الانتخابات المبكرة وهشاشة الكيان الصهيوني

السنة الثانية عشر ـ العدد 134  ـ ( صفر ـ ربيع الأول  1434  هـ ) كانون الثاني 2013 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

إن حل رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو للكنيست الثامنة عشرة والدعوة لانتخابات مبكرة خلال ثلاثة شهور لم تكن الدعوة الأولى لانتخابات إسرائيلية مبكرة. فأول انتخابات إسرائيلية مبكرة كانت بعد حل الكنيست الأولى في العام 1951 عند استقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ديفيد بن غوريون بعد أزمة مع الأحزاب الدينية. تلتها الانتخابات الإسرائيلية المبكرة الثانية التي كانت في العام 1961 بعد استقالة بن غوريون أيضاً.

الانتخابات الإسرائيلية المبكرة الثالثة كانت في العام 1976 والتي جاءت بمبادرة من يتسحاق رابين بعد خلافات مع الأحزاب المتدينة. وكانت المرة الرابعة عندما تم تقديم موعد الانتخابات للكنيست الإسرائيلي في العام 1984 بعد استقالة رئيس الحكومة آنذاك مناحيم بيغن بعد رئاسته للحكومة الإسرائيلية لمدة ست سنوات.

المرّة الخامسة كانت بعد أول ولاية لنتنياهو كرئيس لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم حل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة في العام 1999 والتي كان انتخاب رئيس الحكومة فيها مباشر، والتي فاز فيها يهود براك. وفي العام 2001 تمت انتخابات فقط لرئيس الحكومة الإسرائيلية والتي خسر فيها المواجهة يهود براك لصالح أرئيل شارون. وفي العام 2005 عندما فقد شارون الأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، حينها قرر الانشقاق عن حزب الليكود، وتشكيل حزب كديما، حينها فاز شارون في هذه الانتخابات.

بقي شارون رئيس حكومة حتى العام 2006 حينها أصيب بجلطة دماغية، حيث تم تسليم الحكومة بعده لأولمرت الذي بقي رئيس للحكومة لمدة ثلاث سنوات، وبعد استقالته بسبب تهم بالفساد تم التوجه لانتخابات عامة في العام 2009 والتي شكل في أعقابها نتنياهو الحكومة الحالية.

واليوم في العام 2012 يعلن نتنياهو عن انتخابات مبكرة. فما هي الدوافع التي تقف وراء هذه الخطوة؟ وما هي مفاجآتها؟ وماذا بعد هذه الانتخابات؟

 

حقائق مخيفة

ثمة حقائق مخفية وراء هذا الإعلان تتعلق ليس فقط في مسألة الميزانية بل بعوامل أخرى محلية وإقليمية وذاتية، فنتنياهو على المستوى الشخصي لا يوجد له على الساحة السياسية منافس قوي، وقد كشفت ذلك كافة استطلاعات الرأي، فضلًا عن حقائق العمل السياسي، حتى وإن ذهب المحللون إلى أنّ الأيام القادمة تخبئ ما تخبئه في جعبتها، وأن أولمرت أبدى استعداده للحياة السياسية، هذا إلى جانب تفوق الليكود على حزب العمل المنافس له بـ 8-10 مقاعد وفقًا لآخر استطلاعات الرأي.

المعسكرات السياسية ما زالت السيطرة فيها لليمين واليمين المتديّن والتيار الديني المتشدد "الحريدي"، وهي المكونات الطبيعية لحكومة يكوّنها نتنياهو، والفارق في أعضاء البرلمان بين معسكر اليمين ومعسكر المركز – اليسار كبير، قد يصل في هذه الانتخابات إلى عشرة مقاعد أو أكثر، علمًا أن السياسة الإسرائيلية علمتنا أن كل حزب جديد يدخل يحظى بعدد لا بأس به من المقاعد، وهو عادة ما يكون حزبًا شخصيًا كما هو الحال مع حزب "يوجد مستقبل" الذي يقوده الصحافي يائير لبيد ويمثل الشباب في المجتمع الإسرائيلي، وتتوقع له الاستطلاعات عشرة مقاعد، علمًا أن كتلة اليمين واليمين المتدين والتيار "الحريدي" تشكل 74 مقعداً مقابل 66 مقعدًا في الدورة الحالية، وكتلة المركز تشكل وفقًا لاستطلاعات الرأي الحالية القوة الأكبر على الخارطة السياسية إذا ما جمع بين العمل وكاديما، حيث تصل هذه القوة إلى 60 عضواً مقابل 46 عضواً لقوى اليمن و18 عضواً للتيار الحاريدي.

