هل وصلت رياح الربيع العربي إلى المغرب؟

السنة الحادية عشر ـ العدد 130 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1433 هـ ) تشرين أول ـ أكتوبر ـ 2012 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تحت شعار "الشعب يريد إسقاط الولاء للملك"، خرجت حركة شباب ٢٠ فبراير المغربية المعارضة في تظاهرات ومسيرات في كل من مدينة الدار البيضاء والعاصمة الرباط ، وسط مواكبة أعداد كبيرة من القوات الأمنية المغربية. جاء هذا التحرك الاحتجاجي بعد أسبوع من استخدام الشرطة المغربية العنف لتفريق عشرات الناشطين أمام البرلمان المغربي حيث تظاهروا ضد مراسم حفل الولاء للملك التي تتمثل في ركوع المسؤولين أمام عاهل المملكة.

تأتي هذه التحركات الاحتجاجية في الوقت الذي واصل فيه مؤشر الثقة لدى الأسر المغربية تراجعه، مقارنة مع النصف الأول من هذه السنة، ومع تسجيل ارتفاع حاد لأسعار المواد الغذائية، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة.

ماذا حقق العاهل المغربي لشعبه؟

لقد مرت ١٣ سنة على تولي الملك محمد السادس الحكم في المغرب. طيلة هذه السنوات الماضية، عرف المغرب الكثير من الأحداث وحقق بعض الإنجازات، كما سجل بعض الإخفاقات.

فعلى المستوى الاقتصادي، عرف المغرب كيف يحافظ على توازناته المالية بفضل تدفق أموال المهاجرين المغاربة في الخارج التي عرفت نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة وارتفاع مداخيل السياحة وصادرات الفوسفات، إضافة إلى أن الطبيعة كانت كريمة مع المزروعات المغربية طيلة العقد الأخير.

لكن هذا الاستقرار على المستوى الاقتصادي لم ينعكس على الوضع الاجتماعي الهش، إذ ما زال أكثر من ١٠% من المغاربة يعيشون تحت خط الفقر، كما أن مستوى معدلات الأمية لم تتزحزح إلا قليلا، فيما تراجع المستوى التعليمي الذي بات ينتج جيوشا من الخريجين العاطلين عن العمل، مما أسهم في ارتفاع نسبة البطالة ولا سيما في المدن.

أما على المستوى السياسي، فقد سجل المغرب تعثراً في مسار الإصلاحات التي بدأت في منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث استمر حضور المؤسسة الملكية قويا يسمو فوق كل مؤسسات الدولة الأخرى بما فيها تلك المنتخبة. لذلك، عندما هبت رياح الربيع العربي، كان المغرب من بين الدول التي خرجت فيها المظاهرات المطالبة بإسقاط الاستبداد والقضاء على الفساد.

بعد مرور سنة على تبني المغرب إصلاحات سياسية، تحت ضغط الشارع، يبدو أن التغيير الذي أرادته السلطة لم يقنع فئات واسعة من المجتمع المغربي والتي ما زالت تنزل إلى الشارع للتظاهر. إلا أن هناك تغيرا هو أن المتظاهرين الذين خرجوا قبل حوالي سنة بلا تأطير أو تنظيم أصبح لهم اليوم شهداء ومساجين يقبعون خلف القضبان. أما الأمر الثابت فهو قضيتهم التي تحفزهم على المضي قدما نحو التغيير الذي يريدونه سريعا بينما تقول السلطة أنها تسعى إليه تدريجياً.

المعاني السياسية لطقوس مبايعة الملك

لم يمر حفل الولاء لمناسبة الذكرى السنوية لتولي ملك المغرب الحكم في بلاده هذه السنة مرور الكرام. فللمرة الأولى، ظهرت أصوات معارضة للطقوس المواكبة لما يسمى في المغرب بـ"تجديد البيعة"، والتي أصبح معارضوها يرون فيها نوعاً من الإذلال والمهانة لكرامة المواطن المغربي، بينما يعتبرها أنصارها جزءا من التقاليد والثقافة التي تميز المؤسسة الملكية المغربية.

لكن النقاش الذي انطلق من المطالبة بمراجعة الطقوس التي تفرض على المبايعين الانحناء أمام الملك ثلاث مرات إلى درجة الركوع سرعان ما انتقل مما هو شكلي إلى ما هو جوهري، أي إلى طبيعة العلاقة التي يجب أن تربط المغاربة بالمؤسسة الملكية. فالمحافظون من أنصار هذه الطقوس يعتقدون أن البيعة كطقس هو فوق الدستور، في حين يطالب المعارضون لهذه الطقوس بأن يكون التعاقد الوحيد بين الملك والشعب هو الدستور المكتوب.

لكن، خلف هذا النقاش الذي يبدو نظرياً، يتوارى صراع خفي بين إرادتين: إرادة المحافظين الذين يريدون استعادة ما قدمته السلطة في المغرب من تنازلات تحت ضغط الشارع وبتأثير من رياح الربيع العربي، وإرادة طلاب التغيير الذين يريدون انتزاع المزيد من الإصلاحات والدفع بتلك التي ما زالت متعثرة قبل أن تهدأ عاصفة الربيع الذي لم يكن مغربياً.

