ترجمات

معالجة تقنية لتسليح متمردي سوريا

السنة الحادية عشر ـ العدد 131 ـ (ذو الحجة 1433 هـ - محرم  1434هـ ) تشرين ثاني ـ نوفمبر ـ 2012 م)

بقلم: ترجمة وإعداد: محمد عودة

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أنطوني كوردسمان(*)

موقع: Real Clear World

10/10/2012

تواجه الولايات المتحدة مشاكل هامة في التدخل في سوريا، مشاكل أثبتت لغاية الآن بأنها أخطر من تلك التي واجهتها أثناء التدخل في ليبيا. فيبدأ تدخل القوات العسكرية بعملية مفتوحة حيث يصعب جداً التحكم بحجم الدور الأمريكي ويكون من غير الممكن التنبؤ بالنتائج.

تواجه الولايات المتحدة الآن معضلات في سوريا من المؤكد أنها ستتكرر في المستقبل. فمن جهة، يمكن للحركات التي تساعدها الولايات المتحدة باعتبارها حليفة وليبرالية أن تحفز القوات الداخلية التي تنتج أنواعاً جديدة من التطرف فينتهي بنا المطاف بمساعدة أعدائنا. ومن جهة أخرى، يبقى الوضع على الأغلب أفضل بقليل لو أن الولايات المتحدة لا تتدخل.

فسوريا تمتلك آلية عسكرية قوية جداً يصعب على الولايات المتحدة تحديها مباشرة دون استخدام هائل للقوة وينطوي الأمر على كمٍّ هائل من الاضطرابات الإقليمية إذا ما استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية المباشرة. في الوقت نفسه، تظهر سوريا مع كل إشارة أنها تنغرس أكثر فأكثر في استقطاب الانقسامات الطائفية. فدور المتطرفين الإسلاميين السنة في سوريا يزداد، كذلك أيضاً دور العناصر الشيعية مثل لواء القدس الإيراني وحزب الله. ومع كل أسبوع من النزاع الممتد تزداد المعاناة الشعبية والمشاكل الاقتصادية التي سيواجهها أي نظام وريث.

كما أن ليبيا وسوريا هما مجرد البداية. فمن المؤكد أن الاضطرابات السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية في العالمين الإسلامي والعربي سينتج عنها عقد أو أكثر من عدم الاستقرار والصراعات المسلحة الشبيهة. وستُجبر الولايات على إتباع الدبلوماسية العاجلة وتضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة بشأن الطريقة الأفضل للتدخل.

ستتركز معظم هذه الخيارات على السياسة والاستقرار الإقليمي والحاجة إلى أشكال مدنية وإنسانية من المساعدة. ولكن، يبدو أنه على الأغلب ستواجه الولايات المتحدة المعضلات الأمنية نفسها التي واجهتها في ليبيا وتواجهها الآن في سوريا سواء في إيجاد سبيل التدخل بالقوة العسكرية أو الوقوف على الحياد ومواجهة الانعكاسات غير المتوقعة والأكثر سلبية على حد سواء.

لكن يمكن أن يكون هناك حل تقني باستطاعته أن يُنهي هذه المعضلة، وإن واجه صعوبةً في ذلك. إن معظم قدرة الأنظمة الفاشستية الهمجية على النجاة تعتمد على قدرتها في استخدام القوة العسكرية المتفوقة. ولكن، كما وجدت الولايات المتحدة في أفغانستان، من الممكن تعويض هذه الإيجابية عبر نقل "البدائل" مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات.

في سياق مختلف كلياً، واجهت إسرائيل فجأةً مشاكل هائلة في محاربة حزب الله في لبنان عندما سلمته إيران صواريخ موجهة مضادة للدبابات ومتطورة مثل الكورنيت. وكما وجدت الولايات المتحدة من جانبها حتى الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون يمكن أن تحدث اختلافاً هائلاً، وكذلك أيضاً العبوات والمتفجرات.

سواء كان الأمر بمثابة أسطورة أو حقيقة، فقد أعلنت شركة كولت للأسلحة في الصحافة أن "الله خلق البشر، لكن سامويل كولت جعلهم متساوين". لذا، يمكن للأسلحة "الخفيفة والذكية" أن يكون لها الأثر نفسه الذي تخلِّفه معدات المدفعية قصيرة المدى ومواد تصنيع المتفجرات. ويمكن للمشكلة الأمريكية مع مدفعية الهاون في العراق وأفغانستان والمشكلة الإسرائيلية مع الصواريخ والتحدي المتنامي للقذائف والعبوات أن تُحسب في السياق نفسه.

