إيران أكبر تهديد للكيان الصهيوني منذ قيامه

السنة الحادية عشر ـ العدد 130 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1433 هـ ) تشرين أول ـ أكتوبر ـ 2012 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

"إن البرنامج النووي الإيراني هو أخطر ما واجهته دولة إسرائيل عبر تاريخها منذ قيامها، وأنه في حال حصول إيران على قنبلة نووية سيبدأ العد التنازلي لدولة إسرائيل، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، وعلى إسرائيل أن تفعل كل ما تستطيع لكيلا تملك إيران القدرة أو الرغبة للحصول على قنبلة نووية". هذا ما أكده رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق، إفرايم هاليفي، في مقابلة مع القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي بتاريخ 5/9/2012.

وأضاف هاليفي قائلاً: إن إيران النووية تمثل خطراً وجودياً على إسرائيل، مشيراً إلى إن هناك خلافاً في وجهات النظر بين أمريكا وإسرائيل بشأن السلاح النووي الإيراني، ولكن من غير المقبول أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري منفرد، لأن ذلك سيضر بالمصالح الأمريكية، كما أنه من ناحية أخرى سيسرع بالبرنامج النووي الإيراني.

وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة هارتس (10/9/2012): "إن الوضع الأمني لإسرائيل اليوم والسيف الإيرانية المسلط على إسرائيل اليوم أشد وأمضى من تلك التي سلطت على إسرائيل قبل حرب حزيران 1967".

وقارن المسؤول الإسرائيلي بين ما يمكن أن يحدث اليوم وما حدث لمقاطعة اللورين بعد صعود النازية للحكم، قائلاً إن حصول إيران على الأسلحة والقوة الذرية اليوم سيؤدي إلى تراجع ونكوص كل القوى المعتدلة في المنطقة، وسيوفر لإيران القدرة على التحرك في كافة الاتجاهات في المنطقة.

وفي ظل تواصل الجدل داخل الكيان الصهيوني حول الحرب على إيران، رأى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خلال ترؤسه اجتماعاً لحكومته في القدس المحتلة، 12/9/2012، أن جميع التهديدات الأمنية ضد إسرائيل "تتقزم" أمام إمكانية حصول إيران على سلاح نووي، فيما نشرت الصحف الإسرائيلية "تسريبات" استخباراتية أمريكية تتحدث عن تكثيف طهران جهودها لتطوير رأس نووي حربي. وتحدث نتنياهو عن "تحسن ملحوظ في قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي مع القبة الحديدية، بالإضافة إلى الملاجئ وأنظمة التنبيه بالإضافة إلى مجالات أخرى". وأضاف "مع ذلك، من المستحيل القول بأنه لا يوجد مشاكل ولكن كل التهديدات التي تواجه الداخل الإسرائيلي أقل أهمية من تهديد آخر قوته وطبيعته مختلفة.. أكرر أنه ينبغي ألا تمتلك إيران السلاح النووي".

تسريبات وتقارير

وفي الآونة الأخيرة كثّفت إسرائيل إيحاءاتها بجدية تفكير كل من نتنياهو ووزير حربه أيهود باراك، في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية حتى من دون موافقة أمريكية. وبرزت هذه الإيحاءات بنشر الكثير من التسريبات والتقارير عن الاستعدادات الفعلية في إسرائيل لتنفيذ هكذا هجوم.

وأشار كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم بارنيع وشمعون شيفر، في مقالة مشتركة (10/9/2012) إلى تصميم نتنياهو وباراك على مهاجمة إيران حتى قبل الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني المقبل. وأشارا إلى أن كل قادة المؤسسة العسكرية والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يعارضون هجوماً إسرائيلياً منفرداً. وفي محاولة لتقليص المعارضة جمع باراك قادة الجيش، لكنهم أبدوا "اعتراضاً شديداً وغير مساوم". كما حاول باراك إقناع قادة الموساد عبر مناقشتهم، ولكن عبثاً، إذ لم يفلح في تغيير موقفهم.