صراع هاتين الإرادتين انتقل هذه الأيام إلى الشارع ما بين المعارضين وقوات الأمن، وبات حديث تعليقات رواد المواقع الاجتماعية ، حيث يطرح تحديا كبيرا على كلا المعسكرين، والأكثر إصرارا منهما على مواقفه وثباتا على مبادئه هو الذي سيفرض إرادته. تحت أقدام المتصارعين تبدو صورة المغرب على المحك، فبعد الترويج لما سمي الإصلاح المغربي، جاء وقت التساؤل حول مدى عمق هذا الإصلاح وصدقه وجديته.

الأمن المغربي يفرق محتجين على طقوس الركوع للملك

فرقت قوات الأمن المغربي بالقوة تظاهرة احتجاج ضد حفل طقوس الولاء والبيعة للملك. وکان عشرات المحتجين يستعدون لإقامة حفل رمزي في الرباط أمام البرلمان المغربي احتجاجاً على طقوس "حفل الولاء والبيعة" التي يؤديها المسؤولون عادة أمام الملك كل سنة بمناسبة "عيد العرش"، لكن الشرطة عمدت إلى تفريقهم بالقوة بينما تعرّض الصحافيون الذين حاولوا تغطية ما جرى للضرب والكلام النابي من طرف عناصر الأمن.

ووصف الناشطون هذه الطقوس المتمثلة في ركوع صفوف المسؤولين أمام الملك وهو ممتط جواداً يوم حفل الولاء بطقوس تحط من كرامة الإنسان. وجاء تجمع الناشطين غداة حفل الولاء للملك محمد السادس في القصر الملكي في الرباط بحضور كبار المسؤولين والوزراء والموظفين التابعين لوزارة الداخلية المغربية.

ويعتبر منتقدو طقوس حفل الولاء أن اصطفاف عشرات النواب والمسؤولين وكبار الموظفين والأعيان في صفوف طويلة قبالة الملك والتناوب في الركوع له مرددين عبارة "اللهم بارك في عمر سيدي"، أمراً مهيناً للكرامة الإنسانية ولا يفيد صورة المغرب. وتعليقاً على حفل الولاء، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود التحالف الحكومي، عبد العالي حامي الدين "لا شيء يلزمنا بإقامة حفل الولاء كل سنة، والملك ليس بحاجة إلى تلك الطقوس المهينة للكرامة الإنسانية لكسب الاحترام".

وأضاف: "لذا وجب التخلي عن تلك الطقوس كي لا نتناقض مع خطاب الحداثة السياسية الذي نرفعه ومقتضيات الدستور الجديد. وأكد أن وزراء الحكومة لم يركعوا للملك خلال الحفل وأدوا تحية عادية خلافاً للولاة والعمال وموظفي وزارة الداخلية الذين أدوا الطقس بتفاصيله. كما وشدد القيادي في حزب العدالة والتنمية على أنه "لا انقسام داخل حزبه حول رفض أداء تلك الطقوس".

أما على الصعيد الإعلامي فقد تحدثت معظم الصحف المغربية عن "تقليص مدة الانتظار" قبل أداء الطقوس والركوع للملك. وأشارت أيضاً إلى أن أعضاء الحكومة الإسلامية انحنوا انحناءة بسيطة لإلقاء التحية على الملك بدل الركوع المعتاد.

وكان أربعة من وزراء حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الحكومة الحالية من ضمن ١٦٦ شخصية، وقعوا على بيان باسم "التغيير الذي نريد" في ٣٠ آذار/مارس ٢٠١١في أوج الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح السياسي من بين بنوده الدعوة إلى إلغاء كافة المراسم والتقاليد والطقوس المخزية والمهينة للكرامة الإنسانية.

وكان عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المغربية، قال في برنامج على التلفزيون الرسمي لن أقبِّل يد الملك إن التقيته كما أني لن أسلم عليه كصديق لأنه هو الملك. وأضاف: أما حفل الولاء الذي نحضره فيجب التراجع عنه لأننا في القرن الواحد والعشرين وحتى ننسجم مع العصر ومع مطالب شباب ٢٠ فبراير ومطالب حزب العدالة والتنمية.

من جانبها قالت وداد ملحاف إحدى الناشطات التي حاولت المشاركة في الحفل الرمزي الأربعاء، "أضحكنا العالم علينا بهذه الطقوس المهينة"، متسائلة "ألا يقول الملك لنفسه حين يضع رأسه على وسادة النوم إنها طقوس أكل عليها الدهر وشرب؟".

وتكلف الملكية في المغرب للحفاظ على تقاليدها وطقوسها ما يقارب ١٤٠٠ من الخدم موزعين على أكثر من عشرة قصور وإقامات داخل المغرب وخارجه يخصص لهم من ميزانية الدولة سنويا، حسب أرقام نشرتها الصحافة المغربية، ٥٦،٢ مليار درهم (٢٣٢ مليون يورو).

