عوامل وأسباب سقوط أحلام إسرائيل بضرب إيران

السنة الحادية عشر ـ العدد 130 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1433 هـ ) تشرين أول ـ أكتوبر ـ 2012 م)

بقلم: حسين عطوي

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

منيت الحكومة الإسرائيلية بهزيمة معنوية وسياسية كبيرة نتيجة فشل خططها لدفع الولايات المتحدة الأمريكية للموافقة على دعم وتغطية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني قبل أن تصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى امتلاك القدرة الذاتية الكاملة لإنتاج القنبلة النووية.

لقد خابت أمالها في استغلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لممارسة الضغط على إدارة أوباما ودفعها إلى الرضوخ لرغباتها في ذلك مستفيدة من الحضور القوي للوبي الصهيوني الأمريكي في أمريكا وقدرته في التأثير على الرأي العام الأمريكي عبر سيطرته على الكثير من وسائل الإعلام وامتلاكه إمكانيات مالية كبيرة، حيث أظهرت إدارة أوباما ممانعة قوية ورفضت كل ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكل محاولاته الابتزازية في هذا الموضوع، ووصل الأمر بان رفض أوباما تحديد موعد للاجتماع مع نتنياهو بداعي ارتباطه بزياراته للولايات الأمريكية في سياق حملته الانتخابية، تبين بذلك حدود القدرة الإسرائيلية في التأثير على القرار الأمريكي عندما تكون المصلحة الأمريكية متعارضة مع المصلحة الإسرائيلية.

لذلك يعاني، هذه الأيام، قادة العدو الصهيوني من الإحباط، واليأس والمرارة والخيبة نتيجة فشل جهودهم الدولية لفرض الحصار، وعزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وصولاً إلى توفير الظروف المؤاتية، إما لإجبارها على الرضوخ للشروط الغربية الإسرائيلية بالتوقف عن تطوير برنامجها النووي، والتخلي عن السياسات الداعمة للشعب العربي الفلسطيني ومقاومته ضد الاحتلال، وعن دعم المقاومة في لبنان التي تقلق، قوتها المتنامية، الكيان الصهيوني، أو لتوجيه ضربة عسكرية لبرنامجها النووي وبناها الصناعية المدنية، والعسكرية بهدف إضعاف قوتها ومنعها من التقدم وامتلاك المزيد من عناصر القوة.

وزاد من هذا المناخ الصهيوني سيادة شعور بانهيار هذه الجهود، وظهور مؤشرات قوية على اتجاه الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، للتعايش مع إيران كدولة نووية، ودفع إسرائيل للتكيًف مع هذه الحقيقة وعدم تجاوزها، وبالتالي وصول الأمل لدى المسؤولين الإسرائيليين بإقناع واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية لإيران إلى درجة الصفر، عدا عن اليأس من إمكانية محاصرتها اثر نجاح انعقاد قمة دول عدم الانحياز في طهران، والتي وجهت صفعة للسياسات، والجهود الإسرائيلية بضرب طوق من العزلة حولها.

وتتمثل هذه المؤشرات، التي ولدت حالة اليأس والإحباط لدى القادة الصهاينة، بالوقائع الآتية:

1- حضور المسؤول الأمريكي جيفري فيلتمان، وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، مؤتمر دول عدم الانحياز في العاصمة الإيرانية بدلاً من السعي إلى الضغط على الدول المؤيدة للولايات المتحدة بالامتناع عن المشاركة أو تخفيض مستوى حضورها إلى أدنى مستوى لإفشال القمة، واعتُبر ذلك إسرائيلياً بأنه مؤشر على توجه أمريكي جديد إزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عززه، ودعمه ورود فقرة في البيان الختامي تؤكد على الحق بامتلاك الطاقة النووية للإغراض السلمية ورفض العقوبات الأحادية، والحديث عن إن حضور فيلتمان يؤشر إلى انه حان الوقت أمريكيا لفتح أبواب التفاوض مع إيران.

2- تأكيد الصحافة الإسرائيلية أنه على الرغم من أن إسرائيل الرسمية لم تبعد الخيار العسكري عن الطاولة، لا يزال قرارها بمهاجمة إيران بعيداً، وخصوصاً أن غالبية قادة المؤسسة الأمنية مثل رئيس أركان الجيش بني غانتس، ورئيس الموساد تامير باردو، وقادة الشعب في جهاز الأمن العام (الشاباك) يعارضون عملية عسكرية إسرائيلية مشيرة إلى أن وزراء منتدى التسعة يميلون إلى معارضة الهجوم أيضاً.