ثمة خلفيات وراء تقديم الانتخابات مرتبطة بالوضعين الإقليمي والدولي، فنتنياهو لم يفلح في إقناع أوباما بشن حرب على إيران رغم كافة الضغوطات التي مارسها على البيت الأبيض، ولئن كان نتنياهو يستعد لخوض الانتخابات مستثمراً الملف الإيراني لتعزيز مكانته الانتخابية فإنّ هذا الملف ذاته قد يكون السبب المباشر في سقوطه، ولعل الملف الأمني عمومًا يشكّل رافعة لسقوط أو نجاح الأحزاب المتنافسة في الكيان.

على كل حال فإن الحكومات الإسرائيلية القادمة -أيا كانت- ستكون أمام متغيرات كثيرة في المنطقة ومتغيرات عصفت وما زالت تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، والهروب إلى الأمام من الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية لن يجدي الحكومات القادمة نفعاً. لذلك يمكن القول انه بين الشخصانية والحزبية والمحلية على المستوى الإسرائيلي والمتغيرات الإقليمية والملف الإيراني والانتخابات الأمريكية يمكننا مَوْضَعَة تقديم الانتخابات الإسرائيلية.

فليس هناك ما هو غريب أو استثنائي في تقديم موعد الانتخابات في إسرائيل، على الأقل من الناحية التاريخية، حيث تجرى الانتخابات لديهم كل ثلاث سنوات ومتوسط عمر الحكومات هو أقل من عامين، على الرغم أن القانون ينص على إجرائها مرة كل أربع سنوات. ونعتقد أن قرار نتنياهو الذهاب لانتخابات مبكرة، وإعلان الكنيست حل نفسه بعد ذلك، لم يفاجئ الأوساط السياسية والحزبية في إسرائيل، وتحديد موعدها بداية العام المقبل كان متوقعا منذ فترة طويلة.

تختلف التقديرات حول السبب أو الأسباب الحقيقة لاتخاذ نتنياهو هذه الخطوة على الرغم أن الخلاف حول موازنة الدولة هو السبب المباشر، لكنه لم يبذل الجهد المطلوب وفضل الذهاب إلى الانتخابات المبكرة.. نتنياهو يذهب إلى الانتخابات وهو مطمئن بأنه لا يوجد حتى الآن منافس حقيقي له على زعامة الحكومة وأن حزب "الليكود" الذي يتزعمه سيزيد من عدد مقاعده ليصبح الكتلة الأكبر في الكنيست بلا منازع. وحسابات نتنياهو مبنية على أن الفوز محقق، وأن الاستطلاعات تعطي حزب الليكود من 32 إلى 35 مقعدا، وأن كتلة اليمين ستحافظ على الأغلبية ولن يكون لديه مشكلة في تشكيل حكومة يمينية جديدة، وأنه حتى اللحظة ليس هناك منافس حقيقي له على قيادة الحكومة.

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو لماذا فضل نتنياهو الذهاب إلى الانتخابات المبكرة؟ هل هناك اعتبارات أخرى غير موضوع الموازنة؟ هل هذا الأمر له علاقة بالاستعدادات للحرب مع إيران أو تنفيذ عمليات واسعة ضد المقومة سواء في قطاع غزة أو في الجنوب اللبناني؟ هل له علاقة بما يسمى بعملية السلام التي من المتوقع أن تكون هناك محاولات لإنعاشها مع الولاية الثانية لأوباما؟ أم أن هناك حسابات انتخابية ضيقة يعتبر نتنياهو أن إجراءها في يناير أفضل من موعدها الرسمي في أكتوبر المقبل لكي لا يعطي لخصومة السياسيين الفرصة لتنظيم صفوفهم؟.