وأشار التلفزيون الإسرائيلي في نفس اليوم، إلى اقتناع كل من نتنياهو وباراك بأن احتمالات اندلاع حرب شاملة في المنطقة جراء الهجوم الإسرائيلي على إيران ضئيلة. وتشير التقديرات التي يتبنيانها إلى أن سوريا لا يمكنها المشاركة في هكذا حرب في الظروف الراهنة وأن ردة الفعل الإيرانية وحتى من "حزب الله" و"حماس" ليست خطيرة لدرجة ردع إسرائيل عن هذا الهجوم. ويبدو أن نتنياهو وباراك عمداً مؤخراً إلى شن "الهجوم المضاد" على كل من عارض الهجوم. وفي هذا السياق يشير المقربون منهما إلى أن إسرائيل، خلافاً لأمريكا، لا يمكنها أن تتعايش أبدا مع القدرة النووية الإيرانية حتى لو كانت للأغراض السلمية. ويقولون إن "ظهر إسرائيل إلى الحائط حالياً بعد تقدم المشروع النووي بقوة نحو هامش الحصانة". وفي هذا السياق يقوم المقربون من نتنياهو وباراك بنوع من نزع الشرعية عن المعارضين للهجوم سواء داخل الجيش أم خارجه. ويوجه هؤلاء انتقادات شديدة لقيادات الجيش ويوحون بأن من يعجز عن تنفيذ قرارات الحكومة عليه أن يقدم استقالته. ويرى البعض في الحملة المنسّقة هذه جزءاً من محاولة توفير شرعية لقرار لم يتخذ بعد.

وأوضح المعلّق الأمني في صحيفة "يديعوت" رونين بيرغمان أن الأمريكيين يعتقدون باقتراب المشروع النووي الإيراني من "هامش الحصانة" الذي يجعل الضربة الإسرائيلية غير ناجعة. وربما أن هذا الاعتقاد يقف خلف التوتر الإسرائيلي والإيحاءات باقتراب هذا الهجوم المختلف عليه مع أمريكا. وأشار هذا المعلق إلى أن الأمريكيين والإسرائيليين يتفقون حول زيادة كمية اليورانيوم الإيراني المخصب إلى درجة 20 % من 140 كيلوغراماً إلى 170 كيلوغراماً وهي كمية تكفي، حال اتخاذ قرار، لإنتاج قنبلتين إلى ثلاث قنابل نووية. وعلاوة على ذلك هناك اتفاق بين الدولتين على عودة "مجموعة السلاح"، المكوّنة من علماء إيرانيين يعملون على الرأس الحربي، إلى العمل.

ومن بين أبرز الإيحاءات الإسرائيلية بالاستعداد للحرب ما نشرته "يديعوت أحرنوت" أيضاً حول تخزين الجيش لعشرات ألوف الوجبات القتالية والمعدات غير القتالية في أماكن مختلفة في إسرائيل. وذكرت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يفهم أن الحرب المقبلة ستقع في ساحات عديدة، ولذلك تقرر توزيع احتياطي المعدات الحساسة منذ الآن على القواعد في أرجاء البلاد. وقد تم تصنيف احتياطات الجيش الإسرائيلي حسب أهميتها ووزعت في مناطق مختلفة لجعل مهمة العدو باستهدافها لحظة الحقيقة أشد صعوبة. وقد تعاقد الجيش مع عدد من المصانع على توفير مخازن للجيش في حالات الطوارئ. كما أن التغطية المكثفة من جانب الصحف الإسرائيلية للشأن النووي الإيراني تخلق نوعاً من التهيئة للجمهور الإسرائيلي في هذا السياق.

وأظهر استطلاع نشرته "معاريف" أن 41% من الإسرائيليين يرون أن الهجوم العسكري وحده هو الكفيل بوقف المشروع النووي الإيراني. وفقط 22% يرون بجدوى العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية. وأشار الاستطلاع إلى أن 40% من اليهود يعتقدون أن على إسرائيل أن تهاجم المنشآت النووية الإيرانية لوحدها مقابل 35% يرون ترك هذه المهمة للولايات المتحدة. ويعتقد أكثر من ثلث الإسرائيليين بقليل أن إيران إذا ما نجحت في نهاية المطاف في امتلاك قنبلة نووية فإن محرقة أخرى سوف تقع.