هذا الأمر من شأنه أن يُساعد في شرح السبب وراء تحدث بلدان مثل السعودية وقطر مع الولايات المتحدة بشأن تسليم الجيش السوري الحر وقوات سورية "معتدلة" أخرى مثل تلك الأسلحة. فديكتاتور(!) مثل بشار الأسد يمتلك قوة عسكرية سيبقى له الإيجابية في امتلاك أسلحة أكثر تطوراً، لكن يمكنه أن يواجه مشاكل هائلة في استخدام تلك القوة ضد انتفاضة شعبية أفضل تسلحاً.

وعندها يمكن للتمرد الشعبي أن يُكبده خسائر أكبر ولا يتعرض من جانبه إلى أضرار إضافية وخسائر أقل، كما سيكون لديه حافز أكبر على التصدي. وسيكون ممكناً له أن يفرض المناطق الآمنة والاستفادة من مناطق "الحظر الجوي" و"الحظر البري" المُعززة بقوات أمريكية أو حليفة محدودة كما يمكنه أن يُصبح بسرعة أكثر فاعلية مع تدريب محدود من قبل القوات الأمريكية الخاصة أو أي قوات أخرى.

في بعض الحالات، حتى التهديد بنقل هكذا أسلحة، سواء من حليف للولايات المتحدة أو أي دولة صديقة، قد يُجبر النظام الفاشستي على إبرام تسوية أو السقوط، مع العلم أنه لا يمكن له أن يفوز بحرب الاستنزاف الناتجة. إن نقل الأسلحة "البديلة" يمكن أن يكون بمثابة الأداة التفاوضية وقوة ردع إضافة إلى كونه أداة قتالية. كما يمكن أن يأتي بنهاية أسرع للصراعات الشعبية الطويلة والوصول إلى تلك النتيجة قبل أن يتحول الأمر إلى مواجهات عرقية أو طائفية ووقوع السلطة بأيدي العناصر الأكثر تطرفاً.

في الوقت نفسه، مخاطر وقوع الأسلحة بالأيدي الخطأ هي واضحة. فقد تبين في العراق وأفغانستان وأظهرت الفئات المتورطة في الإرهاب المعاصر مدى المخاطر التي تشكلها هكذا أسلحة في أيدي المجموعات المتطرفة كما هو حال عدم قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على تهريب صواريخ ستينغر إلى إيران وخارج أفغانستان. لذا تهريب هكذا أسلحة لتقع بأيدي المجموعات المتطرفة في ليبيا وخارجها هو تهديد هائل ومستمر.

الخطر الواضح الآخر يكمن في أن الشبكات المتطرفة التي تدور في فلك القاعدة أو لواء القدس الإيراني يمكنها أن تنقل بسرعة مثل تلك الأسلحة خارج المنطقة حيث كان من المفترض أن تُستخدم في الأصل فيها: أي أنها تُنقل إلى أراض لبلد حليف أو حتى إلى الولايات المتحدة. لذا مخاطر أن تُستخدم الأسلحة تلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها هي جمّة ونحن مع حلفائنا ليس لدينا الرغبة أبداً في تحمّل الأثمان السياسية أو تكبد الخسائر بدلاً عن المتطرفين والديكتاتوريين إن اتجهت الأمور في الطريق الخاطئ.

ولكن، يبدو أن هناك حلولاً تقنية يمكن أن تحد على نحو كبير من خطورة نقل هكذا بدائل. فكما تظهر الكاميرات الصغيرة مع جهاز جي بي أس، يمكن لرقاقة صغيرة أن تُغرس في تلك الأسلحة بهدف تحديد مكانها باستمرار مجرد أن يتم تنشيطها. فإذا ما تم ربط تلك الرقاقة بجهاز يُعطل السلاح إن هو نُقل إلى المنطقة الخاطئة، عندها يتقلص خطر وقوع تلك الأسلحة بالأيدي الخاطئة.

ويمكن للرقاقات التشفير المتطورة أن تكون صغيرة ورخيصة ومن ناحية أخرى تؤدي عدداً من الوظائف الإضافية. فقد يتم تجهيز هذه القطع الصغيرة بساعة توقيت بُغية تعطيل السلاح في وقت مُحدد، مع خيار تمديد الوقت إذا ما أُدخل الرمز الصحيح. ويمكن لرموز التشغيل أن توضع بحيث لا يتم تنشيط السلاح أبداً دون الرمز المُحدد للعناصر المعتدلة ويتم توقيته بحيث يُصبح لزاماً على هكذا عناصر أن تُدخل على الدوام رمزاً مختلفاً على مرور الوقت.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون البديل عن قدرة تحديد العدو أو الصديق عبر تعطيل السلاح بحضور القوات الأمريكية أو الحليفة. ويمكن ربط الرمز المشابه المطلوب بوجود مستشار أمريكي أو من الدول الحليفة أو عميل سري.