وعلى الرغم من أن السبب المباشر لتبكير الانتخابات هو موضوع الموازنة، إلا أن الموضوع الإيراني سيكون حاضراً بقوة في الانتخابات القادمة، وهو على الأرجح كان أحد الاعتبارات التي جعلت نتنياهو يفضل إجراء الانتخابات في مطلع العام الماضي. على جانب آخر، وعلى الرغم من أن عملية المفاوضات العبثية مع الفلسطينيين ستكون غائبة في المعركة الانتخابية المقبلة وأن محاولات الأحزاب اليسارية في إعادتها إلى الصدارة ستفشل في ظل التركيز على قضايا داخلية أخرى مثل الوضع الاقتصادي وتجنيد المتدينين للجيش، وعلى الرغم أن نتنياهو لم يبذل أي جهد على هذا الصعيد ولا يملك أي حلول سوى تعزيز الاستيطان إلا أنه يدرك أن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، وأن بداية العام المقبل ستشهد محاولة جادة لكسر حالة الجمود في الموضوع الفلسطيني.

انتخابات غير مسبوقة

كما هو معروف فإن المعركة الانتخابية البرلمانية في الكيان الصهيوني التي ستجري في الثاني والعشرين من هذا الشهر تعتبر المعركة التاسعة عشر من الناحية العددية لكنها قد تكون الأولى لجهة اختلافها عن كل ما سبقها. فقد خيضت أغلب إن لم يكن كل الحملات الانتخابية حتى الآن على قاعدة الحرب والسلام وتغلب البعد السياسي وربما الأيديولوجي. لكن المعركة الجارية حاليا تكاد تخالف كل ما عداها باستنادها إلى الفراغ المملوء بالغبار. إذ يصعب العثور على قضية، سياسية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية، تدور حولها المعركة الانتخابية الجارية.

فمن الناحية السياسية، وكما يبدو، تعيش إسرائيل في محيط تتلاطم أمواجه بشكل عاصف وينحو إلى زوايا متناقضة تتخبط بين الديمقراطية الليبرالية والدولة الدينية، لكن إسرائيل في غيها لا تولي، بذاتها، الأمر اهتماما يذكر. كما أن الكيان الصهيوني يواجه ما اعتبره البعض نوعا من تسونامي دبلوماسي يهدد بفرض عزلة غير مريحة على حكومته، لكن كما يوضح كاريكاتير في صحيفة "هآرتس" يصور نتنياهو ووزير خارجيته السابق أفيغدور ليبرمان الأمر كأن إسرائيل تعزل العالم.

وبديهي أن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة يسهم في تنامي التوجهات العسكرية، ولو المحدودة الأثر، وهو ما أثار المخاوف الإسرائيلية مرارا من انفجار الوضع تارة مع إيران، وأخرى مع سوريا ولبنان وثالثة مع قطاع غزة وربما أن لدى البعض مخاوف حتى من صدام عسكري مع مصر.

أما عن الوضع الاقتصادي في إسرائيل فحدث ولا حرج. فنتنياهو الذي تسلم قبل أربع سنوات اقتصاداً لا يعاني من أي عجز في ميزانيته، والذي عجز حتى الآن عن إقرار ميزانية عامة جديدة، وهو مضطر لإحداث تقليصات واسعة لمنع تنامي العجز، يجد نفسه مضطراً لزيادة نسبة العجز لتصل إلى 6%. وهناك الطبقة الوسطى تصرخ والشرائح الدنيا تئن ولكن الشارع عموماً يهتف لنتنياهو ولليمين من دون معرفة كيف ولماذا. المهم أن لا يكون الوسط أو اليسار في الحكم وليكن ما يكون. هذا أيضا هو حال الأوضاع الاجتماعية حيث يكشف تقرير الفقر السنوي في إسرائيل أن مساعي حكومة نتنياهو في السنوات الأربع الأخيرة لم تفلح في تخفيض نسبة الفقر التي سوف تتعاظم قريباً مع ازدياد نسبة البطالة وتراجع مستوى الخدمات الاجتماعية.