وخلافاً للموقف الذي يبديه الكثير من العسكريين السابقين الذين يشككون بقدرة نتنياهو وباراك على اتخاذ قرار، قرر 40 % من الإسرائيليين الثقة بالرجلين مقابل 27% لا يثقون بهم.

وهكذا نرى وبشكل غير مسبوق، أن هناك حالة من الجدل العلني الداخلي في إسرائيل حول إمكانية المبادرة في شن هجوم عسكري على إيران لوقف أو تعطيل برنامجها النووي. هذا الجدل في الغالب لا يحدث قبل نشوب الحرب، بل يحدث بعد انتهائها ووفقاً لنتائجها، هكذا كان في حرب أكتوبر عام 1973 وهكذا كان في حرب لبنان الأولى عام 1982 وحرب لبنان الثانية عام 2006، وكذلك العدوان على غزة أواخر عام 2008.

هناك جدل حول الكثير من القضايا التي لها علاقة بهذا الملف، أهمها إذا ما كان بإمكان إسرائيل لوحدها القيام بهذه الخطوة التي تبدو أكبر من حجمها وليس بمقدورها تحمل نتائجها العسكرية والاقتصادية والدولية. أم من الأفضل الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الاستراتيجي لإسرائيل حيث لديها الإمكانيات العسكرية الكافية لضرب إيران.

القضية الخلافية الأخرى هي حول نتائج هذا الهجوم إذا ما حدث في ظل التقدير أن إسرائيل تستطيع أن تعطل المشروع النووي الإيراني لمدة زمنية لا تتجاوز العامين في أحسن الأحوال ولكنها لا تستطيع إيقافه بشكل كامل. رد الفعل الإيراني وكذلك الرد المحتمل لحزب الله وكذلك ربما أيضاً فصائل المقاومة في غزة إضافة إلى الأضرار الاقتصادية والمادية وردود الفعل الدولية، هل من المجدي تحمُّل كل ذلك مقابل تعطيل المشروع النووي لفترة زمنية محددة قد تستفيد منه إيران على المدى البعيد في استئناف مشروعها النووي من جديد؟. نتنياهو وباراك اللذان يقودان مشروع الهجوم على إيران أعطيا الإجابة بشكل صريح وواضح وفي أكثر من مناسبة، بأن إسرائيل في كل ما يتعلق باستمرار وجودها لا تستطيع أن تعتمد إلا على نفسها وأن الولايات المتحدة تستطيع أن تتعايش مع إيران النووية ولكن إسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها بذلك.

أما حول قضية الثمن الذي سيدفع فإن الإجابة لديهم هي أن أي شيء ممكن أن يكون قابلاً للتعايش معه إلا أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً. عدم القبول بأن تمتلك إيران أو أي دولة في المنطقة سلاح نووي هو أمر لا خلاف حوله، والجميع في إسرائيل يعتبر ذلك خطاً أحمر. الخلاف هو على التكتيك الذي يجب إتباعه من أجل إفشال هذا المشروع والخلاف هو على التوقيت الذي يجب أن يكون، وما إذا كانت إسرائيل هي التي يجب أن تتصدر المعركة أم تترك المهمة إلى من هو اكبر واقدر منها على القيام بذلك.

الرسائل التي تصل إلى نتنياهو من قبل أعضاء في الكونغرس الأمريكي سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، والذين يعتبرون من المقربين للرئيس الأمريكي أوباما أو المرشح الجمهوري رومني بأنه في حال هاجمت إسرائيل إيران فإن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تتركها لوحدها، ليس فقط ستفتح لها مخازن الأسلحة الأمريكية المتواجدة في المنطقة بل أيضاً ستشكل لها حماية من الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، إن لم يكن أكثر من ذلك.

