هزيمة إسرائيل في غزة:
انتصار المقاومة الواضح هل انعكس في اتفاق التهدئة

السنة الحادية عشر ـ العدد132 ـ ( محرم ـ صفر 1434  هـ ) كانون أول ـ 2012 م)

بقلم: حسين عطوي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

كل من راقب رئيس وزراء العدو بنيامين ونتنياهو، ووزير الأمن الصهيوني أيهود باراك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقداه، للإعلان عن اتفاق التهدئة، لا بد وأنه لاحظ جيداً علامات الوجوم والذل والهوان والانكسار والهزيمة على وجهيهما.

فالعدوان استهدف تدمير منصات ومخزون الصواريخ لدى المقاومة، وخصوصاً تلك البعيدة المدى التي تصل العمق الصهيوني، وضرب بنية المقاومة عبر اغتيال أكثر رموزها وقادتها المعروفين بدورهم المتقدم في المقاومة وبناء بنيتها العسكرية وتطوير قدراتها، وامتحان النظام المصري الجديد برئاسة محمد مرسي، لمعرفة ما إذا كان سيبقي على التزام مصر بمعاهدة كامب ديفيد والتزاماتها، وعدم فك الارتباط بإسرائيل وأمريكا، أم سوف يعيد النظر بكل ذلك.

إلا أن العدو لم يحقق من هذه الأهداف، سوى الهدف الأخير، فيما فشل في تحقيق أهدافه الأخرى. فعلى الرغم من ثمانية أيام متتالية ومتواصلة، من القصف الجوي والبري والبحري، لم يتمكن العدو من تدمير منصات ومخازن الصواريخ، ولا بنية المقاومة، سوى تمكنه من اغتيال قائد كتائب القسام أحمد الجعبري في بداية العدوان، حيث وبعد ساعات على الغارات الجوية المكثفة للطيران الحربي الصهيوني انطلقت الصواريخ من غزة باتجاه المستوطنات والمدن الصهيونية، وبلغت لأول مرة تل أبيب والقدس، واستهدفت الرموز والمؤسسات الحكومية الصهيونية، التي كانت طوال مراحل الصراع العربي الصهيوني بمنأى عن الحرب، الأمر الذي شكل تحولاً نوعياً واستراتيجياً في هذا الصراع أشر إلى تطور قدرات المقاومة الفلسطينية، كماً ونوعاً.

ويؤشر ذلك إلى أن المقاومة، وعلى مدى السنوات التي أعقبت عدوان 2008 ـ 2009 ،استعدت جيداً للمواجهة، واستفادت من دروس العدوان، وخبرات المقاومة في لبنان، في إخفاء وتمويه منصات الصواريخ وتواجد قياداتها، ما جعل الاحتلال في حالة عمى معلوماتي، يقصف المواقع التي يعتقد أن الصواريخ تنطلق منها مرات عديدة، لكنه يفاجأ بأن الصواريخ تعود وتنطلق باتجاه مستوطناته، تماما كما كان حاله في عدوانه على لبنان عام 2006.

وبعد أيام معدودة، على بدء العملية الصهيونية، وجد العدو أن بنك أهدافه نضب، وأن المقاومة لم تتأثر، وهي بكامل جهوزيتها ونشاطها في التصدي للعدوان، والرد على القصف الصهيوني بمواصلة قصف المدن والمستوطنات الصهيونية، الأمر الذي أدى إلى خلق معادلة من الاستنزاف المتبادل، بشرياً واقتصادياً، مع فارق أن خسائر اقتصاد الكيان الصهيوني أكبر بكثير، في حين أن أمن قطاع غزة بات في مقابل أمن تل أبيب والقدس وهرتسيليا، ولم يعد كيان العدو قادراً على فرض معادلته الأمنية، التي تجعله بمنأى عن دفع الثمن في أمنه واستقراره. ولأن قادة العدو فشلوا في عدوانهم وجدوا أنه لم يعد أمامهم سوى خيارين:

الأول: توسيع العدوان عبر القيام بعملية برية واسعة النطاق لاجتياح قطاع غزة للوصول إلى مواقع إطلاق الصواريخ ومخازنها وتوجيه ضربة قاصمة لبنية المقاومة وقياداتها وكوادرها، ومن ثم فرض معادلته التي تقضي بإخراج قطاع غزة نهائياً من دائرة الصراع العربي الصهيوني، من خلال تكريس وقف دائم للمقاومة بكل أشكالها العسكرية من القطاع، أن كان عبر وقف نهائي لعملياتها ضد جنود العدو، أو عبر وقف القصف بالصواريخ.