على أن كل ذلك لا يجد له ترجمة في المعركة الانتخابية الجارية التي يبدو أيضاً أنها المعركة الأكثر فساداً وإرباكاً من الناحية القيمية والأخلاقية. فالمنافسة في صفوف اليمين بين الليكود وإسرائيل بيتنا حلت باتحاد "الليكود بيتنا" الذي نالت فيه القوة الفردية الصاعدة (ليبرمان) موطئ قدم واسع في صفوف القوة الحزبية الأهم (الليكود). وخلا الاتحاد بين هاتين القوتين من الاستناد إلى أي قاعدة أو معيار عدا معيار المصلحة التي تضمن لنتنياهو الاستمرار في رئاسة الحكومة في الولاية المقبلة. وتحت هذه المصلحة تم سحق "أمراء" الليكود مثل بني بيغين ودان ميريدور لمصلحة "رعاع" الليكود من أنصار التطرف الأعمى. والشيء نفسه، تقريباً، حدث في "إسرائيل بيتنا" حيث تم طرد نائب وزير الخارجية داني أيالون الذي كان يعتبر المرشح الأبرز لوزارة الخارجية بعد ليبرمان.

على أن ما يجري في الليكود وفي اليمين ليس سوى تعبير بسيط عما يجري في المجتمع الإسرائيلي عموماً والحلبة السياسية خصوصاً. وأكبر دليل على ذلك ما جرى في حزب اليمين الأقصى، البيت اليهودي، وما جرى في حركة شاس. لكن الأفواه فغرت لما شهدته الحلبة السياسية من مفاجآت في كل من حزب العمل وحركة تسيبي ليفني والتنقلات النشطة، العديمة القيود والشديدة الانتهازية، من معسكر إلى آخر ومن حزب إلى حزب. وفجأة ومن دون سابق إنذار اختفى عن رادار السياسة الإسرائيلية أكبر حزب في الكنيست الحالي، حزب كديما الذي بقي زعيمه الحالي، شاؤول موفاز يأمل أن يتمكن من اجتياز نسبة الحسم والبقاء حتى على هامش الحياة السياسية.

غير أن المشكلة الجوهرية، كما سبق، تكمن في أن كل هذه التطورات والأحداث تجري من دون أجندة واضحة ومن دون تركيز لا على البعد الأيديولوجي ولا حتى على البعد السياسي. وكان هناك من أوضح أن الفوارق السياسية والفكرية بين الأحزاب الإسرائيلية زالت منذ زمن بعيد وأن ما يحرك السياسة في إسرائيل أكثر من سواه هو البعد الشخصي حيناً واستطلاعات الرأي أحياناً. وفي مجتمع يميل بشدة نحو التطرف اليميني صار التطرف دينا يدين به الكثيرون حتى ممن كانوا إلى وقت قريب يعتقدون أن ثمة مجالاً للعقلانية.

ليس صدفة والحال هذه، ألا يجد داهية انتهازي مثل أيهود باراك مكاناً له في اللعبة بعد أن سقطت قبعته البونابرتية عن رأسه ولم يعد قادراً على تسويق نفسه كـ"السيد أمن" للجمهور. وليس صدفة أن رئيس الحكومة الأسبق أيهود أولمرت تجرّأ على الكلام لكنه لم يتجرّأ على دخول اختبار التنافس على رئاسة حزب أو حكومة. فالجميع يعرف أن المعركة محسومة لمصلحة اليمين لا يهم في ذلك إذا كان الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي يتردى. فالمطلوب ليس حكومة ذات أجندة محددة وإنما حكومة يقودها بنيامين نتنياهو حتى لو كانت وجهته إلى الجحيم.

الهاجس الأمني

على الرغم من كل ما سبق تظل القضية الأمنية هي الهاجس الأكبر وأحد المبررات الهامة لإجراء الانتخابات الإسرائيلية المبكرة في 22 يناير القادم حيث يرى نتنياهو أن إسرائيل تواجه مخاطر وتحديات في محيطها الإقليمي وحالة من عدم الاستقرار السياسي أو الأمني فضلاً عن الملف النووي الإيراني ما يستوجب إجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة جديدة قادرة على مواجهة هذه التحديات الأمنية المحيطة بإسرائيل.

