الأزمة السياسية والاحتقان الشعبي في الأردن

السنة الحادية عشر ـ العدد 131 ـ (ذو الحجة 1433 هـ - محرم  1434هـ ) تشرين ثاني ـ نوفمبر ـ 2012 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يشهد الأردن مرحلة حساسة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إذ قامت السلطات بحملة اعتقالات واسعة بسبب شعارات اعتبرت مخالفة لأحكام الدستور ومسيئة للملك، وقد اندلعت احتجاجات على خلفية هذه الاعتقالات التي رأى مراقبون أنها زادت من تفاقم الأزمة واحتقان الوضع. في هذه الأجواء المقلقة شعبياً، تبرز نداءات للحوار والتوافق قبل فوات الأوان، كمحاولة لكسب الوقت وتهدئة الأوضاع.

المطلوب هو اتخاذ إجراءات فعالة، بدءاً بسحب قانون الانتخاب المثير للجدل وخطوات جدية لإصلاح الوضع الاقتصادي المتردي. ولعل ما زاد الأمور تأزما هو إصرار الحكومة على إجراء انتخابات نيابية على الرغم من نية المقاطعة الواسعة لاسيما من قبل الإسلاميين.

لقد نشرت الحركة الإسلامية وثائق لنحو ٧٠ ألف هوية شخصية قالت إنها مزورة، وقد تستخدم للحصول على بطاقات انتخابية، كما أن إقرار قانون المطبوعات اعتبر أنه يحد من حرية التعبير قد أدى إلى خطوات تصعيدية في الشارع الأردني. كل ذلك تزامن مع قرار حكومي لرفع أسعار المحروقات أثار سخط المواطنين، بيد أن الملك تدارك انفجاراً عارماً، فعمد إلى تجميده.

وصف رئيس مجلس الأعيان الأردني ـ طاهر المصري ـ الوضع بالعصيب مع تجدد الاحتقان الشعبي، فيما عبر رئيس الوزراء الأسبق وزعيم الجبهة الوطنية المعارضة أحمد عبيدات عن ضرورة استماع الملك إلى مطالب الشارع للإصلاح. فقد قوبل بدء السلطات بتطبيق ما يسمى بـ"الأمن الخشن" بتصعيد في صفوف الحراك الشعبي، مع تزايد في فقدان الثقة بجدية النظام بالإصلاح. على صعيد آخر، تجري السلطة محاولات لإقناع الحركة الإسلامية المعارضة لثنيها عن قرارها بمقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في ٢٣ كانون الثاني من العام المقبل. إلا أن الحركة المذكورة أشارت إلى أن قرار المقاطعة هو لمصلحة الوطن الذي يعيش أزمة حقيقية، مؤكدة استعدادها للحوار الإيجابي الذي يفضي إلى الإصلاح المنشود.

من ناحية أخرى، تتواصل الاحتجاجات على قانون المطبوعات المثير للجدل، والذي من شأنه فرض قيود جديدة على حرية التعبير على وسائل الإعلام الإلكترونية. وقد رأت منظمة مراسلون بلا حدود أن الأحكام الجديدة تشكل سيفا مسلطا على أعناق الصحافيين، كما طالب متظاهرون بالإفراج عن عدد من الناشطين الذين تم اعتقالهم بتهمة التحريض على نظام الحكم، وسوف يحاكمون أمام محاكم عسكرية.

تعيين سفير جديد للأردن في إسرائيل

قرار الأردن بتعيين سفير جديد له في إسرائيل بعد شغور المنصب منذ سنتين، جاء مفاجئاً وطرح جملة تساؤلات منها: ما هي الأسباب الموجبة لتعيين سفير أردني جديد في تل أبيب، في ظل اتساع سياسية التهويد في الأراضي المحتلة، وفي الوقت الذي اتهم فيه الملك عبد الله الثاني إسرائيل بالسعي حثيثاً لمنع الأردن من الحصول على برنامج نووي للأغراض السلمية؟.. هل تعيين وليد عبيدات سفيراً لعمان في تل أبيب يأتي خارج السياق المنطقي أم أنه يستجيب لمصالح المملكة الإستراتيجية؟..