إسرائيل في الأسابيع الأخيرة تعيش أجواء حرب، حيث نشرات الأخبار المركزية وعناوين الصحف الرئيسية يومياً تتحدث عن تفاصيل جديدة وتقديرات بأن الهجوم الإسرائيلي سيكون قبل إجراء الانتخابات الأمريكية، وبالتالي فإن الرئيس الأمريكي أوباما لا يستطيع أن يترك إسرائيل لوحدها لان ذلك سيفقده الدعم اليهودي في أمريكا، وإما أن يكون الهجوم في شهري يناير فبراير القادمين، أي قبل أن يتسلم الرئيس المنتخب مهام منصبه. تصريحات القادة الإسرائيليين التي تزداد يوماً بعد يوم، لم تعد مجرد إيصال رسائل أو مجرد تهويش، بل هناك إجراءات عملية على الأرض تشير إلى أن الأمور ذات طابع جدي. على سبيل المثال:

أولاً: تم الإعلان عن تعيين افي ديختر رئيس الشاباك السابق كوزير للجبهة الداخلية خلفاً لمتان فيلنائي الذي تم تعيينه سفيراً لإسرائيل في الصين. تعيين ديختر ليس له علاقة بالمناكفات والصراعات السياسية والحزبية، بل جاء نظراً لخلفيته الأمنية وأهمية الدور الذي ستلعبه الجبهة الداخلية في إسرائيل، لاسيما أن التقديرات تشير إلى أنه في حال هجوم إسرائيلي على إيران سيسقط على العمق الإسرائيلي حوالي خمسين ألف صاروخ، أي عشرة أضعاف عدد الصواريخ التي أطلقها حزب الله في عدوان 2006.

ثانياً: في جلسة من جلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي السابقة تم إقرار ما طلبه نتنياهو من توسيع صلاحياته في كل ما يتعلق بآليات اتخاذ القرارات. التفسير الوحيد لهذه الخطوة هو أن نتنياهو يريد أن يسهل على نفسه التغلب على موقف المعارضين للهجوم على إيران.

ثالثاً: تم فرض ضرائب على الكثير من السلع الأساسية بما فيها المحروقات والخبز وزيادة ضريبة الدخل، وكذلك تم تقليص مليارات من الشواقل من موازنات الوزارات المختلفة، وفي نفس الوقت سيتم دعم وزارة الحرب بمزيد من المليارات لتغطية الاحتياجات الطارئة.

رابعاً: نشرت إسرائيل بطاريات مضادة للصواريخ على الحدود اللبنانية وقبل ذلك في منطقة الوسط إضافة إلى تعزيز ما هو موجود في الجنوب. في نفس الوقت هناك سباق مع الزمن في إعداد الملاجئ والتأكد من أهليتها لاستقبال المواطنين، وكذلك استكمال توزيع الكمامات وتحديثها، إضافة إلى الزيارات المكثفة للمسؤولين الأمنيين الأمريكيين ولقاءهم بنظرائهم الإسرائيليين. كل ذلك يشير إلى أن ما هو قادم من تطورات قد يغير وجه المنطقة بكاملها!!.

بين حربين

يقول الكاتب الإسرائيلي عوفر شيلح في صحيفة معاريف (27/8/2012): "بعد أيام أو أسابيع قد تجد إسرائيل نفسها تختار بين حربين، أولاها تعقد جداً الثانية وربما تحول دون وقوعها. ونظرية تفعيل الجيش الإسرائيلي رأت على الدوام أن عليه أن يكون مستعداً للحرب في جبهات عدة بشكل متواز، ولكن التطلع للحسم بالتدريج، لأنه يصعب الحسم في أكثر من جبهة واحدة في وقت واحد".

ويضيف شيلح قائلاً: "ليس ثمة إسرائيلي عاقل مستعدّ لقبول وضع يمتلك فيه تنظيم كحزب الله سلاحاً غير تقليدي. وقد اعتبرت المؤسسة الأمنية امتلاك حزب الله أسلحة دمار شامل مبرراً للحرب، وكذلك امتلاكه منظومات متطورة للدفاع الجوي أو صواريخ بعيدة المدى جداً".