ويشير خبراء سياسيون إلى أن الحديث يدور الآن في إسرائيل حول... هل تأتي القضية النووية الإيرانية أولاً... أم التحولات والتغييرات الشاملة التي شهدتها بعض البلدان العربية كدافع مهم لإجراء الانتخابات المبكرة خصوصاً أن إسرائيل تستشعر تهديدات محتملة جديدة على أمنها القومي وتتمثل في الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة وتسقط داخل إسرائيل خصوصاً أن الحفاظ على الهدنة لا يعنى بالنسبة للكثير من الإسرائيليين إسقاط خيار المواجهة الأمنية والملاحقات في عمق غزة باستهداف قادة تنظيم الجهاد وحركة حماس.

وفي هذا المجال أوضح الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة الدراسات والبحوث الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط أن رئيس الحكومة الإسرائيلية قرر إجراء انتخابات مبكرة في شهر يناير استناداً على توجهات ومبررات يعتقد أنها في صالح الشعب الإسرائيلي وأولها احتمال ذهاب إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران ما يتطلب إجماعاً وطنياً وتفويضاً كاملاً من الشعب له من أجل وضع إستراتيجية عمل لمواجهة المشروع النووي الإيراني.

وأوضح الدكتور فهمي أن مواجهة إيران بحسب وجهة نظر رئيس الحكومة الإسرائيلية يتطلب ضم وزراء وأحزاب تتفق مع النهج العام لاحتمال المواجهة خصوصاً وأن مثل هذا الأمر لا يحظى في إسرائيل بموقف محدد وحاسم بل أن هناك بالفعل سيولة ومرونة في المواقف تجاه إيران.

ويرى فهمي أنه من المبررات التي استند إليها رئيس الحكومة الحالية في إسرائيل أيضاً نقل رسالة إلى إيران مفادها أن الخيار العسكري لم يسقط أبداً من مخيلة صانع القرار في إسرائيل وأنه ما زال موجودا بدليل أن إسرائيل ذاتها ستذهب إلى انتخابات تشريعية مبكرة لحسم موقفها, وأشار إلى أن من بين الدوافع أيضاً لإجراء انتخابات مبكرة هو وجود مخاوف حقيقية لدى نتنياهو من العمل مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حيث يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن أوباما في ولايته الثانية سوف يتحرر من القيود الانتخابية وسيسعى لفرض خيارات انفرادية على إسرائيل يجعلها كدولة وحكومة في مأزق سياسي وإستراتيجي وبالتالي فإن تقديم موعد الانتخابات في إسرائيل جاء لعدم إعطاء الفرصة لأي طرف (أمريكي) بالتدخل في الانتخابات لو جرت في موعدها.

ولفت الدكتور طارق فهمي الانتباه إلى أن نفس هذه القضايا والهواجس الأمنية والتي قد تكون قد عجلت بإجراء الانتخابات مبكراً هي نفسها قد تكون سبباً رئيساً لتأجيلها في حال كسر الهدنة وإذا ما أمطرت سماء إسرائيل بالصواريخ من التنظيمات الجهادية خصوصاً وأنه قد عاش في أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أكثر من 1.5 مليون من الإسرائيليين عاشوا في الملاجئ خوفا من الصواريخ وبالتالي فإننا في المشهد السياسي الإسرائيلي هناك مطالبات بتأجيل الانتخابات فضلا عن أسباب مالية تتعلق بتمويل الحملات الانتخابية.