3- حصول مواجهة حادة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبين السفير الأمريكي لدى إسرائيل دان شابيرو على خلفية موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في الملف النووي الإيراني، وأفادت الصحافة الإسرائيلية بأن المواجهة بين الاثنين، والتي تجاوزت أصول التعامل الدبلوماسي، وقعت قبل عدة أيام مع وصول رئيس لجنة الكونغرس الأمريكي لشؤون الاستخبارات مايك روجرز الذي التقى نتنياهو بحضور السفير الأمريكي، وخلال اللقاء حمل نتنياهو بشدة على أوباما وإدارته لأنها لا تعمل كفاية في الشأن الإيراني، وأنه بدلاً من ممارسة الضغوط الفعالة على إيران يمارس ضغوطاً على إسرائيل لمنعها من ضرب المنشآت النووية.

4- تصريح رئيس أركان الجيش الأمريكي الأدميرال مارتن ديمبسي الذي أعلن في مقابلة مع صحيفة غارديان البريطانية أنه لا يريد أن يكون شريكاً في هجوم إسرائيلي ضد إيران مشيراً إلى أنه ليس بمقدور ضربة إسرائيلية القضاء كلياً على المنشآت الذرية في إيران، وأن الجيش الأمريكي لا يريد أن يكون شريكاً في ذلك.

ودعم هذا الكلام المعلومات الدبلوماسية التي أشارت إلى أن "الأمريكيين أبلغوا الإيرانيين، خلال اللقاءات الثنائية في اسطنبول وفي موسكو، إنه لا ضربة عسكرية إسرائيلية ضد منشآتهم في الأشهر المقبلة". وإن الإيرانيين أبلغوا الأمريكيين أن أي ضربة أمريكية لمنشآتهم سيتبعها ردّ فعل واسع يطال مصالحهم في دول الخليج، ولكن ضربة إسرائيلية، سيقتصر الردّ الإيراني بعدها، على إسرائيل وحدها.

ويأتي توقيت الإفصاح عن هذه التطورات في الموقف الأمريكي، في وقت كانت تقديرات إسرائيلية تتحدث عن أن الولايات المتحدة ستكون مضطرة في نهاية المطاف للانضمام للحرب الإسرائيلية ضد إيران.

5- تحذير القاضي الصهيوني فينوغراد من مهاجمة إيران من دون دعم الولايات المتحدة، مؤكداً أن الإقدام على ذلك سيؤدي إلى هدم كل "ما بنيناه، وينم عن عدم مسؤولية".

6- كشف النقاب عن اتصال أجرته المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل برئيس الوزراء الإسرائيلي وألحت خلاله عليه بعدم الإقدام على توجيه ضربة عسكرية لإيران وقالت: أنه ملزم بمنح الفرصة للعقوبات الاقتصادية والأخرى المفروضة على إيران، وأيضا فسح المجال أمام استمرار المساعي الدبلوماسية لثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي.

وأشارت الصحافة الإسرائيلية إلى أن المكالمة تعتبر خارجة عن السياق خصوصاً وأن العلاقات بين نتنياهو وميركيل في الشهرين الأخيرين شهدت توتراً كبيراً، إلا إن ميركيل قررت الاتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بهدف إيصال رسالة حازمة له مفادها أن ألمانيا تعارض الضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران، على حد تعبير المحافل الرفيعة في تل أبيب، كما قالت ميركيل أنها قلقة من التداعيات السلبية للضربة الإسرائيلية على الاتحاد الأوروبي، وعلى الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

إن ما تقدم من مؤشرات ومعطيات يؤكد الأمور الآتية:

الأمر الأول: أن الولايات المتحدة والدول الغربية باتت على قناعة بأن الخيار العسكري ليس مجدياً، ومكلف جداً وقد يؤدي إلى نتائج معاكسة كون إيران تملك إمكانيات وقدرات عسكرية متقدمة ومتطورة وتستطيع رد الصاع صاعين على أي ضربة تتعرض لها منشآتها النووية، وان إسرائيل في مثل هذه الحالة سوف تدفع الثمن أيضاً وان قادتها غير مدركين لخطورة الأمر والنتائج الكارثية التي ستترتب على الذهاب إلى الخيار العسكري.