استنكر أبناء عشيرة عبيدات، وهي واحدة من أكبر العشائر الأردنية تعيين ابنهم وليد سفيراً لدى إسرائيل معتبرين ذلك التعيين موقفاً مشيناً ويتنافى مع تاريخ ومواقف العشيرة وأجيالها المتعاقبة. العشيرة التي أصدرت بياناً غاضباً حيال التعيين، ترى أن من يقبل التعيين في مثل هذا الموقع ويضع يده بيد من اغتصب الأرض تجاوز جميع المحرمات والخطوط الحمراء، وفي ذلك إساءة بالغة إلى عشيرته وأمته التي تتبرأ منه ومن أمثاله. بدورها، النقابات المهنية وجهات معارضة تتقدمها الحركة الإسلامية، أنبت الحكومة على تعيينها عبيدات سفيراً في إسرائيل، معتبرة هذه الخطوة بـ"المستفزة لمشاعر الأردنيين".

الإسلاميون في الأردن ينظمون مسيرة كبرى

شهد الأردن أضخم فعالية شعبية منذ بداية الحراك الشعبي في هذا البلد، حيث أشارت بعض التقديرات إلى أن عدد المشاركين ناهز الـ١٠٠ ألف مواطن فيما عرف بفعالية "إنقاذ الوطن"، التي دعا إليها قرابة ٩٠ حراكاً شعبياً. ردد المشاركون شعارات تطالب بإصلاح النظام وبتعديلات دستورية حقيقية تعيد السلطة إلى الشعب وقانون انتخاب ديمقراطي يفضي إلى برلمان يمثل إرادة الأردنيين ويفرز حكومة منتخبة قادرة على محاربة الفساد وإعادة الأموال المنهوبة.

امتدت الحشود من وسط العاصمة عمان حتى ساحة النخيل التي تبعد حوالي ٢ كيلومتر عن المسجد الحسيني. هتف المشاركون بشعارات مثل: "لا ولاء ولا انتماء إلا لرب السماء"، و"بدنا عزة وحرية مش مكارم ملكية".

قام عدد من المجهولين خلال المسيرة الحاشدة بإلقاء منشورات من فوق إحدى البنايات تهدد المشاركين وتتوعدهم واصفة إياهم بالخونة. وقد أفاد عدد من المواطنين الذين حصلوا على المنشورات المذكورة أنها احتوت على اتهامات للإخوان بالاستعانة بجماعتهم في إحدى الدول التي فازوا فيها بالرئاسة، ويقصدون بها مصر وأنهم يسعون إلى إسقاط النظام الملكي في الأردن، وكذلك اتهمت المنشورات المشاركين بالتحضير للفتن وشق الصف الوطني وتدمير الأردن.

أكد العديد من شهود العيان من بين المشاركين في المسيرة أيضا تواجد العشرات من "البلطجية" في ساحة النخيل، يرددون هتافات عنصرية ويتلفظون بألفاظ نابية بحق المشاركين بالمسيرة. وقد جابت نحو ٤٠ مركبة شوارع عمان رفضاً لمسيرة "إنقاذ الوطن"، حيث أقدم بعض ركابها على إطلاق الرصاص في الهواء.

يذكر أن الملك عبد الله الثاني أصدر قراراً بحلِّ البرلمان، وهي خطوة دستورية تمهد للحكومة الطريق أمام إجراء انتخابات حُدِّد موعدها في ٢٣ كانون الثاني من العام القادم.