مفاجأة التحالف

مما لا شك فيه أن اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حل البرلمان وتبكير الموعد الانتخابي، كان خطوة متوقعة من قبل العديد من المحللين السياسيين، نظراً لتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية وتطوراتها على الساحتين الإقليمية والخارجية، لكن المفاجأة غير المتوقعة هي التحالف بين حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزب إسرائيل بيتنا القومي المتشدد بزعامة افيغدور ليبرمان، حيث أثارت هذه الشراكة غير المعهودة موجة كبيرة من الانتقادات وحالة من الاستياء في الداخل الإسرائيلي، حيث يرى بعض المراقبين بأن هذا الاتحاد يهدف للحصول على المزيد من السيطرة، وهو عملية سياسية تكمن في ابتلاع الأحزاب الكبرى الأحزاب الصغرى، وتوجيه حكم الكيان الصهيوني بطريقة الحزب الواحد، بينما قال مراقبون آخرون أن الغرض من هذا التحالف هو توحيد موقف إسرائيل داخلياً من اجل توحيد موقفها خارجياً، أي  التعامل مع تحديات أمنية مثل البرنامج النووي الإيراني ومشاكل داخلية أخرى، مما يعاني أن هذا التحالف سيحظى بحصة الأسد في الحكومة المقبلة لو استمرت الأمور على هذا النحو، ولكن توجد هناك عدة عوامل يمكن أن تتغير من هذه المعادلة السياسية وتغير حسابات الانتخابات الإسرائيلية أيضاً، ومن هذه العوامل عودة درعي زعيم السابق حزب شاس الديني المتشدد في إسرائيل إلى الأجواء السياسية مجدداً، والذي يحظى بشعبية كبيرة، خصوصاً إذا تحرك حزب شاس في ظل القيادة المشتركة لدرعي نحو اتجاه الوسط، كما تعد التعاملات العنصرية مع بعض الجماعات اليهودية وخصوصا  من جانب النخبة من يهود الاشكيناز ذوي الأصول الأوروبية الذين هيمنوا لفترة طويلة على السياسة الإسرائيلية عامل سلبي قد يؤثر على ديمومة التحالف، في حين يشكل العامل الثالث وهو عودة رئيس الوزراء السابق أيهود أولمرت إلى الحلبة السياسية مع تسيبي ليفني وإقدامه على توحيد معسكر اليسار– الوسط تحت قيادته ابرز عامل يهدد التحالف اليميني، غير أن هناك عوائق عدة تقلل من فرصة تحقق هذا العامل ومن أبرزها قضية الفساد المتعلقة به.

في حين يرى بعض المحللين المختصين بأن هذا التحالف أو الاندماج اليميني، قد أسقط الطابع الرسمي المتزن للحكومة ورئيسها من مختلف القضايا الملحة التي تواجه المجتمع الإسرائيلي، وقد يكون هدف من أجل إعداد إسرائيل للحرب ضد إيران، وتحييد الأصوات المترددة والمحذرة من مغامرة عسكرية لا تعرف عواقبها، إلى جانب تعميق الاستيطان.

لقد أثار التحالف بين حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو وحزب إسرائيل بيتنا القومي المتشدد بزعامة ليبرمان لتشكيل لائحة واحدة في الانتخابات المقبلة استياء العديدين داخل حزبيهما، بحسب ما ذكر معلقون، وقد أعلن نتنياهو وليبرمان أن حزبيهما سيشكلان لائحة انتخابية مشتركة في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 22 كانون الثاني/يناير، في خطوة من المرجح أن تمكنهما من تولي حكومة الائتلاف المقبلة.

