اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الحادية عشر ـ العدد 130 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1433 هـ ) تشرين أول ـ أكتوبر ـ 2012 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

عام بعد الربيع العربي.. أمن إسرائيل في خطر

الكتاب: عام على الربيع العربي: التأثيرات الإقليمية والدولية
الكاتب: مجموعة من المحللين الصهاينة
الناشر: معهد الأمن القومي الإسرائيلي

منذ اندلاع شرارة الثورات العربية في تونس مطلع العام السابق، شهدت ست دول عربية موجات من الاحتجاجات والاضطرابات التي تباينت في مردودها بين القضاء على النظام الحاكم كما في تونس وليبيا، وإن كانت الأخيرة تمت بتدخل خارجي، وهناك دول أزاحت رؤوس النظام من دون باقي أركانه كمصر واليمن، أما في سوريا فمازالت الصراعات مستمرة بلا هوادة بين المعارضة والنظام، وأخيرا في البحرين تم إجهاض الثورة أو على الأقل احتواؤها.

ومع تعدد التحليلات والرؤى حول الأبعاد الداخلية لهذه الثورات، اهتم معهد الأمن القومي الإسرائيليThe Institute For National Security Studies، بدراسة التداعيات الإقليمية والدولية للربيع العربي، مع الإشارة إلى الآثار المحتملة على الأمن القومي الإسرائيلي، وذلك في دراسة مطولة أصدرها المعهد شهر مارس 2012، بعنوان "عام على الربيع العربي: التأثيرات الإقليمية والدولية"، والتي شارك في إعدادها العديد من الكتاب والمحللين الإسرائيليين.

ضمت الدراسة أربعة محاور رئيسية، استعرض المحور الأول الثورات العربية في عام، وتناول الثاني الأبعاد العالمية، بينما ركز الثالث على الأبعاد الإقليمية، وأخيرا أشار الرابع إلى التداعيات على الأمن الإسرائيلي.

استعرض عاموس يلدين تطورات الربيع العربي خلال عام، مبتدئاً بالزعم بأن الثورات العربية بدأت علمانية وانتهت إسلامية. وأن الإسرائيليين كغيرهم كانوا يتوقعون في بداية الأمر أن يشهد العالم العربي تحولات علمانية ليبرالية موسعة تضاهي في تأثيرها ما أحدثته الثورة العربية الكبرى مطلع القرن العشرين من إزالة الخلافة الإسلامية وترسيم الحدود بين الدول العربية، إلا أن الواقع أثبت أن الإسلاميين هم من اقتطف الثمرة في رأيه، نظراً لأن هذه الثورات جميعها تفتقد إلى القيادة والأيديولوجية، مما سهل على الإسلاميين اختطافها على حد زعمه.

في بحثه حول كيفية مواجهة الولايات المتحدة للتحديات التي فرضها الربيع العربي، أكد "عوديد عيران" أن أمريكا مارست سياسة خارجية ذات بعدين متناقضين تجاه الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي قررت فيه التخلي عن العراق بعد ثماني سنوات من الاحتلال، تجد نفسها مجبرة على التدخل لوقف ملف إيران النووي. ومن المحتمل أن اقتراب الانتخابات الأمريكية مثل قوة ضغط دفعت بإدارة أوباما إلى الظهور بمظهر الذي لا يتخلى عن موقفه تجاه إيران، في الوقت الذي لا يبدي فيه الشركاء الأوروبيون تعاونا يذكر في هذا الشأن.

وفي دراسة الباحث "شتاين" عن الاتحاد الأوروبي والربيع العربي، أكد أن الدول الأوروبية شاركت من قبل في دعم الحكام العرب من أجل المحافظة على إمدادات النفط من جهة، واحتواء انتشار الإسلام الراديكالي من جهة ثانية، ومنع الهجرة غير الشرعية من جهة ثالثة. إلا أن الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها تونس ومصر، وفيما بعد ليبيا وسوريا، اضطرت الاتحاد الأوروبي لتقييم الوضع والتوصل إلى إستراتيجية جديدة تقوم على تعزيز الديمقراطية ومساعدة منظمات المجتمع المدني، وزيادة المساعدات من أجل التنمية الاقتصادية، على أن تكون مساعدات مشروطة بالممارسة الديمقراطية وإلا سيتم منعها، بل وفرض عقوبات إذا لزم الأمر (كما في حالة ليبيا). ومع ذلك فإن الأزمات المالية المتكررة التي يتعرض لها الاتحاد الأوربي ستحد من إمكانية تقديم الدعم لدول الشرق الأوسط. كما أن الربيع العربي أظهر مدى التخبط في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي،  والذي ظهر حين أعلن ساركوزي اعترافه بالمجلس الانتقالي الليبي من دون التنسيق مع باقي الزعماء الأوروبيين، كما تعثر حدوث اتفاق بين دول الاتحاد بشأن التدخل العسكري وفرض العقوبات على النظام الليبي. لكن يبقى أن أوروبا تعلمت أنه لا بد من إعادة ترتيب علاقاتها المستقبلية مع الشرق الأوسط، على أساس من الشراكة يقوم على افتراض أن دول المنطقة هي التي تختار النموذج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تتبناه. وأن ما يجري في المنطقة يُحدث تأثيره المباشر على الاتحاد الأوروبي.