الجدير بالذكر أن الأردن، وعلى مدى عامين تقريباً يشهد احتجاجات سلمية تستلهم أحداث الربيع العربي ينظمها إسلاميون ويساريون وشخصيات عشائرية، غير أن هذه الاحتجاجات تركز على الإصلاح الحكومي والحد من سلطات الملك عبد الله الثاني بدلاً من الإطاحة به.

يتميز إسلاميو الأردن بأنهم منظمون للغاية ويحشدون أنصارهم من خلال توزيع المنشورات في المساجد، وغالباً ما تستقطب مسيراتهم الرئيسية عشرات الآلاف من المشاركين. تطالب الحركة الإسلامية بإصلاحات فعلية تعيد السلطة إلى أصحابها الحقيقيين، أي إلى الشعب الأردني، بحيث تتقلص صلاحيات الفاسدين الذين استحوذوا على السلطة والنفوذ والقرار طوال عشرات من السنين.

اللافت أن شباب الموالاة ألغوا مسيرتهم التي كانوا يزمعون تنظيمها، فيما تراجعت قوات الأمن لإتاحة المجال أمام الإسلاميين لإكمال مسيرتهم ذات السقوف العالية في الهتافات والشعارات، حيث التنظيم المتقن والالتزام الحركي والاستعراض العسكري الذي أداه شباب الجماعة على مدى ساعات جمعة طويلة، امتدت من العاشرة صباحا حتى الرابعة مساء.

على هامش المسيرة التي حظيت باهتمام كبير من الصحافة المحلية والعربية والدولية، اعتقل عدد من الأشخاص الذين كانوا يحملون المسدسات والسكاكين والعصي، فيما اعتلى منصة الخطابة ممثلو الحركات الشعبية والشبابية والإسلامية.

لقد حددت الحركة الإسلامية في الأردن شروطا سبعة للإصلاح تتمثل في الآتي: ضرورة إقرار قانون انتخاب ديمقراطي وعصري، إصلاحات دستورية، حكومة برلمانية منتخبة، ترسيخ دولة القانون والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، إنشاء محكمة دستورية، وقف تدخل الأجهزة الأمنية، ومكافحة الفساد. هذا كله يعني أن الإسلاميين يرون أن الإصلاحات في الأردن هي شكلية ومضيعة للوقت حتى الآن، وتمثل لدى السياسيين انحناءة أمام العاصفة ريثما تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل هبوب رياح الربيع العربي.

لا تستطيع السلطة في الأردن، بعد هذه المسيرة الحاشدة، تجاهل الحركة الإسلامية، بعد أن تمكنت من حشد أمواج بشرية جاءت من كل محافظات المملكة ومن تلاوين سياسية مختلفة من المجتمع الأردني، مما يعني أن الحركة الإسلامية في هذا البلد تتمتع بحضور وتمثيل لافت في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأردني، حيث استطاعت تحريك الجماعات التي كانت عازفة عن المشاركة في المسيرات التي مضى عليها حوالي ٢٠ شهرا، لكن الحركة الإسلامية تمكنت من حشد المؤيدين والأنصار والمجيء بهم من أماكن سكناهم البعيدة عن العاصمة إلى ساحة المسجد الحسيني، وهذا أمر غير معتاد حتى في زمن الربيع العربي.

مظاهرات في الأردن ضد الفقر والبطالة

تواصلت الاحتجاجات بالشوارع الأردنية كجزء من الحراك الذي شهدته مدن مختلفة منذ اندلاع التظاهرات مارس ٢٠١١، ومع خفوت التصعيد على المستوى الشعبي خلال الفترة القصيرة الماضية استطاعت قوى سياسية وحزبية عديدة تنظيم أقوى التظاهرات بمشاركة شعبية عريضة جابت عدة محافظات ليتظاهر الآلاف منهم في العاصمة وسط تكثيف أمني ملحوظ.