السلطة المغربية تقمع حرية التعبير

أثار منع السلطات المغربية توزيع مجلة إسبانية بسبب نشرها فصولاً من كتاب تتناول بالنقد الملك محمد السادس شكوكًا حول نية السلطات المغربية إجراء الإصلاحات التي وعدت بها لمواجهة موجة احتجاجات كبيرة مطلع العام الماضي تأثرت بالربيع العربي الذي أسقط حتى الآن ٤ حكام مطلقين في تونس ومصر وليبيا واليمن.

وعلى الرغم من الخطوات الإصلاحية التي أعلن عنها العاهل المغربي، والتي لاقت تجاوباً شعبياً تمثّل في عزوفٍ مع الوقت عن المشاركة في الاحتجاجات، فإن منظومة من القوانين ما زالت تمنع توجيه أي نقد للملك وتفرض عقوبات تصل إلى السجن بحق من يتورط في هذا الأمر.

وعلى وقع مظاهرات كبيرة بدأت في ٢٠ فبراير ٢٠١١ في مواجهة السلطة المطلقة وتدني الأوضاع المعيشية، أعلن الملك الشاب عن سلسلة إجراءات إصلاحية العام الماضي، تمثلت في دستور جديد صوّت المغربيون عليه في يوليو الماضي بالموافقة، يقلص بعض الصلاحيات السياسية للملك، ويمنحها للحكومة.

وعلى الرغم من أن هذا الدستور أبقى سلطة الملك نافذة على المؤسستين العسكرية والدينية، فإن معظم المغاربة تفاعلوا مع هذه الخطوة الإصلاحية وتخلوا عن الاحتجاج ضد النظام بعد إقرار مسودة الدستور. ولم تمض بضعة أشهر على إقرار الدستور حتى أدت انتخابات تشريعية مبكرة في نوفمبر الماضي إلى فوز الإسلاميين المعتدلين في حزب العدالة والتنمية. ولكن مع الاتساع النسبي في مناخ الحرية في المغرب التي شهد محيطها الإقليمي ثورات في تونس ثم مصر ثم ليبيا فضلاً عن ثورتي اليمن وسوريا، فإن شخص الملك ما زال محصنًا من النقد، فيما يستدل به الناشطون المتمسكون بالاحتجاج في الشارع للتأكيد على أن الإصلاحات شكلية.

وعوقب المدون عبد الصمد هيدور بالسجن ٣ سنوات، بعد أن انتشر فيديو على موقعي «يوتيوب» و«فيس بوك»، يظهر فيه وهو ينتقد العاهل المغربي الذي ورث السلطة عن والده الملك الحسن الثاني.واستند الحكم على نص في قانون العقوبات يمنع المساس بـ«المقدسات».

وكان مسؤول في وزارة الاتصالات المغربية قد برر منع تداول مجلة «إل باييس» بأنها نشرت فصولاً من كتاب حول الملك محمد وصفتها بأنها «افترائية ولا تستند إلى أدلة»، و«أساءت لصورة جلالته وإلى مؤسسات البلاد». فيما استند قرار منع المجلة الإسبانية من التوزيع على نص في قانون الصحافة يمنع «المساس بشخص الملك».

وقال المسؤول المغربي أيضاً إن «منع توزيع الصحيفة لا علاقة له بحرية التعبير، إنها افتراءات»، ملمِّحاً إلى أن «أل باييس» زادت هذا النوع من المقالات في وقت تشهد فيه العلاقات بين المغرب وإسبانيا تحسناً كبيراً على الصعيد الثنائي مع عدد كبير من الزيارات الرسمية من الجانبين.

وقبل مدة، منع أيضاً توزيع عدد من «إل باييس» بتاريخ ١٦ فبراير بسبب كاريكاتور عن الملك محمد السادس، وأعلنت وزارة الاتصالات أن «قرار المنع قد اتخذ تطبيقاً للمادة ٢٩ من قانون الصحافة التي تحظر أي مساس بشخص الملك»، وأضاف «في هذا الرسم الكاريكاتوري ثمة إرادة متعمدة لتشويه الصورة والإساءة إلى شخص الملك».

وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذها النظام المغربي والتي قال بأنها "إصلاحية" لكنها جوبهت برفض الشارع وهو ما عبر عنه المغاربة بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات، واحتج الكثير من الحقوقيين على منظومة من القوانين ما زالت تمنع توجيه أي نقد للملك وتفرض عقوبات تصل إلى السجن بحق من يتورط في هذا الأمر. وعلى وقع مظاهرات كبيرة بدأت في 20 فبراير 2011 في مواجهة السلطة المطلقة وتدني الأوضاع المعيشية، وعلى الرغم من أن هذا الملك منح دستوراً جديداً للبلاد إلا انه أبقى سلطة الملك نافذة على المؤسستين العسكرية والدينية.

اعلى الصفحة