الثاني: أو العمل على التوصل إلى تهدئة عبر الوسيط المصري، وبضغط أمريكي غربي تحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقه بالقوة العسكرية.

على صعيد الخيار الأول: كان واضحاً أنه على الرغم من إعطاء الأمر للجيش الصهيوني بالاستعداد لتنفيذ عملية برية، واستدعاء 75 آلف جندي من الاحتياط، إلا قادة العدو، وتحديداً نتنياهو وباراك، لم يكونا متحمسَيْن لشن هجوم بري، لأنه لن يكون نزهة، وسيكلف الجيش الإسرائيلي وإسرائيل خسائر كبيرة، بسبب ما سيواجهانه من مقاومة شرسة تملك من القدرات والإمكانيات، كماً ونوعاً، يفوق ما كان بحوزتها خلال عدوان 2008 ـ 2009، في حين أن هناك احتمالات في أن يفشل العدوان في تحقيق أهدافه وتؤدي مثل هذه العملية العسكرية إلى خسائر كبيرة وسط المدنيين الفلسطينيين، وحصول مجازر وحشية تقود إلى تداعيات سلبية على إسرائيل، وتحدث تفاعلات في الواقع العربي، خاصة في أنظمة الربيع العربي، التي لا تزال طرية العود وتحتاج إلى وقت لترسيخ وجودها بما يضمن بقائها في كنف الإستراتيجية الأمريكية، الأمر الذي يؤثر سلباً على المخطط الأمريكي الغربي الصهيوني الساعي إلى تطويق المقاومة واستعادة زمام المبادرة وتعويم المشروع الأمريكي الشرق أوسطي المتداعي، بعد فشل الحرب على العراق، والحرب على لبنان.

ولهذا فإن واشنطن وحلفاءها الغربيين سارعوا إلى تحذير إسرائيل من مخاطر الإقدام على تنفيذ هجوم بري على حياة الجنود الإسرائيليين وأمن إسرائيل، وهو ما عكسه بوضوح تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي دعا إسرائيل إلى تجنب القيام بعلمية برية.

إلى جانب ذلك فإن تردد نتنياهو وباراك في الإقدام على اجتياح غزة ينبع أيضاً من القلق الذي ينتابهما ويسيطر عليهما من أن يؤدي الفشل إلى مزيد من تآكل قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة المقاومة الفلسطينية، بعد تآكلها في مواجهة المقاومة اللبنانية، والى دفع ثمن ذلك بخسارتهما الانتخابات الإسرائيلية المقبلة وخروجهما من الحياة السياسية إلى غير رجعة لتوريطهما إسرائيل في حرب فاشلة معروفة النتائج سلفاً.

أما على صعيد الخيار الثاني: لذلك لم يكن أمام نتنياهو إلا الدفع باتجاه التوصل إلى وقف للنار، باعتباره هو المخرج الأفضل والأقل سوءاً بالنسبة لإسرائيل، الذي ينقذها من التورط في حرب برية مخاطرها كبيرة، وقد تكون نتائجها أكثر سوءاً بالنسبة لنتنياهو وباراك، من خيار قبول تهدئة لا تلبي ما سعت إليه إسرائيل من وراء عدوانها، وتعكس توازن القوى الجديد، وكان واضحاً دور وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في الحضور على عجل إلى المنطقة للإشراف على إخراج اتفاق التهدئة، وتطويق إمكانية اندفاع الأمور نحو توسع نطاق الحرب، وبالتالي العمل على إعادة ضبط الوضع بما يخدم مصلحة إسرائيل وأمريكا، ويثبت بقاء مصر في فلك الإستراتيجية الأمريكية في ظل نظام محمد مرسي، وهو ما تجسد من خلال رعاية مرسي لاتفاق التهدئة، ومن تم إعلان الاتفاق في مؤتمر صحفي مشترك لكل من وزير الخارجية المصري كامل عمرو وكلينتون.