ويشير المعلقون الإسرائيليون إلى حجم المفارقة الهائلة التي تعيشها إسرائيل من جراء تشتت اهتمامات القيادة الإسرائيلية. ففي الوقت الذي كان فيه نتنياهو وباراك يطلقان التهديدات بشن الحرب أو الحملات العسكرية على إيران لمشروعها النووي أو على سوريا وحزب الله بسبب السلاح الكيماوي أو أسلحة متطورة أخرى كان نتنياهو أيضاً يرتب أموراً وظيفية صغيرة لعدد من أعضاء الكنيست من كاديما بقصد شق هذا الحزب. ودفعت هذه المفارقة معلقين معينين لاستذكار قول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، هنري كيسنجر، بأن ليس لإسرائيل سياسة خارجية وإنما سياسة داخلية.

وأسهب معلقون إسرائيليون في شرح واقع انشغال نتنياهو بتأمين "جبهته الداخلية" ليس فقط بعد أن تحوّلت هذه الجبهة إلى "ميدان القتال" الفعلي في أي حرب مقبلة وإنما أيضاً لأن هذه الجبهة هي أساس ارتكاز نتنياهو وحكومته. وهكذا اشتعلت المواقف التي تمّ تلخيصها بفضيحة "أدوان إيران" نسبة إلى عضو كنيست مغمور في كاديما كان بين المجموعة التي أغراها نتنياهو بالانشقاق لتوسيع ائتلافه الحكومي. واتهم عديدون نتنياهو بأنه ينطلق في ضمّ موفاز وكاديما وانسحاب موفاز وكاديما وانشقاق كاديما الفاشل وذاك الذي سينجح من الهاجس الإيراني.

إلا أن الهاجس الإيراني، في الواقع، لم يعد ما كان عليه قبل انطلاق الربيع العربي الذي أدخل المنطقة العربية بأسرها في دوامة انقلبت فيها الأمور رأساً على عقب. فإسرائيل لا تزال تحكّ رأسها وهي تفكر في ما ينبغي فعله إزاء التطورات في مصر من ناحية وتفكُّك محور ما سمي الاعتدال العربي من ناحية أخرى. كما أنها لا تخفي قلقها أيضاً من احتمالات تفكك محور التطرف العربي. وإذا كان تفكك المحور الأول يثير مخاوف على المدى البعيد فإن احتمالات تفكك المحور الثاني يثير مخاوف مباشرة. وهذا ما تتحدث إسرائيل عنه باعتباره مخاطر اندلاع حرب مع سوريا بسبب احتمال وقوع الأسلحة الكيماوية أو الأسلحة المتطورة الأخرى بأيدي جهات معادية في سوريا نفسها أو في لبنان.

وقبل أقل من عامين كان الحديث يدور في التقديرات الإستراتيجية الإسرائيلية عن خطر إيراني كبير وعن مواضع إزعاج عربية متعددة. واليوم، على الأقل في نظر القيادات العسكرية الإسرائيلية، لا يقتصر الهم العربي على الإزعاجات وإنما بات يرتدي لبوساً استراتيجياً. ولذلك أعلن رئيس الأركان الجنرال بني غانتس أن من يريد أن يبدأ عملاً يعتقد أنه محدود، عليه أن يأخذ بالحسبان احتمال تحول هذا العمل إلى حرب شاملة. وأراد القول بوضوح أن الأوضاع والمعطيات تغيرتا وأن إسرائيل تقف أمام واقع جديد.