ليس مستغرباً تصاعد حدة التظاهرات بهذا الشكل، فمع قرار العاهل الأردني بحل البرلمان وتعجيل الانتخابات الحالية قبل نهاية العام الجاري، استعادت الأذهان خلفية احتجاجية طفت على الساحة عام ٢٠١٠ قبيل الانتخابات البرلمانية مطالبة بإلغاء قانون الانتخابات الحالي وإقرار قانون انتخاب مختلط ٥٠% قائمة وطنية، و٥٠% دوائر فردية، يمنح الناخب حق انتخاب عدد مساو لعدد مقاعد دائرته، وطيلة الفترة السابقة من العام الماضي التي شهدت احتجاجات شعبية ضد الفساد وبرغم التعديلات التي أقرها الملك على القانون فإنه لم يتغير مضمونه على الإطلاق.

وكان مشروع القانون المعدل للانتخابات الذي صادق عليه العاهل الأردني في شهر يوليو الماضي، قد رفع عدد المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية من ١٧ إلى ٢٧ مقعداً إضافة إلى ١٠٨ مقاعد للدوائر الانتخابية المحلية، إلى جانب تخصيص ١٥ مقعداً للكوتا النسائية ليرتفع بذلك عدد أعضاء مجلس النواب الأردني إلى ١٥٠ عضوا مقابل ١٢٠ حالياً.

لكن ما معنى مسيرة الإصلاح إذا كانت انتخابات البرلمان القادم ستبني على نفس قانون انتخابات البرلمان المنحل والمرفوض شعبياً؟ وحتى بعد التعديلات ما فائدة رفع عدد أعضاء البرلمان القادم في ظل قانون الصوت الواحد الذي يتيح محسوبية العشائر والقبائل في إنجاح مرشح بعينه ومن ثَم زيادة عدد المنتفعين وتعميق أكثر لمضمون الفساد؟.

يبدو أن الإصلاحات التي حاول النظام ترويجها دخلت نفس دائرة الإصلاحات السياسية العامة بتغيير الحكومة تلو الأخرى، في حين تهم الفساد تحوم بشدة حول رموز سياسية عديدة تتعاقب على تلك الحكومات ودون أدنى محاسبة، ليواجه الأردنيون من جديد نواب استطاعوا المرور إلى مقاعدهم بالرشاوى، وبناء عليه غير قادرين على تلبية مطالب الشارع في القضاء على الفساد.

لا ننسى في ذلك تبرئة البرلمان المنحل لرئيس الحكومة السابق، البخيت، من اتهامات مؤكدة بتوريط البلاد بصفقات مشبوهة وقضايا فساد كبيرة، كذلك استصداره لحفنة قوانين معادية للحريات كتعديلات قانون الطبع والنشر الذي يقضي بتنظيم المواقع الالكترونية وخصوصاً الإخبارية منها. جاء ذلك بعد نشر أحد المواقع وثائق تؤكد شبهات الفساد في إحدى المشاريع السكنية مما أدى إلى إيقافه من قبل جهاز أمن الدولة وتوجيه تهم مناهضة الحكم لرئيس تحريره.

تحركات الشارع تؤكد زيف عملية الإصلاح الحكومية وعدم النية في إقرارها بل وتفريغ محتواها إلى مجرد إجراءات شكلية لا تهدف لمصلحة الجماهير. وطوال الفترة الماضية حاول النظام ابتلاع الاحتجاجات الشعبية بضخِّ مزيدٍ من الإصلاحات التي لا تمس قواعده السياسية والاقتصادية، قروض صندوق النقد الدولي مثلاً التي حاول النظام تجميلها من حيث انتعاش النمو الاقتصادي أثارت احتجاجات شعبية أوسع بارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والإعلان عن تخفيض الدعم والحد من التوظيف الحكومي في حين أنه تم توريط البلاد بديون خارجية دون القضاء على الفساد وسوء إدارة الأموال العامة.