بناءً لتقنية اليوم الصلبة، جميع هذه الوظائف يمكن دمجها في شاشة الكترونية مع الجنود (MANPAD) أو الصواريخ الموجهة المُضادة للدبابات. وعلى الرغم من أنه من الصعب إجراء تعديل على الصواريخ ومدفعية الهاون، لكن يبدو أن بناء قدرات مُماثلة هو أمر ممكن. والأمر نفسه ينطبق على أجهزة التحكم عن بعد المُستخدمة في القنابل أو العبوات الناسفة أو في تقديم قدرات مضادة للدروع مثل أجهزة الثقب المُشكلة من المتفجرات.

وهذا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة أن تنقل مثل تلك الأسلحة ضمن اتفاق أو منح البدائل بناءً على شروط الحاجة الماسّة التي بوضوح تخدم المصالح الأمريكية. يمكن أن يكون سام كولت قد جعل الرجال "متساوين" لكن لا أحد يُحاجج بأنه منحهم "الحكمة". لذا الأداة لا يمكن أبداً أن تكون هي الحل، بل هي وسيلة لبلوغ الغاية.

في الوقت نفسه، إن كان حقاً أن الولايات المتحدة تمتلك هكذا أسلحة فهذا من شأنه أن يحرف التوازن إلى تسوية سياسية في بعض الحالات وفي حال تم استخدامها حقاً فقد يُحدث هذا الأمر اختلافاً هاماً في حالات أخرى. لا يجب على عمليات مكافحة الإرهاب والتمرد أن تكون "كلاسيكية" ونشر القوات الأمريكية على نطاق واسع كما حصل في الماضي. فيمكن لهكذا بدائل أن تعكس النمط الحاضر للحرب غير المتناظرة حيث يمكن للأنظمة الرخيصة الثمن أن تعوض الإيجابية الأمريكية في الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة.

ويمكن لهكذا بدائل أن تخفض إلى حد كبير من الحاجة إلى استخدام القوة الأمريكية بشكل مباشر في بعض الحوادث ومنح قواتنا الخاصة والعملاء السريين تشكيلة واسعة جديدة من الأدوات. فهم باستطاعتهم تبديل بنية الحرب بالوكالة وقدرتها على العمل مع الحلفاء الذين ينقلون بشكل مباشر تلك الأسلحة، دون التخلي عن الحماية والسيطرة الأمريكية النهائية. وبذلك يمكن منح القوات المحلية الصديقة والمعتدلة إيجابية كبيرة على حساب المتطرفين.

هناك شيء واحد واضح وهو يجب على الولايات المتحدة أن لا تبقى عالقة في المعضلات التي تواجهها في سوريا أو تبقى مُجبرة على نوع من الموقف الأجوف الذي يتخذه المرشحان على الرئاسة الآن في تعاطيهما مع هذه القضية. نحن بحاجة إلى أجوبة عملية للاتجاهات العسكرية والسياسية على حد سواء بشأن ما يعد بأن يكون عقداً من "الدبلوماسية" وهذه الأدوات التي ذُكرت يمكن أن تكون رخيصة وغالباً تُساعد في إتمام المهمة.

أنطوني كوردسمان(*)

باحث رفيع المستوى في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية. كتب العديد من الدراسات التي تتناول الطاقة والإستراتيجية الأمريكية والخطط العسكرية ودروس الحروب المعاصرة ومكافحة الإرهاب وأمن الشرق الأوسط وحربي العراق وأفغانستان. كما ترأس كوردسمان العديد من الفرق التي قامت بدراسات لصالح المركز وتناولت الإرهاب والطاقة والنزاعات المعاصرة والشرق الأوسط. سافر كوردسمان مرات عديدة إلى أفغانستان والعراق وعرّج على القيادات الأمريكية وسفارتي الولايات المتحدة في البلدين المذكورين. وكان عضواً في مجموعة التقدير الإستراتيجي التي ساعدت الجنرال ستانلي مكريستال في تطوير إستراتيجية جديدة لأفغانستان في العام 2009. عمل على نحو متكرر كمستشار لوزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع وجماعة الإستخبارات. وشارك المسؤولين الأمريكيين في أعمالهم التي تناولت كيفية مكافحة الإرهاب والمجالات الأمنية في عدد من بلدان الشرق الأوسط".

اعلى الصفحة