وفي الواقع الجديد تغدو الأمور أكثر تشابكاً بعد أن اختلطت الأمور. في الماضي كان بوسع وزيرة خارجية إسرائيل أن تعلن الحرب على غزة من القاهرة، وأن يشن رئيس حكومة الحرب على لبنان بتشجيع عربي. وكان الأمر قد بدأ باجتياح الليطاني بعد زيارة السادات للقدس وضرب المفاعل النووي العراقي بعد زيارة مناحيم بيغين للسادات. كما أن رئيس حكومة إسرائيلي آخر جازف بضرب منشأة سورية قيل إنها نووية من دون أن يتوقع رد فعل سوري عنيفاً. ويبدو أن هذه الصورة اختفت الآن. فرئيس الأركان الإسرائيلي يتحدث عن أن ضرب مواقع كيماوية في سوريا يمكن أن يشكل هدية للحكم هناك. كما أن ضرب سوريا قد يوفر لحزب الله فرصة لتوسيع الحرب ضد إسرائيل. وإذا كان الماضي قد شهد تصريحات من قبيل أن الهجوم الإسرائيلي على إيران لن يعني بالضرورة انجرار سوريا أو حزب الله أو المقاومة الفلسطينية في غزة، فإن تصريحات كهذه لن تسمع الآن. وإلى جانب ذلك فإن إسرائيل لم تعد "كاملة الحرية" في التعامل مع قطاع غزة وباتت تحسب كثيراً لأثر ذلك على مستقبل العلاقات مع مصر. وطبيعي أن كل هذا الحديث عن تغيير معطيات الواقع تم من دون الإشارة إلى توتر العلاقات الإسرائيلية التركية وإلى بعض المصاعب في العلاقات السياسية بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو. كما أن العلاقات الإسرائيلية ليست في أفضل حالاتها وهو ما يجعل التفهم الدولي لأي خطوات إسرائيلية منفردة أصعب من أي وقت مضى.

عموماً ليس مؤكداً ما إذا كانت تصريحات الجنرال غانتس كبحاً لجماح التطرف والتهديدات من جانب الساسة الإسرائيليين أم لا، ولكن المؤكد أن الجيش مضطر للتفكير بشكل أعمق من قيادة أيديولوجية لم تفهم حجم التغيرات في المنطقة. وهذا يدفع إلى سؤال من نوع آخر: هل حقاً أن العسكريين لا يريدون الحرب؟ والجواب البديهي هو أن العسكريين لا يريدون حرباً يخسرونها، لكنهم سيهرعون لحرب تحقق لهم إنجازات ومكاسب. ويبدو أن الحروب من النوع الثاني صارت أقل بكثير مما كانت في أي وقت مضى أو أنها صارت معدومة.

ولكن أيضاً وبالمنطق نفسه يمكن القول إن مبرر وجود الجيوش هو الحروب أو الخشية من وقوعها. ولذلك فإن الحاجة للحرب تدفع أحياناً حتى من يعارضون الحروب من العسكريين إلى شنها، إن لم يكن من أجل فائدة أكبر فعلى الأقل من أجل خسائر أقل. وربما لهذا السبب يكثر وزير الحرب الإسرائيلي، أيهود باراك من الحديث عن أن أضرار الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران أقل بكثير من أضرار امتلاك إيران لقنبلة نووية.

وهناك أيضاً من يقول إن المخاطر على إسرائيل من ضرب إيران بشكل منفرد أقل من مخاطر ضرب حزب الله أو سوريا لأسباب كيماوية أو تسليحية بدعم أمريكي. عموماً تبدو الصورة اليوم أكثر تعقيداً والخيارات، على الرغم من تقييدها، مفتوحة.

وفي هذه الأيام أصدر مركز دراسات الأمن القومي كتيباً حول "الجبهة المدنية"، تلخيصاً لندوة أقيمت في أيلول/سبتمبر. وتثير أجزاء من الكتيب شعوراً بعودة الماضي، وأخرى تثير التساؤل لدرجة الغضب. وهكذا يقرر الوزير المسؤول عن حماية الجبهة الداخلية، متان فلنائي، أنه "لا شيء أسهل من المطالبة بحماية الدولة بأسرها. ولكن هذا يكلف 15 مليار شيكل". ومن دون الجدال حول الأرقام، يجدر التذكير فقط بأنه في العام الأخير صودق من دون مشاكل على التزود بمدرعات "نمر" (بأكثر من عشرة مليارات شيكل، من دون حساب تكلفة الحماية الفعالة مثل "ماعيل روح" أو "حيتس دوربان" وشراء طائرات تدريب من إيطاليا (ستة مليارات). ينبغي حماية الجنود وتدريبهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بحماية وتحصين الجبهة الداخلية، تعتبر هذه أرقام خيالية..