وقد عكس هذا المناخ بوضوح تأكيد نتنياهو أمام الصحافة، إن حكومته وجدت وضعاً مركباً وأنه " في هذه الظروف مطلوب منا قيادة سفينة الدولة بحكمة ومسوؤلية، والأخذ في الحسبان جملة الاعتبارات السياسية والعسكرية على حد سواء، هكذا تتصرف حكومة مسؤولة، وهكذا تصرفنا. لقد استخدمنا الجبروت العسكري باتزان سياسي".

اتفاق التهدئة لم يرتقِ إلى مستوى انتصار المقاومة

إن انتصار المقاومة، هذه المرة، على العدوان الصهيوني كان أوضح من انتصارها في عدوان 2008 ـ 2009، فلأول مرة توجه المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية موجعة للعدو الصهيوني في القلب منه، من خلال تمكنها من بلوغ منطقة غوش دان، التي تضم تل أبيب وهرتسيليا والقدس الغربية، التي يتواجد فيها 70% من المستوطنين الصهاينة واهم المنشآت الاقتصادية والحكومية، وتمكن المقاومة على مدى أيام العدوان من الاحتفاظ بزمام المبادرة، وان تبقى الكلمة الأخيرة لها، بإطلاق صليات من صواريخها على المستوطنات الصهيونية، قبيل بدء سريان وقف النار.

ومثل هذا الانتصار العسكري، الذي هز أمن واستقرار الكيان، وغير قواعد اللعبة، واقر به المسؤولون الصهاينة (اعتراف شاؤول موفاز بهزيمة إسرائيل) ووسائل الإعلام الصهيونية، واحدث تحولا نوعياً في الصراع معه، يشكل انتصار حصرياً لقوى المقاومة والممانعة، وليس لأي جهة أخرى، سواء لأن الصواريخ، التي قصفت تل أبيب والقدس وهرتسيليا، مصدرها محور المقاومة، أو لأن النتائج التي كرسها الانتصار تصب في صالح منظومة المقاومة. غير أن اتفاق التهدئة لم يرتق إلى مستوى هذا الانتصار العسكري لماذا. فالاتفاق نص بوضوح على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: تقوم إسرائيل بوقف كافة الأشكال العدائية العسكرية على قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص.

الأمر الثاني: تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كافة العمليات من قطاع غزة باتجاه الجانب الإسرائيلي بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات عبر خط الحدود.

الأمر الثالث: فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان، أو استهدافهم في المناطق الحدودية، ويتم التعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

كما نص الاتفاق على حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه، والتزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك.

ومن خلال التمحيص في هذه البنود يتبين أن اتفاق التهدئة جاء دون مستوى انتصار المقاومة للأسباب التالية:

السبب الأول: لم يشمل أي تكريس لحق المقاومة بالاستمرار في مقاتلة جنود الاحتلال، الذي يحتل أكثر من 85% من أرض فلسطين، وقطاع غزة لا يشكل سوى مساحة ضئيلة جداً منها، وكان يجب الإصرار على فرض معادلة شبيهة بمعادلة تفاهم نيسان، التي فرضتها المقاومة في لبنان خلال عدوان عناقيد الغضب، وتقوم على وقف القصف المتبادل، وإقرار العدو بحق المقاومة بمواصلة عملياتها العسكرية ضد جيش الاحتلال.

السبب الثاني: إن الاتفاق لم ينص على رفع الحصار عن قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وإنما نص على تسهيل تنقلات حركة الأشخاص والبضائع على المعابر.