وتناول "زيفي ماجن" الموقف الروسي خلال عام على الثورات العربية، والذي اتسم بالتعقيد والتخبط؛ فما زالت روسيا تحاول الحفاظ على مكتسباتها في المنطقة عبر دعمها للمحور المعادي للغرب والمتمثل في إيران وحزب الله اللذين يدعمان بدورهما سوريا. ومع محاولة روسيا تجنب التورط في المنطقة، فإنها تبدو كما لو كانت تناصر النظم الاستبدادية حتى آخر لحظة، ومع ذلك تحتفظ بعلاقة جيدة مع الحركات الثورية؛ فعلى سبيل المثال، تدافع روسيا عن نظام الأسد بقوة، وفي نفس الوقت تتوسط بينه وبين المعارضة على أمل أنه لو سقط فلا تخسر المعارضة التي ستشكل الحكومة الجديدة، وإذا فشلت الثورة لا تندم على إفساد علاقتها بالأسد. كل هذا في الوقت الذي تسعى فيه روسيا حثيثاً للترويج لمؤتمر السلام في موسكو هذا العام، لاستعادة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحت رعايتها، وكأنها تحاول الاستفادة من تداعي النفوذ الأمريكي في المنطقة لصالحها.

أما بالنسبة للقاعدة فقد أكد يورام شفايتزر في دراسته، أن إسراع كثير من المحللين فور انطلاق شرارة الثورات العربية إلى القول إن هذه الانتفاضات كانت ضربة قوية للقاعدة وحلفائها في المنطقة، ثبت أنه كان تصوراً خاطئاً، أو على الأقل سابقاً لأوانه. فقد استفادت القاعدة من الأوضاع الراهنة، خصوصاً في ليبيا واليمن وسعت بقوة لتأكيد وجودها، بل لقد خدم تفكيك الأجهزة الأمنية في مصر هذا التنظيم بشدة، حيث كان يقف لها بالمرصاد، وبالتالي فقد أوجدت لنفسها مكاناً داخل الأراضي المصرية، على حد قول شفايتزر الذي يدلل على وجود القاعدة في مصر بالتفجيرات المتتالية لأنابيب الغاز المتجهة إلى إسرائيل، بل ويخلط بين تواجد القاعدة وتصاعد المد السلفي والإخوان في مصر، وهو الأمر الذي يحوي الكثير من المغالطات.

ومن التداعيات العالمية إلى الإقليمية، حيث شمل هذا المحور سبع دراسات حول أهم القوى الفاعلة إقليمياً وتأثير الربيع العربي عليها.

الجزء الأكثر أهمية في الدراسة هو المتعلق بتداعيات الربيع العربي على إسرائيل، وأول هذه التداعيات ما يتعلق بسقوط نظام مبارك الذي كان يمثل خط الدفاع الأول عن الأمن القومي الإسرائيلي، ومن ثم فإن الإسرائيليين لن يغفروا للولايات المتحدة تخليها عن مبارك على حد قول عوديد عيران. كما توصي الدراسة بضرورة فتح قنوات اتصال مع الإسلاميين على غرار ما قامت به أمريكا، للحد على الأقل من سوء الفهم بين الجانبين، كما يجب على إسرائيل أن تولي أهمية لملف التسوية مع الفلسطينيين، لأن الحرية التي تمتعت بها إسرائيل من قبل ربما لن تتكرر. وعلى صعيد أسلحة الدمار الشامل، تؤكد الدراسة على تصاعد المخاوف بشأن انتشار هذه النوعية من الأسلحة في دول الربيع العربي، فالنظام السوري الذي لم يتردد في مواجهة شعبه بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية قد يلجأ إلى مهاجمة إسرائيل بهذه الأسلحة لصرف الأنظار عما يفعله في الداخل، وقد تقع مخازن الأسلحة تحت أيدي الثوار، ويتكرر ما حدث في ليبيا.

أما على صعيد جيش الدفاع الإسرائيلي والخطط الأمنية المستقبلية، فإن على إسرائيل بحسب الدراسة أن تسارع للقيام بالعديد من الإجراءات الاستباقية.

وتؤكد الدراسة في ختامها أن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط ما زالت في بداياتها، وقد تؤدي عمليات التحول الديمقراطي إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتعزيز الاستقرار في المنطقة، ولكنها أيضا قد تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها بالنسبة لإسرائيل، التي لن تتردد في استخدام القوة لتعزيز شرعية وجودها في المنطقة!.

اعلى الصفحة