لكن بالنظر إلى التحركات الاحتجاجية الاجتماعية نجد أن الشهور الأولى لعام ٢٠١١ (يناير وفبراير)، والتي سبقت اندلاع التظاهرات بمارس من نفس العام سجلت تصاعداً غير مسبوق في الإضرابات والاعتصامات العمالية مقارنة بالأرقام التي تم تسجيلها بعام ٢٠١٠ كله، حيث أتت تلك الاحتجاجات كتعبير صريح عن عمق الأزمة التي تعيشها البلاد وتضافر كل عوامل الفساد على العمال الأردنيين من حيث انخفاض الأجور وضياع الحقوق الأساسية وتشريد أعداد كبيرة من قطاعات مختلفة بفعل الخصخصة، لكن مع تواصل الاحتجاجات تمكنت الطبقة العاملة من اكتمال ما يقارب اثنتي عشرة نقابة مستقلة كسبيل لانتزاع مصالحهم وتحسين شروط العمل، كما تراجع الملك عن قرار رفع أسعار الوقود إثر قوة الاحتجاجات الاجتماعية.

وفي إطار الاحتجاجات الشعبية التي من المتوقع تصاعدها تدريجيا مع اقتراب موعد الانتخابات، فإن الرهان على انتزاع المطالب السياسية والاقتصادية على حد سواء, يبدو بمدى قدرة الشارع الأردني على تجاوز الخلافات السياسية المؤقتة بين المعارضة والحكومة وعدم اختزال المطالب إلى تعديلات دستورية أو برلمانية فقط  بل تعميقها بمطالب اجتماعية واسعة كأساس للتحركات من خلال توازي حركة الشارع مع إضرابات العمال بأماكن عملهم. لعله يكون الرهان الأول والأخير على استمرارية النضال وفرض قوة الجماهير.

التغييرات الحكومية وإدارة السلطة في الأردن

كانت مصادر الحكم في الأردن قد تحدثت عن مفاجأة في اختيار شخصية رئيس الحكومة، خلفاً لفايز الطراونة الذي سقطت حكومته في الشارع، قبل أن يسقطها دستورياً قرار الملك عبد الله الثاني بحل المجلس النيابي.

ليس معروفاً إذا كان الدكتور عبد الله النسور هو المفاجأة التي أشير إليها، لكن اختياره لتشكيل الحكومة الخامسة منذ بدء الأزمة السياسية قبل نحو عامين ليس قراراً عادياً، إذ إنه يعتبر سياسياً صلباً محافظاً وإصلاحياً ديمقراطياً مشاكساً.

الواقع أن كتاب التكليف الملكي أشار إلى أحداث الربيع العربي، معترفاً بانعكاسها على الأردن، ومذكراً في الوقت نفسه بأن الحكم استجاب عملياً لاستحقاقات هذا الربيع، بدليل الإصلاح الدستوري الذي نقل بعض صلاحيات الملك إلى الحكومة والبرلمان، فضلا عن إصلاحات أخرى ذكر بينها قانون الانتخابات.

غير أن العقدة التي زادت الأزمة حدة في الشهور الأخيرة كانت تحديداً بشأن هذا القانون، بل بسببه قررت أحزاب المعارضة، وأهمها جماعة الإخوان المسلمين مقاطعة الانتخابات.

المفارقة هي أن أبرز ما ترفضه المعارضة هو نظام الصوت الواحد للمرشح الواحد، الذي كان عبد الله النسور من أشد معارضيه، وها هو مدعو لترؤس حكومة مهمتها الأولى الإشراف على انتخابات حددت في مطلع العام القادم وفقاً لهذا النظام الذي تحول أخيراً إلى تحدٍّ بين الحكم والمعارضة، تمثل بامتناع الناخبين عن تسجيل أسمائهم، لكن الحكم استحث أنصاره وتمكن من كسر تلك الدعوة.