الأمر الثاني: إن المؤيدين للخيار العسكري باتوا قلة قليلة، بالإضافة إلى عدم تأييد الدول الحليفة لإسرائيل مثل هذا الخيار، فإن غالبية الرأي العام الإسرائيلي، كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، ترفض الحرب فيما يسود انقسام على المستوى الرسمي عبر عنه بوضوح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز وقيادة المؤسسة الأمنية والعسكرية، حتى انه يكاد ينفرد نتنياهو وحليفه وزير الدفاع باراك في إطلاق التصريحات الحربية، ما يعكس مأزق الثنائي نتنياهو باراك، وعزلة موقفهما داخلياً وخارجياً واستطراداً تخبطهما.

الأمر الثالث: انتقال الأزمة الإيرانية بدلاً من أن تكون أزمة بين طهران والعواصم الغربية إلى أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وأزمة داخل إسرائيل بعد أن نجحت إيران في كسر محاولات فرض العزلة الدولية من حولها، وكان لافتاً على هذا الصعيد المقال الذي كتبه الكاتب الأمريكي فرالكلين لامب تحت عنوان:

"هل تخطط أمريكا لشرق أوسط ما بعد إسرائيل؟"، وأشار فيه إلى "أن المصلحة الوطنية الأمريكية تختلف بشكل أساسي عن المصلحة الصهيونية الإسرائيلية"، مشيراً إلى دراسة أجراها المجمع ألاستخباري الأمريكي تقول: "إن إسرائيل حالياً تمثل التهديد الأكبر لمصالح الولايات المتحدة الوطنية لان طبيعتها وأفعالها تشكل عائقاً أمام العلاقات الأمريكية الطبيعية مع الدول العربية والإسلامية، وأيضاً تصل إلى حد التأثير على العلاقات الأمريكية مع المجتمع الدولي ككل".

وما يعطي هذه الدراسة الأهمية كون الذي أعدها هو المجتمع الذي يضم وكالات الاستخبارات الأمريكية الست عشرة، وتضم فرع البحرية والجيش وسلاح الجو، وقوات مشاة البحرية وخفر السواحل، ووكالة الاستخبارات الدفاعية بالإضافة إلى وزارات الطاقة والأمن الوطني والخارجية والخزينة، ووكالة مكافحة المخدرات، ومكتب التحقيق الفدرالي، ووكالة الأمن الوطني، والوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، وكالة الاستطلاع الوطنية ووكالة الاستخبارات المركزية، والتي تكون مجموعها المجتمع الاستخباري الأمريكي.

انطلاقاً من ذلك يمكن القول أن العوامل التي كانت تعيق ترجمة التهديدات الإسرائيلية بضرب إيران أصبحت اكثر حضوراً، وبات تجاوزها إسرائيلياً أصعب من السابق، وهذه العوامل هي:

العامل الأول: ضرورة توافر موقف إسرائيلي موحد سياسياً وشعبياً مؤيد للحرب، ومستعد لتحمل تداعياتها وأكلافها وهو أمر أثبتت التطورات الأخيرة داخل الكيان الصهيوني بأنه غير محقق، لا بل أن نسبة المعارضة للحرب تشكل الغالبية العظمى في مقابل أقلية تسعى إليها.

العامل الثاني: ضمان موافقة الولايات المتحدة الأمريكية وتأمين دعمها العسكري والمادي للحرب فإسرائيل لا تستطيع شن الحرب ضد إيران، وأن توافر إجماع إسرائيل من دون الحصول على مساعدة عسكرية مباشرة من أمريكا، وكذلك لا تستطيع تحمل اكلاف الحرب إذا لم تكن واشنطن مستعدة مسبقاً لتغطية الكلفة التي ستدفعها إسرائيل.

العامل الثالث: أن تضمن إسرائيل تحقيق أهدافها من هذه الحرب، وهو أمر يؤكد الخبراء الأمريكيون بأنه صعب التحقق فحتى لو تمكنت إسرائيل من ضرب المنشآت النووية الإيرانية فان ذلك لن يؤدي سوى إلى إعاقة البرنامج النووي الإيراني فترة من الزمن، لان إيران اتخذت كامل احتياطاتها، وقامت بتوزيع برنامجها النووي وأقامت التحصينات القوية تحت الأرض، وفي مناطق متباعدة ما يجعل تدميره مستحيلاً.

لذلك هناك من يعتقد أن تصعيد لهجة الثنائي نتنياهو- باراك تجاه الإدارة الأمريكية، وشخص الرئيس أوباما، هدفه محاولة الضغط عليه لانتزاع التزام من واشنطن بتعويض إسرائيل بمكاسب وحوافز من الدعم العسكري والمادي، بديلاً عن عدم الالتزام بتشديد الضغط على إيران وعدم السماح بالاعتراف بها دولة نووية في المنطقة، فيما اختيار هذا التوقيت للضغط على إدارة أوباما مرتبط بالانتخابات الرئاسية وحاجة الرئيس إلى دعم اللوبي الصهيوني الذي يستحوذ على نفوذ كبير في واشنطن.