ما بعد الانتخابات

في السنوات العشر الأخيرة أجريت دراسات علمية واستطلاعات رأي على عينات مختلفة في المجتمع الإسرائيلي وكذلك وفقاً لنتائج الانتخابات العامة للكنيست والبلديات والنقابات كلها خلصت بأن المجتمع الإسرائيلي يجنح نحو اليمين السياسي المتطرف واليمين الديني الأصولي، وباتت النتائج لانتخابات الكنيست وإن بدت في شكلها منافسة بين أحزاب مختلفة إلا أن جوهرها انتخابات بين كتلتي "اليمين"، "التي تنصهر في بوتقتها أحزاب اليمين واليمين المتطرف سياسياً والأحزاب الدينية والأصولية المتطرفة دينياً وسياسياً"، وكتلة "الوسط واليسار كقطبين منفصلين وغير موحدين"، وعليه فإن كل التوقعات لنتائج الانتخابات القادمة والتي من المقرر إجرائها في نهاية يناير 2013م، تعطي كتلة اليمين بكل أطيافها الأغلبية لتشكيل الحكومة القادمة ولا خلاف بين أحزاب الكتلة اليمينية على زعامة نتنياهو لقيادة الكتلة كرئيس للحكومة القادمة، على الرغم من كل المواقف السلبية لإدارة الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو للازمات السياسية والأمنية، فلم تستطيع الحكومة معالجة أي من الملفات الساخنة امنيا كالملف النووي الإيراني وملف حزب الله والمقاومة في قطاع غزه، ليس هذا وحسب بل ومن خلال إدارتها لمعالجة هذه الملفات اصطدمت بنتائج عكسية تماما كما حصل في الحرب الأخيرة علي غزه وما تعرضت له الحكومة من انتقادات شعبية وحزبية علي إدارة ونتائج الحرب، وفشلت فشلاً ذريعا في معالجة الملف النووي الإيراني وعند تناولها لطريقة المعالجة اصطدمت مع الإدارة الأمريكية ومع المجتمع الدولي وكذلك فشلها في وقف تطوير حزب الله لقدراته التسليحية التي باتت وكما تؤكد مصادر استخبارتية وعسكرية إسرائيلية قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي بكل مكوناته، البشرية والبنية التحتية والمنشئات الإستراتيجية العسكرية والمدنية، وسجّلت هذه الحكومة فشلاً ذريعاً في معالجة الملفات السياسية والتي أهمها المسيرة السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تلك العملية التي باتت في حكم الميتة، وينسحب فشل الحكومة السياسي على الفتور والتوتر في العلاقة مع الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية كنتيجة طبيعية لصلف نتنياهو ووزرائه عند التدخل المباشر في الانتخابات الأمريكية، وكذلك لعدم تفهم الحكومة لتوجهات وفلسفة الإدارة الأمريكية في إدارة الملفات السياسية في الشرق الأوسط، وكذلك العزلة الشبه كاملة لإسرائيل على المستوى الإقليمي والدولي لتجاوزها كل التفاهمات بخصوص مسألة حساسة عند المجتمع الدولي وهي قضية البناء الاستيطاني التي ترى فيه المجموعة الدولية بأنه يتعارض مع التوصل لحل يفضي في النهاية بإقامة دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وقد تجلى الوضع السيئ لإسرائيل عند المجتمع الدولي عندما صوتت 138 دولة وامتنعت 41 دولة إلى جانب القرار الفلسطيني لقبول فلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة، ولأن الحكومة ووفقاً لفلسفتها القائمة على أسلوب العربدة وتجاوز القانون الدولي وتوجهات المجتمع الدولي فإنها تخرج من مستنقع لتغرق في أخر والتي كان آخرها بناء 3000 وحدة سكنية في منطقة القدس الشرقية والتي وإن شرعت ببنائها فإنها ستقضي على أي فرصة للتوصل لحل الدولتين على اعتبار أن هذا البناء يقسم الضفة الغربية شمالها عن جنوبها وبذلك يمنع أي تواصل جغرافي للدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية ناهيك عن الانفصال الجغرافي بين الضفة الغربية وغزه، هذا التوجه أثار حفيظة المجتمع الدولي برمته وخاصة حلفاء إسرائيل في أوربا التي رأت في هذا القرار بمثابة تحدي إسرائيلي واضح لقتل أي فرصة لإعادة الحياة من جديد للعملية السياسية في المنطقة وكذلك تحديا لإرادة المجتمع الدولي التي تؤكد علي ضرورة حل الدولتين من خلال قيام دولة فلسطينية مستقلة.

على الرغم من كل الإخفاقات التي ذكرنا على المستويين الأمني والسياسي وهي القضايا الملحة للمجتمع الإسرائيلي إلا أن هذه الإخفاقات لن تؤثر كثيراً على نتائج الانتخابات القادمة لأنها ـ كما قلنا ـ انتخابات كتل في جوهرها، فالهبوط في عدد المقاعد التي من الممكن أن يحصل عليها تحالف الليكود وإسرائيل بيتنا "الليكود بيتنا" تحالف ليبرمان ونتنياهو ستتجه إلى أحزاب أكثر يمينية وتطرف كحزب البيت اليهودي أو شاس أو أحزاب صغيره يمينية ستشارك في الانتخابات القادمة أي أن ما يحصل هو عملية انزياح للمقاعد داخل الكتلة اليمينية نفسها ولن تخرج هذه المقاعد لأحزاب الوسط واليسار بأي حال من الأحوال التي تعاني من التشرذم والمنافسة على حوض الأصوات نفسه وتفتقد إلي وجود الزعيم المتفق عليه ليقود هذا المعسكر في مواجهة المعسكر اليميني.