مع ذلك، فإن الإصلاح المنشود، أي الوصول إلى حكومات يتولاها الحزب أو التكتل الذي يحرز الأكثرية في البرلمان، لا يمكن أن يتحقق بقانون الصوت الواحد الذي يشتت أصوات الناخبين ويحول دون عقد تحالفات سياسية.

لعل العاهل الأردني أراد المراهنة على علاقات النسور وقدرته على ثني المعارضة عن مقاطعة الانتخابات. ولكن، يفترض أن يكون قد مده في المقابل بضمانات تمكنه من اتخاذ قرارات جريئة، سواء في قضايا مكافحة الفساد، أو في عقد بعض الصفقات السياسية تمهيدا للانتخابات، حتى ولو قاطعها الإسلاميون.

تحاول السلطة الأردنية إعادة ترتيب الأمور لمواجهة المطالب المتكررة بالإصلاح. فقد حل الملك الأردني مجلس النواب استعداداً لإجراء انتخابات نيابية بعد عدة أشهر، تشرف عليها حكومة جديدة برئاسة عبد الله النسور، كما شكل الملك أول محكمة دستورية في البلاد.

تحاول السلطة من خلال هذه الإجراءات كسب التأييد للانتخابات النيابية، في ظل قانون مثير للجدل ووسط إصرار المعارضة ـ وخصوصاً الإسلامية ـ على مقاطعتها. كما تسعى الحكومة إلى إقناع الشعب بأن التزوير الذي شهدته الانتخابات السابقة لن يتكرر. من الملفت أن الرئيس الجديد للحكومة كان قد عارض القانون الذي سوف تجري حكومته الانتخابات على أساسه.

يقول الإسلاميون في الأردن إن قوانين الانتخابات التي أقرت في يوليو/تموز الماضي قد جرى تصميمها للحد من نفوذهم، وذلك بتقسيم الدوائر الانتخابية لصالح المناطق العشائرية القليلة السكان، وهي معاقلهم التقليدية غير ممثلة بشكل كاف. يبقي قانون الانتخابات على نظام يهمش تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني الذين يستمد الإسلاميون التأييد منهم لصالح الأردنيين الذين يسيطرون على السلطة بقبضة حديدية ويشكلون العامود الفقري لقوات الأمن والجيش التي تتمتع بنفوذ واسع.

إن من شأن مقاطعة حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والمعارضة الوحيدة المؤثرة، تهديد شرعية البرلمان القادم. وعلى الرغم من تنامي التأييد للإسلاميين في مناطق العشائر النائية، إلا أن لديهم تأييداً أقوى بين الأردنيين من أصل فلسطيني الذين يعيش كثير منهم في مخيمات بائسة للاجئين ويواجهون تمييزاً متزايداً ضدهم في الحياة اليومية.

تراقب النخبة السياسية الأردنية بقلق وخوف انتصار الإسلاميين في تونس ومصر وليبيا معتبرة صعودهم دعما للأردنيين من أصل فلسطيني في المستقبل. ويشكل الأردنيون من أصل فلسطيني غالبية سكان المملكة، وهم يعانون من ضعف شديد في التمثيل السياسي، لكن نخبهم الاقتصادية تمثل العامود الفقري لاقتصاد المملكة.

يقول بعض السياسيين الأردنيين أن الملك عبد الله الثاني، الذي يحكم الأردن منذ عام ١٩٩٩ قد أجبر على اتخاذ خطوات حذرة فقط نحو الديمقراطية، حيث ترى العشائر التي تشكل قاعدة سلطته، أن الإصلاح يهدد امتيازاتها السياسية والاقتصادية.

يبدو أنه لا فائدة من تغيير الحكومات في الأردن دون تغيير النهج، فلا حل يُخرج البلاد من أزمتها السياسية إلا حكومة إنقاذ وطني توافقية، تعدل قانون الانتخاب بشكل يضمن إنتاج برلمان يعبر عن إرادة الأردنيين ويكرس مبدأ الشعب مصدر السلطات.

اعلى الصفحة