ولكل من يقول هناك "القبة الحديدية" ينبغي التذكير: حتى الآن البطاريات معدودة، صحيح أنها سجلت تطوراً محدوداً في مواجهة حماس والجهاد الإسلامي، لكنها عديمة الجدوى مقابل ما لدى حزب الله. وهكذا فإن إسرائيل تجد نفسها بين حربين مبادر إليهما، واحدة مطلوبة تأكيداً ضد حزب الله والثانية موضع خلاف داخلي وخارجي، تقريباً يستحيل شن الحربين دفعة واحدة.

محاذير إسرائيلية

إن كل من يطلع على وسائل الإعلام الإسرائيلية يعجب من حجم التركيز على الشأن النووي الإيراني واحتمالات الهجوم العسكري. وتوحي التقارير والتصريحات، خصوصا المنطلقة من مسؤولين سابقين، بأن الحرب على الأبواب وأنه لم يبق سوى إطلاق الأمر ببدئها بعد أن حددت ساعة الصفر. فالأمريكيون لا يزورون الكيان الصهيوني زرافات ووحداناً إلا لتأجيل القضاء الإسرائيلي المحتوم إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. والقادة الإسرائيليون في عجلة من أمرهم، لا يثقون بالأمريكيين، ويصرون على الاحتفاظ بسر موعد الهجوم ويرفضون إطلاع الأمريكيين مسبقاً. فالعلاقة مع أمريكا باتت، على الأقل من وجهة نظر مفاهيم الأمن القومي الإسرائيلية، ركناً أساسياً يوازي أو يزيد امتلاك إسرائيل قدرات الدفاع عن النفس. فالمظلة السياسية والأمنية والاقتصادية التي تقدمها الإدارة الأمريكية لإسرائيل في المنطقة والعالم هي ما وفر لإسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها. صحيح أن هناك من يؤمن، بحق، بأن إسرائيل ذخر استراتيجي لأمريكا في المنطقة، لكن الفارق هائل بين الطرفين وهو ما يجعل العلاقة غير ندية البتة. يمكن القول من دون تحفظ إن الولايات المتحدة تستطيع العيش من دون إسرائيل وعشر أمثالها في حين من الصعب الإقتناع بقدرة إسرائيل على العيش طويلاً من دون دعم الولايات المتحدة.

ومن الجائز أن مثل هذا التقديم ضروري وواجب إذا ما أراد المرء قراءة المعطيات الإسرائيلية المتعلقة بإيران محاولاً استيضاح الوجهة منها. فإيران ليست بالقضية الهامشية لا بالنسبة لأمريكا ولا بالنسبة للمنطقة، وهي ليست مسألة يمكن لأحد أن يتركها هكذا بيد إسرائيل. فإيران دولة كبيرة وقوية وذات شأن، لكن حتى لو تجاهلنا كل ذلك، فإنها دولة تقع على برميل بارود العالم وعلى خناقه الاقتصادي. ويصعب، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعصف بأوروبا وأمريكا، تصوُّر أن يستسهل هؤلاء ترك الأمور تفلت من أيديهم فقط لأن إسرائيل، بحق أو من دونه، خائفة من تطورات الموقف النووي الإيراني.

وهذا يدفع المرء إلى التفكير، ولو كفرضية، في أن جزءاً كبيراً مما نسمع ونشاهد أقرب إلى العمل المسرحي الذي حددت فيه الأدوار مسبقاً. والهدف هو إبقاء السيف فوق رأس طهران مشيعاً بأنه إذا تخلف العالم عن أداء المهمة العسكرية ضد إيران فإسرائيل جاهزة. والواقع أن الكثيرين آمنوا منذ البداية بأن الموقف الإسرائيلي ليس أكثر من فزاعة تستخدمها أو تستغلها أمريكا لبلورة موقف أوروبي أشد ضد إيران. ومن الجائز أيضاً أن كثيرين رأوا في التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، خصوصاً أثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، وبعد ذلك تصريحات رئيسي الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية السابقين، تأكيدا على هذه النظرة.