ويبدو أن عدم توافر العوامل الضرورية لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران انضج التراجع الإسرائيلي مقابل قبض الثمن من واشنطن في إطار صفقة بين نتنياهو وأوباما. وتجسد ذلك بالاتي:

1- تأكيد دبلوماسي غربي لجريدة السفير اللبنانية بأن "الإسرائيليون قالوا لنا" "لقد استبدلنا التحليل القائل بخطر البرنامج النووي الداهم بوصول الإيرانيين عتبة كمية محددة من اليورانيوم، وبدرجة خطرة من التخصيب، بمقاربة تقوم على الاحتفاظ بقرار الهجوم وتنفيذه من دون الرجوع إلى أي من القوى الغربية عندما تقترب إيران من درجة المناعة الكاملة أمام أي هجوم على منشأتها، ولاسيما البدء بتشغيل منشأة فوردو لإنتاج القنبلة على عمق 30 متراً تحت الأرض". وقال الدبلوماسي الغربي: "إن مفهوم العتبة الخطرة التي كان يعتبرها الإسرائيليون مرحلة ينبغي منع إيران من بلوغها قد توسع وأصبح مفهوماً مركباً يتجاوز مجرد حصول الإيرانيين على كمية كافية من اليورانيوم المخصب لإنتاج القنبلة".

والكلام الإسرائيلي أعلاه يعني بوضوح الاعتراف بان إيران قد بلغت مرحلة متقدمة من برنامجها النووي سواء من حيث كمية اليورانيوم المخصب، أو الدرجة العالية للتخصيب.

2- شروع إدارتي نتنياهو وأوباما بإجراء اتصالات خلف الكواليس لمنح إسرائيل تعويضا بشكل ضمانات وأسلحة في مقابل تأجيل الهجوم على إيران، ونية الرئيس أوباما عرض الموضوع الإيراني في برنامجه الانتخابي.

في خلاصة الأمر يبدو أن "نتنياهو أدرك في الأيام الأخيرة أنه ذهب أبعد من اللازم في خطابه ضد إيران، وأن الأمر أساء إلى العلاقة مع الولايات المتحدة، وأن التكتيك الذي استخدمه استنفذ أغراضه وبات يضر بقدرة إسرائيل الردعية"، وهو ما دفع مصادر إسرائيلية إلى القول: "إن الأزمة بين الدولتين خرجت عن السيطرة، وأنه حان الوقت لتهدئة الخواطر.

أسباب الاعتراض الأمريكي الغربي على ضربة إسرائيلية لإيران

إن السؤال الذي يطرح نفسه على ضوء هذه الوقائع السالفة الذكر هو: "هل ينبع هذا التحول من إدراك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بأن إيران لا تسعى إلى إنتاج السلاح النووي؟، أم هو تعبير عن عجزها، وفشلها في إخضاع إيران؟". بالتوقف أمام تفسير هذا التبدل في الموقف يمكن تسجيل الأتي:

1- إن الدول الغربية تعرف جيداً إن إيران لا تريد إنتاج السلاح النووي، وهي تسعى إلى امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، والتطور العلمي والبحثي والتنموي،  وأكدت أكثر من مرة أنها لا تسعى لذلك، وملتزمة بالقوانين الدولية لهذه الناحية، ولذلك فإن القضية بالنسبة للدول الغربية لها بعد أعمق بكثير فهي لا تريد لدولة مثل إيران، فضلاً عن غيرها، أن تكون خارج نادي التبعية للغرب وتتمتع باستقلالية قرارها الاقتصادي والسياسي، أن تمتلك المعرفة والتكنولوجيا" لأن ذلك سيؤدي إلى تعزيز استقلاليتها وقوتها من ناحية، والى تشجيع دول أخرى على الحذو حذوها من ناحية ثانية، ومثل هذا المسار يقود إلى تقليص وتراجع النفوذ الغربي في العالم، وسقوط احتكاره للمعرفة والتكنولوجيا التي يستخدمها، وسيلة لفرض التبعية على الدول، وجعلها خاضعة اقتصادياً، وسياسياً، وإلا حرمها منها.