فإذا كانت المقاومة لم تتمكن من فرض معادلة شبيهة بتفاهم نيسان في لبنان تفرض حق استمرار المقاومة ضد الاحتلال، ولم  تتمكن من فرض فك الحصار بالكامل عن قطاع غزة، فأين هو المكسب السياسي الذي تم تحقيقه من الانتصار العسكري للمقاومة. فأضعف الإيمان، على الأقل، كان أن يتم فرض فك الحصار، خصوصاً وأن إسرائيل كانت في مأزق وتسعى إلى التهدئة.

السبب الثالث: القبول بان تكون مصر هي راعية الاتفاق والمشرفة على متابعة تنفيذه يشكل تشجيعاً على استمرار علاقتها مع الكيان الصهيوني، وعلى أن تكون وسيطاً بينه، وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، في وقت كان يجب رفض أن تعود مصر، بعد سقوط نظام مبارك، إلى لعب دور الوسيط، ومثل هذا التسليم من قبل فصائل المقاومة بهذا الدور لمصر، وتشجيع الرئيس مرسي على ذلك، والإشادة به، ما كان يجب أن يحصل لأنه لا يخدم مشروع المقاومة، والقضية الفلسطينية.

لكل هذه الأسباب، فان الانتصار العسكري الهام، والنوعي للمقاومة الفلسطينية، لم يترجم انتصاراً سياسياً، وظل محصوراً في كونه أكد انتصار خيار وخط المقاومة، واضعف نهج المساومة والتفريط في الساحتين الفلسطينية والعربية، وبالتالي عزز من قوة محور دول وقوى المقاومة للاحتلال الصهيوني والمشروع الأمريكي الغربي في المنطقة.

انكشاف حقيقة أنظمة الربيع العربي

بالمقابل فإن الحقيقة التي كشفها العدوان على غزة هي أن الواقع العربي لم يطرأ عليه أي تغيير، بل يمكن القول إنه أصبح أكثر سوءاً مما كان عليه قبل سقوط نظامي حسني مبارك في مصر، و زين العابدين بن علي في تونس، فيما مؤسسة الجامعة العربية ظلت على نفس إيقاعها من التخاذل والتواطؤ. وتجسد ذلك في الآتي:

1- استمرار علاقة الأنظمة العربية، بما فيها الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا مع الولايات المتحدة الأمريكي، والدول الغربية، ولم يحصل أي اختلاف، أو تغيير في هذه العلاقة عما كانت عليه في السابق من تبعية للسياسة الأمريكية.

2- أما على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي: فانه لم يحصل أيضاً أي تبدل، لا بل ما حصل أن مصر، التي كانت أيام حسني مبارك تحصر التعامل مع الكيان الصهيوني بجهاز الاستخبارات، رفعت اليوم مستوى هذا التعامل إلى المستوى السياسي، الذي عبر عنه برعاية الرئاسة المصرية لاتفاق التهدئة ودخول مرسي على خط المفاوضات بين إسرائيل وفصائل المقاومة، وهو ما لاقى تنويه إسرائيل.

وتبين أن موقف مصر في ظل حكم الإخوان لم يتغير في أي جانب من الجوانب، عن موقفها في ظل حكم مبارك، وظهر ذلك بوضوح من خلال عدم اتخاذ مرسي أي خطوات أثناء العدوان تتجاوز ما كان يقوم به مبارك:

ـ سحب السفير المصري من تل أبيب، خطوة أقدم عليها مبارك.

ـ إرسال رئيس الوزراء هشام قنديل إلى غزة، في حين كان مبارك يرسل اللواء عمر سليمان.

ـ وفتح معبر رفح، أيضاً كان مبارك يقدم على ذلك.

ويمكن القول إنه إضافة إلى كل هذه الخطوات التي لا تختلف بشيء عن تلك التي كان يقدم عليها مبارك أثناء العدوان على غزة لامتصاص غضب الشارع، قبل مرسي بان يكون الراعي السياسي لاتفاق التهدئة.

اعلى الصفحة