هذه النتائج على ما يبدو باتت مقروءة للكثيرين من الساسة والمتابعين للشأن الإسرائيلي وهي كذلك مقروءة ومعروفة لأولمرت الذي تردد كثيراً في خوض الانتخابات القادمة حتى حسم أمره وأعلن أنه لن يخوض هذه الدورة الانتخابية وربما أهم دواعي أولمرت بعدم خوض الانتخابات هو معرفته المسبقة للنتائج ونجاح نتنياهو كمرشح لكتلة اليمين بتشكيل الحكومة القادمة وهو لا يرغب بأن يعود للحلبة السياسية كعضو كنيست في صفوف المعارضة، عدم خوضه الانتخابات الحالية لا يعني بالضرورة بأنه خرج من الحياة السياسية بل ينتظر فترة وجيزة هي عمر الحكومة اليمينية القادمة التي لن تعمر كثيراً فهي حكومة يمينية أكثر من هذه الحكومة على اعتبار ما أفرزته الانتخابات الداخلية لليكود التي أخرجت الوزراء والقادة المصنفين من الأمراء أو الأكثر حكمة وتجربة، أمثال "دان مريدور وبني بيجن وميخائيل ايتان" وصعود قادة من المحسوبين على التيار الأكثر يمينية وأكثر تطرفاً وقليلي الخبرة في العمل السياسي والأمني وقدراتهم على اتخاذ القرارات الإستراتيجية لا تؤهلهم لمواجهة التحديات والملفات الخطيرة والهامة علي المستويين الأمني والسياسي، هذه التركيبة لقائمة الليكود يندمج معها أعضاء من إسرائيل بيتنا الأكثر يمينية وتطرف ستكون الحزب الأكثر أعضاءً في الكنيست وبالتالي الأكثر في عدد الوزراء، فنتنياهو وأمام هذا الواقع سيقود حكومة معزولة، متطرفة ومتهورة، على الرغم من أنه سيحاول تقديم إغراءات لأحد أحزاب الوسط كمنحه عدداً كبيراً من الحقائب الوزارية ومنها وزارات سيادية كوزارة الخارجية وربما سيلجأ لشخصيات من خارج الكنيست ليتولوا وزارات أيضاً سيادية كوزارة الحرب أو الخارجية، فلقد وجه نتنياهو يوم إعلان نتائج قائمة حزب الليكود نداءً إلى الأعضاء الأمراء الأكثر حكمة وخبرة "مريدور وبني بيجن" ليصطفوا إلى جانبه كوزراء في حكومته القادمة حتى وإن كانوا خارج الكنيست وهذا يعني أن نتنياهو نفسه يدرك أنه مع هذه القائمة من الصعب عليه قيادة الحكومة، مساعي نتنياهو ربما ستفشل في إضفاء بعض المرونة على حكومته من خلال هذه المحاولات لرفض أحزاب الوسط والشخصيات المرنة وصاحبة الخبرة ربما ستكون بإشارات وتوصيات أمريكية حتى يبقي نتنياهو وحيداً في مواجهة عقبات وملفات لن تقدر حكومة يمينية متطرفة على مواجهتها في ظل انعدام الثقة مع الإدارة الأمريكية من جانب ومن جانب آخر العزلة الدولية والإقليمية للحكومة الحالية ورئيسها نتنياهو.

هكذا حكومة لا تعمر طويلاً وربما لا يزيد عمرها على العام أو أكثر قليلاً، ليعود أولمرت ليتصدر المشهد من جديد بصفته الزعيم الشعبي والحزبي المنقذ ليقود كتلة الوسط واليسار لإسقاط اليمين الفاشل سياسياً وأمنياً. 

اعلى الصفحة