من هنا فإن موقف الدول الغربية الجديد لا ينبع من اقتناع بان إيران لا تسعى إلى إنتاج السلاح النووي، وإنما يندرج في إطار تراجع هذه الدول أمام إصرار إيران على امتلاك التكنولوجيا النووية بقدراتها الذاتية وتمكنها من إنتاج الوقود النووي.

2- إن التسليم والتراجع أمام إيران إنما جاء بعد أن استخدمت الدول الغربية كل ما لديها من وسائل ضغط وحصار لجعل إيران ترضخ لشروطها بوقف برنامجها النووي لكنها فشلت في ذلك.. فهي فرضت حصاراً اقتصادياً على إيران، وأقدمت على احتلال أفغانستان، والعراق في سياق خطة متعددة الأهداف، واحدة منها أطباق الخناق على إيران من البر والبحر. كما مارست التهويل بشن الحرب، ووضعت سيناريوهات لتنفيذ ضربات جوية لبرنامج إيران النووي، وحددت مواعيد لذلك، أكثر من مرة، وتولت إسرائيل مؤخراً القيام بحملة منظمة وممنهجة ضد إيران، لإقناع الدول الغربية بالسماح لها بتوجيه هذه الضربة، أو اتخاذ عقوبات اقتصادية مشددة ضد قطاع النفط والغاز لحرمان طهران من مداخيلها من العملات الصعبة، والتي تمكنها من مواصلة تطوير برنامجها النووي ورفض الرضوخ للإملاءات الغربية، غير أنه تبين للغرب:

1- إن الضغط والحصار الاقتصادي على إيران لم يؤثر على البرنامج النووي الإيراني، بل أن النتائج كانت عكسية على الدول الغربية التي كانت تستورد النفط الإيراني حيث بادرت طهران إلى وقف تصدير نفطها إليها، واستفادت من ارتفاع أسعار النفط، فيما هي استطاعت إيجاد بدائل لبيع الكميات التي كانت تصدرها للدول الغربية إلى دول أخرى مثل الصين والبرازيل، والهند.. الخ.

وأظهر ذلك أن سلاح الحصار الاقتصادي غير فعال، فيما إيران تستطيع استخدام هذا السلاح ضد الغرب عبر اللجوء إلى إغلاق مضيق هرمز لمنع ناقلات النفط من الخروج منه والدخول إليه، إذا ما اضطرت إلى ذلك.

2- أما الخيار العسكري فقد وجدت الدول الغربية أن عواقبه ونتائجه السلبية على مصالحها في المنطقة، وعلى أمن إسرائيل كبيرة جداً لا قدرة لها على تحملها.

فإيران تمتلك قدرات عسكرية وصاروخية متطورة قادرة على توجيه ضربات قاسية للقواعد العسكرية الغربية في الخليج وضرب المفاعل النووي الإسرائيلي والقواعد والمنشآت الإسرائيلية الحيوية، وإغلاق مضيق هرمز بالكامل، ما قد يؤدي إلى وقف تصدير النفط وارتفاع أسعاره إلى أرقام قياسية تصل إلى نحو 250 دولاراً للبرميل الواحد، وهو ما لا تستطيع اقتصادات الدول الغربية الصناعية تحمله خاصة وأنها تعاني من أعنف أزمة اقتصادية في تاريخها وأدت إلى مضاعفات سلبية كبيرة مالية واجتماعية واقتصادية حتى الآن.

3- بالمقابل فان احتلال أفغانستان، والعراق تحول إلى عبء، وكابوس على أمريكا وحلفاؤها، بدلاً من إن يصبح مصدر قوة لهم، وقد اضطرت أمريكا إلى الانسحاب من العراق لعدم قدرتها على تحمل فاتورة الإنفاق الباهظة لاحتلالها، أما في أفغانستان فان القوات الأطلسية هناك تواجه حرب استنزاف من العيار الثقيل في ظل ارتفاع أكلاف الحرب التي ترهق اقتصادات الدول الغربية، التي جعلتها تبحث عن سبل الخروج من هذا المأزق، وطلب مساعدة إيران.

انطلاقاً من ذلك، لم يعد لدى الدول الغربية من سبيل سوى البحث عن طريق التفاهم مع إيران واعتماد لغة الدبلوماسية والمفاوضات للتوصل إلى اتفاق معها، تحت سقف استمرار الصراع بوتائر منخفضة، وهي لذلك مارست الضغط على إسرائيل كي تتوقف عن التهديد بضرب إيران والعمل على التكيف مع حقيقة أن إيران باتت دولة نووية.

اعلى الصفحة