشارع بين مؤيدي مرسي، وبين معارضيه، وبالتالي اتجاه الأمور إلى الفوضى لفترة من الزمن لكون الجيش قرر النأي بنفسه والانحياز إلى جانب الشعب، ومن المرجح أن تستمر حالة الفوضى، إلى حين نضوج ظروف ومناخات تسمح للجيش بالتدخل، وإعلان تسلُّمه الوضع في البلاد لفترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات نيابية جديدة ستكون نتائجها هذه المرة في غير مصلحة حزب الحرية والعدالة وحلفائه، وبالتالي تتشكل حكومة تعكس نتائج هذه الانتخابات، ويبقى الجيش هو الضامن لتداول السلطة عبر الانتخابات، وهو الخيار الذي تفضله واشنطن، والذي يضمن لها استمرار نفوذها في مصر، والذي يحفظه دور الجيش، والرئيس مرسي، على غرار النموذج الباكستاني.

الاحتمال الثاني: أن يؤدي اتساع حجم الثورة في الشارع، وشعور حزب الحرية والعدالة بأن استمراره في تصلُّبه يفقده المزيد من شعبيته، إلى قبول الرئيس مرسي بتسوية تقضي بإلغاء الإعلان الدستوري، وتجميد الاستفتاء على الدستور الجديد، والدخول في حوار مع المعارضة للتفاهم على تشكيلة الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور بما يعكس تطلعات كل تلاوين الشعب المصري.

الاحتمال الثالث: الأقل ترجيحاً، وهو استمرار الثورة وصولاً لإسقاط حكم مرسي، فمثل هذا الاحتمال يحول دونه طبيعة المعارضة، التي تضم بصفوفها وطنيين وقوميين راديكاليين، وليبراليين غير راديكاليين ومعروفين بـ علاقتهم بالولايات المتحدة، مثل عمرو موسى، ومحمد البرادعي، وهذه المعارضة متفقة على المطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري وتجميد الدستور الجديد، لكنها غير متفقة بعد على طرح إسقاط حكم مرسي.

بغض النظر عن أي احتمال من هذه الاحتمالات سترسو عليه  الأمور، فمن الأكيد أن ما حصل كشف حكم مرسي بسرعة وأضعفه على الصعيد الشعبي، فظهر بأنه رئيس فئة من المصريين، وليس كل المصريين، وكذلك أضعف حزب الحرية والعدالة الذي تبين أنه يسعى إلى السلطة والاستئثار بها، وأنه لا يحمل أي برنامج للتغيير لا وطنياً، ولا قوميا، ولا اقتصادياً اجتماعياً، وأنه ملتزم بمواصلة سياسات التبعية للغرب اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وهو ما ترجمه مرسي الذي حرص على الاستمرار بنفس بالدور الذي كان يقوم به مبارك.

اعلى الصفحة