فالمراقب يستغرب، بشدة، كيف يمكن لإسرائيل أن تتصرف باستقلالية مبالغ فيها في شأن عالمي لا يخصها وحدها، وربما يخص كثيرين غيرها أكثر منها. كما يستغرب هذا المراقب إيحاءات الرجاء التي تنطلق من الإدارة الأمريكية مطالبة بعدم "مفاجأة" إسرائيل لحليفتها الأهم. وينسى كثيرون أن في إسرائيل رادارات أمريكية لمراقبة ما يحدث في المنطقة، وأن في البحر الأبيض المتوسط أسطولاً أمريكياً وفي منطقة الخليج أساطيل وقواعد أمريكية تستطيع أن تحصي على إسرائيل أنفاسها. وكل ذلك من دون أن نشير إلى واقع أن في إسرائيل فئة تؤمن "بالديانة الأمريكية" ولا تستطيع الكفر بها وهي موجودة في الحكومة والجيش والاقتصاد والمجتمع.

ولهذا السبب نسمع كل يوم عن خلافات داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر وهيئة الثمانية وفي مجلس الأمن القومي وحتى في هيئة الأركان حول هذه القضية. وليس غريباً أن الشائع هو أن نتنياهو، إذا صحت مسألة الخلافات، لا يملك أغلبية لا في الحكومة ولا في المجلس الوزاري المصغر ولا حتى في هيئة الثمانية. والأدهى أن كل القادة العسكريين والأمنيين تقريباً يعارضون أي هجوم إسرائيلي منفرد على إيران، ليس لاعتبارات سلمية، بل لاعتبارات عملانية. فالأكثر تفاؤلاً بقدرات إسرائيل التدميرية يعتقدون أن بوسع الكيان الصهيوني عرقلة المشروع النووي الإيراني لعامين على أكثر تقدير. وطبعاً الأقل تفاؤلاً يعتقدون أن العرقلة لن تزيد على ستة شهور لا تساوي مع العامين شيئاً مقارنة بالحرية التي ستنالها إيران إثر تعرضها للهجوم. لذلك هناك من يرى أن إيران بعد الهجوم ستنال زخماً ودافعاً لتطوير سلاح نووي ما يعني تحفيزها على امتلاك السلاح وليس فقط على امتلاك القدرة.

وأياً تكن الحال، فمن الجلي أن الإسرائيلي قد يكون ناجحاً في أدائه المسرحي أو الفعلي إن أفلح في دفع الولايات المتحدة إلى تأدية هذه المهمة بدلاً عنه. وبكلمات أخرى النجاح الإسرائيلي يقاس بمقدار جر الإدارة الأمريكية إلى توجيه الضربة العسكرية لإيران. فأمريكا، وما تمتلكه من قدرات، تختلف عن إسرائيل وما تمتلكه من قدرات.

لذلك فإن الحديث الإسرائيلي عن الحرب، إما أنه تسخين لأمريكا للقيام بالمهمة أو جر لها لفعل ذلك أو أنه محاولة لخلق أجواء قد تقود إلى حرب أو قد تقنع الإيرانيين بالتراجع. وبعض "العقلاء" في إسرائيل يقولون انه إذا كان كل ما حول إسرائيل مضطرب فمن الجنون أن يلقي الكيان الصهيوني بنفسه في أتون الاضطراب.

وأخيراً ولمزيد من توضيح الصورة يهمنا هنا تثبيت اقتباس المعلق العسكري للقناة الثانية روني دانيال من كلام مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات من أمثال الجنرال (احتياط) اهارون زئيفي وبحسب رأيهم: صحيح أنه إذا لم تهاجم إسرائيل إيران فمن الجائز أن يكون لآيات الله قنبلة ذرية؛ لكن تحديداً إذا هاجمت إسرائيل فعلاً فإن إيران بالتأكيد ستغدو حينها دولة نووية. وبحسب هذا المنطق فإن القصف الإسرائيلي أو الغربي لأجهزة الطرد المركزي سيمنح الإيرانيين شرعية للتخلي عن معاهدة حظر نشر السلاح الذري وتُمهد طريقهم لإنتاج قنبلة ذرية على رؤوس الأشهاد.

اعلى الصفحة